انطلاق فعاليات مؤتمر اتحاد القبائل العربية الأول وسط حضور كثيف    مفاضلة بين إمام وعبدالمنعم.. مصدر ليلا كورة: صلاح على رأس 5 لاعبين لدعم المنتخب بأولمبياد باريس    القاهرة الإخبارية: آليات إسرائيلية تتقدم تجاه مخيم جباليا شمال غزة    تراجع مؤشرات البورصات الأوروبية مع ترقب المتداولين لبيانات التضخم الأمريكية    إياد العسقلاني يدعم لاعبي الإسماعيلي قبل مواجهة طلائع الجيش    مدرب توتنهام: 99% من جماهيرنا تريد الخسارة أمام مانشستر سيتي    طلب تحريات حول ضبط طالب دهس شخص في النزهة    السجن المؤبد للمتهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا لفتح مقبرة أثرية بالفيوم    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن: الحرب فى بر "رفح"    مفاجأة.. نقيب المهن التمثيلية: منذ 2011 لم يتم تصوير أي مسرحية بشكل احترافي توثيقي.. فيديو    وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني فرص التعاون في تطوير وإنشاء مرافق الرعاية الصحية والسياحة العلاجية    محافظ بورسعيد يبحث مع رئيس «تعمير سيناء» آخر مستجدات مشروعات التعاون المشتركة    وزير التعليم يحضر مناقشة رسالة دكتوراه لمدير مدرسة في جنوب سيناء لتعميم المدارس التكنولوجية    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    سفير واشنطن لدى إسرائيل ينفي تغير العلاقة بين الجانبين    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    «عباس»: الهيئة تتخذ استراتيجية مستدامة لميكنة دورة العمل بالنيابة الإدارية    حجز إعادة محاكمة المتهم بتزوير أوراق لتسفير عناصر الإرهاب للخارج للحكم    تعليم النواب توصي بدعم مستشفيات جامعة المنصورة ب 363 مليون جنيه    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه الروماني    ميريت عمر الحريري تكشف تفاصيل إصابتها بالسرطان وكيف عالجت نفسها بالفن (فيديو)    السيسي يوجه رسالة عاجلة للمصريين بشأن المياه    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    مدير التأمين الصحي بالشرقية يعقد اجتماعا لمكافحة العدوى    حكم كيني لمباراة مصر وبوركينا فاسو وسوداني لمواجهة غينيا بيساو    لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟.. الأزهر للفتوى يوضح    «التعليم» تنبه على الطلاب المصريين في الخارج بسرعة تحميل ملفات التقييم    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 في الجزائر؟    تعليم البحيرة: 196 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية وأولى وثانية ثانوي    وزيرة التضامن تشارك في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال ومبادرة العيش باستقلالية بالبحرين    موجة احتجاجات تعصف بوزراء الاحتلال في ذكرى «اليوم الوطني لضحايا معارك إسرائيل» (تفاصيل)    قمة مرتقبة بين رئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء كمبوديا لبحث التعاون المشترك    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    مناظرة بين إسلام بحيري وعبد الله رشدي يديرها عمرو أديب.. قريبا    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. الإفتاء توضح    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    توقعات برج العقرب من يوم 13 إلى 18 مايو 2024: أرباح مالية غير متوقعة    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    بنك التعمير والإسكان يرعى الملتقى التوظيفي 15 بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة    ختام ناجح لبطولة كأس مصر فرق للشطرنج بعدد قياسي من المشاركين    تشمل 13 وزيرًا.. تعرف على تشكيل الحكومة الجديدة في الكويت    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الاثنين 13 مايو 2024    بدءا من 10 يونيو.. السكة الحديد تشغل قطارات إضافية استعدادا لعيد الأضحى    خلال 12 يوم عرض بالسينمات.. فيلم السرب يتجاوز ال24 مليون جنيه    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    إنشاء مراكز تميز لأمراض القلب والأورام ومكتبة قومية للأمراض    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    رئيس الغرفة التجارية: سوق ليبيا واعد ونسعى لتسهيل حركة الاستثمار    تداول 15 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و806 شاحنات بموانئ البحر الأحمر    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    فضل الأشهر الحرم في الإسلام: مواسم العبادة والتقرب إلى الله    أرتيتا يثني على لاعبي أرسنال    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    "أوتشا": مقتل 27 مدنيًا وإصابة 130 في إقليم دارفور بغربي السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات على الثورة المصرية (الجواب الشافي على كل أسئلة الثورة) من 28 يناير حتى 23 يوليو 2011

ملاحظات على الثورة المصرية الجواب الشافي على كل أسئلة الثورة (من 28 يناير إلى 23 يوليو 2001) طظ في كل من يمنعني من أن أقول رأيي، وما أعتقده، وما يرضي ضميري، والكلام للجميع، من الكبير المتحكم إلى الصغير الثوري
قبل أن تقرأ:
هذه ال"نوت" الطويلة هي أول ما أكتب بعد الثورة. ولا يجوز قراءة مقتطفات منها، لأن حقائقها متشابكة ومتداخلة، ولا أحب على الإطلاق أن يقتطف منها أحد الأصدقاء "ستيتاس" له، لأنها يجب أن تكون في سياقها الكامل. وهي موجهة لمن يرغب في بذل مجهود في قراءة متأنية. وليست لها خلاصة محددة يمكن قولها "في برشامة". على ذلك، إن شئت أن تقرأها بأكملها فافعل. فإن لم تشأ، فلا تقرأ أجزاء منها.. والنبي!

