مدبولى: مهتمون بمجال ريادة الأعمال لأهميته في تسريع النمو الاقتصادي وتحقيق رؤية 2030    القيادة المركزية الأمريكية: الحوثيون ضربوا بصاروخ ناقلة نفط ترفع علم بنما    مراسل "إكسترا نيوز": الاحتلال دمر 1400 منزل مزدحم بالسكان فى رفح الفلسطينية    مرموش يسجل وينهي موسم فرانكفورت بتعادل مع لايبزج.. وتوخيل يودع بايرن بخسارة برباعية    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    من هو أفضل كابتن للجولة الأخيرة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟.. الخبراء يجيبون    تعليم الدقهلية تكشف تفاصيل متابعة سير امتحانات الشهادة الإعدادية    كان مقدسًا عند الفراعنة.. عرض تمثال ل"طائر أبو المنجل" فى متحف شرم الشيخ (صور)    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    مواعيد القطارات المكيفة والروسى على خط القاهرة - الإسكندرية والعكس    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    الحكومة تعتزم تطوير فندق النيل "ريتزكارلتون" بميدان التحرير لزيادة العائد    كيف يمكن أن تساعد بذور الحلبة فى إدارة مستويات السكر بالدم؟    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    بالفستان الأحمر.. هانا الزاهد وعبير صبري في زفاف ريم سامي | فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنت هناك وغادرت
نشر في نقطة ضوء يوم 19 - 12 - 2009

لست من هؤلاء الأشخاص الذين يتكلمون (وأنبهر أنا) عن نشأتهم في عائلة تعشق الأدب وتراكم الكتب، ولست من هؤلاء الذين دفعتهم الصدف الحياتية الرائعة إلي الالتقاء بشخصيات غيرت مجري حياتهم، ولست من الذين عملوا في أماكن وفرت لهم رفاهية فكرية ما...لست من هؤلاء مطلقاً للأسف. أنا من هؤلاء وأنا من هؤلاء الذين يطلق عليهم «وش فقر»، فقد كانت نتيجة الثانوية العامة تؤهلني للالتحاق بالجامعة الأمريكية وكان المقابل المادي زهيداً، 100 جنيه علي ما أذكر. ولكنني رفضت، وأصررت علي الالتحاق بجامعة القاهرة. أحاول الآن أن أفهم أسباب رفضي ذلك ولا أجد أي تفسير سوي إنني «وش فقر»، لكنه الفقر الذي شرفني كثيراً وأسعدني،
فدائماً ما أجيب السؤال المعتاد «ومن أين حصلت علي الدكتوراه؟» بفخر شديد وأقول «من جامعة القاهرة». وفخري هذا له أسباب عديدة وكثيرة منها نفوري الشديد من التعالي الإنساني الذي أصبح السمة الغالبة لمجتمعنا الآن، حيث هناك «ناس فوق وناس تحت» طبقا للتعليم الذي تم الحصول عليه. لم يكن هناك أي شيء يؤهلني لدراسة الأدب سوي عشقي للقراءة، ومثل كل عاشقي القراءة كنت أقرأ كل ما تطاله يدي، بشكل عشوائي وبدون أي توجيه. وبشكل غريزي وقعت منذ زمن بعيد في حب الأدب العربي، وبذلت جهدا كبيرا للإلمام بمساراته المتشابكة والمتعددة والثرية. في غفلة من الزمن أدركت أنني كونت تراكما معرفيا وأدبيا يمكنني من الخوض في مجال النقد الأدبي، ومرة أخري بذلت مجهودا كبيرا لأعيد الإلمام بمصطلحات النقد الأدبي باللغة العربية لتكون في تواز مع الإنجليزية.
