كلام الأسواني لم يرق للبعض، وكتب رءوف مسعد تعقيباً نشرته الجريدة ضد الأسواني، كما فتح الحوار نقاشات علي الإنترنت وبالأخص علي الفيسبوك ما بين مؤيد ومعارض لكلام صاحب "عمارة يعقوبيان".. وفي هذا العدد تنشر الجريدة تعقيبين يمثلان الاتجاهين،المعارض والمؤيد ،الأول لمني برنس، والثاني لحمدي عبد الرحيم.أتابع من حين لآخر بعض الحوارات التي يجريها صحفيون مختلفون مع أديبنا العالمي الكبير، رمز الثقافة و الأدب المصري المعاصر، الدكتور علاء الأسواني، الذي أوصل الأدب المصري و العربي الي العالمية و أخرجه من أدراج أقسام الأدب العربي بالجامعات الأجنبية الي كبريات المكتبات ليصبح متاحا للقارئ العادي. كما أتابع بعض المقالات التي يكتبها الدكتور الأسواني و التي تشدني موضوعاتها الحيوية و لغتها الرشيقة، و ان كنت أتحفظ كثيرا علي العبارة التي يذيل بها مقالاته " الديمقراطية هي الحل " التي أصبحت كليشيهاً رائجا ً من دون العمل به حتي علي أبسط المستويات. فالدكتور علاء الأسواني الذي تحول من كاتب و مناضل فكري الي داعية و مفتي في ذات الوقت يدعو و يبشر بالديمقراطية، لكنه لا يقبل باختلاف وجهات النظر، و ما أن يبدي شخص ما رأيا مخالفا لرأيه أو يناضل بطريقة مختلفة أو يعلن عن عدم اعجابه بأعماله " الأدبية " إلا و يشحذ الأسواني كافة أدواته للهجوم علي ذلك الشخص مصدرا أحكامه و فتاويه بجرأة و اقتناع تام لا يتمتع بهما الكثيرون، لكنها لا تختلف في مجملها عن الأحكام (الاتهامات) التقليدية بالخيانة و العمالة و التواطؤ و الأجندات الخفية...إلخ التي تذهب أدراج الريح مع الوقت. فالدكتور جابر عصفور كما جاء في حواره مع الصحفي هشام أصلان بجريدة الشروق عدد 32 ابريل 0102 كان " مشروع ناقد كبير ومناضل وطني من أجل العدالة، ... ولكن كيف انتهي؟. النتيجة أتركها للقارئ،" لكنه لا يتركها للقارئ، و يصدر حكمه، " فمن الواضح أنه لم ينته كما بدأ انتهي للأسف كحامل أختام لوزير الثقافة«، وأن ما يقوم به الدكتور جابر عصفور " بالتأكيد ليس دورا ثقافيا ". والمثال الأحدث علي الدور الجديد الذي يلعبه الأسواني و الذي يقترب كثيرا من لعبة التكفير ما وصف به المستعرب الأكاديمي و المترجم ريشار جاكمون، بأنه ليس " ناقدا أدبيا" و أنه جاء الي مصر ل " يلعب دوراً سياسياً في مصر والدور الذي لعبه لا علاقة له بالأدب من قريب أو من بعيد ." ( حوار مع الصحفي حسن عبد الموجود، أخبار الأدب 22 أغسطس 0102 ) ليصل الهجوم منتهاه بإشارة تكفيرية واضحة قائلا " لقد نشر ريشار تغطية لهذه الرواية (الصقار )في لوموند لمجرد أنّ بطل الرواية تطاول علي القران الكريم، وما فعله يدل علي طريقة تفكيره ومنهجه، هذا الرجل لا علاقة له بالأدب إطلاقاً.." و كان جاكمون قد أبدي رأيه في حوار سابق مع الصحفي سيد محمود لجريدة الأهرام 12 ابريل 0102 حول ظاهرة الأكثر مبيعا قائلا، أنها " ليست جديدة كما يتصور البعض فقد كانت معروفة منذ بداية القرن العشرين وحتي الآن، كما كانت الفجوة قائمة طوال الوقت بين الكتاب الطليعيين