الماضي: حقيقة موقف المجلس العسكري من الثورة
هناك سؤال يشغل بال كل المصريين: هل وقف المجلس العسكري مع الثورة من بدايتها كما يزعم؟ أم أنه التف عليها كي يُبقي على نفسه وعلى النظام (حتى مع التضحية بمبارك ورجاله) كما يزعم خصومه؟
والمشكلة ليست في إجابة هذا السؤال، وإنما في السؤال نفسه، الذي يفترض الإجابة عليه إما بنعم أو بلا. لأن الناس تريد إجابة بسيطة واضحة لا لبس فيها. بينما حقيقة الأمور شديدة التعقيد، ومحاولة تبسيطها تنتهي بنا بالضرورة إلى حالة عدم الفهم التي يعاني منها أغلب المصريين الآن. (الناس مش عايزه كلام كبير، وفي نفس الوقت عايزه تفهم، وده مستحيل).
والحقيقة أنه لا سؤال في هذه الثورة يمكن أن يجاب عليه بنعم أو بلا. لأننا في معظم الأحيان لسنا أمام حق مطلق وباطل مطلق، وإنما أمام تفاعلات قوى سياسية ومجتمعية أنتجت ما نحن فيه الآن (سواء رأينا أن الثورة انتهت وأنجزت أم رأيناها لم تبدأ بعد).
بل أن مسمى "ثورة" نفسه مسمى خادع: لأنه مسمى "فضفاض"، شعار يمكن أن يرفعه الفوضويون، والحركات السياسية المناضلة، والحركات السياسية المتكيفة، وجماعات الإسلام السياسي، وجمهور الشارع غير المسيس، بل وفلول الحزب الوطني، وأعضاء المجلس العسكري، ومقدمو وضيوف برامج التوك شو.. كلهم يتحدثون باسم الثورة، فلا يعود الشعب يفهم ماهية الثورة.
إذن: الثورة تعني شيئا مختلفا لكل شخص على حدة. وعندما يأخذ مصطلحا معنى فضفاضا مثل هذا، يصبح من غير المجدي أن نستخدمه أصلا. (تماما كما يتناقش أمير جماعة إسلامية مع فيلسوف إسلامي مع شيخ صوفي مع شيخ أزهري مع مسلم ليبرالي حول الإسلام، فنجد لكل منهم رأيا مختلفا تماما).
أظننا نعلم جميعا الحقائق التالية، لكننا لا نضعها معا، وإنما نختار بعضها لندلل على آرائنا، وننحي البعض الآخر.
1-أن مؤسسة الجيش المصري هي واحدة من أعمدة "النظام" (بالمعنى المحايد- لا السلبي/لا الإيجابي) للدولة المصرية.
2-أن تلك المؤسسة لم تفكر في أي وقت من الأوقات (جديا على الأقل، وعلى حد علم الجميع) أن تقوم بثورة على النظام.
3-أن مصالح قيادات المؤسسة (مثل مصالح أي قيادات لأي مؤسسة) هي مع استقرار الوضع وبقاؤه على ما هو عليه، لأن التغيير يعني الإطاحة بأسماء وتغيير سياسات. وما لم تكن هناك حركات ثورية حقيقية داخل الجيش المصري، فلن يرغب أحد من داخل تلك المؤسسة في هكذا تغيير.
4-أن نمط تفكير تلك المؤسسة يغلب عليه الطابع العسكري وليس السياسي (وبالتأكيد المحافظ وليس الثوري). وأن فكرة الخطر الخارجي المتربص بالبلاد هي فكرة ضاربة بجذورها في عقيدة تلك المؤسسة، ونظرية المؤامرة متغلغلة في عقول قياداتها.
5-أن قيادات الجيش المصري وجدت أمامها موقفا مفاجئا لم تكن مستعدة له على الإطلاق مع انتفاضة الشعب المصري يوم 28 يناير، وما تلاه من اعتصام استمر 18 يوما، وتكليفها بالسيطرة على الأوضاع.
