جامعة الفيوم تحتفل على شرف الطلاب المثاليين سفراء النوايا الحسنة    إيبارشية بني سويف تعلن ترتيبات الصلوات وحضور قداس عيد القيامه المجيد    بتكلفة 3.5 مليون جينه .. افتتاح مسجدين في الواسطى وسمسطا    حماة الوطن: تأسيس اتحاد القبائل العربية وتدشين مدينة السيسي خطوتان للأمام    رئيس الطائفة الإنجيلية يصلي الجمعة العظيمة بالقاهرة الجديدة    أخبار التوك شو.. مفاجأة في أسعار الذهب والدولار.. ورضا عبد العال: لن أخالف ضميري من أجل الأهلي    محافظ بني سويف: توفير الدعم العاجل لأهالينا الذين يتعرضون لمواقف حرجة وطارئة    بريطانيا تفرض عقوبات على مجموعتين وأفراد بإسرائيل    القاهرة الإخبارية: إسرائيل تعتقل 44 صحفيًا في السجن الإداري.. فيديو    مصر تقف أمام المخططات الإسرائيلية الهادفة لتهجير سكان غزة إلى سيناء    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ليفربول يصدم محمد صلاح بهذا القرار.. "تفاصيل"    ثمن الخيانة في الوراق.. العشيق هرب من غرفة النوم إلى سرير المستشفى    أخبار الفن.. أحمد رزق يخضع لعملية جراحية عاجلة.. السرب يقترب من 4 ملايين جنيه فى يومين    بالأسماء.. تعرف على الكتب الأكثر إقبالا بجناح مركز أبو ظبى للغة العربية    اقدر.. مباردة مجتمعية تستقبل زوار معرض أبو ظبي    التضامن تكرم كارولين عزمي بعد تألقها في «حق عرب»    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    المفتي: مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم على سبيل السلام والمحبة وحسن الجوار    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    أبرزها "توفير مصل التسمم".. "الصحة" تعلن خطة تأمين احتفالات عيد القيامة وشم النسيم    طوارئ في الجيزة استعدادا لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    تعاون «مصري- يوناني» النسخة الجديدة مبادرة «إحياء الجذور – نوستوس»    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    انخفاض أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة والمحال    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 مايو 2024.. مصادر دخل جديدة ل«الأسد» و«العقرب» ينتظر استرداد أمواله    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: عندما قابلت إحسان عبد القدوس قبل ربع قرن.. قال لي.. «2-2»
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 02 - 2010


جمال عبد الناصر: هدم القديم وبني الجديد
محمد نجيب: قدم الثورة بصورة أكثر جدية
خلال ساعات هذا الحديث، شرب إحسان عبد القدوس فنجانين من القهوة ودخن سيجارين من النوع الطويل. ورد علي تليفونين؛ الأول: كان من متحدثة تشكو صمت تليفونها. والثاني: كان من متحدثة تسأل عن حفيده محمد ابن ابنه محمد، والذي يناديه باسم مودي. وخلال الحديث قام إحسان من مكانه مرتين. الأولي لكي يسأل زوجته عن اسم القرية التي تنحدر منها العائلة في محافظة الغربية، فذاكرته ضعيفة جداً ولا تذكر أي شيء، والثانية لكي يريني بعض أشيائه الخاصة، وهي 200 صورة خاصة. وتمثال له في السجن ويداه مقيدتان بالحديد، والكوب الذي كان يشرب به الماء في السجن، وفي مكتبته غابة من الهدايا البسيطة التي جلبها معه من كل مكان في العالم، من كل دولة هدية تعكس شخصية هذه الدولة. وكان محمد ابنه هو الحاضر الغائب خلال الحديث وحفيده يداعب جده، وصدق من قال: إن أعز الولد ولد الولد.
وفي آخر الحديث، كان الرجل متعباً قال إنه أصابه صداع من كثرة الكلام. وكان ينطق الفصحي العربية مشكولة بشكل سليم وكان بطيء الكلمات وكان في غرفة مكتبه تليفزيون صغير وجهاز فيديو.