شببت عن الطوق كما يقال، وأنعم علي الزمن بالطرد من جنة كل مميزات وزارة الثقافة، وأقول إنها نعمة لأن هذا بالتحديد هو ما أكسبني قوة وصلابة. فالأمر ببساطة أنني لم أكن أسعي لأي شيء وبالتالي لم يسع لي أحد، فتمكنت بسهولة وسلاسة من تكوين آرائي النقدية بعيدا عن أي حسابات ومصالح. هكذا يكون الطرد نعمة حقيقية، وهي النعمة التي جعلتني لا منتمية لأي مجموعة، ولا مراعية لصراعات مهولة، ولا مصدقة آلاف الشائعات، وبالتالي مسببة الغضب للعديد من الآخرين، وكانت النعمة الأخري أنني لم أكن علي دراية بأي تعقيدات أو تشابكات، حتي إنني كثيرا ما ارتكبت حماقات (ليس من وجهة نظري) بسبب عدم الخوض في علاقات الحب والكره. ثم إن هذا الطرد لم يكن منغصا بأي شكل لأنني حصلت علي عدة منح دراسية (بوصفي أكاديمية جامعية) وكانت بالتأكيد مفيدة لي كثيرا وساهمت في تطوير الأفق النقدي.
وهنا يمكنني الدخول مباشرة في موضوع الساعة وهو لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية. أعرف جيدا معني وقيمة جائزة البوكر، ودائما ما أتابع الروايات الحاصلة عليها وأسعي لشرائها عن طريق الإنترنت أو عن طريق الأصدقاء الذين يكونون بحكم عملهم في لندن، وأذكر أنه منذ عامين طلبت من عزت القمحاوي أن يحضر لي رواية آن انرايت «التجمع» ورفض أن يتقاضي ثمنها وقال «لم يعد هناك من يقرأ هذه الأيام»، فكانت الرواية هديته علي سبيل التحية. ثم كان بعد ذلك إنشاء البوكر في العالم العربي ولن أعيد تفاصيل الجائزة أو ما أحيطت به من أقاويل لأن القارئ يعرف كل ذلك حتما. لكن الأكيد في كل ذلك أن البوكر حققت انتعاشا في «سوق» الأدب العربي سواء من ناحية أرقام المبيعات أو الترجمة. ولا أنكر أنني استمتعت كثيرا بالتعرف علي العديد من الأسماء الإبداعية بسبب البوكر العربية. ولذلك عندما تلقيت علي البريد الإلكتروني خطاب الدعوة للمشاركة في لجنة التحكيم لهذا العام- وهي الدورة الثالثة- كنت حقا سعيدة، وأدركت أن المجهود الذي بذلته علي مدار الزمن في القراءة والدراسة لم يذهب سدي. كنت فعليا سعيدة ولكن في نفس الوقت توترت كثيرا أيضا، فلست غافلة عن الكم الهائل من اللغط والغضب تجاه الجوائز العربية، وأسمع عنها ما يصل إلي أن يصبح أساطير، وفي نفس الوقت لا يمكنني تحديد مدي دقة اللغط، فالأمر لا يخلو من عداوات شخصية ومصالح وطموحات ومؤامرات ومكائد وشائعات. ثم إن هناك الكثير من المشتركين في هذه الجوائز بوصفهم قائمين عليها أو مشاركين في لجان التحكيم، من لديهم مناصب أو منابر ثقافية، وبالتالي تمر الأشياء مقابل أشياء أخري. كان السؤال: أين أنا من كل ذلك؟ لا منصب ولا منبر ولا إمكانية لدَّي لبذل وعود أو رغبة عندي في التورط في قصص طالما كنت أسمعها من بعيد. ليس لي في كل هذه المنظومة سوي اسم صنعته بشق الأنفس، فقد كان عليَّ طوال الوقت أن أثبت في مجتمعنا أنني لست الدمية الغبية المتسمة بصفات بورجوازية، فكانت النتيجة أنني اضطررت لبذل مجهود مضاعف لم أكن مضطرة له، لكنها النعمة مرة أخري، فقد دربت نفسي علي أن كل ما يبدو سلبيا لابد أن ينطوي علي شيء إيجابي. قررت أن أخوض التجربة، فمن واجبي أن أشتبك مع الأمر العام ولن أحرم نفسي من ذلك بسبب هواجس أو مخاوف افتراضية. كما أن الدورتين السابقتين للبوكر ضمت أسماء بديعة في لجان التحكيم مثل فيصل دراج ومحمد برادة ويمني العيد.
