البعض يصر علي الدفع نحو نقطة صدام مهولة، سموهم قوي سياسية، ناشطين، نقاء ثوريا، سموهم بلطجية، عملاء، معتصمين، مجهولين، سموهم كما شئتم، ولكن في كل الأحوال هناك دفع منهجي إلي هذه النقطة من الصدام. مرة بابتداع فكرة فصل الجيش عن المجلس العسكري باعتبار الأخير يمارس دورا سياسيا ومن ثم يواجه باتهامات التقاعس والمواربة وإبرام الصفقات مع فصيل سياسي دون آخر. ومرة باتهام المجلس بسلب صلاحيات رئيس الوزراء إيحاء منه بعد أن عجز عن ضبط إيقاع حكومته مع مطالب الشارع فجاءت تسريبات رغبته في إجراء تعديل وزاري يرفضه المجلس ثم قبول استقالة نائبه ويرفضها المجلس ثم إعلانه استقبال مرشح لوزارة الإعلام بغض النظر عن أن رئيس الوزراء يعين الوزير ولا يرشحه للتعيين.. إيحاء بترشيح من المجلس أما رئيس الحكومة فلا يريد وزارة إعلام! وأخيرا هذا البيان الهزيل عن اشتباكات العباسية والذي كان يجب أن تكون كلماته قوية تعلق الجرس في رقبة القط المسئول المباشر عن هذه الأحداث. ومرات أخري بمقامرات سياسية تجري يوميا علي شاشات برامج فضائية لا تراعي الضمير المهني، استرسال واضح في الدفع إلي هذا الصدام، فرض سافر لوجهة نظر أحادية الجانب، طمس مطلق لمنطقية الحقائق، إشعال حرائق كلامية، مداهنة أو مقاربة أو تقرب أو تنفيذ دقيق لعناصر الفوضي علي الأرض، أو كلها مجتمعة .. وإلا كيف يمكن قراءة ما حدث يومي الجمعة والسبت الماضيين ليلا في ميدان العباسية؟ حسنا .. لقد خرجت التظاهرة ليلة الجمعة تقصد مقر المجلس العسكري، وعندما منعها أهالي العباسية من الاستمرار أعلنت أنها ستعود في اليوم التالي لتهتف «يا أهالي العباسية، سلمية سلمية» بعد أن أيقنت من الرفض الشعبي في العباسية للقصد المباشر من التظاهرة هدفا وخط سير ومكانا، فكان هذا النداء تحت توقع مقاومة من أهالي العباسية في الليلة الثانية. ودون إدراك حقيقي بأن المزاج العام قد تغير تجاه الاعتصامات والتظاهرات إلي حد المجابهة، وقد كان المؤشر في اشتباكات سابقة بين أصحاب المحلات التجارية في ميدان التحرير والمعتصمين ليلة التجهيز لاعتصام 8 يوليو. وحسنا أيضا .. أن أعلنت التظاهرة أنها تريد أن تصل بمطالب اعتصام ميدان التحرير إلي المجلس العسكري، فهل كانت هذه المطالب سرية؟ خافية .. ليست مرفوعة في الميدان علي مدي أكثر من أسبوعين سابقين علي اشتباكات العباسية ولم تتناقلها وسائل الإعلام بشكل واسع علي الهواء؟! وعلي أثرها تم اتخاذ إجراءات علانية محاكمات رموز النظام السابق وتخصيص دوائر قضائية لهذه المحاكمات، وإجراء حركة في وزارة الداخلية وإحالة الضباط المتهمين بقتل الثوار إلي ديوان الوزارة حتي تنتهي التحقيقات، وإجراء تعديل وزاري واسع. فهل كان المجلس العسكري بحاجة إلي تظاهرة من هذا النوع تصل إلي مقره لنقل مطالب الاعتصام؟! وهل امتنع المجلس العسكري عن الاستجابة للمطالب المشروعة للثورة ومنذ اللحظة الأولي من يوم 28 يناير ولو لم يفعل لكانت مصر كلها قد دخلت في منحني آخر. أم هو سعي دءوب لإحداث حالة صدام ليس فقط مع الشرعية وإنما أيضا مع خطة الانتقال من المرحلة المؤقتة إلي الشرعية الدستورية البرلمانية والرئاسية. صدام من هذا النوع لا يدخل من بوابة النقاء الثوري، وليس له سوي توصيف واحد، لقد تم الصدام مع المؤسسة الأمنية بعد أن أعيدت صياغتها، وتم الصدام مع مؤسسة القضاء، ولم يبق سوي الصدام مع المؤسسة العسكرية، والتوصيف هنا هو السعي إلي «الفوضي».