6-أن حسابات تلك القيادات كانت تعتمد على عامل القوة من اللحظة الأولى، وذلك من خلال: أولا: أن تقف مع مبارك طالما ظل "قويا" وقادرا على السيطرة على الأوضاع، ثانيا: أن تمنحه فرصة واثنتين وثلاثة (فهو في النهاية رئيسها المباشر). ثالثا: ألا تصبح ذراعا من أذرع مبارك في قمع الثورة (لا تطلق رصاصة واحدة). رابعا: أن تساعد مبارك قليلا من خلال بعض المضايقات للثوار، ليس أكثر (منع دخول أغذية، بطاطين، حركة اعتقالات محدودة وتعذيب بالتعاون مع أمن الدولة- بحد زعم عدد من الشهادات.. إلخ). خامسا: إذا فقدت الأمل تماما في مبارك، وبدا واضحا أننا أمام إما الإطاحة بمبارك أو كارثة، فسوف يتدخل المجلس العسكري للإطاحة بمبارك وإنقاذ أركان الدولة بقدر الإمكان.
7-أن افتخار المؤسسة العسكرية المصرية بكونها قدمت نموذجا مختلفا عما حدث في بلدان أخرى (ليبيا، سوريا، اليمن)، غير لائق من الناحية السياسة، لكنه قائم على واقع حقيقي. ونحن نعلم جميعا (وإن كنا ما بنحبش حد يذلنا) أننا شاكرين جميعا لإنجاز ثورتنا بأقل قدر من الدماء.
8-وفقا للنقطة 6 (منهج الحياد السلبي حتى اللحظة الأخيرة، ثم التدخل الخاطف السريع) تحددت العلاقة بين الجيش والشعب وتطورت منذ الثامن والعشرين وحتى اليوم. كان حيادا سلبيا: والحياد السلبي له جانبان:
فمن جانب: يعني عدم التدخل في صالح مبارك، ولما كانت الشرطة قد تلقت هزيمة ساحقة، لم يبق هناك قوة مع مبارك سوى الجيش وبعض البلطجية. ولما كان الجيش لن يتدخل في صف مبارك، كان ذلك يعني ميل الكفة بشكل هائل إلى جانب الثوار (وقد أدرك الثوار هذه الحقيقة.. أن حياد الجيش في تلك اللحظة يعني انتصار الثورة، حتى لو كان الجيش لن يناصرها).
ومن جانب آخر: يعني الحياد السلبي عدم التدخل في صالح الثورة، وهو ما أدى إلى موقعة الجمل: الفرصة الأخيرة التي سيمنحها الجيش لمبارك ورجاله من أجل "تخليص الليلة"، فإذا فشل بعدها فليعتبر نفسه مخلوعا.
9-أن هناك حالات فردية داخل الجيش تعبر عن مواقف إما ثورية بامتياز (أسد التحرير الذي حاول الدفاع عنه أثناء موقعة الجمل) أو فلولية بامتياز (بعض عناصر الشرطة العسكرية التي كانت ترى هذه الثورة خيانة وفوضى وتعمل على قمع من يسقط تحت يدها من الثوار-بحد زعم البعض. وفي هذا السياق أيضا يمكن أن نرى واقعة كشف العذرية).
10-أنه أثناء الثمانية عشر يوما، تم صياغة عقد غير مكتوب بين الجيش والشعب (ويجب أن نفهم تلك النقطة جيدا)، مفاده: لو كان هناك فاسدون في الجيش ف"ربنا يبارك لهم"، لن نحاسبهم في مقابل أن يتولوا إدارة البلاد حتى الوصول إلى الديمقراطية (في هذا السياق يمكن أن نفهم قانون تحصين ضباط الجيش حتى بعد خروجهم من الخدمة). ومن هذا المنطلق، فمن يتصور أن الشعب "مخدوع" وأن القيادات "غير ثورية" هو واهم، لأن الطرفين (الجيش والشعب) يدركان تلك الحقيقة. ولأن الواقع العملي على الأرض دفعهما معا إلى اختيار هذا الخيار (الذي قد لا يبدو مثاليا)، لتجنيب البلاد خيارات أخرى أكثر دموية.
وعلى ذلك، خرج شعار: الجيش والشعب إيد واحدة. (بمعنى أننا حتى لو كنا مختلفين، حتى لو كان الشعب يرى بعض الفساد في الجيش، وحتى لو كان الجيش يتمنى لو لم تقم الثورة، فإننا سوف نتحد معا من أجل تجنيب البلاد حمام دم). لا يعني هذا الشعار أن الجيش والشعب متفقين تماما في أهداف الثورة، ولكنه يعني أنهما غير مختلفين على الحد الأدنى منها.
(من الجدير بالملاحظة هنا أننا كنا نهتف، أثناء الثمانية عشر يوما، بهذا الشعار، بقدر من التردد والتشكك. هناك اتفاق ضمني تحتي غير مصرح به، نحن لسنا يدا واحدا في الحقيقة، لكننا سنقول إننا يد واحد... هه؟)- (لاحظ في هذا السياق أيضا الهتاف الشهير: سلمية سلمية، الذي كان يخرج بنفس القدر من التشكك في ثورة لم تكن سلمية بالكامل- بل كانت سلمية بمعنى: غير مسلحة أو اعتدائية).
