فجأة اكتشف المصريون أن شوارع مصر يسكنها أطفال مجهولو الهوية، ليس لهم ماض أو مستقبل... وأنهم يمثلون خطرا على المستقبل.. إلا أن الجميع تناسى أن أطفال الشوارع ضحية المجتمع والحكومة. واتهمتهم الحكومة بأنهم حصلوا على أموال للمشاركة فى الأحداث الأخيرة دون أن ينتبهوا إلى أن حدوث ذلك يدين الحكومة وليس أطفال الشوارع، بلاد العالم المحترم تتعامل مع هؤلاء الأطفال كضحايا، لذلك تشعر الدول بالعار والخذلان من انتشار هذه الظاهرة وفى مصر يطالب البعض بحرقهم فى أفران هتلر، وتحملهم الحكومة ذنب فشلها وقلة حيلتها؟! توريط أطفال الشوارع فى «أحداث مجلس الوزراء».. فضيحة فجأة اكتشف المصريون أن شوارع مصر يسكنها أطفال مجهولو الهوية، ليس لهم ماض أو مستقبل... وأنهم يمثلون خطرا على المستقبل.. إلا أن الجميع تناسى أن أطفال الشوارع ضحية المجتمع والحكومة. واتهمتهم الحكومة بأنهم حصلوا على أموال للمشاركة فى الأحداث الأخيرة دون أن ينتبهوا إلى أن حدوث ذلك يدين الحكومة وليس أطفال الشوارع، بلاد العالم المحترم تتعامل مع هؤلاء الأطفال كضحايا، لذلك تشعر الدول بالعار والخذلان من انتشار هذه الظاهرة وفى مصر يطالب البعض بحرقهم فى أفران هتلر، وتحملهم الحكومة ذنب فشلها وقلة حيلتها؟! تم التحقيق مع 80 طفلاً حتى مساء الثلاثاء.. إلا أن الاتهامات الساخنة لأطفال الشوارع أثارت العديد من ردود الفعل، خاصة بين هؤلاء المتعاملين عن قرب مع هؤلاء الأطفال الذين ظلموا قبل ثورة يناير واتهموا بعد ثورة يناير. د. عزة كريم - خبيرة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية - أبدت اندهاشها لما يثار حالياً من أن أطفال الشوارع وراء أحداث مجلس الوزراء، وتقول إن هؤلاء الأطفال موجودون فى تجمعات متفرقة على مستوى القاهرة وغير متمركزين فى مكان واحد ومن الصعب تجميعهم ومن يحاول تجميعهم لن يستطيع تجميع أكثر من 100 طفل شارع وليس هذا العدد الكبير الذى نراه أمام مجلس الوزراء.. وإذا كان المعروف عن أطفال الشوارع استعدادهم لفعل أى شىء فى سبيل المال فعلينا أن نبحث عمن قام باستئجارهم.. وإذا لم تتوصل الدولة لهذا الطرف فما هى قيمة الحكومة أو المجلس العسكرى، خاصة أننا سمعنا من قبل من يقول إن فلاناً يستأجر هؤلاء الأطفال لكن لم نعرف من هو فلان هذا؟ هل هو من النظام القديم أم جهة أجنبية؟.. وألا يمكن حماية البلد من هؤلاء الناس الذين يستأجرون أطفال الشوارع أو البلطجية؟ أم أن هناك من يريد أن يحصر أحداث مجلس الوزراء فى مجرد أطفال شوارع ليس لهم دية لأنهم لا أهل لهم ولا أحد يدافع عنهم أو يحميهم؟ تضيف د. عزة كريم أنه لا يجب أن نجعل أطفال الشوارع كبش فداء وتمويهاً للحقائق التى تحدث أمام العالم وشهود العيان كما يجب أن نعلم أنه عند استئجار طفل يتراوح عمره ما بين 10-13 عاماً لن تكون مشاركة إلا محدودة للغاية أما ما نراه فهو كارثة أكبر منهم بكثير، وبالتالى لا يمكن تحميل أطفال الشوارع هذه الأحداث لأنهم جزء قليل لا يستطيع إلا إلقاء الحجارة والطوب.. وإذا كان علينا أن نقبض على بعض هؤلاء الأطفال ليدلوا على من قام باستئجارهم فليس علينا أن نضعهم فى