حديد عز يسجل ارتفاعًا جديدًا.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة دريمز الغاني    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاء الأسواني يفتح النار علي الغرب والاستشراق والمثقفين الخونة:مصر علي دكة الاحتياطي
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 08 - 2010

دائرة المستشرقين الجهنمية حصرت الأدب المصري في خانة الفولكلور وهؤلاء فقط أفلتوا منها
ريشار جاكمون قال لي إنه نادراً ما يتحمس لترجمة الأعمال العربية وطلب مني تغيير نهاية الرواية
حينما رفضت انفعل وسألني: »هل تكتب أعمالاً مقدسة«؟!
هذا الرجل لم يكن معنياً بالأدب وكان مكلفاً من حكومته بتنفيذ أجندة خاصة، وأحرجته في السوربون
ينتظر الدكتور علاء الاسواني خلال الفترة القادمة صدور كتابه الجديد "مصر علي دكة الاحتياطي". الكتاب يضم مقالات للأسواني كتبها خلال عام ونصف، وفيها يسرّب أراءه في الواقع ولكن بأسلوب قصصي فانتازي.
الكتاب كان مناسبة للحوار مع الأسواني، ولكن هناك قضايا أخري كان لا بد من فتحها مع صاحب الرواية الأنجح في تاريخ الأدب المصري الحديث "عمارة يعقوبيان". قضايا تتعلّق بمقروئية الأدب المصري بعد هذه الرواية، وخديعة الترجمة.
الأسواني الذي تمت ترجمة أعماله إلي تسع وعشرين لغة سيتحدث عن الدائرة الجهنمية للمستشرقين. هؤلاء الذين ضيّقوا الخناق علي الأدب المصري والعربي وحصروه في خانة الفولكلور، وسيقول صراحة من هم الذين استطاعوا الإفلات من هذه الدائرة؟!
في هذا الحوار يسرد الأسواني للمرة الأولي ذكريات خلاف قديم مع الناقد الفرنسي ريشار جاكمون. هذا الخلاف يري الأسواني أنه السبب في كل هجوم ريشار علي أعماله، كما يسرد قصصاً شديدة الدلالة علي الطريقة التي يفكّر بها الغربيون في الأدب العربي.
بدأت من مناسبة قرب صدور كتابه الجديد. وسألته: هل تتعامل مع مقالاتك بنفس درجة الأهمية التي تتعامل بها مع أعمالك الإبداعية؟!
أتعامل مع مقالاتي كأنها قصص قصيرة، أسعي ألا أكتب المقال السياسي المباشر. عندما أكتب المقالة أستدعي أدواتي الكتابية. بعض المقالات أعتبرها أعمالاً أدبية متخيّلة، فانتازيا. أنا أديب حتي وأنا أكتب المقالات، وفخور برد فعل المقالات في الصحافة العالمية. طوال الوقت تأتيني إيميلات ومكالمات هاتفية من السودان ولبنان والأردن ومن جزائريين في فرنسا، وغيرهم من العرب في مختلف البلدان الأوروبية. هذا هو التقدير الحقيقي للكتابة، التقدير الذي يجعلك متأكداً من أنّ مجهودك لا يضيع سدي.
الكتاب الجديد »مصر علي دكة الاحتياطي« سيصدر بالعربية والإنجليزية. عندي وكيل أدبي في نيويورك، وهو نفس وكيل كتّاب كبار أمثال أورهان باموق، وسلمان رشدي، وآتشيبي. هذا الوكيل يعمل علي ترجمة مقالاتي في اليوم التالي لنشرها مباشرة، ثم يقوم بإرسالها إلي الصحافة العالمية، وقد نشرت 70 بالمائة من هذه المقالات في كبري الصحف، لوموند، دير شبيجل، الجارديان، إنترناسيونالي، وغيرها.
هل تري أن نجاح رواية "عمارة يعقوبيان" أسهم في ازدياد الإقبال علي قراءة الأدب؟!