11-أن من يحاولون الالتفاف على هذا العقد المكتوب (وهم بالطبع وطنيون وثوريون) ليسوا أكثر وعيا من الشعب، بل هم في واقع الأمر أقل ذكاء منه. ومن ثم فإن الخطاب الذي يقول بضرورة "تطهير الجيش" خطاب صحيح نظريا ومرفوض عمليا، وهو ما قاد لموقعة 9 ابريل الشهيرة.
11-في 9 ابريل، رأى الجيش أن بعض قوى الثورة (الأكثر راديكالية منها) تحاول الالتفاف على العقد غير المكتوب المذكور آنفا. لم يكن الأمر مخططا (في رأيي)، لكن الظروف جعلت بضع ضباط جيش (عشرة أو أكثر أو أقل) شبان وراديكاليين ووطنيين للغاية، يتصورون أن اللحظة سانحة للتطهير الشامل، لإسقاط عمود آخر من أعمدة الدولة القمعية التي يعتقدون بفسادها وتواطؤها (المؤسسة العسكرية). وشاركهم في التصور بعض الثوريين الراديكاليين. ووجدت قوى الثورة إنها إما أن تدافع عن المطالب المثالية لهؤلاء الراديكاليين (بأن تظل معتصمة في الميدان لحماية هؤلاء الضباط مهما كان الثمن، والثمن ربما كان فادحا) وبالتالي تخون العقد غير المكتوب المذكور آنفا، وإما أن ترفض هذه المطالب المثالية وبالتالي تخون شريحة شديدة الإخلاص والنقاء من قوى الثورة.
وكان أن انقسمت القوى السياسية على نفسها.
12-نقول إن الجيش، في 9 ابريل، رأى خيانة للعقد غير المكتوب المذكور آنفا. نحن الآن بصدد بذرة "تمرد عسكري".. لا، لم يكن هذا هو الاتفاق، ولن نسمح به، لأننا لو سمحنا به سوف تحدث "كارثة" (أيا كان الرأي في هذه الكارثة: محاسبة قيادات حساسة، انقلاب عسكري دموي، ربما يصل إلى حكم عسكري ثوري على غرار حكم يوليو، ربما وربما....).
وهكذا كان قرار الجيش بفض الاعتصام بالقوة.
وقد خسر الجيش في هذه المعركة، خسر صورته التي كانت طيبة إلى وقتها، لكنه قرر أن تلك هي أقل الخسائر الممكنة.

الحاضر: أين نقف الآن؟
هناك عدة نقاط مهمة:
1-أن نعرف طبيعة مجتمعنا السياسية الحالية: وأن نعرف أنه منقسم إلى أربعة أقسام هي: الثوار (كل قوى الثورة الإصلاحية منها والراديكالية- إضافة إلى أفراد الشعب المؤمنين بالثورة)- الفلول (كل قوى النظام السابق، بما فيها معظم جهاز الداخلية، ورجالات الحزب الوطني المنحل، وذوي المصالح- إضافة إلى أفراد الشعب غير المؤمنين بالثورة)- الإسلاميون (التيارات الإسلامية المختلفة- إضافة إلى المتعاطفين معها من أفراد الشعب)- الكنبة (أفراد الشعب الجالسين على الكنبة يتابعون دون موقف محدد).
في ظني أن نسبة تلك الأقسام الأربعة تكاد تكون متساوية، هناك بالطبع تقاطعات أحيانا وحراك بين الطبقات (إسلاميون ينضمون للثورة- كنبة ينضمون للفلول- فلول ينضمون إلى الإسلاميين- ثوار يتراجعون عن الثورة- أفراد يؤمنون بالثورة متأخرا...إلخ)- وهذا الظن يتأكد مع استفتاء المجلس العسكري الذي سوف نشير إليه لاحقا (ومع ملاحظة أن الوضع في الشارع أقل ثورية، أقل فلولية، أكثر إسلامية، أكثر كنبية، مما هو الوضع على الإنترنت).
2-أن هذا الحراك هو الذي سيحكم الانتخابات القادمة، وسيتوقف عليه انتصار قوة على أخرى، وسيتوقف عليه تقسيم تورتة البرلمان. ومن هنا تأتي ضرورة التحرك السريع لقوى الثورة في الشارع، حاملين خطابا قادرا على اجتذاب الجماهير.
3-أن المجلس العسكري "لايص" بين تلك القوى الأربعة، وليس منحازا إلى إحداها على حساب الأخرى، وإن أعلن انحيازه للثورة. وأن انحيازاته وقراراته قائمة على تصوره حول موازين تلك القوى (كما قلنا من قبل، سيقف المجلس في صف الأقوى).