الواجهة ونقول إنهم السبب فيما حدث.. لأنه لا يمكن محاكمتهم فهم دون السن لكن علينا البحث عن حقيقة من قتل ومن أحرق. وقد شاركت المؤسسات المهتمة برعاية الطفولة د. عزة كريم فى رفضها واستنكارها لما يحدث فقد أعلنت المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة رفضها وإدانتها لاتهام أطفالنا بالشوارع - ولم تطلق عليها لفظ أطفال الشوارع ولعلها لغة بداية لتغيير نظرتنا لهؤلاء الأطفال المشردين. رفضت اتهامهم بأنهم مرتزقة مأجورون وأدانت عرض شهاداتهم على وسائل الإعلام قبل بدء التحقيقات، وقالت إن هذا الاتهام يعد استمراراً لتعريض أطفالنا فى الشارع للعديد من أشكال العنف من قبل المجتمع والدولة على السواء، موضحة أن تلك الممارسات تزيد وتعمق من ظاهرة العنف المتبادل بين هذه الفئة من أطفالنا فى الشارع والمجتمع الذى مازال يلفظهم ويتجاهل قضاياهم التى هى مسئولية المجتمع ككل بمؤسساته الحكومية أو المدنية. كما أن هذا الاتهام يعد واحداً من أخطر أشكال العنف الواقع على أطفالنا فى الشارع، حيث تجاهل كل الأسباب الحقيقية وراء استفحال الأزمة السياسية التى تمر بها مصر واختزالها فى اتهامهم بأنهم الفئة المسئولة عن كل تلك الأحداث التى وقعت أمام مجلس الوزراء.. وأنهم مجموعات مرتزقة مأجورون من قبل أى فئة تسعى إلى إحراق مصر!! كما أدانت عرض شهادات الأطفال المتهمين على وسائل الإعلام واعترافاتهم بهذه الجرائم للتأثير على الرأى العام قبل بدء التحقيقات، لأنه مخالف لجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية وكذلك قانون الطفل المصرى رقم 126 لسنة 2008 وتعرض من قام بذلك للمساءلة القانونية، وأكدت المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة دعمها ومساعدتها القانونية للأطفال المعروض أمرهم على النيابات المختلفة بهدف تحقيق المبادئ الأساسية لدعم إجراءات وآليات عدالة الأطفال فى مصر. وأكد هانى هلال رئيس مركز حقوق الطفل أنه ضد أى اتهام يوجه للأطفال بدون تحقيقات رسمية وأن محامى المركز متواجدون مع الأطفال منذ بدء التحقيقات معهم يوم الأحد الماضى، ونحن نتابع هذه التحقيقات إلا أننا لم نتمكن بعد من تحديد عدد الأطفال المقدمين للنيابة فقد تم عرض 50 طفلاً على نيابة جنوب فى اليوم الأول ثم 30 طفلاً فى اليوم الثانى وهناك 10 أطفال تم عرضهم على نيابة القاهرة وآخرين أمام نيابة زنانيرى وغيرها.. إلا أنه من الواضح تزايد عدد الأطفال المقبوض عليهم.. كما أكد هانى هلال على عدم جواز اتهام الأطفال بتلقى أموال من أى جهة قبل ظهور نتائج التحقيقات لأن قانون الطفل المصرى قد نص على عدم إذاعة أية معلومات عن الطفل إلا بعد صدور حكم نهائى عليه.. كما توجد مواد فى القانون تمنع إذاعة أية معلومات عن أى شخص خلال عرضه على جهات التحقيق. أما بالنسبة لإمكانية تجميع أطفال الشوارع وتجنيدهم للقيام بعمليات تخريب فيرى أنه لا يمكن الجزم بما حدث. وربما تناسى من أراد تحميل أطفال الشوارع مسئولية ما حدث أمام مجلس الوزراء أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا المجتمع على مدى العقود الثلاثة الماضية فهم ضحايا الفقر