الأم والأب والغياب المستحيل:
انفعل إحسان عبد القدوس خلال هذا الحديث مرة واحدة. ارتعش صوته، وتسللت إليه نبرة من الشجن العميق وتجمع مشروع دمعة كبيرة في عينيه عندما تحدث عن أمه فاطمة اليوسف، ووالده محمد عبد القدوس. بدأ الرجل يحلق في ذكرياته معهما. ورغم سنوات العمر فإن القلب لا يزال أخضر. والعين تجود بدموعها مع أوقات الحزن.
سألته: لماذا لم تكتب عن أمك؟
- لا أستطيع الكتابة عن والدتي لأنني كلما تذكرتها تغلبت عواطفي علي فكري، فأعجز عن أن أمسك بالقلم وأسيطر به علي هذا الفكر حتي أكتب عنها، وأنا أخشي دائماً إذا كتبت عنها أن تتغلب عواطفي فتؤثر في سياق ما أكتبه. وقد لا يحقق ما أكتبه نجاحاً يليق بذكري والدتي. أنا عواطفي حساسة وتتغلب عليَّ لدرجة أنني أيضاً لا أستطيع الكتابة عن والدي الأستاذ محمد عبد القدوس الذي أعتبره قمة من قمم الفن سواء في التمثيل أو في الكتابة المسرحية.
هل كان والدك كاتباً؟
- نعم والدي كتب 3 مسرحيات كانت في أيامه تعتبر تطوراً في المسرح العربي ومثلت علي مسرح الأزبكية، مثلت إحداها عزيزة أمير، أذكر منها: «ناهد شاه» وهي مسرحية استعراضية، ومسرحية «معروف الإسكافي»، ومسرحية أطلق عليها والدي «إحسان بيك». وقد تعمد أن تعرض علي المسرح في يوم عيد ميلادي. وأذكر أنه في يوم عرضها أخذني وركبنا معاً الترام فأخذ يشير إلي الإعلانات المسرحية وكلها تحمل إسم "إحسان بيك". كان هذا اليوم من أجمل أيام عمري وهذه المسرحية تحولت إلي فيلم سينمائي هو الثاني في تاريخ السينما المصرية وكان اسمه بنت النيل. وكنت أذهب مع والدي عندما كان يذهب إلي السيدة عزيزة أمير لكي يكتب السيناريو. وأنا أدين لوالدي بهواياتي الأدبية والفنية، وقد بدأت الكتابة تقليداً له. وكان أول ما كتبته في العاشرة من عمري مسرحية حاولت أن أقلد بها والدي. كان والدي يكتب أيضاً الشعر والزجل وقد حاولت أن أكتب الشعر والزجل تقليداً له.
وأول ما نشر لي في الصحافة قصيدة من الشعر المنثور، أرسلتها دون توقيع إلي روز اليوسف التي كانت تصدر يومياً وكان يوسف حلمي هو المسئول عن الأدب وبعد نشرها، اكتشفت أمي أنني الكاتب وقد انزعجت من ذلك لدرجة أنها حرمتني من مصروفي لأنها كانت تخشي أن أصبح مثل والدي فناناً فوالدي فنان مائة في المائة. حدث هذا سنة 1934، وكانت سني في ذلك الوقت 15 سنة. كانت أمي تريدني أن أكون صحفياً فقط. أما حكاية الأدب والفن؛ فكانت تخشي عليَّ منها دون حد وكانت والدتي تريد أن أكون صحفياً أدير الجريدة من بعدها.
تجاهل النقاد لكاتب ال 500 قصة:
وصلت الآن إلي الجزء الحساس، لماذا تجاهل النقاد والباحثون والدارسون نتاج إحسان الكاتب مع كل هذه الغزارة في الإنتاج الأدبي؟ هل هو موقف، أو ماذا؟
قال برحابة صدر:
- الواقع أنني أضع ظروفي الخاصة كسبب رئيسي لموقف النقاد مني. لقد نشأت كصاحب جريدة وكرئيس للتحرير وهذا أثر في موقف النقاد مني. لست مجرد كاتب قصة أو مجرد أديب. إذا مدحني أحد قيل إنه ينافق صاحب الجريدة ورئيس تحريرها، وقد كان النقاد الذين يكتبون في روز اليوسف يهاجمونني لهذا السبب. وأذكر أن فتحي غانم قد كتب مقالاً ضدي حيث إنه بدأ ناقداً في روز اليوسف، كان المقال ضد أحد قصصي. وقد هاجم هذه القصة بعنف شديد وقد أجزت نشر هذا المقال وسمحت بنشره فإذا بوالدتي روز اليوسف تصرخ وتثور لهذا التصرف وتقول كيف تسمح لأحد أن يهاجمك في مجلتك؟ ولكني قلت لها: إنني مؤمن بحرية النقد ومع هذا كان هناك من كتبوا عني لقد كتب توفيق الحكيم، والدكتور لويس عوض، ويحيي حقي، كتبوا عني بصورة جيدة.