وفي هذا الإطار، يمكن فهم الاستفتاء الذي أجراه المجلس العسكري حول مرشحي الرئاسة. كان المجلس نفسه يريد معرفة "أوزان" تلك القوى (في إطار مستخدمي شبكة الإنترنت على الأقل، حيث يصعب التوصل لقياس شعبي حقيقي دون صناديق اقتراع). ومن خلال معرفته لهذه الأوزان (ومع حساب الوزن المجهول/ وزن الشريحة غير المستخدمة للإنترنت) يصبح بإمكانه أن يصيغ توازناته.
وربما من الجدير أن نحلل نتيجة هذا الاستطلاع بأسلوب مختلف عما تناوله به المحللون (شارك في الاستطلاع نحو 300 ألفا وهي عينة كبيرة تمثل نحو 0.75% من إجمالي الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية وعددهم 40 مليونا تقريبا، كما تمثل نحو 1.7% ممن شاركوا في الاستفتاء الماضي وعددهم 18 مليونا تقريبا).
وهنا سوف أقسم القوى وفقا للتقسيم السابق (ثوار-إسلاميون-فلول)، مع استبعاد "الكنبة" بالطبع، لأن كلمة "كنبة" تعني أنهم لم يشاركوا أصلا في الاستفتاء. وسأسمح لنفسي بتصنيف الأسماء، للأغراض الإحصائية البحتة، مع الاحتفاظ بحق الآخرين في التحفظ على بعض الأسماء، ومع الإدراك الكامل بأن العوامل التي تدفع شخصا لاختيار اسم بعينه هي عوامل معقدة ومتشابكة، وليست بالضرورة تصنيفات جاهزة (وهو نفس رأيي فيمن قالوا نعم أو لا في الاستفتاء).
كذلك يجب أن نقول إن ليس كل من يدعم البرادعي هو ثائر، ولا كل من يدعم أبو الفتوح إسلامي غير ثائر، ولا كل من يدعم شفيق فلول، وهكذا. مع ذلك- وعلى نطاق شديد العمومية- فمن المفيد أن نصنف المرشحين كالتالي:
ثوار (محمد البرادعي- أيمن نور- حمدين صباحي- هشام البسطويسي): 41% من الأصوات.
إسلاميون (محمد سليم العوا- حازم صلاح أبو اسماعيل- عبد المنعم أبو الفتوح): 28% من الأصوات.
فلول (عمر سليمان- أحمد شفيق- عمرو موسى- كمال الجنزوري): 30% من الأصوات.
وقد استبعدنا كل من لم يحصل على 1% على الأقل من الأصوات.
4-أن العلاقة بين القوى المجتمعية، لا الثورية والمجلس العسكري تحديدا، قد تحددت بناء على النقاط السابقة، وأن ما سيلى من نضالات أو اتفاقات أو ضغوط أو صراعات، لا يجب أن يغفل حقيقة الوضع القائم على الأرض.
5-أن هناك خبرات تم اكتسابها على الأرض: المجلس العسكري أدرك أنه غير مسموح له بتجاوز الحدود (بالقتل أو التعذيب) وأن ذلك سيجعله يخسر أكثر مما يكسب، وأن أي محاولة ل"إرهاب" الشعب من جانب المجلس العسكري، لن تجدي. فالشعب المصري لم يعد يحب السير بجوار الحائط. وأن التصريحات التي يطلقها المجلس العسكري يجب أن تكون محسوبة.
6-أن أي محاولة لتجاوز "الحدود" مع المجلس العسكري (وتلك الحدود تزيد أحيانا أو تقل) سوف تجعل القوى الثورية تخسر الشارع، لا لأن الشارع "مش فاهم"، وإنما لأن الشارع، وبطبيعة المصريين خفيفة الظل، "فاهم بس عايز يستعبط" (الجيش خط أحمر).
7-أن المجلس العسكري حين يتحدث عن محاولات "الوقيعة"، فهو لا يهذي. هناك بالفعل محاولات للوقيعة من بعض القوى الثورية الراديكالية (وهي لا تسميها في تلك الحالة وقيعة، وإنما ثورة كاملة) التي ترى أن الثورة لن تكتمل إلا بهدم الركن الباقي من أركان النظام/الدولة (مؤسسة الجيش)، وأن ذلك لن يتم سوى بإشعال الأمور (اشتباكات مع الجيش، قد تؤدي إلى سقوط شهداء، ثم خروج الناس بالملايين، ثم تكرار سيناريو الإطاحة بمبارك)- ناهيك بالطبع عن محاولات الفلول للوقيعة والمعروفة للجميع.