والتفكك الأسرى والعنف الأسرى والمدرسى، حيث بدأ ظهور أطفال الشوارع فى الثمانينيات ثم تفاقمت فى نهاية التسعينيات حتى وصل عدد هؤلاء الأطفال إلى 2 مليون طفل.. ولم تقتصر مشكلة أطفال الشوارع على الصبية بل سرعان ما لحقت بهم الفتيات وتفاقمت مشاكلهم وجرائمهم بدءاً من السرقة وصولاً إلى الدعارة.. هؤلاء الأطفال هم نتاج المجتمعات العشوائية الفقيرة التى انتشرت حول القاهرة ويسودها عادات سيئة مثل التدخين وتعاطى المخدرات والاغتصاب والعنف والأمية والجهل مما يجعل هؤلاء الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية السليمة أسرى لهذه العادات. وفى فالقاهرة 6,31٪ من إجمالى المشردين فى مصر. كما أن أكثر الجرائم التى يرتكبها أطفال الشوارع هى السرقة بنسبة 56٪ والتعرض للتشرد بنسبة 5,16٪ والتسول بنسبة 9,13٪ والعنف بنسبة 2,5٪ والجنوح بنسبة 9,2٪. ويوجد بمصر ثلاثة أنواع من المؤسسات التى تتعامل مع هؤلاء الأطفال.. المغلقة وتختص بالأطفال الأحداث الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية.. ثم المؤسسات شبه المفتوحة التى تأوى من لم يرتكب جرما من الأطفال وليس له أهل معلومون ويطلق عليها دور التربية، وأخيرا المؤسسات المفتوحة التى يطلق عليها الأندية أو دور الاستضافة التى تستقبل أطفال الشوارع نهارا وتقدم لهم الطعام والكساء لكنها تطلقهم ليلا إلى الشارع مرة أخرى. ووفقا لقانون الطفل هناك 3 وزارات تشترك فى المسئولية عن رعاية ومعاملة أطفال الشوارع: «وزارة الداخلية» وهى تقوم بالقبض على الأطفال وتدير مقار احتجازهم. «وزارة العدل» وتشرف على النيابة العامة والقضاة الذين يقررون مصير الطفل ومنوط بهم وفقا للقانون مراقبة مقار الاحتجاز لدى الشرطة والإصلاحيات ومؤسسات الرعاية. «وزارة الشئون الاجتماعية» التى تدير المؤسسات الخاصة بالأطفال وعلى خبرائها تقييم الأوضاع وحاجات الأطفال الذين يمثلون أمام النيابة العامة أو المحكمة. وجدير بالعلم أن هناك ما بين 100 - 150 مليون طفل شوارع فى العالم منهم ما بين 7 - 10 ملايين طفل شارع فى الوطن العربى. وقد ترددت أقوال بعد ثورة يناير تقول باختفاء أطفال الشوارع من منطقة وسط المدينة حول ميدان التحرير بعدما كانوا متواجدين بكثرة تحت الكبارى وفى الجناين وفى إشارات المرور لبيع المناديل أو التسول.. مشككين فى وجود جهة ما قامت بتجميعهم وإخراجهم فى الظروف الصعبة التى تمر بها مصر مثل أحداث السفارة الإسرائيلية أو أحداث شارع محمد محمود وأخيرا أحداث مجلس الوزراء. لكن الخبراء لهم رأى آخر فهم يرون أن هؤلاء الأطفال تمركزوا حول الثوار فى ميدان التحرير وأثناء الاعتصامات والمظاهرات، حيث وجدوا لديهم العطف والرحمة من تقديم الطعام أو شراء بعض مستلزماتهم أو إعطائهم بعض النقود مقابل تنظيفهم للمكان. يؤكد هذا الكلام هانى هلال رئيس مركز حقوق الطفل الذى قام بالمشاركة مع الائتلاف المصرى لحقوق الطفل المكون من 75 جمعية أهلية تعمل فى مجالات الطفولة برصد وضع أطفال الشارع فى ميدان التحرير منذ بداية ثورة يناير وحتى الآن. يقول هانى هلال: جاءت النتائج تؤكد الآتى: 1- لا يوجد ما يثبت أنه قد تم استغلال هؤلاء الأطفال من قبل فئة معينة فى مقابل فلوس وأن الائتلاف المصرى يعلن أنه ضد استغلال الأطفال فى قضايا سياسية من قبل أى جهة حتى من شباب الثورة أو المتظاهرين أو ممن يريدون الإساءة لمصر وصورتها. 