قد تكون الرواية أسهمت في ازدياد المقروئية، ولكن الأهم بالنسبة لي أن نري المجتمع ككائن حي، لا مجموعة من الظواهر المنفصلة. لو أننا فعلنا ذلك سنجد أن المجتمع تغيّر. هناك حركة تغيُّر كبري تحدث في الشارع السياسي. احتجاجات مباشرة، ومطالب بالتغيير، لم يكن أحد يتخيل أنّ هذا يمكنُ أن يحدُث منذ عشر سنوات.. والفضل لجيل جديد من الشبان لهم وسائل إعلان مستقلة علي الإنترنت، وأيضاً لإحساس الإنسان المصري بأنه لا بد من تغيير حقيقي، فالحياة أصبحت شبه مستحيلة. كل هذا وعوامل أخري هو ما أعلي مستوي القراءة، كما أن عودة الناس إلي الكتاب أمر طبيعي لأنّ مصر أنجبت معظم الأدباء المهمين في العصر الحديث. لا يمكن لمصر أن تنجب أدباء كباراً بدون أن يكون فيها قرّاء كبار. في الثمانينيات والتسعينيات كانت الأزمة في كل المجالات بما فيها سوق الكتاب والمسرح والسينما، والسبب حالة من الإحباط التي جعلت المصريين مذعنين جداً. ولحسن الحظ أنّ مصر عبرت هذه الفترة المظلمة وعادت إلي حالتها الصحية الطبيعية.
وهل تري أنك حققت نقلة نوعية للأدب العربي في الخارج من خلال تصدر أعمالك قوائم الأكثر مبيعاً وحصدها لعدد كبير من الجوائز؟!
أنا فخور جداً بما أنجزته في الخارج، ليس لي ولا للأدب المصري، ولكن للأدب العربي عموماً. النجاح أكبر من "عمارة يعقوبيان" لقد نجحت في شيء آخر أعتقد أنه هو الإضافة الحقيقية. أنه لا يتم تقديمي في الغرب علي خلفية فولكلورية، نعم الأدب المصري _للأسف الشديد- كان يتم تقديمه علي هذه الخلفية، فالجمهور الغربي كان يقرأ كتّابه المفضلين من أنحاء العالم ثم يذهب إلي دار نشر صغيرة ليبحث عن هذه الصيغة الفولكلورية، تماماً كما تقدّمها له فرقة للتنورة. لقد قلل هذا من فرص الأدب العربي في الخارج وتقديمه للقارئ بشكل طبيعي.
الآن أنا فخور بأنه يتم تقديمي كروائي علي قدم المساواة من ناحية التقدير والنجاح بروائيين كبار، وقد حدث أنني مصري، جنسيتي العربية لا تفرق في هذه الحالة، بمعني أنهم لا يبحثون عن الفولكلور من خلف أعمالي، هذا هو الإنجاز الحقيقي، وماعدا ذلك ليس إنجازاً، أصبحت مثلي مثل أي روائي فرنسي أو إيطالي، وفكرة أنني مصري لا يغيّر شيئاً في الأمر. هذه هي البداية الحقيقية، أن يتم تقديمك بشكل جيد لدي القراء والنقاد ودور النشر الكبري.
هل يمكن القول.. أنك فتحت الباب أمام آخرين لتتم ترجمتهم في الخارج؟!
بعد نجاح أعمالي طلبت إليّ دور نشر كبري أن أرشّح لها أعمالاً أراها جيدة، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلي أنّ نشر الأدب العربي ظل لزمن طويل يتم في النطاق الأكاديمي، في الأغلب داخل الأقسام المتخصصة في الأدب العربي ، وهكذا كان خارج دائرة النشر الحقيقية للأدب. من هنا لا بد أن نغيّر مفهومنا عن الترجمة، فمن الممكن أن يتم ترجمتك بواسطة مستشرق، وينتهي الأمر بطباعة ألف نسخة من عملك، ويتم إيداعها في قسم أو اثنين من أقسام الأدب العربي، ولكنك ستظل _كما قلت- خارج دائرة النشر الحقيقية، ولا يعرف القارئ عنك شيئاً!