8-أن المجلس العسكري حين يتحدث عن "عملاء" وعن "مندسين"، فهو –في هذه المرة- يهذي: وله في ذلك مبرران: الأول هو نظرية المؤامرة التي تسيطر على العسكر بطبيعة الحال، كما أسلفنا، والثاني هو رغبة براجماتية في "الوقيعة" من جانبه، بين الشعب وقوى الثورة، تجنبا ل"الوقعية" الأخرى بينه وبين الشعب.
9-أن طبيعة الثورة المصرية، وهكذا هي الأمور على واقع الأرض ودون تدخل من أحد، كانت متمثلة في غياب القوة الموحدة. وبالتالي حين تتحدث عن الإطاحة بالمجلس العسكري دون أن تقدم بديلا، فأنت ستظل في نظر الشارع "عبيط".
10-أن كل الترهات التي تتحدث عن مجلس رئاسي مدني لا يمكن أن تصمد أمام النقاش، لأن العبرة ليست في "من يحكم"، وإنما في "من يملك القوة". فإذا كانت القوة الوحيدة بيد المؤسسة العسكرية (القوتان الأخريان هما الشرطة، وهي بيد فلول النظام، والإخوان، ولا أظنهم قادرين على السيطرة)، تصبح المؤسسة العسكرية هي الحاكم الفعلي، حتى مع وجود مجلس رئاسي مدني.
11-أن الجدول الزمني الذي وضعه المجلس العسكري لتسليم السلطة، في واقع الأمر، جدول معقول ومقبول للغاية. والخلاف بين القوى السياسية وبينه حول التفاصيل. وأنك حين تخرج وتقول إن المجلس العسكري "استولى على السلطة" أو أنه "لا يقدم جدولا زمنيا"، فأنت الذي تهذي.
12-أن الضغط على المجلس العسكري يأتي بنتائج جيدة، لأن المجلس العسكري، كما قلنا من قبل، يضع في حسابه موازين القوى في الشارع (ثورية-اسلامية-فلول-كنبة)، ومن ثم فإن إظهار القوة أمام المجلس وأمام الشارع، يؤدي بالفعل إلى استجابة من السلطة.
13-أن الاتهامات الموجهة للمجلس العسكري من جانب العلمانيين بالميل إلى الإخوان، ومن جانب الإخوان بالميل إلى العلمانيين، لها ما يبررها، وهو التالي:
أن المجلس يميل إلى التعامل مع قوى منظمة (وهو أمر مفهوم بالطبع)، وبالتالي يميل للإخوان. (كانت الفرصة سانحة أمام حركات أخرى ناشئة مثل 6 ابريل، لكنها لم توافق على اللعبة، ما دفعها إلى خانة العداء مع المجلس)- اتضح ذلك في اختيار لجنة تعديل دستور 1971 قبل أن يخرج علينا المجلس العسكري بالإعلان الدستوري الذي أسقط الدستور الذي عدله المجلس!!
أن المجلس يميل إلى دولة مدنية حديثة (وهو أمر مفهوم أيضا)، فطبيعة الجيش طبيعة عسكرية علمانية، وتوازناته الإقليمية والدولية، بل والداخلية، تجعله لا يرغب في تولي قوة إسلامية مقاليد الحكم (في هذا السياق يمكن فهم قبول المجلس الضمني لشروط اختيار لجنة الدستور، أو طريقة عملها، أو وضع مواد فوق دستورية).
14- أن المجلس في ظل كل التوازنات السابقة يبدو غامضا، وغير مفهوم، ومرتبك، ومتناقض (يبدو إسلامي، ثم علماني. يبدو ثوري، ثم فلولي، ثم كنبي. يبدو بشوشا ثم صارما مهددا). والسبب في هذا كله، أن كل ما ذكرناه من توازنات سابقة (إضافة إلى التوازنات الخارجية- أمريكا- اسرائيل- العرب...إلخ) لا يمكن الإفصاح عنها بشفافية. كلها صفقات تجري بين الشعب والحكومة والمجلس والقوى الخارجية في "السوق السوداء"، لأنها لا تلتزم "المبادئ الشيك" التي يمكن الإعلان عنها.
نحن إذن بصدد غياب كامل للشفافية في الحكم، لكنه غياب محتوم. إنه إحدى قواعد اللعبة التي دخلناها جميعا، وكشف هذه الشفافية على الملأ بتصريحات رسمية، سوف يطيح باللعبة وينسفها من أساسها، لنعود إلى نقطة الصفر. وأنا هنا إنما أحاول أن أزيل الغموض والالتباس من الأذهان، لكنني لا أدعو "المجلس العسكري" بأي حال على التصديق على أقوالي. بل أحثه على ألا يفعل (خاصة وهو يعاني من فشل ذريع في صياغة تصريحاته- ربما كان يعود أيضا لطبيعته العسكرية!! وللتأكد مما أقول، يكفي أن تنظر إلى الأغنيات والإعلانات التي ينتجها قطاع الشئون المعنوية بالقوات المسلحة لتعرف قدر مواهبهم الفنية!!).