كان الضغط مهولا، فقد تسلمت الكتب (115 رواية) وكان لابد أن أقرأ هذا الكم بأكمله في مدة وجيزة، ولم أفزع من ذلك لأنني كنت أعرف أنني مادمت قبلت العمل فلابد أن أنجزه، وسيكون ذلك علي حساب أولويات أخري، وهو ما حدث. لكنني في الوقت ذاته وجدت ما هو إيجابي، فما كان يمكن أن ألم بشبه بانوراما للرواية العربية هذا العام لو لم أكن قد قبلت العمل. ثم كان اللقاء الأول بأعضاء لجنة التحكيم، وقد سعدت كثيرا بالتعرف عليهم وإن كنت أعرف معظمهم من قبل. وفي اللقاء الثاني ببيروت وهو اللقاء الذي يعلن فيه عن الأسماء وتعلن القائمة القصيرة في مؤتمر صحفي انسحبت من اللجنة بأكملها، وأعلنت ذلك. عند هذه النقطة لابد أن أوضح للقارئ وللصحفيين كافة الخطاب الذي سأتبناه في الحديث وهو ما قد يكون محبطا ومملا من وجهة نظر الكثيرين. فأنا لن أتكلم عن الأشخاص، ولن أفصح عن عدد الأصوات التي حصلت عليها هذه الرواية أو تلك، ولن أعلن من كان ضد هذه الرواية ومن كان معها، فهذه المداولات يجب أن تبقي سرية داخلية، وانسحابي لا يعني مطلقا كشف كل ما كان يدور لأنني في هذه الحالة أحول الموضوع بأكمله إلي خلاف شخصي وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة، كما أنني أعيد فعل ما أنتقده في الآخرين، وفي نفس الوقت لا أرغب في تحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية لانسحابي، وهي أسباب مهنية مباشرة. وعليه فإن أي شائعات (وحتما سيكون هناك الكثير منها) لست أنا مصدرها. وذكر الشائعات، أذكر أنه بعد انسحابي بسويعات وكنت لا أزال في بيروت، أخبرني أحد الصحفيين أن الشائعة المنتشرة هي أنني اعترضت علي القائمة القصيرة، لغياب رواية علوية صبح عنها (وهو ما يؤكده الآن أعضاء لجنة التحكيم وبعض أعضاء مجلس الأمناء)، فطلب مني التوقيع علي القائمة ثم الانسحاب مقابل الحصول علي المكافأة المتفق عليها (رقم به أربعة أصفار).
حسنا، لم يجبرني أي شخص علي التوقيع بل فعلت ذلك بإرادتي، ولم يطلب مني أحد الانسحاب بل كان قراري الكامل، ولم ولن أحصل عل المكافأة لأنني ببساطة ومن وجهة نظر مهنية لم أنه العمل المتفق عليه. أما اختزال الأمر كله في مسألة غياب رواية الكاتبة اللبنانية علوية صبح عن القائمة فهذا تشويه للواقع واستنتاج سهل يلبي رغبة الكثيرين في إثبات وجود مؤامرات، وهنا لابد أن أعتب علي الأستاذة إسراء عبد التواب التي كتبت خبرا عن انسحابي بسبب استبعاد رواية علوية صبح، وذلك بالرغم من أنها اتصلت بي في بيروت وقلت لها إنني لا أستطيع الحديث الآن، وفوجئت بالخبر الآن وقبل أن أبدأ الكتابة. الأمر واضح وقطعي بالنسبة لي، فحتي لو كانت رواية «اسمه الغرام» دخلت القائمة القصيرة كنت أيضا سأنسحب. عموما في وسط كل هذا الضجيج لا يضيرني أن أؤكد أن رواية علوية صبح كانت تستحق أن تكون في القائمة القصيرة، فالحقيقة أنه ليس علي رأسي أي بطحة أعاني منها، وأن أعمال أخري كان يجب أن تغيب عن القائمة، وكل ذلك لأسباب نقدية بحتة سأتناولها تفصيلا في مكانها. يبقي السؤال: لماذا انسحبت ولماذا وقعت؟ لابد أن أكون واضحة للغاية عند هذه النقطة. أولا: لست معترضة علي كل الروايات التي ظهرت في القائمة القصيرة، بل إن بعضها هي أعمال بديعة تستحق أن تصل لهذا المكان. ثانيا: اعتراضي الأساسي إذن هو الآلية التي تم استخدامها للوصول إلي هذه القائمة. ثالثا: إن هذه الآلية هي أقصي إمكانيات أعضاء اللجنة (ولن أسمي أشخاصا) وليس في الإمكان أبدع مما كان.