2- لم يثبت استغلال الأطفال من جهة ذات اتجاه سياسى أو تخريبى منذ الثورة حتى الآن. 3- المعتصمون أو المتظاهرون كانوا يعطفون على هؤلاء الأطفال ويعاملونهم معاملة جيدة ويشترون لهم بعض الملابس والأحذية ويدعونهم لتناول الطعام معهم كما كانوا يعطونهم مكافأة على تنظيف المكان.. وهذا لا يعد شكلا من أشكال الاستغلال لكنه نوع من التعاطف. هؤلاء الأطفال مازالوا يعانون مما كانوا يعانون منه قبل الثورة، وإذا كنا نقول عنهم إنهم قنبلة موقوتة إلا أنها قنبلة تحتاج إلى النظر إليها بعين الرحمة ووقف العنف ضدهم حتى يدخلوا فى نسيج المجتمع فكلما واجهناهم بعنف ازدادوا عنفا.. فهم فى أشد الحاجة لكسب ثقتنا حتى نحميهم ونحمى الدولة من أى شكل من أشكال العنف. وأناشد كل الجهات الكف عن تشويه صورة هؤلاء الأطفال والتعامل معهم بقسوة خاصة أن الاتجاه الدولى الآن لمعالجة مشاكل الأطفال المخالفين للقانون يتحدث عن عدالة التعامل مع الطفل. وينادى بعدم حبسه لأن الحبس يؤدى إلى ضياع مستقبل الطفل ومن أجل مصلحتنا علينا أن نبعدهم عن عالم الجريمة.∎ ويقول هانى هلال إنه بالرغم من أن أطفال الشوارع يمثلون مشكلة كبيرة إلا أن هناك أقل من 20 جمعية أهلية تعمل فى هذا المجال. وبعد ثورة يناير قمنا كجمعيات أهلية تعمل فى رعاية أطفال الشوارع بالتعاون مع المجلس القومى للطفولة والأمومة من أجل تطوير الخطة الوطنية للحد من ظاهرة أطفال الشوارع التى صدرت فى للتطوير وقد وافقت د.لمياء محسن الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة على هذا التطوير الذى يطالب بوضع خطة حقيقية للتعامل مع أطفال الشوارع مبنية على كسب الثقة بين العاملين على القضية والأطفال مع التوسع فى إنشاء دور الإيواء الخاصة بهم.. لأن هناك مراكز استقبال نهارى لأطفال الشوارع تستضيفهم طوال اليوم وتحصل على دعم مقابل ذلك ثم تطلقهم إلى الشارع مساء وهذا غير منطقى ولايؤدى إلى حل القضية. والحل يحتاج لاستراتيجية وطنية متفق عليها بين الجهات الحكومية وعلى رأسها الجهاز القومى للأمومة والطفولة ومنظمات المجتمع المدنى المعنية مع العمل على إيقاف مراكز الاستقبال النهارى أو تحويلها إلى مؤسسات إيواء كامل حتى لا يكون الشارع الخيار البديل لدى الطفل. كما ترى د.عزة كريم أن الحل يتمثل فى قيام الشرطة بدورها فى جمع هؤلاء الأطفال من الشوارع، كما كانت تفعل قبل ثورة يناير عند انعقاد أى مؤتمر دولى عن الطفل فى القاهرة على ألا تعيدهم للشارع مرة أخرى كما كان يحدث بل تقوم بإيداعهم فى دور الرعاية والتربية ذات الإقامة الكاملة لإعادة تأهيلهم وتوفير فرص عمل لهم ليصبحوا أعضاء نافعين فى المجتمع، كما توصى بإغلاق دور الاستضافة النهارية لأنها غير مجدية، بل تساعد الأطفال على الانحراف بصورة أكبر على أن يتم مراقبة دور الرعاية والتربية جيدا لضمان عدم تعرض الأطفال لأى صورة من صور الانتهاكات.