15-من المهم أن نسأل أنفسنا ماذا حققت الثورة؟
تعالوا معا نقسم "منجزات الثورة" إلى ثلاثة أقسام: ما تحقق، ما هو قيد التحقق (وفقا للخطوات أو الوعود)، وما لم يتحقق، مع العلم أن أهمية الإنجازات شديدة الاختلاف والتباين.
أولا: ما تحقق: الإطاحة بالدكتاتور حسني مبارك، الذي حكم البلاد 30 عاما- -الإطاحة بمشروع التوريث، الذي كان جمال مبارك بمقتضاه سيحكم البلاد لعقود أخرى- -حل الحزب الوطني الذي أفسد الحياة السياسية المصرية على مدار الأعوام السابقة- إحالة عدد كبير من كبار المفسدين (يمثلون زبدة الطبقة السياسية الحاكمة) إلى القضاء في اتهامات مختلفة. (من بينهم عدد كبير من الوزراء السابقين والأسبقين، وأمين عام الحزب الوطني، ورئيسا مجلسي الشعب والشورى... إلخ)-بث روح الأمل في الشعب المصري من جديد- استعادة كرامة المصريين بعد اتهامات بالذل والخنوع-إثارة حراك سياسي سوف يدفعنا إلى الديمقراطية التي نستحقها، وبالسرعة التي نستحقها-الإطاحة بجزء كبير من الطبقة السياسية الفاسدة (من المجالس النيابية والمحلية)-تمهيد التربة لديمقراطية مرتقبة (انتخابات رئاسية وبرلمانية)
ثانيا: ما هو قيد التحقق (بدرجات متفاوتة): -تطهير المؤسسات (الحكومية والجامعية...إلخ) -تطهير الداخلية -تطهير المحافظين-انتخابات برلمانية نزيهة-انتخابات رئاسية نزيهة--دستور جديد-إرساء مبدأ الشفافية (بعلانية المحاكمات)-الإسراع في تطبيق العدالة (من خلال تخصيص دوائر وإلغاء الأجازة القضائية).
ثالثا: ما لم يتحقق:وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين-محاسبة قتلة الشهداء من الضباط، بالإيقاف عن العمل أو الحبس لحين الفصل في قضاياهم المنظورة.-المحاسبة على الإفساد السياسي- وضع حد أدنى وأقصى للأجور-إلغاء قانون الاضرابات-نقل مبارك إلى سجن طرة.
وبإمكانك شخصيا: الإضافة والحذف من التصنيف السابق. بحسب رغبتك. لكن مع الوضع في الحسبان أن تحقيق منجزات الثورة بالكامل سوف تكون مهمة البرلمان والرئيس المنتخبين، وأن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وانتصار القوى الثورية في تلك الانتخابات، هو الوحيد الذي سوف يضمن تحقيق كافة الانجازات.

المستقبل: كيف ندير نقاشا؟
إن انفتاحنا المفاجئ على السياسة، بعد عقود كاملة من القمع والصمت، جعلنا في حالة من الفوضى أرجو ألا تستمر كثيرا. وكانت من نتيجة تلك الفوضى: أن فضل البعض الصمت حتى لا يُتهم بالتواطؤ (مع المجلس أو مع الثوار)- أن علت الأصوات الأقل عقلانية (بدعوى أننا مش عايزين كلام كبير لأننا في وقت ثورة)- أن ازدادت المزايدات (من يدعو للتهدئة هو خائن للثورة)- أن تزايد ازدياد المزايدات (من يفتح فمه في موضوع الاعتصامات التي تقوم على أهالي الشهداء هو خائن للشهداء).
يجب أن تتراجع تلك الحالة سريعا: لأننا لن نمضي إلى الأمام إلا مع تفاعل كل الأفكار (بما فيها أكثرها رزانة وأكثرها شططا) دون تخوين. وأن هذا التفاعل سوف يؤدي إلى الإسراع من الثورة الحقيقة: وهي الثورة المجتمعية.
فالثورة المجتمعية هي إحدى مشكلاتنا الحقيقية، وتأخر تحقيق أهداف الثورة نابع، ليس فقط من المجلس العسكري، ولكن من غياب القدرة على اجتذاب المزيد من أفراد الشعب إلى صف تلك الثورة، وتوحيد قيادتها. فهناك حقيقة واضحة: إذا زاد اقتناع الشعب بالمطالب (عبر نقاش هادئ ومنطقي) وبطرق الضغط المقبولة (لدى الشارع)، وتحت قيادة موحدة (أو ائتلافية) سوف يتم الإسراع (بصورة منطقية وبالضرورة) في تنفيذ هذه المطالب (سواء كان ذلك في عهد مبارك أو في عهد المجلس العسكري، أو في عهد الرئيس القادم المنتخب، أيا كان اتجاهه السياسي).