بدأ اجتماع اللجنة في الحادية عشرة صباحا يوم 14 ديسمبر وانتهي في السابعة مساء، وتخلل ذلك راحة لتناول الغداء ثم راحة قصيرة لتقليل التوتر. منذ بداية الاجتماع وحتي نهايته اعُتمد مبدأ التصويت لاختيار القائمة القصيرة، وقد أخذ هذا التصويت كل الأشكال الممكنة، ترتيب قائمة ال16، ترتيب تصاعدي، وتنازلي، تصويت علني وتصويت سري، تصويت علي روايتين أو ثلاث أو أربع.. إلخ. ثماني ساعات تحولت فيها الروايات إلي أرقام، لم يغير أحد الأرقام ولم يحدث أي شيء من هذا القبيل، الأرقام معلنة والجمع والطرح معلن، وهناك جمع يدوي بالإضافة إلي استخدام التكنولوجيا. وهنا أعلن احتجاجي، فهذه الآلية غير مقنعة بالنسبة لي مطلقا. لابد من نقاش «حر وموضوعي» كما جاء في كلمة المؤتمر الصحفي، كان النقاش مبتورا، سريعا، لاهثا، مشحونا بكمية هائلة من التوتر مع بعض المشادات الكلامية (سأكتفي بتسميتها هكذا الآن) التي تري أن الحديث النقدي حول رواية هو شيء يدعو إلي التساؤل والاندهاش والاستغراب، وهو تساؤل لابد أن أسميه باسمه: همز وغمز ولمز. رغم أن الاجتماع منوط به مناقشة كل رواية، ولم لا؟ لم أجئ من القاهرة إلي بيروت لأضع أرقاما، بل من حقي وفي ظل وجود لجنة تحكيم أن أستمع إلي آرائهم النقدية البعيدة عن «هذه الرواية أعجبتني، أو لم تعجبني تلك». من حقي عليهم أن أطور أفق النقاش، ومن حقي أن أعرف آراءهم، وإلا كان من الممكن أن أرسل الأرقام وأنا جالسة في منزلي. وبهذا تم وأد النقاش في بداية صعوده، كنت أريد أن يقنعني أحد نقديا لماذا حصلت الرواية الفلانية علي عدد كبير من الأصوات، وربما أقتنع وأرضي، هذا جائز ومشروع. لكن كان احتجاجي يقابل باختراع طريقة جديدة للتصويت الرقمي، مع التأكيد علي أن هذا هو صوت الأغلبية والتصويت هو تجليات الديمقراطية. ولماذا يجب أن تخنقني الديمقراطية طوال الوقت، إلا يكفيني أنني أسمع كلمة الديمقراطية في وسائل الإعلام طوال عمري. في الأوطان تفرض الديموقراطية بالسجون والمعتقلات، لكن لا أعتقد أنها تفرض هكذا في لجان التحكيم. وعندما احتدمت الأمور بشدة ورفضت المشاركة وغادرت القاعة وكل تلك الأشياء المعهودة للاحتجاج كان يتم تهدئة الموقف عبر إعادة التصويت!! فكان أن تغير شكل القائمة القصيرة عدة مرات، لأن الأرقام هي التي تحكم وليس النقاش النقدي المتخصص الهادئ. والدليل أن هناك روايات كانت قد غابت ثم عادت للظهور في القائمة النهائية التي نتجت عن تصويت جديد كان هدفه إقناعي برأي «الأغلبية» الذي تم الوصول له بشكل «ديمقراطي»، هذا مع التعجب مني لعدم احترامي لآراء الآخرين (الأغلبية والديمقراطية).
