كانوا دائما معنا.. قريبين منا.. لم يتركونا أبدا منذ سنوات طويلة أيام ثورة يناير كانوا هناك فى الميدان منذ الليلة الأولى. الفضول دفع بعضهم للتواجد فى ميدان التحرير لمتابعة الأحداث التى تجرى فى بيتهم.. فى الشارع.. حيث يعيشون ويعملون ويأكلون ويلعبون وينامون.. تجمعوا بين الثوار، ربما لأنهم وجدوا لأول مرة من يشاركهم البقاء فى الشارع، والنوم والأكل والحياة كلها.. وربما لأنهم وجدوا لأول مرة من يحتضنهم دون أن يطلب منهم شيئا.. ومن يشاركهم الطعام والحياة دون أن يخافهم أو يأنفهم.. يعاملهم مثله كبنى آدمين. البعض يسميهم أطفال الشوارع.. والبعض يسميهم أطفالاً عاملين، لأن بعضهم يعود إلى بيته آخر الليل أو ربما كل عدة أيام.. بينما يحب كثيرون أن يطلقوا عليهم «أطفال فى الشارع أو أطفال فى خطر».. وأيا كانت التسمية فهم فى النهاية أطفال مصريون لهم كل حقوق الأطفال المصريين بالقانون.. ولهم علينا حق أن نظل نسأل لماذا لايزالون فى الشارع.. ومتى سيحتضنهم بيت؟!! الحق فى المساعدة القانونية تنص المادة 521 من قانون الطفل على أن «للطفل الحق فى المساعدة القانونية، ويجب أن يكون له فى مواد الجنايات وفى مواد الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا محام يدافع عنه خلال مرحلتى التحقيق والمحاكمة، فإذا لم يكن قد اختار محاميا يدافع عنه تولت النيابة العامة أو المحكمة ندبه، طبقا للقواعد المقررة فى قانون الإجراءات الجنائية». وفقا لهذا قدم المجلس القومى للطفولة والأمومة، بلاغا للنائب العام اعتراضا على عرض تقرير الأطفال، لما فى ذلك من مخالفة قانونية وانتهاك لحقوق الطفل. وكلف المجلس بالتعاون مع الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، 01 محامين لحضور تحقيقات النيابة مع جميع الأطفال المتهمين بإثارة الشغب وتخريب ممتلكات عامة خلال إحداث مجلس الوزراء الأخيرة، سواء بصفة أصلية أو متضامنين مع محامى المتهمين إن وجدوا، إعمالا لقانون الطفل، لضمان تحقق المصلحة الفضلى للطفل فى جميع الإجراءات والقرارات المتخذة بشأنه أيا كانت الجهات التى تصدرها أو تباشرها، واستكمالا لدور الإدارة العامة لخط نجدة الطفل، باعتبارها الجهة المسئولة عن متابعة حقوق الطفل ولها سلطة طلب التحقيق ومتابعة سير التحقيقات فى القضايا المتهم فيها أطفال بنص قانون الطفل المصرى. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يهتم بها المجلس بأطفال ميدان التحرير، فقد أجرى المجلس مسحا للأطفال فى ميدان التحرير بالتعاون مع جمعية «أولى العزم» كشف عن أن أعدادهم لا تتجاوز 052 طفلا، واستطاعت الجمعية إيواء 92 منهم فى دور إيواء، وأوضح المسح أن بعض الأطفال هم من سكان الأماكن المحيطة بالمنطقة وفى مدارسها، ودفعهم الفضول إليها، وبعض الأطفال جاءوا من محافظات أخرى للمشاركة فى الثورة كما قالوا لأخصائى الجمعية، وساهموا خلال أيام الثورة فى حماية المنشآت وفى اللجان الشعبية، وفى تنظيف الميدان وطلاء الأرصفة بعد نجاح الثورة. العاصمة وطن أطفال الشوارع قبل شهور قليلة من الثورة، كشف مسح أعدته وزارة الأسرة والسكان بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول ظاهرة أطفال الشوارع، عن أن محافظة القاهرة هى الموطن الأصلى لهؤلاء الأطفال، و58 ٪ منهم فى المرحلة العمرية أقل من 81 سنة، بلغت نسبة من يعيشون بالقاهرة 95٪ تلتها محافظة الجيزة بنسبة 6٪ وتساوت محافظتا الفيوم