في إيطاليا هناك دارا نشر أو ثلاث لو أنه تم النشر لك خارجها فأنت غير موجود أصلاً، وأنا الآن تتم ترجمتي عبر هذه الدور الكبري مثل أي كاتب إيطالي، وكل هذا فتح الباب لمن هم بعدي.
ما المشاكل المترتبة إلي النظر للأدب العربي من منظور الفولكلور؟!
حينما يتم تقديم الأدب العربي علي خلفية فولكلورية نصبح أمام أمرين، الأول أن الموضوع أهم من الفن، وبالتالي لو أنني كتبت رواية بطلتها سيدة فرنسية جاءت إلي مصر واستقرت بها وتزوجت بشخص مصري أجبرها علي الاختتان، ثم ماتت بسبب النزيف فإن هذه الرواية ستتم ترجمتها فوراً، لماذا؟! لأنها ستمثّل صكّاً بأننا متخلفون، فقد قطعنا بظر السيدة الراقية وقتلناها، في هذه الحالة الأدب ليس مهماً علي الإطلاق..
الأمر الآخر أنك ستظلّ كروائي في دائرة المهتمين بالثقافة العربية كفولكلور لا كفن، وارتباطاً بهذا لم يعد خافياً أنّ هناك متعهداً لكل بلد، أقصد مستشرقاً يذهب إلي دولة ما ولتكن مصر، ويبحث عن الكتب التي تحقق رغبته، كتب الفولكلور، وفي الأغلب تظل ترجماته ضيّقة لا تخرج لدور النشر الكبري، وللصدق فإن الدور الكبري لا تهتم بمعايير المستشرقين، ولا تعنيها قصص الختان، وإنما ترسّخ لمعايير أدبية حقيقية إذا لم تتوفر فإنها تُحجم عن نشر العمل.
يضحك مضيفاً: كنت في إيطاليا أتناول العشاء مع مسئول أدبي بصحيفة إيطالية كبري كتب مقالة ممتازة عن "عمارة يعقوبيان"، وكانت بصحبتنا مستشرقة، وفجأة سألته:
-لماذا لا تشجّع الأدب العربي؟!
ورد عليها قائلاً باندهاش: ولماذا أشجّع الأدب العربي؟!
وسألته مجدداً: وهل أنت ضد الأدب العربي؟!
وقال: لست ضد الأدب العربي ولا معه، أنا مع الفن، لو أنّ لديك رواية جميلة أرسليها إليّ وأنا سأكتب عنها فوراً سواء كان من كتبها عربي أو هندي، هذا لا يفرق معي!!
إلي أي جيل تنتمي؟ وهل تشغلك هذه الفكرة أساساً؟!
نحن نسيء استعمال مصطلح الجيل، فهناك فارق بين الجيلين: الزمني والأدبي، الجيل الزمني يتشكل كل عشر سنوات، أما الجيل الأدبي فمشروع ليست له علاقة بالسن، وأضرب مثالاً في هذا الإطار بجيل 27 في الأدب الإسباني، شكّل هذا الجيل مجموعة من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين متفاوتي الأعمار، كانوا يهدفون إلي تغيير وجه الأدب الإسباني.
الجيل الأدبي إذن هو مشروع أدبي له ملامح واحدة، يشترك فيه الصغير والكبير، ولو أنك طبّقت هذا المعيار علي الرواية العربية فإنك لن تجد جيلاً ينطبق عليه سوي جيل الستينيات، كان لهذا الجيل مشروع وهدف واحد، وقد حدث أن أعمار أبناء هذا الجيل متقاربة، وقد خرجوا في نور شمسين كبيرتين، أقصد نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وكانت هناك أحداث وتغيّرات سياسية انتهت بنكسة 67، هذه الأحداث كوّنت ملامحهم، وهم بالمناسبة ليسوا علي نفس القدر من الموهبة..
نجيب محفوظ لا ينتمي إلي أي جيل وأنا مثله، لا أعتقد أنني أنتمي إلي جيل أدبي بالمعني الذي شرحته، ولو كان ثمة مشروع يربطني بآخرين كنت سأنتمي إليه!
