لا يشك أحد في أن رحيل د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر يمثل خسارة كبيرة، فقد فقدنا عالما مستنيرا أدي خدمات جليلة للإسلام، ومثل منهجه الذي اعتمد علي الوسطية والاعتدال رسالة لكل المتشددين، في حياة الراحل الكبير أسرار وأمور لم يعرفها إلا من اقترب منه وتعامل معه في البيت والعمل . صباح الخير تلقي الضوء علي نقاط مضيئة في حياة شيخ الأزهر الإنسان والعالم والمفكر طنطاوي الإنسان المستشار عمرو طنطاوي ابن فضيلة الإمام تحدث إلي صباح الخير وهو في طريقه إلي بلدة الإمام الراحل بمحافظة سوهاج لإقامة العزاء هناك بين أهل الإمام وأقاربه وعن الإنسان والأب د. سيد طنطاوي قال إن فضيلة الإمام كان حريصا علي الاستيقاظ قبل الفجر يوميا، ليؤدي صلاة الفجر وبعدها يجلس في مكتبه لقراءة القرآن، أو البحث في كتاب ما، ثم يكتب مقالاته التي يرسلها للصحف، أو الأبحاث التي كان يكتب فيها ثم يذهب إلي مكتبه في الثامنة صباحا وكان يباشر عمله بكل دقة، ولم يحصل علي إجازة في العشر سنوات الأخيرة، بل لا أذكر أنه حصل علي إجازة، ولو حدث ذلك فكان يقضي الإجازة في رحاب الكعبة لأداء العمرة . وأضاف عمرو أن جميع السفريات التي قام بها فضيلة الإمام كانت علي نفقته الخاصة، ونحن نسير علي نفس نهجه، ولم يستغل موارد الدولة، بل كان ذلك من المحظورات التي لا يجوز التفكير فيها، ولم نتمكن مرة ونحن ذاهبون إليه في المشيخة من إحضار سائق من سائقي الأزهر للذهاب بنا، بل لم نكن نستطيع طلب ذلك، وقال عمرو إن فضيلة الإمام كان يتعامل مع الجميع بمنتهي المودة والأدب والعلاقة بيننا كانت قوية، وكان خجولا جدا لدرجة عندما يكون في حاجة إلي شيء كان يطلبه مسبوقا بكلمة لو سمحت، وكان يرضي بالقليل، وطعامه كان بسيطا جدا، فعشاؤه كان فول نابت، وإفطاره كان طبق بليلة وكوب حليب، وكان لديه دور كامل عبارة عن مكتبة فيها شتي الكتب والمؤلفات . وأكد ابن الراحل لقد تعلمنا منه الأدب والأخلاق وحب العمل، وكان ينصحنا دائما بالذهاب المبكر إلي العمل والخروج بعد انتهاء وقت العمل بفترة، وكان يحثنا علي الحفاظ علي المال العام، ومن المواقف التي لن أنساها وتدل علي أنه لا يستغل منصبه، عندما أوقفنا أحد ضباط المرور، وعندما أفصحت له عن شخصيتي وعملي قال لي تفضل، ووقتها طلب فضيلة الإمام من الضابط سحب الرخص مني وقال له: لا تخش في عملك لومة لائم . وعن علاقته بأحفاده يقول عمرو، كانت علاقة حب حيث كان للراحل سبعة أحفاد اسماء، سارة، ومحمد أبناء أختي سناء، ومحمد وحبيبة ابنا أحمد، ونورهان وحنين ابنتاي، وكان دائم السؤال عنهم، وكان يحضر لهم دائما الشيكولاتة. ويقول الدكتور محمد واصل وكيل الأزهر والقائم بأعمال الإمام الأكبر إن فضيلة شيخ الأزهر كان يهوي كثرة الاطلاع ومدارسة العلم سواء مع الطلاب في الدراسات العليا، ومع الطلبة الوافدين من الخارج، وكان يحاضر لهم يومين في الأسبوع، كما كان يحاضر الوعاظ المصريين مرة كل أسبوع، وكان فضيلة الإمام دائم العمل والاشتغال بما ينفع، فلم أجده مرة جالسا دون أن يقرأ أو يكتب ومؤلفاته التي تزيد علي العشرين مؤلفا فيها الكثير من الإفادة، ومن أعظمها كتاب التفسير الوسيط للقرآن الكريم، الذي يقع في خمسة عشر مجلدا، جمع فيه آراء المفسرين والنحاة والبلاغيين ومن مؤلفاته أيضا