أى مهانة تلك التى أوصلتنا إليها أقدارنا على أرض ووطن السودان الشقيق بواسطة بلطجية وفتوات الجزائر والخارجين على القانون الذين جاءوا إلى البلد الشقيق على متن الطائرات الحربية أو العسكرية كما هو مدون عليها، وذلك بغرض حصار المصريين وإرهابهم فى شوارع الخرطوموأم درمان. البداية كانت من خلال تلك النوايا السيئة عندما اعتبروا مباراتهم معنا مسألة كرامة وحياة أو موت وكأننا فى معركة حربية وليس مباراة للكرة، أى نوع من الحقد أو تلك الكراهية التى تملأ صدور مثل هؤلاء الشراذم أو حثالة البشر الذين يتصفون بالغوغائية ومن الذى دفعهم إلى تلك المهازل ولمصلحة من ؟! بداية تلك الحملة المنظمة أو الأحداث الساخنة كانت من هنا القاهرة، استفزونا وافتعلوا تمثيليتهم الشهيرة عندما ادعوا بأنهم تعرضوا لاعتداء صارخ من جانب الجماهير المصرية خاصة فريق الكرة الذى افتعل حكاية الأتوبيس إياها، وأكملوا دورهم بنزول بعض لاعبيهم مربوطى الرأس بسبب الإصابات الوهمية التى روجوها أو التى تعرضوا لها من المصريين، ثم مرورا بتدنى الأخلاقيات عندما تعمدت الجماهير الجزائرية الوقحة إشعال النار فى العلم المصرى داخل المدرجات، تلك كانت البداية التى تنذر بالعواقب الوخيمة التى تعبر عن سلوكياتهم وكراهيتهم الشديدة للمصريين. وعندما بادرت بالسفر إلى السودان ووطأت قدماى مطار الخرطوم ومعى باقى الوفد الإعلامى والفنانين أدركت على الفور بأن هناك شيئا غير عادى ومدبرا نحونا لاسيما بعد تحذير الإخوة الأشقاء السودانيين لنا ومن سائق الأتوبيس الذى أقلنا من المطار مباشرة إلى مقر السفارة المصرية بالخرطوم، مرددا تلك التحذيرات وتوخى الحذر لأن الجزائريين الذين حضروا إلى السودان يدبرون لكم كل سوء ويضمرون كل شر بعيدا عن المباراة أو نتيجتها، سوف يغدرون بكم فى أى وقت أو أينما وجدتم وكل واحد منهم يحمل فى يده سلاحا أبيض، وما شابه ذلك، وكأنهم يتأهبون للدخول فى معركة، كما أن عددا كبيرا من المحلات والمتاجر قد شهد رواجا وبيعا كبيرا لمثل هذه النوعية من الأسلحة، ثم جاءت الطامة الكبرى عندما ركبنا سيارة الأتوبيس فى طريقنا إلى حيث مقر السفارة المصرية بالخرطوم، وقبل موعد انطلاق المباراة بتسع ساعات كاملة لنفاجأ ونحن ننظر من خلال نوافذ سيارة الأتوبيس بتهديدات مباشرة من جانب بلطجية الجزائر وهم يتوعدون، ويشيرون لنا بالأذى ويخرجون من ملابسهم السكاكين والسنج والمطاوى وغيرها شاهرين ذلك أمام وجوهنا، حتى لو كان ذلك من بعيد مهددين بقطع رقابنا بالإشارة عقب المباراة، وفى محاولة منهم لإرهابنا، ثم استرحنا قليلا بمقر السفارة وذهبنا بعدها إلى استاد المريخ بأم درمان وطوال الطريق أو المسافة من الخرطوم إلى أم درمان لم تتوقف الاستفزازات الجزائرية فى الطريق سواء بالإشارات أو الوعيد، والبعض منهم قام برشق السيارات الأخرى بالحجارة، وعندما وصلنا إلى منطقة الاستاد كانت تنتظرنا مفاجأة من نوع آخر، وشاهدنا تكدسا وزحاما شديدا حول أبواب الدخول إلى الاستاد، وفى ظل حراسة أمنية لا ترقى إلى مستوى المباراة أو حجمها، وعلى الجانب الآخر جماهير بكرت منذ الصباح للدخول فى الوقت الذى لم أتمكن فيه أنا وعدد كبير من زملائى وكذلك المشجعون المصريون من الدخول، ومن ثم تدافعت الجماهير وتعامل معها رجال الأمن السودانى بالعصى محذرين إلا أن الكثيرين ممن نجحوا فى الدخول من قبل كانوا لا يحملون أية دعوات أو التذاكر الخاصة للمباراة، وكانت فى حوزتى تذكرة لم أستفد بها شيئا بعد أن حاولت مراراً الدخول دون جدوى بسبب غلق الأبواب، كل هذا ساقنى إلى التراجع ولم أر المباراة إلا من خلال أسرة صغيرة سودانية يقع منزلها فى الجانب المقابل للاستاد، أو تحديدا عندما طلبت منهم حمايتى من