قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    نصف جيشهم من الجهاديين ولكن، نتنياهو يحدد موقفه من إقامة علاقات واتفاق سلام مع سوريا    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز آرسنال وتعثر مانشستر يونايتد وتشيلسي    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    محافظ القاهرة: معرض مستلزمات الأسرة مستمر لأسبوع للسيطرة على الأسعار    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    المنتجين العرب يعلن دعمه وإشادته بمبادرة الشركة المتحدة للارتقاء بالمحتوى الإعلامي    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    مانشستر يونايتد يسقط فى فخ التعادل أمام وولفرهامبتون بالدوري الإنجليزي    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    نتنياهو يزعم بوجود قضايا لم تنجز بعد في الشرق الأوسط    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    قرارات حاسمة من تعليم الجيزة لضبط امتحانات الفصل الدراسي الأول    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: سهرة رمضانية بين نجيب محفوظ ومحمود السعدني
نشر في الدستور الأصلي يوم 10 - 09 - 2010

نجيب محفوظ: قال لي عبد الناصر: لم أقرأ لك شيئاً منذ فترة فرد هيكل: ننشر له قريباً «حاجة تودي في داهية» فقال له: «توديك إنت في داهية» توديك إنت في داهية: لمن قال عبد الناصر هذه العبارة عندما زار الأهرام 1969؟ هل قالها لهيكل أم قالها لنجيب محفوظ؟ أم لم يقلها أساساً؟
نجيب محفوظ ومحمود السعدني
بدأت الحكاية عندما علم نجيب محفوظ أن محمود السعدني يعاني من مرض خطير. سألني فقلت له إن السعدني اكتشف أنه مريض بالسكر. ولكن في اليوم التالي وأثناء وجوده في الأهرام مع صبري السيد. اتصل بالسعدني في البيت من أجل الاطمئنان عليه. وفي هذا الاتصال تم الاتفاق علي لقاء.
بعد الإفطار مباشرة جاء إلينا السعدني حيث نجلس كل ثلاثاء. ثم انتقلنا إلي كافيتريا نافع بشارع الملك فيصل بالهرم. وما بعد الإفطار وحتي السحور. جرت ثرثرة رمضانية حرة طليقة. هذا بعض ما قيل فيها.
حضر اللقاء وشارك فيه بالاستماع والقول عدد كبير من أهل الصحافة والفكر والسياسة والأدب. وعشاق نجيب محفوظ. وبعيداً عن الألقاب ومع حفظها. وكذلك الوظائف أيضاً كان معنا: مصطفي الفقي. عبد المجيد محمود. توفيق صالح. عماد العبودي. جمال الغيطاني. طوغان. فؤاد علام. فؤاد الغمراوي. إبراهيم نافع. علي والي. عاصم حنفي. محمد هاني. سجلا هذا اللقاء بعدساتهما: شوقي مصطفي وحسام دياب.
منذ البداية لم يكن نجيب محفوظ ميالاً إلي فكرة الذهاب، فالرجل لا يحب تغيير عاداته بسهولة. ويمضي عليه وقت طويل قبل أن يألف الوجوه والأماكن الجديدة عليه، ولكن تصميم السعدني لا يرد. وهكذا كان.
سأل نجيب محفوظ السعدني: كيف الصحة يا محمود؟! قال السعدني إنه لا يجري أي تحاليل. في الفترة الأخيرة منذ أن أجراها واكتشف السكر. والطبيب طلب منه تنظيم الطعام والابتعاد قدر الإمكان عن ثلاث: النشويات والحلويات والدهون. وقد بدأ التنفيذ فوراً. وكانت النتيجة أنه لا يتناول أي طواجن في طعامه وكانت ركناً أساسياً من قبل. إضافة من عندي: كتب محمود السعدني بعد هذه المحنة كتاباً من أجمل كتبه عنوانه: وداعاً للطواجن، تكلم فيه طويلاً عن الأكل ومشاكله وهمومه بعد أن حُرِم من نعمة الطواجن، ومن يعرفون السعدني سيكتشفون أنه طباخ ماهر، وفي أيام غربته الطويلة تعلم الطهي، ولعاصم حنفي بالذات حكايات طويلة معه في الوقوف في المطبخ وإعداد الوجبات لهما، ولديه تفاصيل كثيرة عن مهارات السعدني في الطهي، علاوة علي مهارات أخري كثيرة منحه الله لها.
قال جمال الغيطاني: هذا ما جري بالتحديد لسليم علوان في رواية: «زقاق المدق» عندما مرض توقف عن تناول الطواجن بعد مرضه، قال نجيب أنها لم تكن طواجن ولكن صواني تعد في الفرن في ذلك الوقت. سأل السعدني: ولماذا كانت توضع فيها جوزة الطيب بالذات؟ ضحك نجيب: جوزة الطيب هو الذي كان موجوداً في ذلك الزمان البعيد.
1- الوصلة الأولى
قال السعدني لنجيب محفوظ إنه يطلب منه أن يكون المتحدث الرئيسي طوال الجلسة. ورجاه ألا يقوم من مكانه عند السلام عليه. فقد لوحظ أن نجيب يقف قبل السلام علي أي وافد جديد ورغم هذا التحذير فإن نجيب لم يستطع السلام إلا بعد الوقوف.
أما عن الحديث طوال الليل. فالذي جري أن السعدني نسي ما قاله بعد دقائق. وأخذ ناصية الكلام. واشتعلت الكلمات من بعضها وتدفق في الحكي. فالسعدني في النهاية آخر الأدباء المتكلمين. وكلامه تراث لا يقل عن كتابته أهمية في التعبير عنه. وعندما ذكّره جمال بأن المتحدث هذه الليلة هو الأستاذ فقط. قال السعدني إنه طلب من الأستاذ الحديث إن استطاع إليه سبيلاً.