في بعض الأحيان الأخري، كان النقاد يهاجمونني، أو يتجاهلون إنتاجي بسبب بعض الظروف السياسية. مثلاً اتهامي أنني كاتب جنس لم يكن قائماً علي دراسة لإنتاجي الأدبي، ولكنه ينطلق من موقف سياسي ضدي فأنا لا أتعمد كتابة الجنس أبداً، ومشاهد الجنس في قصصي ليست متعمدة، وهي أقل إثارة من مشاهد الجنس في كثير من القصص التي يكتبها كتاب آخرون، وعندما نوقشت روايتي «أنف وثلاث عيون» في مجلس الأمة المصري، كان الدافع لذلك سياسياً أيضاً وليس أدبياً. وأنا أعتقد أن طبيعتي هي التي تدفعني إلي التحرر الكامل عندما أكتب، وهذه الطبيعة جعلت لي لوناً غريباً عن اللون العادي من الكتاب ولهذا سيتطلب إنتاجي الأدبي وقتاً طويلاً حتي يجد من يقدم دراسة نقدية له.
هل جماهيريتك هي التي جعلت النقاد يعادونك؟
- هذا يعود أساساً إلي قيمة الكاتب وجديته. أنا الآن أعتمد علي رأي القارئ أكثر مما أعتمد علي رأي الناقد وأعتقد أن القارئ أصدق في التعبير من الناقد؛ وأنا نفسي درست الأدب معتمداً علي قراءة الإنتاج الأدبي العالمي لا علي ما يكتبه النقاد والدارسون. لهذا فأنا أعتز بأني مازلت أحتفظ بقرائي ومازلت أرفع توزيع أي مجلة أو جريدة تنشر قصصي بصرف النظر عن كتاباتي السياسية.
عزلة الكاتب: لماذا؟
يعيش إحسان عبد القدوس في عزلة. قليلون من الأدباء الذين عرفوه شخصياً ومن النادر أن تشاهده في مكان عام مع أن إنتاجه الأدبي يضج بصخب الحياة، فلماذا هذه العزلة؟
- هذه العزلة نتيجة الظروف السياسية التي تعرضت لها. كنت إن جلست في مقهي التفَّ حولي البعض ولا ينظر إلي الجلسة كما ينظر إلي جلسة نجيب محفوظ ولكنها تفسر بصورة سياسية، وهذا بدأ من صغري وحتي قبل الثورة إلي حد أن تعودت فعلاً علي الإنعزال. ثم إن تطور حياتي العملية دفعتني أكثر إلي العزلة فقد كنت مسئولاً عن مجلة روز اليوسف التي أدت دوراً كبيراً في إعداد الثورة وكان كل الملتفين حولي حتي الأصدقاء تربطني بهم صداقة عمل أو صداقة ثورة لا مجرد صداقة شخصية ولذلك عندما فقدت عملي في روز اليوسف تبعثر كل شئ حولي. وقد لا تعلم، ولعلك تعلم، أني أتجنب دائماً الأحاديث الصحفية وأتجنب الظهور في التليفزيون وأتجنب الكلام في الإذاعة لأن هذه العزلة أصبحت من طبيعتي وأصبح كل ما يربطني بالناس هو أن أكتب ليقرأوا. كل ذلك كان نتيجة الظروف السياسية التي مرت بي ولو أني الآن ألوم نفسي وأتحايل علي نفسي حتي أخرج إلي المجتمعات وخصوصاً الاجتماعات الأدبية والصحفية، وأظهر في التليفزيون والإذاعة حتي كدعاية لنفسي وتقرباً للقراء. ولكني كنت ولازلت أفضل أن يقرأ لي الناس بدلاً أن يقرأوا عني وأن يقرأوا لي بدلاً من أن يسمعوا مني.