بطش الجزائريين واستضافتنى لرؤية المباراة تلفزيونيا، ولم أجد منهم سوى المودة وكل ترحاب وواجب الضيافة، ورأيتهم يتغنون عشقا فى حب مصر أم الدنيا بل عبروا عن ذلك قائلين أن الأواصر العريقة التى تجمعنا كأشقاء وكأبناء وادى النيل تجعلنا أكثر قربا، ونحن نكن للرئيس مبارك ولشعب مصر كل حب وتقدير، والأكثر من ذلك عندما طلب منى أحد أفراد هذه الأسرة علم مصر الذى كنت أحمله فى يدى ولم أتردد فى إهدائه له رغم حاجتى الماسة للعلم وتحدثوا معى جميعا عن مكانة مصر وعظمتها وذلك الارتباط الأزلى ممثلا فى السودان جنوب الوادى ومصر شمال الوادى، فى الوقت الذى قاموا فيه بنبذ تلك التصرفات الطائشة من جانب بربر الجزائر وهمجيتهم المرفوضة شكلا وموضوعا وسلوكياتهم المستفزة التى تعبر عن كراهيتهم للأشقاء المصريين، وخلال متابعتى للمباراة مع الأشقاء السودانيين كانوا ينفعلون أو يتفاعلون معى ومع كل فرصة تضيع للمنتخب المصرى، وكم أحزنهم كثيرا ذلك الهدف المباغت الذى اخترق مرمانا، وكان لديهم الأمل بأن لاعبينا قادرون على التعويض، ومن ثم الفوز وتمر الدقائق واللحظات سريعا والنهاية تقترب وهم معى فى حالة من الحزن والوجوم، ومع كل هدف أو فرصة تضيع كانوا ينفعلون وتنطلق آهاتهم وعقب النهاية الحزينة لم يتركونى بمفردى بل عرض على أحدهم توصيلى بالسيارة إلى مطار الخرطوم مباشرة إذا أردت ذلك، قلت لهم لابد من العودة إلى السفارة المصرية مع باقى زملائى بسيارة الأتوبيس المخصصة لذلك وقدمت لهم أسمى آيات التقدير والشكر لما فعلوه نحوى واستضافتهم لى خلال تلك الفترة وفى الطريق فى الشوارع المجاورة للاستاد عشت فيلما سينمائيا على أرض الواقع لمجموعة من الفوضويين الذين يمارسون كل أنواع البلطجة والشغب وما هو غير أخلاقى أو مؤسف، بنات الجزائر يشرن بأذرعهن بحركات غير أخلاقية نحونا والشباب المنفلت والمدجج بالأسلحة البيضاء يستوقفون السيارات التى بداخلها أى من المصريين وكأنهم يبحثون عن عدو لهم إنها بحق مأساة بكل ما تحمل الكلمة من معنى حقيقى لها ولدرجة أن المطرب محمد فؤاد ونجله تعرضا للإيذاء البدنى والضرب وهما داخل السيارة وقال أن بلطجية الجزائر الثائرين قد نصبوا لهم الأكمنة وهم فى طريقهم متوجهين إلى مطار الخرطوم ليفاجأوا بالهجوم المباغت عليهم وهم داخل الأتوبيسات التى كانت تقلهم وتمكنوا من تحطيم زجاج الأتوبيس بالحجارة التى كانوا يحملونها فى أيديهم ومعهم السكاكين والخناجر والسنج فما كان منا إلا الاحتماء أسفل المقاعد وعلى أرضية السيارة ثم تمكننا من الهروب بصعوبة رغم إصابة البعض منا بعد أن أوقعنا الحظ العثر فى ذلك الفخ الذى نصبوه لنا بخبث ودهاء من قبل تلك العصابات البربرية المدعمة بقوات نظامية مدربة وكأننا فى ساحة قتال بين فريق يحمل الأسلحة وآخر أعزل، وبعيدا عن مباراة لكرة القدم، وتساءل محمد فؤاد: ( كيف كان الحال لو كانوا قد خسروا المباراة أمامنا وتأهلنا بدلا منهم، بالطبع تصرفاتهم كانت ستكون أكثر عدوانية وشراسة و وحشية، وقد علمت أنهم توعدوا أى مصرى بالقتل فى حال فوز فريقهم)...! إن ما حدث كان مدبرا بعناية فائقة وبعيدا عن أية منافسات شريفة فى مباراة للكرة بل ( خيانة) لمشجعين لا يحملون أى حقد أو كراهية وليس فى حوزتهم السلاح جاءوا بالسلام ليقابلوا بالغدر والخيانة. قال فؤاد: لن نترك حقنا يضيع هدرا بعد أن تعرضنا للموت والإرهاب المدبر رغم أننا شعب متحضر لا يكن أى كراهية لأحد عكس مجموعة المرتزقة الذين جاءوا إلى السودان للتخريب وضرب الإسفين بين الشعبين الشقيقين، وقد أثنى على سائق الأتوبيس الذى كان يقلهم وقال أنه رمز للشهامة والرجولة لاسيما عندما أصيب بطوبة من أحد مجرمى الجزائر فى وجهه وهو يقود سيارته ينزف دما