كتاب بنو إسرائيل في القرآن والسنة، ويقع في مجلدين. ويقول واصل: إن الإمام له مؤلفات كثيرة في التفسير والفقه والتوحيد والأخلاق ومعاملات البنوك، وكان علي كثرة اطلاعه لا يستأثر برأيه، بل كان كثيرا ما يناقش جميع المسائل الفقهية، والأحاديث النبوية وكان أيضا يأخذ بمشورة الآخرين. فأضاف: إن الأمام الراحل كان له كثير من المواقف الإنسانية التي لا تحصي فهو عالم جليل وإداري من طراز رفيع يتميز بفهم عالٍ ويهتم بكل تفاصيل العمل ومن مواقفه أنه جاءت إليه مدرسة بأحد المعاهد تشكو أمر نقلها من المعهد إلي معهد آخر، وعلي الفور اتصل فضيلته بالمنطقة الأزهرية التي تتبعها المدرسة ليعرف حقيقة الأمر، واتضح أنها نقلت من المعهد بناء علي طلبها، ومع ذلك سألها عما تريد وحقق لها رغبتها، وكان فضيلته يتعامل مع العاملين بالأزهر والمعاهد الأزهرية بمنتهي البساطة وكان بابه مفتوحا دائما، ويحرص علي إعطاء الحقوق لأصحابها. حب الناس وعن علاقة فضيلة الإمام بالناس قال د. محمد واصل: إن المتأمل لحياة الإمام الراحل يجده كان متواضعا مخلصا محبا للغير، ويؤثر مصالح الناس علي مصلحته فلم يرفض مطلبا لأحد، كان يتحمل الألم والصعاب في سبيل إسعاد الآخرين، وقبل سفره لم يغادر المكتب إلا بعد أن انتهي من محاضرة لطلبة الدراسات العليا بكلية أصول الدين، وكان دائما يشعر من حوله بأنه لا فرق بينه وبينهم، وأحيانا كان لا يغادر مكتبه إلا في ساعة متأخرة من الليل، وأثر فضيلته أن يحج هذا العام من ماله الخاص، ورفض قبول أي دعوة من البلاد العربية لأداء فريضة الحج علي نفقتها، وكان دائما يقول إن الذي يحج علي نفقة الغير وهو مُستطيع فحجه غير كامل. الإمام .. والبابا ووصف وكيل الأزهر علاقة الإمام الراحل والبابا شنودة بأنها أخوة وترابط وتعاون دائم، وكان يقول لكل إنسان حريته الدينية، والبابا نعي فضيلة الإمام الأكبر كما ينعاه المسلمون، وكان فضيلته يزور البابا في المناسبات المسيحية المختلفة، وفي حادث نجع حمادي بادر فضيلة الإمام بالذهاب إلي نجع حمادي وخطب خطبة الجمعة، التي كان لها أثر واضح في تهدئة الموقف والصلح بين الطرفين، وقد ناشدت وزارة الخارجية بطبع هذه الخطبة وتوزيعها علي المدارس والمصالح الحكومية، وترجمتها إلي اللغات الأجنبية لكي يستطيع الجميع الاستفادة من روح التسامح فيها. رجل الوسطية والاعتدال وقال الشيخ عبد المنعم فودة - مستشار شيخ الأزهر - والمشرف علي مدن البعوث الإسلامية، إن الأزهر فقد عالما كبيرا، وكان مثالا للخلق الرفيع والوسطية والاعتدال، وكان فضيلته إنسانا حقيقيا، وكان دائم القول: بأن أبوابنا وقلوبنا مفتوحة للجميع وكان فضيلته ذا مكرمة يداوم عليها، وكان يحرص علي أن يلقي خطبة الجمعة بنفسه، وفي غير المناسبات كان يكتفي بدرس التفسير الذي يعطيه، وكان قد بدأ مع الطلاب الوافدين في التفسير من سورة الفاتحة حتي وصل إلي الجزء السادس والعشرين قبيل وفاته، كما خص الطلاب الوافدين بالعديد من الامتيازات والسبب في ذلك أنه كان يؤمن بأنهم دعاة المستقبل، وأنهم رسل الأزهر في بلادهم، وأنهم سيتولون أمر الدعوة، ولذا عليهم أن ينقلوا ما تعلموه من أمور الدين بوسطيته واعتداله لذويهم، وكان يحثهم دائما علي أن يكونوا مثلا يحتذي به . وكان يقول لهم نحن لا نريد منكم إلا أن تذكروا مصر بخير .