أثارت روايتك «لا تتركني هنا وحدي» الكثير من الجدل. هل كتبتها من وحي اللحظة التي نشرت فيها؟
- في الواقع إن هذه القصة تدور حول مجتمع اليهود في مصر أو اليهود المصريين وهي ليست من قصص اليهود في مصر. ولكن هذه القصة أثارت اهتماماً خاصاً لأنها نشرت في وقت المبادرة، والغريب أنهم في العالم العربي رفضوها في حين أن في إسرائيل نفسها قامت ثورة ضد هذه القصة بسبب الصورة التي قدمتها لليهود في مصر، حتي أنني نشرت في الأهرام رسالة جاءتني من إسرائيل تهاجم القصة ورددت عليها.
كان الاستياء العربي من الرسالة والرد عليها أكثر من القصة؟
- القصة تدور قبل المعاهدة ولقد فسروها هكذا خطأ. إن القصة تدور حتي قبل سنة 48 وأنا شخصياً أحب أن أقول لك إنني فخور بهذه القصة وأتمني لو عرضت في التليفزيون أو السينما ولكن الظروف السياسية أو تفسير الظروف السياسية يحول دون عرضها في السينما والتليفزيون. بهذه المناسبة أحكي لك حكاية ذكرتني بها عن التأثير السياسي في كل ما أكتبه من قصص. أنا ضحية دائماً لهذا التأثير وأذكر أنني كتبت قصة فسرت علي أنها اتهام خطير لجمال عبد الناصر في أيام حكمه، لأنها قصة كنت أقول فيها ما حدث قبل الثورة يحدث بعدها، فإذا بعبد الناصر نفسه يقرأ هذه القصة ويأمر بعرضها في التليفزيون ويطلب من المسئولين عن التليفزيون ألا يغيروا منها شيئاً. وقد قال لي أنور السادات: إن عبد الناصر كان في اجتماع معه ثم استأذن منه وقال إنه سيصعد ليجلس أمام التليفزيون لكي يري قصة إحسان عبد القدوس، قد طلبتها وأخشي أن يكونوا عدَّلوا فيها. وهذا دليل علي اختلاف التفسيرات، إلي حد أن البعض يتهمني بمعارضة الحاكم في حين أن الحاكم نفسه يري أن ما كتبته هو درس يجب أن يعرض علي الشعب.
وقد وقف عبد الناصر معك في معركتك مع شيخ الأزهر. هل تذكر القصة؟
- في سنة 1954 استطاعوا في الإذاعة أن يقنعوني بأن أقدم برنامجاً أسبوعياً كما كان يفعل فكري أباظة يرحمه الله، وكنت أتكلم كل أسبوع وأنهي كلامي بكلمة تصبحوا علي خير وتصبحوا علي حب فثار بعض المشايخ لأن كلمة الحب عندهم لا تعني سوي اللقاء الجنسي وكأني كنت أطلب من كل رجل وفتاة أن يمارسوا الجنس! ووصلت الضجة إلي عبد الناصر، ورغم أنه كان ضاحكاً وغير مقتنع بهذه الضجة التي أثاروها ضدي فقد عرض عليَّ أن أغير كلمة حب فتصبح تصبحوا علي محبة فرفضت تغيير الكلمة وقلت له إنني أريد أن يتعود الناس علي المعني السامي والنظيف لكلمة الحب. وسمح لي عبد الناصر بأن أستمر فعلاً وكانت النتيجة أنه هو نفسه في خطبة يستعمل كلمة الحب لا المحبة، كما كان يكررها كثيراً السادات. ولكني تركت سنتها الإذاعة بسبب تدخل الرقابة فقد وجدت أنني لا أستطيع أن أتحمل تدخل الرقابة فيما أكتبه في روز اليوسف وتدخلها فيما أقوله في الإذاعة ومن يومها أي منذ سنة 1954 وحتي الآن لم أتكلم السينما والمسرح والتليفزيون:
كان لا بد من حديث معه حول عدد من الفنون له المهتم بها بصفة خاصة.