البعض يري أنك تعتمد علي نجاح "عمارة يعقوبيان" في بيع أعمالك اللاحقة. ما رأيك؟!
كما أنّ لديّ تقديراً ومحبة من ملايين الناس، محبة تلخصها تسع وعشرون لغة تمت ترجمة أعمالي إليها، وثماني وسبعون طبعة، أقول: كما أنّ لديّ هذه المحبة علي مستوي الجمهور والنقاد فإنني أتفهم جيداً المشاعر السلبية. كانت هذه المشاعر تؤذيني في البداية حتي اعتدتها وتأقلمت معها وأصبحت لا أعيرها انتباهاً..
والغريب أنّ هذه المشاعر السلبية تخرج في شكل اتهامات متناقضة، وسأشرح لك ما أقصده. المفروض أنّ النجاح الكبير لا يساعدك بل إنه يجعلك في مواجهة أزمة، لسبب بسيط، أنّ العمل حينما ينجح فإنه يُعلي من مستوي تطلّعات النقاد والقرّاء، وبالتالي تتم محاكمتك من نقطة عالية جداً في العمل التالي. وفي الأغلب أنت تكون في مواجهة سؤال: كيف تتجاوز النجاح الكبير نفسياً وعملياً؟! وبالتالي فإن من لم يستطيعوا تجاوز النجاح هبطوا هبوطاً سريعاً جداً، وأضرب مثالاً بإيزابيل أليندي التي تهبط منذ ذهابها إلي الولايات المتحدة الأمريكية، وأنا أعلم من مسئولي دور النشر التي نتعامل معها أنا وإيزابيل أنّ هناك أزمة حقيقية تواجهها، فقد هبط مستواها ولم يعد القرّاء يقبلون علي أعمالها كما كان في السابق!
وما رأيك في تفسير ريشار جاكمون لنجاح هذه الرواية بفرنسا بأن القارئ وجد فيها حنيناً لعصر الاستعمار؟!
بيني وبين ريشار جاكمون مشاكل كبري، وكنت أتمني أن يتمتع بالإنصاف ويعلن هذه المشاكل.
لقد حدثت مواجهة في السوربون الصيف الماضي بيننا واتهمته خلالها بأنه ينفّذ أجندة سياسية محددة ولا يعتني بالفن إطلاقاً، وذكّرته بواقعة حدثت معي، وهذه الواقعة أسردها للمرة الأولي في الصحافة. ريشار جاكمون كان مسئول الترجمة في المركز الفرنسي 5 شارع الفواكه بالمهندسين خلال التسعينيات، وأذكر العنوان هنا رغبة في سرد كل التفاصيل لأنه أنكر الواقعة من أساسها. أرسلت لجاكمون أول عمل لي بعنوان "أوراق عصام عبد العاطي"، ووجدته يتحدّث عنها في صفحة الأدب بجريدة الأخبار قائلاً إنه صادف كاتباً مصرياً موهوباً هو علاء الأسواني، ولم يستطع النوم قبل أن يكمل عمله الفذ "أوراق عصام عبد العاطي" (في هذا العمل أستخدم صيغة المتكلم، والشخص الرئيسي في العمل "عصام عبد العاطي" يهاجم الثقافة العربية ومصر والمصريين، ونكتشف عبر توالي الأحداث أنه مضطرب نفسياً وينتهي به الأمر في مصحة للعلاج النفسي).
المهم أنني ذهبت إلي جاكمون بالمركز الفرنسي لأشكره علي كلامه مصطحباً معي عدداً آخر من النسخ، وإذا به يقول لي: "نحن نترجم أعمالاً قليلة جداً"، وأثني عليّ بلقب "كاتب كبير" وقال إنه سيترجم العمل، ولكن بشرط واحد. سألته: ما الشرط؟! فقال: أن يتم تغيير نهاية الرواية بحيث لا يصبح البطل مجنوناً.
وعدت لسؤاله باندهاش كبير: "بتتكلم جد ولا بتهزر؟!" وبدأ يتعصّب وقال بحدّة: "هو أنت بتكتب أعمالاً مقدسة؟!".
