انفتحت طاقة من التساؤلات والتعليقات والاتصالات عن طريق الهاتف والإيميل بل وخطابات وصلتنى وكنت أظن أن التراسل بالخطابات لإبداء الرأى أسلوب انتهى عمره الافتراضى مع وجود البريد الإلكترونى باعتباره أسهل وأسرع ويصل فى ثوان معدودة. فالملف الذى تم فتحه للنقاش على نطاق واسع فى العدد الأخير من صباح الخير تحت عنوان «زوجى لا تلمسنى» قد لمس أعصابا مكشوفة ووضع الكثير من الملح على جروح يريد أصحابها إبقاءها فى طى الكتمان دون إفصاح ويرون فى التغاضى عن التعرض لها بالمناقشة والتفسير حلا مأمون العواقب. بغض النظر عن الاتفاق بأن المكتوم فى البيوت المصرية بين الزوج والزوجة ولا تتم مناقشته بين شريكى الحياة العائلية يهدد استقرار الأسرة ويدفع فى النهاية لتصاعد داخلى مكتوم أيضا.. فتحدث مواجهات بشكل أو بآخر تكون نهايتها فى كل الأحوال واحدة وهى انهيار أسس الحياة الزوجية بالطلاق تراضيا أو فى أروقة محاكم الأسرة.. وفى هذا الإطار من الممكن التنبؤ بحجم التداعيات التى ستؤثر ليس فقط على الزوج والزوجة وإنما على الأبناء أيضا. وليس سرا أن العلاقة الحميمة «الجنس» بين الزوج والزوجة فضلا عن أنها من الغرائز البشرية الطبيعية التى لا يمكن حجبها عن السلوك الإنسانى، وفى بعض نظريات علم النفس هى المحرك الأول للسلوك الإنسانى فى أشكاله المتعددة. فإن انتظامها - العلاقة الحميمة - واتساقها بشكل طبيعى ودون أية منغصات أو مشكلات تعوق هذا التواصل الحميمى الإنسانى يضمن بشكل أو بآخر انسياب الحياة الزوجية منذ اللحظة الأولى للزواج فى يوميات حياة طبيعية هادئة لا تعرف مواجهات بين الزوجين تكون أسبابها مكتومة غير قابلة للإفصاح. خاصة مع طبيعة حقائق العصر واتساع دوائر الاتصال وامتداد التواصل إلى أبعاد غير محدودة وبأدوات أيضا غير محدودة.. فلم تعد وسائل إثارة الغرائز الجنسية بالأمر السرى الممتنع عن الوصول إلى الزوج أو الزوجة.. فهى متاحة ليس فقط على شاشات الفضائيات المشفرة أو غير المشفرة أو المكسور تشفيرها وإنما أيضا على شاشات أجهزة الكومبيوتر عن طريق «الإنترنت» وبعض المواقع الإلكترونية.. إن لم يكن عن طريق أجهزة المحمول أيضا. وأيضا لم يعد الحوار عن الجنس والعلاقات الحميمة مقصورا على مجموعة أصدقاء أو أقرباء وإنما هو متاح إلى أبعد الحدود أيضا على المدونات وموائد الحوار الإلكترونية بشكل أكثر صراحة وأعلى جراءة تدخل فى تفاصيل التفاصيل ولا تتطلب إلا ضغطة واحدة على «بورد» الكومبيوتر أو لمسة على «الماوس».. من المستحيل منعها ولا يمكن إبقاؤها فى طى الكتمان.. ولا يمكن حصرها فى سن معينة.. صغير أو كبير.. أو جنس محدد.. رجل أو امرأة.. أو حالة اجتماعية.. اعزب أو متزوج. مما يجعل امتناع الزوج والزوجة عن مناقشة علاقتهما الحميمة وما يطرأ عليها من مشاكل ومتاعب طى الكتمان من الأمور غير المتصورة.. خاصة أن النتائج معروفة مقدما فى حالات خيانة زوجية يتم اكتشافها مهما طال الزمن ومهما اجتهد طرف من الأطراف فى إبقائها سرا أو بنى حولها المزيد من الأسوار. خيانة زوجية تهدم كيان الأسرة التى تم بناؤها بين طرفين جمعهما حب وارتياح وتمازج إنسانى أدى إلى قرار اقتسام الحياة فى زواج يجمعهما إلى ما شاء الله.. ومعها يصاب الأبناء بما هو معروف من تأثيرات نفسية تلاحقهم فى حياتهم المستقبلية عندما يقررون الزواج. لا أقول إن عدم الانسياب الطبيعى فى العلاقة الحميمة بين الزوج والزوجة هو السبب الوحيد فى انهيار الحياة الزوجية فالأسباب متعددة وتحتاج إلى عشرات الصفحات من الشرح والتحليل.. ولكن ومن خلال ما تعرفنا عليه فى ملف «زوجى لا تلمسنى» وحجم ما وصلنا من تفاعل أزواج وزوجات نوعيا وكميا. نستطيع أن نقول إن معوقات هذا الانسياب الطبيعى فى العلاقة الحميمة بين الزوج الزوجة بجميع أشكاله وصوره وهى متعددة.. هى السبب الرئيسى فى الشروخ العميقة التى تصيب الحياة الزوجية وتدفع لانهيار هذا الكيان العائلى. فى نفس الوقت لا يمكن أن نتجاهل مقدار الثقافة الشخصية للزوج والزوجة عن العلاقات الحميمة بينهما.. والمفاهيم التى تعتبر الحديث عن الجنس بين الزوج والزوجة ومشاكله.. عيبا جسيما يناقض كل قواعد الأدب والتربية الحسنة.. بمعنى آخر «قلة أدب». ومن ثم.. فإن الحاجة لكسر حواجز الكتمان بين الزوج والزوجة أصبحت شديدة الإلحاح حرصا على «البيت والأسرة والعيال» وحماية لهم.. دون خجل ودون أسرار. وهذا لن يحدث إلا بالاعتراف بأهمية تدريس الثقافة الجنسية الصحيحة فى المناهج التعليمية من جانب وفى مراكز متخصصة من جانب آخر.. والأهم أن تنتقل بسلاسة من الآباء إلى الأبناء حتى لا تترك كل الأعصاب مكشوفة تنهار عند أول اختبار.. وملفنا «زوجى لا تلمسنى» لايزال مفتوحا.