والمنيا بنسبة 1,5 ٪. المفاجأة الأولى التى كشفها المسح كانت أن 62 ٪ من هؤلاء الأطفال مازالوا بالتعليم ، وأن82 ٪ منهم لم يلتحقوا بالتعليم، بينما التحق 24٪ بالتعليم وترك المدرسة. وكانت المفاجأة الثانية التى كشفها المسح هى أن 26٪ من الأطفال يبيتون مع أسرهم، و8٪ منهم يبيتون مع الأسرة أحيانا وأن أكثر من 07٪ من الأطفال الذين تمت مقابلتهم يتواجدون فى الشارع منذ سنة، و 61٪ منهم منذ شهر. المسح هدف إلى التعرف على الأرقام الحقيقة لأعداد أطفال الشوارع بالقاهرة باستخدام مدخل جديد للحصر يعتمد على أسلوب المقابلة وإعادة المقابلة، ليلائم رصد الظواهر المتحركة كظاهرة أطفال الشوارع، فى أكثر أربع محافظات كثافة بهذه المشكلة وهى «القاهرة والإسكندرية والجيزة والقليوبية». جاءت إحصائيات المسح لتكشف أن أعداد أطفال الشوارع أقل من التقديرات التى أطلقتها بعض الجهات، ومنها تقرير الخارجية الأمريكية عام 9002 الذى ادعى أن أعدادهم تقدر بعدة ملايين، فى حين أشار المسح إلى أن أعدادهم لا تجاوز الآلاف. قضية دولة وأسأل سمية الألفى مسئولة ملف أطفال الشوارع بالمجلس القومى للطفولة والأمومة، لماذا لم يستطع المجلس القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع رغم الإمكانيات الكبيرة التى توفرت له؟ - تجيب سمية: مشكلة أطفال الشوارع لايمكن لوزارة التضامن أو الشئون الاجتماعية أو المجلس أو وزارة الصحة أن تتحملها وحدها، لأن أصلها يعود إلى عدم تحيز الدولة للفقراء طوال الأعوام الأربعين الأخيرة، والاقتصار على سياسة الترقيع فقط، ودور المجلس يقتصر على وضع السياسات ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع الجهات المختلفة، وعندما وضعت الاستراتيجية القومية لحماية وتأهيل أطفال الشوارع بمشاركة الجهات الحكومية وغير الحكومية، حدد لكل جهة دور محدد، ولكن بعض الوزارات لم يكن بمقدورها الوفاء بأدوارها، لأنها تحتاج إلى ميزانيات كبيرة. لكن المجلس كان يحصل على منح للقضاء على هذه الظاهرة، فلماذا لم تؤت ثمارها ؟ - المنح التى خصصت لهذا الملف خلال الأعوام الستة الماضية، لم تتجاوز مليونى جنيه من الاتحاد الأوروبى، ضمن ميزانيات مساعدة الأطفال فى ظروف خطرة، وأنفقت فى إنشاء ثلاثة مراكز للاستقبال النهارى لهؤلاء الأطفال بالتعاون مع الجمعيات الأهلية، بمناطق إمبابة والإباجية والسيدة زينب، يشمل تدريب الأطفال على مهن لدى أصحاب الورش بهذه المناطق، ليحصل الطفل على فرصة عمل بعد ذلك. لكن أحدا لم يشعر بكل هذه الجهود، لأن الأطفال مازالوا يعيشون فى الشارع، وأغلب المراكز التى تنشئ تخصصا للاستقبال النهارى فقط، وتتركون الطفل فى الشارع ليلا وسط الأخطار؟ - تجيب: لولا الجهود التى بذلت من الدولة والمجتمع المدنى لمواجهة هذه المشكلة، لأصبح هؤلاء الأطفال أشد عنفا، فإذا لم يجد طفل الشارع الرعاية والطعام الذى يوفر بعضه الآن، لتفاقمت المشكلة على غرار مايحدث فى أمريكا اللاتينية، فتدريبنا للمتعاملين مع الأطفال لكى يعاملوهم بآدمية، جعلتهم أقل عنفا، لكن مازالت الأوضاع داخل هذه المؤسسات أقسى من أن تنهى هذه المشكلة، فرواتب المشرفين والأخصائيين بمؤسسات الدفاع الاجتماعى لاتكفى ليتابع الأخصائى الطفل وأسرته، وعيادات المؤسسات بلا إمكانيات، ولايزورها الأطباء بالشكل المطلوب. وما المطلوب الآن للقضاء على هذه المشكلة؟ - مشكلة أطفال الشوارع هى نتاج سياسات عامة سيئة من الحكومات السابقة، تسببت فى الفقر والنظام التعليمى الطارد، والتفكك الأسرى والرعاية الصحية غير الجيدة، والآن من المفيد أن نبدأ فى مواجهة حقيقية لهذه المشكلة الآن بعد الثورة، بحيث تضع الحكومة ضمن أولوياتها إتاحة تعليم جيد للجميع أن يضمن للمتعلم مكانا فى سوق العمل، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى، والتوسع فى إنشاء مراكز إيواء دائمة لهؤلاء الأطفال، والإنفاق على من يقيمون فيها ورعايتهم طبيا وتعليميا، وإعادة تأهيل الأهل لعودة هؤلاء الأطفال إليهم، ورعاية لاحقة لمن يبلغ من هؤلاء الأطفال 81 عاما، حتى لا يجدوا أنفسهم فى الشارع مرة أخرى كما تقضى لوائح المؤسسات الآن. قومى الطفولة: أطفال الشوارع متواجدون بالتحرير لتوافر الغذاء والبطاطين والمال طالب وزير الصحة والسكان د. فؤاد النواوى بعدم تحميل أطفال الشوارع مسئولية الأحداث الأخيرة فى شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، وبوقف ما وصفه بالانتهاكات القانونية التى يتعرض لها هؤلاء الأطفال المتهمون فى هذه الأحداث، منددا بتعرضهم للعنف ولإلقاء القبض عليهم والمثول أمام جهات التحقيق. وأعلن النواوى خلال المؤتمر الذى نظمه المجلس القومى للطفولة والأمومة مع عدد من الجمعيات الأهلية أمس عن اشتراك الوزارة مع محافظة القاهرة ووزارة الشئون الاجتماعية البدء فى تأسيس مكان لإيواء الأطفال بلا مأوى بمدينة السلام، على أن توكل إدارته لمنظمات المجتمع المدنى، لكسب ثقة هؤلاء الأطفال. وكشف تقرير للمجلس حول الأطفال المتواجدين بميدان التحرير قبل وأثناء وبعد أحداث التحرير الأخيرة، عرض خلال المؤتمر، عن أن العديد من أطفال الشوارع فضلوا البقاء فى ميدان التحرير منذ الثورة، لسهولة حصولهم على الطعام والبطاطين، والبقاء بجانب الثوار، بالإضافة إلى سهولة حصولهم على المال نظير بيعهم للمناديل الورقية والأقنعة الواقية للثوار والمحتشدين خلال المظاهرات، ومن التسول أيضا. وكشف التقرير، الذى عرضته سماح حسين مديرة الجمعية المصرية لبناء وتنمية المجتمع، عن أن هؤلاء الأطفال اشتركوا بالفعل فى الأحداث، من خلال مشاركتهم فى إعداد زجاجات المولوتوف وإلقاء الحجارة على قوات الشرطة، وتقديم المساعدة للمصابين. وربط التقرير الذى أخذ من أفواه الأطفال ومن مشاهدات أخصائى الجمعيات الأهلية، بين انضمام هؤلاء الأطفال للمحتجين فى الهجوم على قوات الشرطة، وبين إساءة معاملة الشرطة لهم لسنوات، وأن سبب هجومهم على أفراد القوات المسلحة هو أنهم خانوا الثوار، ولم يصنعوا أى شىء من أجل البلاد. وأشار التقرير إلى أن هؤلاء الأطفال تعرضوا إلى إصابات من رصاص مطاطى، وقنابل مسيلة للدموع، وإلى التزاحم والتعرض للضرب من قبل قوات الشرطة والجيش وكانت معظم الإصابات فى الذراعين والساقين. ودعا التقرير إلى إطلاق حملة إعلانية للدفاع عن حقوق الأطفال والتنديد باستخدام العنف ضدهم، وتوعية جميع الأطفال بعدم الاشتراك فى المظاهرات حفاظا على سلامتهم. وأعلن أحمد المصيلحى ممثل لجنة الدفاع عن الأطفال المقبوض عليهم، أن عدد الأطفال المقبوض عليهم فى الأحداث نحو 37 طفلا، وأن بعضهم أطفال بالتعليم ويبيتون لدى أهلهم،وأفرج عن 13 طفلا فقط منهم، والباقى مازال محبوسا احتياطيا فى قسم السيدة زينب، مشيرا إلى تعرضهم لانتهاكات بدنية. وطالب هانى هلال رئيس ائتلاف حقوق الطفل، بحصول هؤلاء الأطفال على تعويضات مناسبة ومحاسبة المسئول عن تعذيبهم.