قلت له: لو أن الرجل ما أصبح مجنوناً فإن معني كل هجومه علي الثقافة العربية والمصريين ووصفهم بالعبيد سيكون موضوعياً لأنه خارج من شخص سليم وموضوعي!
وقال لي: "وفيها إيه يعني؟!".
وقلت له: لو أنك تريد رواية بهذا المعني فلتكتبها أنت!
وسألني: أهذا رأيك النهائي؟!
وأجبته: نعم، وأخذت النسخ التي أحضرتها معي وغادرت!
المهم كان هناك أسبوع للاحتفال بشخصي المتواضع في السوربون، كنت فخوراً بهذا الأمر، أن هؤلاء الأساتذة المهمين يجتمعون ليدرسوا ما الذي صنعته في الأدب العربي. وجدت ريشار هناك، وبدأ يتحدّث بطريقة غير موضوعية، وهاجمني بعنف، وتحدّثتُ، وأكدت له أمامهم أنني سأذكر واقعة أتحدّاك أن تنكرها أو تنفيها، وبدأت أسرد الواقعة السابقة وسط صمت الأساتذة الذين بدوا وكأنّ علي رءوسهم الطير، ووصل الموضوع بسرعة إليهم لأنني أتحدّث الفرنسية بطلاقة.. وسألته في النهاية: "حصل ولا ماحصلش؟!" وردّ: أنا لا أتذكر!!
قلت لهم: هذا نموذج واضح لما يتم حيال الأدب العربي، هذا كان مسئول النشر بالمركز الفرنسي وهذه كانت طريقته في النشر، كان يريد موضوعات معيّنة، وإزاء هذا ألغي إحساسه وذائقته الفنية، وأقول علي مسئوليتي، كان ريشار جاكمون يلعب دوراً سياسياً في مصر والدور الذي لعبه لا علاقة له بالأدب من قريب أو من بعيد.
هل تتذكر رواية "الصقّار"؟ (الرواية للكاتب سمير غريب علي) لقد نشر ريشار تغطية لهذه الرواية في لوموند لمجرد أنّ بطل الرواية تطاول علي القران الكريم، وما فعله يدل علي طريقة تفكيره ومنهجه، هذا الرجل لا علاقة له بالأدب إطلاقاً، وقد ساندني أساتذة السوربون ضد ريشار، ولم يستطع النفي، وجاءني في "ريسيبشن" أقيم بعد الجلسة التي أتحدّث عنها وقال لي: أنا لا أتذكّر القصة التي حكيتها تماماً، وقلت له: نحن هكذا سندخل في نطاق العجائب، لو أنك لا تتذكر فأنت لست ريشار، وأنا لست علاء. وأكرر، أنا لا أعتبر جاكمون ناقداً أدبياً، ولكنه شخص جاء إلي مصر بتكليف سياسي، وبناء علي هذه التكليفات السياسية كان يقرر مهامه الأدبية!
لقد سألته مرة: لماذا لا تترجم أعمال بهاء طاهر؟ فقال لي:أنا لا أحب أعماله!
ويضيف: من أسباب الهجوم علي "عمارة يعقوبيان" في ألمانيا فكرة التعاطف مع الإرهابي، وهم يعتبرون أي حماس للأدب العربي عمل موجّه ضد إسرائيل، لقد قالوا إن الرواية ستجعلنا نتعاطف مع من سيقتلوننا.
الأدب وسيلة تعاطف لا وسيلة حكم، تعاطف حتي مع الذين يرتكبون الأخطاء. كان دستيوفسكي سجيناً في سيبريا عام 1849 مع القتلة واستطاع بعبقريته الفذة أن يخرج مناطق شديدة الإنسانية من هذه الشخصيات الإجرامية في عمله البديع "ذكريات من بيت الموتي". الأدب يجعلك تتعاطف قبل أن تحكم، وكلام ريشار جاكمون ليست له علاقة بهذا. كان مسئولاً سياسياً وتركت له الحكومة الفرنسية مهمة لتنفيذها أنا وهو والمقربون منه يعرفونها جيداً.