هل تكتب قصصك للسينما خصيصاً؟
- لم أكتب أي قصة للسينما. أنا أكتب إلي القراء فقط ثم بعد ذلك يحول ما أكتبه إلي سيناريوهات سينمائية، وأنا نفسي كتبت عدداً قليلاً من السيناريوهات لا تزيد علي خمسة ولكني وحيث إن سيناريوهات السينما في أمريكا وأوروبا تطبع في كتب وتوزع للقراءة مثل المسرحيات فالمسرحيات رغم أنها تشاهد علي المسرح فإنها تطبع للقراءة فلماذا لا تطبع السيناريوهات أيضاً؟ وهذا ما كنت أعنيه في الحملة التي أثرتها عن الأدب السينمائي فكما أن هناك أدباً مسرحياً فلماذا لا يكون هناك أدب سينمائياً؟
في مواجهة السينما والمسرح والتليفزيون والفيديو. ألا تعد الكلمة المكتوبة في خطر؟
- لا شك أن نسبة القراءة قد قلت في أنحاء العالم وهذا يؤثر في توزيع الكتب. ولقد وجد الجيل الجديد أنه من السهل الجلوس أمام التليفزيون من أن يفتحوا كتاباً يقرأونه، وحتي العلوم التي تدرس في المدارس تذاع في التليفزيون وتسجل في الفيديو وكأننا في طريقنا لإلغاء دور الكلمة.
إن شريط الكاسيت في طريقه ليحل محل الكتاب.
- أنا نفسي سجلت بعض قصصي علي أشرطة كاسيت وإن كنت لا أعتقد أن الاستماع أضعف من القراءة ولذلك مهما قلت عن قدرة التليفزيون والإذاعة فلن تغنينا أبداً عن القراءة.
هل تذهب إلي مسرح اليوم؟
- للأسف لا أدري لماذا لا أذهب. أو ماذا حدث لي ولكنها ظاهرة عامة. لا أتردد كثيراً علي دور السينما والمسرح إلا إذا كان هناك مناسبة قوية تدفعني إلي المشاهدة. أنا من هذه الناحية أعتمد علي التليفزيون والفيديو وأهم شيء عندي القراءة. وأنا أقرأ حالياً حتي التاسعة مساء ومن التاسعة فقط.
كيف تنظم علاقتك بالواقع الاجتماعي في مصر الآن؟
- لست منقطعاً عن المجتمع انقطاعاً كاملاً. عندي زوار من هذه الزيارات أحصل علي الكثير من معلوماتي الاجتماعية كما أنني أعتمد علي القراءات الصحفية الداخلية والخارجية لكي أرتبط بالواقع. إن كل ما ينقصني هو الارتباط الذي يحمل صفة معينة. ليس لديّ ارتباط بالنقاد أو الجيل الجديد أو المجتمع بشكل عام.
قراؤك هم شباب الخمسينيات هل مازالوا معك أم أنك استبدلت بهم شباب السبعينيات؟
- الحمد لله أعز نعمة أشكر الله عليها أن الأجيال تتعاقب عليَّ وأنا واقف في مكان جيل بعد جيل. قصصي طبعت أكثر من ثماني مرات وكانت هناك أجيال لم تولد عند نشر هذه القصص لأول مرة ومع ذلك قرأتها عندما وصلت إلي مرحلة الإدراك. لقد كنت متهماً من قبل بأن كل قرائي من الشباب ولكني اكتشفت أنه حتي الكبار والعواجيز يتتبعون إنتاجي.
ألا تفكر في كتابة مذكراتك؟
- نفس العائق الذي يمنعني من الكتابة عن أمي وعن أبي يمنعني أن أكتب مذكراتي وإن كانت ذكرياتي تنعكس في قصصي وفي مقالاتي السياسية. إنهم يلحون عليَّ كثيراً ولكني عندما أفكر في المذكرات أخشي أن أترك المستقبل وأعيش في الماضي. وأنا حتي الآن أحتفظ بارتباطي بالمستقبل أكثر من الماضي، أحتفظ بالآمال، أفكر في المستقبل، فالمستقبل هو البناء والماضي هو شكل من أشكال الفرجة علي الماضي. أفكر أن أكون في حركة بناء عن أن أكون في حركة فرجة.