ولا يتوقف، وأصر على توصيلنا حتى المطار،هذا هو الفرق بين ذاك وهؤلاء الخونة ومازلت أصر على الحصول على عنوانه ورقم هاتفه لأقيم له حفلا غنائيا خاصا بالسودان يخصص الدخل لصالحه ولأسرته. لقد خرج هؤلاء المتربصون تحت ستار المباراة وهم يرتكبون أبشع جرائمهم الأخلاقية التى تنم عن كونهم ليسوا أشقاء من جسد العروبة، خاصة بعد أن انتهوا من الاحتفالات لفريقهم داخل استاد المريخ ليخرجوا بعدها كالذئاب الجائعة فى شوارع أم درمانوالخرطوم، وكان طبيعياً أن يتلاقى جمهور الفريقين فى أى من الأماكن وحتى ساحات المطار لتندلع تلك الأحداث المؤسفة والتداعيات من جانب المتهورين بالهجوم على جماهير مصر الذين لا يحملون شيئا حتى للدفاع عن أنفسهم سواء الذين كانوا داخل سيارات الأتوبيس فى طريقهم للمطار أو الذين وجدوا أمامهم وجها لوجه فى الطريق إلى المطار، وزاد من حدة الأزمة عدم وصول الطائرات المخصصة للعودة إلى القاهرة وتأخرت كثيرا.. الأمر الذى كان ينذر بحدوث كارثة فى حال وصول بلطجية الجزائر، وظللنا ننتظر ساعات ليفترش البعض منا أرضية المطار والأرصفة المحيطة حتى جاءت لحظة الفرج بوصول الطائرات المصرية التى تنقلنا من الخرطوم إلى القاهرة مباشرة، والكل يعيش لحظات التوتر والقلق والانفعال ثم نقلتنا السيارات إلى الطائرة، الكل يجرى مسرعا للركوب فى صورة درامية ودون أدنى اعتراض من أحد، والمثير للدهشة أنه لم ينظر أى شخص فى جوازات السفر الخاصة بنا وسط هذه الحالة من الفوضى والارتباك وكأننا فى موقف لسيارات الأجرة عندنا حتى وصلنا بسلامة الله إلى أرض الوطن شاكرين وساجدين لله من هذا الكابوس. صحيح أن حلم المونديال قد تبخر ولم تكتمل فرحتنا التى عشناها من قبل، وعلى مدى أربعة أيام قبل المباراة الفاصلة بعد أن تأثر لاعبونا بما سمعوا وعرفوا ما يدور حولهم مما جعلهم يهتزون كثيرا. نعم لا ننسى مؤازرة الإخوة السودانيين لنا وهم يهتفون لمصر وللاعبى المنتخب الوطنى مشيرين لنا بعلامات النصر. ورغم هذا كله إلا أننى أكثر الناس سعادة بهذه الروح المصرية العظيمة التى تجلت خلال هذه المحنة ويكفيكم يا شحاتة ويا رجال المنتخب الوطنى تلك المبادرة الطيبة من جانب الرئيس مبارك فى التكريم. صحيح أننا خسرنا مباراة فى الكرة وتمسكنا بأخلاقياتنا ومبادئنا عكس الذين جاءوا لإثارة الشغب وارتكاب أعمال العنف. ورغم ذلك فإن الجزائر لا تعترف بالعروبة أكثر منه انتماء للغرب، وأعمالهم التخريبية امتدت إلى بلاد الغرب التى تحتضن أكبر جالية للجزائريين لاسيما بعد هزيمتهم بالقاهرة وقبل المباراة الفاصلة والتى كانت بمثابة الشرارة الأولى التى أعمت قلوبهم وجعلتهم أكثر وحشية.. ويا لها من وقاحة أخلاقية عندما وصفونا باليهود قائلين من خلال صحفهم الموتورة بأن أبناء الجزائر قهروا مصرائيل إلى أى مدى مثل هذا العبث وتلك المهانة ومصر كبيرة دائما سواء رضيتم أو أبيتم، وليتهم يدركون الحقيقة بأن أى أعمال للعنف أو الشغب والإرهاب هى صناعة جزائرية استمرت طوال السنوات الماضية ولا تزال.. أحب أن أشير إلى أننى كصحفى مصرى مسيحى استضافتنى أسرة سودانية مسلمة وهؤلاء الناس الذين اتسمت ملامحهم بالطيبة الشديدة والتدين الحقيقى هم الذين احتميت عندهم خشية من تجمعات وبطش بربر الجزائريين المدججين بالأسلحة البيضاء أو غيرها وأنا أكتب هذا الكلام للذين ينفخون فى النار محاولين إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين فى أى بلد أو مكان وكذلك التعصب الأعمى الذى يقضى على الأخضر واليابس معا، ولولا هذه الأسرة الطيبة المسلمة لحدث مالا يحمد عقباه وما كنت أكتب هذه السطور لكونهم السبب فى إنقاذ حياتى لاسيما بعد الأحداث المتلاحقة التى حدثت ما قبل وبعد المباراة.