هل تحكم دائرة الاستشراق علي الأعمال الأدبية من منظور سياسي؟!
كنت في إحدي دول الشمال، وشاركت في أمسيات ثقافية ناجحة جداً حول "شيكاغو". جمعني لقاء بالناشرة وبمستشرقة. الأخيرة قالت لي: هل قرأت رواية كذا لفلان؟! قلت: نعم. سألتني: وما رأيك؟! أجبت: رواية جيدة.. هل قرأتيها؟! قالت: لا، ولكن سأترجمها لأن هناك أشخاصاً كثيرين أخبروني بأنها رواية جيدة، كما أنها تصف معاناة الأقباط داخل مصر! قلت: أنا قلت إنها رواية جيدة، ولكنها لا تتحدّث عن معاناة الأقباط، بالعكس.. الرواية تكشف عن تعايشهم مع المسلمين وتعرضهم لنفس المشكلات التي يعانونها.
سألتني: أليس كاتبها قبطياً؟! ثم طلبت مني رقم هاتفه.
رددت وأنا أفتح "الموبايل" لأمنحها الرقم: نعم، أعرفه، وأعرف أنه غيّر دينه، وعموماً سواء كان مسيحياً أو مسلماً هو شخص غير متديّن.
وحينما هممت بإعطائها الرقم وجدتها لا تريده وتخبرني أنها غيّرت رأيها بشأن ترجمة الرواية. لقد قررت هذه المستشرقة ترجمة عمل لم تقرأه لمجرد أنها سمعت أنه يتحدّث عن معاناة الأقباط، ثم قررت العدول عن قرارها لأن الرواية لا تتحدث عن هذا ولأن كاتبها أصبح مسلماً. هذه ليست شائعة وإنما واقعة حدثت معي بالفعل، وهي تكشف الدائرة الاستشراقية الجهنمية التي أفلت منها عدد قليل جداً، منهم نجيب محفوظ، جمال الغيطاني، ومحمود درويش، هذه بعض الأسماء، وهناك آخرون، وأنا عموماً فخور بأن ألحق بهذا الرجل، نجيب محفوظ.
وما تأثير هذه الدائرة علي الأدب العربي؟!
الأخطر أنك تصنع كتابة زائفة، هناك أشخاص يكتبون طبقاً للمعايير، والنجاح الحقيقي أن تفلت من هذه الدائرة الجهنمية الخانقة التي لا بد من مواجهتها، ومن يستحقون الإفلات كثيرون.
هناك مشكلة تأتي من بعض، أقول بعض العرب المسئولين في الغرب. مصر كبيرة جداً، والعلاقة بها إما حب شديد، أو فتور وضيق. هؤلاء الذين أقصدهم يضايقهم نجاح المصريين علي مستوي الترجمات والجوائز والمشاركة بالمؤتمرات، ويُخرجُ من داخلهم المشاعر السلبية، وبعضهم يسعي لتهميش حجم الأدب المصري وهو كبير جداً لأن مصر حجمها كبير. الأدب المصري يشكل ركيزة للأدب العربي والمفروض أنّ أي نجاح للمصريين يسعد العرب جميعاً.
ما أمراض الثقافة المصرية من وجهة نظرك؟!
يأتي علي رأس هذه الأمراض علاقة المثقفين بالنظام. نتيجة لسياسة وزارة الثقافة في إدخال المثقفين إلي الحظيرة نشأ نوع نادر من المثقفين، المثقف الذي يناضل في قضايا الأدب ولا يناضل في قضايا الواقع، مثقف يعمل مسيرة احتجاجاً علي دعوي مصادرة النسخة الأصلية لألف ليلة وليلة، ولكن عندما يتم يتم سحل المواطنين وتزوير الانتخابات لا تسمع له حسّاً من قريب أو بعيد. المثقف الذي يسكت علي حق الناس خائن، نحن جميعاً تعلمنا في الجامعة، كنت أدفع في العام التعليمي بكلية الطب 16 جنيهاً ونصف الجنيه. في الجامعات الخاصة أصبحت السنة التعليمية بخمسين ألف جنيه. الفارق دفعه المواطنون، وأنا حينما تكون لي كلمة مسموعة لماذا لا أتضامن مع من دفعوا لتعليمي ضد من يحاولون سلبهم حقوقهم؟!