تتراجع المرأة في قصصك الأخيرة لماذا؟
- هذا كلام غير صحيح لدرجة أن هناك ناقدة كتبت عن قصتي «أيام في الحلال» قائلة يبدو أنني «عجزت» لأنني لم أكن صريحاً في عرض مواقف البطلة وهذا دليل العجز. ونسيت الناقدة أن القصة كلها تقوم علي الموضوع، مثلاً القصة التي تنشر حالياً «يا عزيزي كلنا لصوص» تخلو تماماً من المواقف الغرامية إلا أن موضوع القصة يفرض هذا. إن اختلاف الموضوعات هو الذي يحدد التفاصيل. وأنا أكون صادقاً بدون حد مع الموضوع الذي أكتبه ولا أتعمد أي مشاهد في القصة.
لم تكتب؟
- أكتب للمتعة الشخصية. لا أستطيع الحياة بدون كتابة، فهي قضية عمري وهي هوايتي الوحيدة، بدون الكتابة لا أعرف كيف أعيش ولا أعرف كيف أقضي وقتي، بدون الكتابة لا يصبح لهذا العالم أي معني.
كم مرة تكتب العمل؟
- الكتابة الأولي فقط ثم أترك العمل بعد ذلك مباشرة أخاف من مراجعة العمل وإن راجعته سأكتب عملاً آخر، أقرأ العمل بعد جمعه في المطبعة فقط أي إنني إن لم أكتب لا أرضي عن نفسي أبداً وعندي شك في نفسي. والقارئ هو ملاذي الوحيد واتصال هؤلاء القراء بي هو سلواي الوحيدة فهناك عشرات القراء والقارئات يتصلون بي ويحضرون إليَّ، بعضهم يعتبرني طبيباً نفسياً وهناك العديد من الجيل الجديد من الكتاب يعرضون عليَّ إنتاجهم الجديد، صحيح أنني ليست لي ندوة مثل نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم ولكنهم يحضرون إليَّ في البيت.
هل تعجبك سينما اليوم؟
- لقد تغيرت السينما وهذا التغير مرجعه إلي الإنتاج فالسينما فن يعتمد علي رأس المال ورأس المال هو الذي يتحكم في أي عمل تشاهده. إن شاهدت أي عمل أقول إن وراؤه منتجاً جيداً. زمان كان يقوم بالإنتاج السينمائي شركات متخصصة تفهم الفن السينمائي أما الآن فيقوم بالإنتاج السينمائي أفراد لا علاقة لهم بالفن وهذا أدي إلي تدهور هذه الصناعة العظيمة كما أن الظروف العامة ساعدت علي هذا التدهور.
فالموصلات مثلاً وأزمتها ساعدت علي تدهور السينما. فمعظم دور العرض الكبيرة توجد في منطقة وسط القاهرة وأغلب العائلات ترفض النزول إلي وسط القاهرة بسبب الزحام، هذا الزحام الذي لم نقم له أي حساب من قبل ورغم تدهور السينما فإنه يوجد في مصر فن عظيم ظل متألقاً رغم أسوأ الظروف، إنه فن التمثيل، فهو الفن المصري الوحيد الذي يبدو أنه أكبر من أي أزمة وأقوي من أي مشكلة فلا يزال لدينا أعظم الفنانين في العالم العربي كله.
ما انتماؤك السياسي؟
- أنا منتمٍ سياسياً لحرية الرأي. بدأت هذا الانتماء عندما كنت طالباً في الجامعة وحتي الآن. وحرية الرأي هي قضية عمري الأساسية وفي سبيل حرية رأيي، ولكي أحافظ عليها كنت أرفض طوال عمري الانتماء إلي أي حزب سياسي أو إلي أي جماعة سياسية بل كنت أرفض الارتباط بصداقة شخصية إن أخذت لوناً سياسياً، جمال عبد الناصر كان صديقي قبل الثورة واختلفت معه رغم صداقتنا وظلت الصداقة رغم الخلاف في الرأي.. حرية الرأي هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها شخصيتي الأساسية. وحرية الرأي في تصوري فوق المعارضة وفوق التأييد فأنا أعتبر أنني حر إلي درجة أنني قد أؤيد ثم أعارض ثم أؤيد لأن الرأي ينطلق من حالة معينة ومن وضع معين فقد أؤيد الحاكم في ناحية وأعارضه في ناحية أخري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.