موقفي الشخصي من الاعتصام الجاري:
لقد سقطت القوى الثورية في خطأ شديد بتمديد اعتصام 8 يوليو. كان اعتصاما نعرف الدخول فيه ولا نعرف الخروج منه. بدأ قويا، وصل لذروته، حقق بعض المطالب، فشل في تحقيق البعض الآخر، بدأ في التراجع.
كان من المفترض ساعتها أن ينفض الاعتصام وتخرج القوى الثورية (بصحبة أهالي الشهداء الذين يتمزق لهم قلبي بالفعل ولكننا نتحدث في السياسة هنا) منتصرة. ومن ثم تعود، عندما تعود، منتصرة. كان بالإمكان تعليق الاعتصام بعد التعديل الوزاري والإجراءات التي تعهد بها عصام شرف. ومنحه فرصة شهرا آخر لتنفيذ بقية الطلبات قبل الاعتصام من جديد. لكن ما حدث أن القوى التي سيطرت على الميدان كانت الأكثر "فوضوية" وليست الأكثر "سياسية". وأن الحس الغالب على الميدان كان حسا "عاطفيا" أكثر منه "سياسيا". ومن ثم (وعبر ثنايا بعض التصريحات ومن خلال ملاحظاتي المباشرة)، كان كل من في الميدان يريدون الخروج منتصرين بدلا من أن يخرجوا منهزمين، لكنهم بقوا تحت ضغط التعاطف مع القوى الاكثر راديكالية (وقوامها الأساسي أهالي الشهداء)، حتى لا يُتهموا ب"خيانة الثورة".
وقد تعامل المجلس بذكاء مع الاعتصام، فلم يقترب منه، وهو ما دفع القوى الثورية إلى الشعور بالخطر، وإلى الإحساس بأن الشارع ينسحب من تحت أقدامها، بعد أن كان مؤيدا لها، فاتخذت خطوات أقل ذكاء، بالتصعيد.
وكانت وسيلة التصعيد الأولى الفاشلة هي غلق مجمع التحرير، الذي زاد نقمة الناس على المعتصمين، وقد تراجع المعتصمون عن القرار (حدثت بعض محاولات قطع طريق السويس-السخنة، أو التهديد بوقف الملاحة في قناة السويس، مش عارف ازاي!!!)
أما وسيلة التصعيد الثانية، والتي انتهت بصدام مباشر في العباسية بين الشارع (مدعوما ببعض البلطجية) وبين الثوار (مخترقين ببعض عملاء الأمن والفلول)، فقد انتهت إلى الفشل أيضا، وإلى خسارة المزيد من قطاعات الشارع.
إن المجلس العسكري اعتاد في الفترة السابقة على ألا "يضرب" الثوار حتى لا يلقى غضبا من الشعب. والخطر أن يعتاد المجلس في الفترة القادمة على أن "يضرب" الثوار، بتأييد من الشعب.
هناك عدد لا بأس به من الثوريين الراديكاليين الذين كانت الثورة تدشينا لاهتمامهم بالسياسة، إنهم أناس لم يعرفوا السياسة من قبل، لم يشاركوا في أحزاب أو حركات سياسية معارضة، ولا في منظمات المجتمع المدني، ولم يشاركوا في مظاهرات (2004-2011)، ولا في الإضرابات العمالية، ولم تكن السياسة تمثل لهم أدنى اهتمام، ولم يجربوا منها سوى "الاعتصام"، وقد أتى الاعتصام بنتيجة هي سقوط مبارك، ومن ثم، فإن أي شيء غير الاعتصام (أو الإضراب عن الطعام عندما نشده إلى أقصاه) فهو عبث ولن يأتي بأي نتيجة.
هؤلاء الناس هم أنقياء، ربنا أكثرنا نقاء. لكن نقاءهم ذلك لن يدفع البلاد بالضرورة إلى الأمام.

وأخيرا:
لقد قمنا بالثورة كي نفرح (هل تتذكر صورة الشهيد المبتسم؟)، وسوف تنهزم الثورة إن اكتأبنا.
حافظوا على الفرح. لا يعني ذلك ألا ننظر إلى الصعوبات، وألا نستعد لتقديم المزيد من التضحيات، لكنه يعني أن نفعل ذلك بطاقة من الفرح والتفاؤل.
إن الثورة تحتاج للجميع.. تحتاج رأيي ورأي من يخالفني. تحتاج من يدعون إلى الهدنة، ومن يدعون إلى التصعيد. لكنها تحتاجنا جميعا "إيد واحده"، دون مزايدات أو تخوين.
قد تختلف معي في ألف موضع: لكن يكفيني فضل "إثارة النقاش". وكل نقاش سوف أقيمه فيما بعد، سوف يقوم على قناعاتي التي ذكرتها هنا بالتفصيل، ما لم تتغير تلك القناعات، أو يثبت لي خطؤها.
وكل سنة وانتوا طيبين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.