السؤال الآن: لماذا لم يتم تفعيل المعايير النقدية التي كان رئيس اللجنة قد وضعها منذ عدة أشهر ووافقنا عليها وأضفنا وحذفنا وتراسلنا؟ بالمناسبة كانت تلك المعايير أمام الجميع ولم تستخدم، لأن الغلبة كانت للأرقام. لماذا تحول النقاش في خلال ثوان إلي مشادة كلامية لم يكن بها سوي الجانب الشخصي؟ والمفارقة الشديدة أن هذه المشادة نتجت عن دفاعي النقدي عن إحدي الروايات، وارتأي البعض أنني أفرض رأياً ما علي اللجنة، وعليَّ أن ألتزم بالتوجه الرقمي، صحيح أننا نعيش في عصر المعلومات الرقمي لكن أن يصل الأمر إلي تغليب الاستثناء (التصويت) وتهميش الأصل (النقاش) فهو من عجائب الزمن، أو لنقل من عجائب التحكيم. بالطبع هناك تفاصيل أخري كثيرة لن أتطرق إليها مطلقاً، لأنها تدخل في سرية المداولات، إلا إذا أراد أعضاء لجنة التحكيم ذلك. عموماً، أدي هذا التوتر الشديد إلي وأد إمكانية نقاش أي رواية، فالأمر أصبح محسوماً أن أي نقاش هو تعطيل لأعمال اللجنة التي تفضلت مشكورة بإعادة التصويت من أجلي!! كما أن أي إعادة لطرح الأعمال كان من وجهة نظر البعض «عدم احترام» للجهد المبذول في الاجتماع، هكذا وصلنا إلي دائرة جهنمية مفرغة نتج عنها القائمة القصيرة التي أعلنت يوم 15 ديسمبر صباحاً. فعلاً ليس في الإمكان أبدع مما كان، لم تتمكن هذه اللجنة من خوض نقاش نقدي علي أي من الروايات، وكل ما دفعت به لم يكن لديه أي رد نقدي، بل كان هناك الشخصي الذي يري أنه «رأي الأغلبية».
ولأنني لا أهدف إلي تحطيم الجائزة أو تشويهها ولأن هناك حقيقة من يرغب في ذلك لأسباب لا علاقة لي بها، ولأن الأمر بالنسبة لي ليس شخصياً (حتي لو حوله الآخرون إلي ذلك)، ولأنني لا أهدف إلي أي استعراض إعلامي زائف، ولأنني أحترم الوجود الإنساني لزملائي في لجنة التحكيم، ولأنني أدركت استحالة الوصول إلي أي آلية أخري (كان اليوم تقريباً في نهايته)، ولأنني أدركت إمكانيات اللجنة (وكان هذا أقصي ما لديها) فقد وقعت علي القائمة بعد أن أدركت العبثية الكاملة للموقف.
