«الشعب المصرى.. غير مؤهل للديمقراطية»!! عبارة كنا نسمعها كثيرا قديما.. سواء كانوا من النخبة أو أناسا عاديين فى الشارع.. لكن ما حدث فى انتخابات المرحلة الأولى أثبت بالدليل القاطع أننا شعب يفهم ويعى معنى الديمقراطية رغم حرمانه منها سنوات طويلة. فرغم الحيرة التى كانت تملأ أعين الناس وهم ذاهبون للإدلاء بأصواتهم.. إلا أن رءوسهم كانت مرفوعة فى زهو لتحقق انتصار عظيم بعد نكسة طالت ثلاثين عاما.. والفرحة التى كانت تغمر قلوبهم فى الداخل.. كانت ظاهرة فى خطواتهم التى بدت لى خطوات راقصة على لحن الحرية. - بنات تفرح فى طابور لجنة 49 بمدرسة طابا الإعدادية بمدينة نصر التى كنت أنتخب بها والذى كان يتعدى طوله ثلاثة شوارع.. وقفت سيدة عجوز تسأل مجموعة من البنات قائلة «أنتخب مين يا بنات»؟! أنا ما أعرفش حد؟!! فضحكت البنات متعاطفات معها.. وقالت لها إحداهن مبتسمة: لا نستطيع توجيهك لمن تختارين.. فأنت حرة وقالت: أخرى سنشرح لك كل قائمة واتجاهاتها وأن تحددين من تختارين.. وبالفعل أخذت الفتيات فى شرح القوائم للسيدة العجوز وتوجهاتها ليتركوا لها حرية الاختيار.. دون حتى التلميح لمعارضتهن لأى من القوائم.. أما الفردى فشرحن لها كيفية الاختيار لاثنين أحدهما عمال والآخر فئات مع رفض ذكر اسم معين لها. - تقبل الآخر بعد دخولى إلى اللجنة للإدلاء بصوتى.. وجدت مراقبة شديدة من قاضى اللجنة.. الذى فوجئت أنه قاض لصغر سنه.. ومعاملته المتواضعة المهذبة مع كل السيدات.. حتى إذا سألته إحداهن عن رأيه فى الاختيارات وخاصة الفردى لحيرتهن بين ال(112) اسما.. كان يرد بابتسامة رافضا إعطاءهن أى توجيه.. هذا غير المناقشات بين السيدات والبنات فى الطابور التى إن دلت على شىء فتدل على عمق رؤية هذا الشعب وذكائه.. فرغم اختلافهن إلا أن الهدوء كان السمة السائدة على مناقشاتهن.. حتى المنتقبات اللاتى توقعت أنا شخصيا.. أن يكن محرضات على اختيار الأحزاب الإسلامية.. إلا أنهن التزمن الصمت حتى عند تعبير إحدى السيدات عن رفضها القاطع للإخوان والجماعات الإسلامية فى البرلمان. - تحرير عباسية المناقشات فى الطوابير الانتخابية ملمح أساسى ولكنها مناقشات هادئة لا تشنج بها ولا نعنت.. فقد اختلف البعض فى مواقفهم بين التحرير والعباسية.. فالبعض يؤيد والبعض يعارض.. لكن فى هدوء.. وهذا ما يسمى بالاختلاف الصحى.. والذى تفتقده الكثير فى برامج «التوك شو» والذى يدل على أن هذه البرامج لا تعبر عن شعبنا بل تعبر عن نخبة تتحدث من برج عال.. لا ترى منه إلا السحاب!! فى نهاية اليوم.. لم أشعر أننى أضعت ساعات طويلة فى الانتظار فقد كانت ساعات اكتشاف لأبناء مصر الذين يعرفون معنى الحرية.. والديمقراطية ويحترمون الرأى الآخر باختلافاته.. هؤلاء مستقبل مصر الذى يجعلنا رغم الأزمات والسقطات متفائلين بغد أفضل يملأه نور الشمس.