الذين يكتسبون قيمتهم من القدرة علي احداث ثورات أدبية علي المستوي الجمالي وبين هؤلاء الذين يحققون نجاحاً جماهيرياً وتجارياً ." و لم ينف جاكمون النجاح الجماهيري الذي حققته رواية الأسواني " عمارة يعقوبيان " و أرجع هذا النجاح الي أسباب أنا شخصيا أتفق معها، " علي الرغم من أنه خلق كتابة متقنة وبأسلوب احترافي ، لكنه لم يأت بجديد علي المستوي الجمالي وانما خلق "توليفة ذكية " للنجاح " تتجاوب مع توقعات القراء العاديين و تكمل ظواهر أخري موجودة في السرد التلفزيوني بحيث رأي هؤلاء القراء في أعماله "وسيلة مريحة " لابداء حقهم في النقد الاجتماعي والسياسي وبطريقة لم تتوافر في أعمال أخري " و أشار جاكمون، و أتفق معه مجددا، الي خطورة هذه النماذج، لأنها " تشوه المعايير الأدبية الفنية بحيث ينظر دائما الي درجة المقروئية كمعيار وحيد للقيمة وهذا ليس صحيحا دائما وطوال الوقت علينا الا نخضع لهذا الربط بين النجاح التجاري والقيمة الأدبية "، خاصة في ظل غياب المتابعات النقدية الأكاديمية و الأدبية لهذه الأعمال. و سوف أعود الي فكرة المقروئية لاحقا. ما الذي يفعله الدكتور علاء الأسواني؟ الدكتور جابر عصفور في غني عن دفاعي تماما، فله من مكانته الأكاديمية و الأدبية و الثقافية ما يدفع عنه الشبهات، و إن اختلفت أحيانا وجهات نظرينا حول الكثير من الشئون الثقافية . كذلك، لا يحتاج الدكتور ريشار جاكمون الي شهادتي حول مصداقيته و نزاهته الأكاديمية. فقط أود أن أشير الي واقعة تؤكد، من وجهة نظري، حيادية جاكمون. يشير الأسواني الي خصومة قديمة بينه و بين جاكمون تعود الي التسعينيات. و مع ذلك لم تمنع هذه الخصومة المزعومة ريشار جاكمون من أن يرشح نصا لعلاء الأسواني ( مقطع من رواية عمارة يعقوبيان) ليكون ضمن ملف عن الأدب المصري الحديث خاص لدورية La Pensee de Midi الفرنسية ( مارس 4002 )، و ذلك قبل أن تترجم الرواية بأكملها و تنشر في عام 6002، أي أن ريشار جاكمون هو الذي قدم الأسواني للقارئ الفرنسي. و قد ضم الملف حينها نماذج لكتابات مختلفة لنحو اثني عشر كاتبا و كاتبة من بينهم ابراهيم أصلان، خيري شلبي، منصورة عز الدين، مصطفي ذكري، و مني برنس، و آخرين. ثم رشح الدكتور جاكمون علاء الأسواني و علاء خالد و أنا للمشاركة في ندوتين عن الأدب العربي في مارسيليا و آكس ان بروفانس تزامنا مع صدور الدورية التي تحوي ملفا يضم نماذج من كتاباتنا، و كان ذلك في ابريل 4002. و قد قدمنا جاكمون ثلاثتنا تقديما جميلا في الندوة الأولي، أعقبها بدعوة لطيفة الي العشاء. ربما يتفق أو يختلف جاكمون مع كتابات البعض إلا أن الغالب عليه هو النزاهة الأكاديمية، التي يفتقرها الكثير، و التي جعلته يرشح ثلاثة كتاب يمثلون اتجاهات و تيارات مختلفة بغض النظر عن قناعاته الشخصية. تعرفت علي الدكتور علاء الأسواني في هذا السياق و كذلك الكاتب علاء خالد. كان النهار ملكنا لثلاثة أيام. فكنا نذهب الي المقاهي، و نتبادل الحديث عن الشئون العامة. كان علاء خالد جادا و مهموما حقا بقضايا الوطن مما