لكل إنسان هواية، والهوايات أشكال وألوان، تبدأ من جمع الطوابع والعملات حتي لعب الطاولة والبلاي ستيشن وربما.. أقول ربما القراءة!! ومازلت اعتبر نفسي قارئاً محترفاً وكاتباً هاوياً مبتدئاً كما كان يقول أستاذنا كامل زهيري عن نفسه، ومن هواية القراءة تعلمت هواية أجمل وأمتع وهي هواية جمع المقالات ذات القيمة السياسية والتاريخية والاجتماعية والأدبية بل وحتي المقالات التي يظن البعض أنها تافهة وبلا قيمة. وكنت أقلب بالصدفة في أحد الملفات التي احتفظ فيها بهذه المقالات، فوجدت هذا المقال الرائع والغريب للأستاذ إحسان عبدالقدوس وعنوانه حب النفس هذا المقال تحس أن كاتبه محلل وطبيب نفسي بارع، وهي تلك الروشتة الطبية المفيدة التي يوجهها إلي قارئه. في هذا المقال الممتع كتب إحسان عبدالقدوس يقول: إن حب النفس لا يعني دائما الأنانية ولا يعني الفردية ولا يعني الانعزالية، إنك لن تستطيع أن تحب الناس إلا إذا أحببت نفسك أولا، لو كرهت نفسك أو لو سخطت علي نفسك فستكره الناس كلهم وتسخط علي الناس كلهم.. وحب الناس هو حب الحياة.. وقد خلق الله الحياة لنحيا ونسعد بها والذي يكره الحياة ويتمني الموت ليس زاهداً ولا يسعي للتقرب إلي الله ولكنه يتمرد علي الله.. ويكفر بنعمة الله.. وحب الحياة هو أن تحب كل الناس الذين يكونون الحياة أخيارهم وأشرارهم وفقراؤهم وأغنياؤهم.. وأذكياؤهم وأغبياؤهم.. وهو حب نفسك لأنك جزء من الحياة. إن الحب قوة.. والنفس التي تحب هي النفس القوية وصاحب النفس القوية لا يكره نفسه ولا يسخط عليها بل يعتز بها ويثق ويغامر بها ويحمد الله عليها. بعد هذه السطور الرائعة يدخل إحسان إلي صميم وجوهر الفكرة الرائعة فيقول: قلت هذا الكلام لنفسي وأنا أعاني أزمة نفسية أسميها أزمة ديسمبر في كل ديسمبر أصاب بهذه الأزمة.. أحس بشيء يكاد يخنقني وأحس كأني أنهرت.. انتهيت أحس بالسخط علي نفسي وكراهية نفسي وعدم الثقة في نفسي.. كأني فقدت كل أمالي ولم يعد لي باب الجأ إليه إلا باب الموت. ويتساءل إحسان: لماذا.. لماذا في ديسمبر بالذات؟! ويجيب قائلا: ربما لأن ديسمبر هو نهاية العام.. هو الشهر الذي أضع فيه ميزانية نفسي.. هل كسبت أم خسرت؟ هل فشلت أم نجحت؟ ماذا صنعت بهذا العام من عمري.. ماذا صنعت للناس ولنفسي؟ وأتلفت خلفي فلا أري إلا أخطائي.. وقد تكون أخطاء صغيرة ولكنها تبدو كبيرة كبيرة تنتصب أمامي كالأشباح المخيفة.. واتلفت خلفي فلا أري إلا أخطائي وقد تكون قصيرة كأني لم اتحرك كأني مازلت مكاني.. وأعود أنظر أمامي فأري الطريق لايزال طويلا طويلا مزروعا بالشوك تعترضه الصخور وكثيرون قد سبقوني فيه.. بعضهم وصل إلي القمة وبعضهم قريب من القمة.. وأنا لازلت مكاني وأصرخ: لماذا أعيش.. ما جدوي حياتي ما ذنبي لأولد.. لماذا خلقت؟! وأثور علي نفسي.. هذه النفس الضعيفة.. النفس القلقة الحائرة العاجزة.. وأكرهها أكره نفسي وأفقد الثقة فيها.. وعندما أكرهها تتزعزع ثقتي في الحب.. يخيل إلي أن الحب هو سبب ضعفي.. وأني أصفح عن الذين يؤذونني لأني ضعيف، لا لأني قوي يخيل إلي أن الحقد هو الذي يدفع إلي التقدم لا الحب ولا الصفح ولا التسامي.. وأن الشر هو سلاح الحياة لا الخير ولا التعفف.. وتشتد بي الأزمة وتمتد يد من صدري وتقبض علي حلقي، ويد أخري تخنق عقلي فأقضي ساعات طويلة وأنا اشبه بالمشلول.. لا أفكر ولا أعمل ولا أنطق ولا أنام، فقط أتعذب.. وتنتهي الأزمة فاسقط ضعيفا كأني مريض، ومن خلال ضعفي أعود وأحاسب نفسي مرة ثانية كأني أتشبث بالحياة وأتلمس لها الأسباب! وفي المحاسبة الثانية تتكشف لي أشياء لم أرها في المحاسبة الأولي.. إن حياتي ليست كلها أخطاء.. وأخطائي ليست كبيرة كما رأيتها لأول مرة وقد تقدمت في الطريق.. تقدمت كثيرا وفي خطوات واسعة والطريق أمامي قد يكون مزروعا بالشوك مليئا بالصخور ولكنه أسهل من الطريق الذي قطعته وأنا أسير فيه بحذاء متين يحمي قدمي، حذاء من تجاربي ومن مبادئي ولا أحد قد وصل إلي القمة قبلي.. إن الذين وصلوا إلي القمة لا يراهم أحد.. لأن القمم فوق السحاب، وهؤلاء الذين أمامي لايزالون يسيرون هم أيضا يسيرون مثلي لا أحد يتوقف عن السير، أن التوقف عن السير هو الموت أما الحياة فهي خطوات.. ليس في الحياة مكان للجلوس، ليس لها قمة تجلس عليها.. إن القمة وراء الحياة!! إن المحاسب المدقق هو الذي يراجع حسابه مرة واثنتين وثلاث مرات، وفي كل مرة قد يكتشف خطأ في الحساب وقد اكتشفت أني ظلمت نفسي في المحاسبة الأولي، إني لست ضعيفاً، ولست سييء الحظ ولست فاشلا وقد صنعت بحياتي ما قدمته للناس ولنفسي وهذه الليالي الطويلة التي قضيتها في مكتبي لم تضع عبثا فقد ساهمت في اسعاد الناس واسعاد نفسي.. وعدت أحب نفسي وأثق بها وأحمد الله عليها.. وعندما أحببت نفسي أحببت الحياة.. وأحببت مبادئي في الحياة.. وأحببت الحب.. إن الذين يؤمنون بالحب يؤمنون بالحياة ويؤمنون بأنفسهم. ويختتم إحسان عبدالقدوس هذه الروشتة الرائعة بقوله: إن الذين يدعون للحب يوفرون علي الناس وعلي أنفسهم عذاب الحقد وعذاب الكراهية، والذين يدعون للسلام يوفرون علي أنفسهم عذاب الحرب. أعزائي وأحبائي القراء جربوا روشتة إحسان عبدالقدوس ولن تندموا.