انتهي اليوم بعشاء مع أعضاء مجلس الأمناء (ليس جميعهم) وأعضاء لجنة التحكيم، وعدت إلي غرفتي في الفندق منهارة من التعب الجسدي والمعنوي، وكان الجميع كذلك فيما أظن. وبدأت أسترجع تفاصيل اليوم ولما وجدتها سخيفة طردتها كاملة، لكنني لم أستطع أن أفهم كيف يمكنني الدفاع عن حوالي 70 في المائة من هذه القائمة. ووجدت نفسي أعود لنقطة البداية، كل المعايير النقدية التي تمت بها الاختيارات غامضة تماماً، وليس لدي أي منطق نقدي للدفاع (المنطق الذي كان علي الآخرين أن يدفعوا به). وتساءلت كيف، علي سبيل المثال، يمكنني أن أدافع عن عمل روائي في القائمة يمدح في الشيخ زايد؟ راجع عزيزي القارئ رواية «السيدة من تل أبيب» بالتحديد صفحة رقم 236 هل كان يمكن أن أقبل عملاً روائياً يدافع عن أو يمدح في الرئيس مبارك؟ توالت الأمثلة في ذهني، الأمثلة التي لم يسمح التوتر بمناقشتها، والتي كان الوقت سيفاً مسلطا عليها، وعندها أيقنت أنني في اختبار صعب، وعلي أن أختار الآن وإلا سأتحمل المسئولية إلي الأبد. وبالفعل اخترت هذا الانسحاب، وقبل انعقاد المؤتمر الصحفي طلبت من السيد جوناثان تيلور- مدير أو رئيس البوكر الإنجليزية- الحديث علي انفراد، فقد أدرنا نقاشاً نقدياً ممتعاً أثناء العشاء. قدمت كل أسبابي الموضوعية للانسحاب وكان أولها وأهمها هو غياب النقاش النقدي المتخصص واعتراضي علي آلية التصويت الرقمي التي كانت مسيطرة علي الاجتماع. تفهم الرجل كلامي تماما، أو هكذا بدا الأمر، فقد كان بشكل عام مطمئناً لوجود توقيعي، وحاول إقناعي بالعدول عن رأيي والذهاب إلي المؤتمر الصحفي، إلا أنني تمسكت بقراري، وأكدت له أن هدفي ليس أي فرقعات إعلامية بقدر ما أهدف إلي الحفاظ علي سلامة رأيي النقدي (وهو ما سأكتبه تفصيلا مع كل تساؤلاتي في جريدة «أخبار الأدب»).
للأسف الشديد إنه بمجرد أن أعلنت انسحابي توالت إلي أسماعي العديد من القصص الخاصة بالدورة هذا العام، فحمدت الله أنني اتخذت قراري دون تأثير خارجي، وسعدت أكثر لأنه في حال ثبوت صحة ما سمعته فهذا يعني أنني اتخذت القرار الصحيح، وعموماً ستكشف الأيام عن صحة أو خطأ ما سمعته، ففي النهاية أنا لا أصدق كل ما أسمعه، أو لنقل إنني دربت نفسي بقسوة علي ذلك. أما عن الجدل الشديد القائم حول «استبعاد» رواية علوية صبح «اسمه الغرام»، وما إذا كان أعضاء اللجنة قد تأثروا بالهجوم الشديد في العديد من المقالات أم لا فهو ما سأدلي برأيي فيه كاملاً بعد أن تنتهي هذه الدورة تماما (التي لابد أن تكتمل)، ولن أزيد علي ذلك، لأن ما سمعته حول هذا الموضوع كان مرعباً. وبنهاية القصة التي حاولت فيها بقدر الإمكان أن أوضح أسباب انسحابي أؤكد أن وجود توقيعي علي القائمة لا يزعجني مطلقاً فهو ليس إلا توقيعاً شكلياً (كما أنه مخرج بليغ لأعضاء اللجنة في الإجابة عن الأسئلة)، بالإضافة إلي فكرة عدم رفضي لثلاثين بالمائة مما هو في القائمة. إلا أن هذا التوقيع في حد ذاته لا معني له، بل فقد قيمته تماماً بعد أن أوضحت أسبابي، والأهم أنني كنت أعلن انسحابي وأنا أعي تماماً أنني أرفض المبلغ التالي: عشرة آلاف دولار. هكذا هي دائماً نهايات الأعوام، صادمة وكاشفة ومؤكدة أنه بالرغم من كوني «وش فقر» لا أزال أحلم بأنه بالتأكيد هناك الأبدع والأجمل
* ناقدة مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.