كان يثير شجوني، أما علاء الأسواني كان حديثه الادعائي و أداؤه شبه الدرامي ( من وجهة نظري ) يجعلني أبتسم في داخلي، و كان يذكرني علي الفور بالداعية الذي صار نجما، عمرو خالد، لكنني فضلت الاحتفاظ بانطباعي لنفسي. ثم كانت الندوة الثانية. و للحق يتمتع الأسواني بحضور و كاريزما تجعل الجمهور ينصت اليه. و في هذا السياق كانت بوادر الشعور الطاغي بالنجاح و بالزهو قد بدأت في الظهور، فأشار الأسواني من ضمن ما أشار الي أن " عمارة يعقوبيان " قد طبعت إحدي عشرة مرة. و عندما جاء دوري للحديث، بدأت كلمتي بأنني لا أمتلك ذكاء و دبلوماسية و علاقات الأسواني و أنني لست محظوظة بالدرجة الكافية، فروايتي الأولي لم يطبع منها سوي طبعة واحدة و بأنني أقوم بتوزيع بعض نسخها مجانا. عندئذ تغير لون وجه الأسواني و انفعل انفعالا حادا واتهمني بأنني من أعداء النجاح و أن هذا لا يضايقه لأنه أمر طبيعي و لا يضيره في شئ. الموضوع و المقروئية و المبيعات كمعايير للقيمة الفنية لا ينبغي التعميم في هذه المسألة علي مستوي العالم. لكن في مصر حيث نسبة الأمية تخطت الخمسين بالمئة، و مبيعات الكتب التراثية و الدينية تخطت تلك النسبة أيضا، فعن أية مقروئية و أية مبيعات نتحدث، و أنا لا أنفيهما. يقول الأسواني في حواره بأخبار الأدب السابق ذكره، " لا يمكن لمصر أن تنجب أدباء كباراً بدون أن يكون فيها قرّاء كبار . في الثمانينيات والتسعينيات كانت الأزمة في كل المجالات بما فيها سوق الكتاب والمسرح والسينما، والسبب حالة من الإحباط التي جعلت المصريين مذعنين جداً . ولحسن الحظ أنّ مصر عبرت هذه الفترة المظلمة وعادت إلي حالتها الصحية الطبيعية ." أتفق طبعا مع الدكتور الأسواني في أن مصر تمر بأزمة كبيرة علي كافة المستويات منذ ما يزيد عن الثلاثة عقود، و أختلف معه بأن مصر عبرت تلك الأزمة. و من واقع عملي كأستاذة بجامعة مصرية، فأنا أعلم تماما نوعية الطلاب الذين يتخرجون، و الذين أكثريتهم لم يقرأوا خمسة كتب في حياتهم و نسبة كبيرة منهم لا يتقن كتابة جملة واحدة باللغة العربية. و عندما يتحدث الدكتور الأسواني عن مبيعاته و مقروئيته أجدني أتفق معه تماما فسهولة مقروئيته تتوافق تماما مع المستوي التعليمي المتدهور منذ أكثر من عقدين. و أغلب ظني، و قد أكون مخطئة بالطبع، أن جمهور القراءة الذي يشيد بسهولة قراءة أعمال الأسواني لم يقرأ و ربما لا يستطيع أن يقرأ أعمال نجيب محفوظ، طه حسين، العقاد، يحيي حقي، و غيرهم. ماذا عن الموضوع؟ عندما قرأت عمارة يعقوبيان، شعرت أنني أقرأ جورنال معارضة في صيغة سردية، مشوقة لا أنفي. لكن ماذا بعد؟ ما الاضافة التي أضافها الأسواني لي شخصيا كقارئة مدربة و مستديمة للأدب؟ لا شيئ. أتفهم بالطبع موقف القارئ العادي غير المعتاد علي قراءة الأعمال الأدبية المصرية و العالمية. ومن هنا لا تناقض بين الأكثر مبيعا و النجاح الجماهيري تماما مثل الأفلام التجارية ( في مصر) التي تحقق مبيعات هائلة لكنها لا تقدم لا قيمة فنية و لا رؤية جمالية، ولا بصيصا من الأمل. علي