للأسف نحن ننفرد بفكرة المثقف الذي يسعي في ركاب الدولة نهاراً، وليلاً يرفع صوته بالدفاع عن حرية التعبير، وقد كان موقف ماركيز من الانتفاضة الفلسطينية أقوي وأكبر من مواقف أدباء عرب كبار، لأن ماركيز يعي جيداً أنّ المثقف موقف.
وما تفسيرك لظاهرة التديّن الشكلاني التي أغرقت المجتمع المصري؟!
كان لدينا فهم خاص للإسلام أرساه المفكر الإصلاحي المستنير محمد عبده. لقد خلص العقل المصري من الخزعبلات وجعل من الدين حافزاً لا عبئاً، وبالتالي انطلقت مصر في القرن العشرين انطلاقة مدهشة، كانت لها الريادة في جميع المجالات، من أول طيّار مروراً بالمسرح والسينما والصحافة، حتي النابغون من العرب كانوا لا بد وأن يعبروا من خلالها. يعقوب صنوع، وجورجي زيدان وغيرهما.
الدين كان يعني الحق، العدل، المساواة، الحرية، الأمانة، ولكن منذ بداية الثمانينيات جاء فهم آخر يناهض فهمنا للدين، هو الفهم الوهابي الذي اختصر الدين في مجموعة من الإجراءات، أصبح عليك لكي تكون متديناً أن تقوم بمجموعة إجراءات، تشبه بالضبط إجراءات الإعلان عن تأسيس شركة تجارية، وأصبح ثمانون بالمائة من التوجّه الجديد خاص بجسد المرأة. الآن أصبحت بالمجتمع المصري معركتان، واحدة من أجل التغيير الديمقراطي، وأخري تدافع فيها مصر عن ثقافتها وفهمها المستنير للإسلام، وهي معركة ضارية، وأزعم أنه لولا أنّ الثقافة المصرية قديمة وراسخة لنجحت أموال النفط التي تروّج للمذهب الوهابي في جعل كل نساء مصر منتقبات!
أخيراً.. هل تكتب عملاً روائياً جديداً؟!
نعم، ولكنني أستغرق سنوات في كتابة الرواية. لقد رسخ مفهوم غريب عند بعض الكتّاب خاص بفكرة الكم إزاء الكيف، أنّ من كتب ثلاثين رواية أفضل من صاحب أربع روايات، وهو مفهوم لا يوجد بالعالم كله. أي كاتب كبير نادراً ما يتخطّي حاجز العشر روايات، من ماركيز إلي دستويفسكي إلي آخرين. كان محفوظ نموذجاً نادراً.
الرواية شيء ثمين وعزيز جداً، وأنت قد تكتب رواية فتغيّر وجه الأدب. فلوبير فعل هذا ب"مدام بوفاري". كتبها في خمسة أعوام من العمل المتواصل. ومارسيل بروست ب"البحث عن الزمن الضائع". استغرقت منه عشرين عاماً.
أتمني الاهتمام بالكيف لا الكم، الأدب العربي يستحق أن يكون أدباً عالمياً، عندنا مواهب كبري ولكن الأدب العالمي له معايير، القضية ليست مؤامرة بالكامل، وبالتالي من يكتب رواية _وأنا لا أقدّم نفسي نموذجاً- عليه أن يحتشد لهذه الرواية، ويقضي وقتاً طويلاً في البحث، حتي يحقق معياراً من معايير الأدب العالمي. هذا ما أسعي لنقله إلي الأدباء الشبان. أؤكد لهم أن فكرة إصدار أعمال صغيرة متلاحقة باعتبارها روايات فكرة غير مفيدة لا للأدب ولا للأديب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.