لكن تغيير المكان - فنحن الآن في مندرة إبراهيم نافع - وعاصفة الوجوه الجديدة. وارتفاع حرارة الترحيب التي اقتربت من المظاهرة. خلقت عند الأستاذ قلقاً داخلياً. وفي كل مرة نجلس معه لمدة أربع ساعات. في البداية يطلب فنجان قهوة سادة. وبعد ساعتين يطلب كوب عصير ليمون دون سكر. وكل ساعة يدخن سيجارة من النوع الخفيف. وفي منتصف الجلسة يذهب إلي دورة المياه مع جمال. يفعل هذا بموجب منبه داخلي لا يتأخر لحظة ولا يتقدم ثانية. وقد كان المرحوم محمد عفيفي دقيقاً عندما قال عنه منذ سنوات: الرجل الساعة.
كان الأستاذ قد تناول القهوة قبل أن نحضر. وهنا طلب كوب الليمون. ولكن يده لم تمتد إليه علي مدي الساعات. والذي حافظ عليه كان السجائر. مصطفي الفقي قال لي إنه علي الرغم من معاناته من بعض المشاكل في السمع والبصر. فإن حضوره الشخصي طاغ. وقريحته متوهجة وبديهيته متألقة. المستشار عبد المجيد محمود. قال لي إن نجيب هو المتوسط الحسابي لشخصية المصري، فيه الذكاء والفهلوة وخفة الظل.
سأله السعدني: عم نجيب هل ما زلت تذكر أين ومتي تقابلنا آخر مرة؟ سرح مع ذكرياته. ورفع يده علي رأسه في محاولة لاصطياد الذكريات الهاربة. قال نجيب: أعتقد كان ذلك في بيت محمد عبد الوهاب. وكان معنا آخرون. يتناوبون إكمال الحكاية.
قال عبد الوهاب إنه يريد أن يسهر في بيته مع مثقف شيوعي. وقع الاختيار علي الدكتور لويس عوض. وكان لا بد من الآخرين. علاوة علي راوي الحكاية كان هناك فتحي غانم وحسن فؤاد وأحمد بهاء الدين. وطبعاً ذهب لويس وقضي الأمسية دون أن يعرف الهدف منها. يبدو أن صالون عبد الوهاب قد رأي الكثير. ولكن من يؤرخ لما جري فيه. يكمل نجيب أنه التقي بالسعدني مرة في اجتماع لوزارة الثقافة. ولكن السعدني يقول إنه يتذكر لقاء حضره أنور المعداوي. وإن كانت الذاكرة لا تسعفه فيتذكر مناسبة اللقاء أو مكانه. هل كان قهوة عبد الله في ميدان الجيزة التي لم يذهب إليها نجيب محفوظ أبداً. أم في مكان آخر؟
2- الوصلة الثانية
قال السعدني بصوت عال: يا عم نجيب ألا تعود أصولك إلي الريف المصري؟ رد عليه نجيب أن والده من حي الجمالية في القاهرة ولكن جده من رشيد بالبحيرة. وعائلة جده هي عائلة الباشا موجودة في رشيد في البحيرة.
قال مصطفي الفقي إن البلد التي ينتمي إليها في البحيرة وهي المحمودية قريبة من رشيد. وبذلك فإن محافظة البحيرة أنجبت لمصر توفيق الحكيم الذي خرج من قرية الأبعادية ونجيب محفوظ الذي يعود أصله إلي مدينة رشيد. هذا علاوة علي الأعلام الكثيرين الذين خرجوا من هذه المحافظة.
سأله السعدني من هم آخر الأدباء الذين قرأ لهم من كتابنا؟ شرح وحكي حاله مع القراءة الآن. قال نجيب إنه لا يقرأ ولكن هناك من يقرأ له. محمد صبري السيد. يقرأ له العناوين المهمة في الصحف حتي يظل متابعاً لما يجري في مصر والوطن العربي والعالم من حولنا وفي المساء يقرأ له الأديب الشاب زكي سالم بعض النصوص الأدبية التي يمكن قراءتها بهذه الطريقة.
أكمل نجيب: جيل الستينيات في مصر قرأته قبل مشاكل البصر. لقد قرأت لهذين الفارسين (يشير لجمال ولي) وأعرفهما جيداً. ومن الجيل الذي جاء بعدهما أو قل الأجيال. قرأت لمحمد المخزنجي ويسأل: هل يعد من الستينيات؟! وقرأت ليوسف أبو رية وسعيد الكفراوي والمنسي قنديل.
يتحدث السعدني عن آخر قراءته. يقول إنه قرأ مؤخراً رواية أكملها حتي نهايتها. وهذا لا يحدث معه كثيراً. هي الرواية قبل الأخيرة من روايات الهلال: «خافية قمر» لمحمد ناجي. إن هذا الشاب حاول الاستفادة من التجربة المحفوظية في كتابة الرواية. ووفق كثيراً في البداية. ولكن القدرة علي الاستمرار لم تكن بنفس قوة البداية.
سأله السعدني: هل زارك حنا مينه عندما كان في مصر؟ قال نجيب إنه زاره في مثل هذه الأيام من العام الماضي. تساءل السعدني من جديد عن الكاتب الجزائري الطاهر وطار. وأكد نجيب أنه لحق به قبل ضعف البصر. قرأ له رواية عند بيت للبغاء يعتقد أن عنوانها هو: عرس بغل. يحكي السعدني ذكرياته مع الطاهر.
قال أنا الذي نشرت له قصته الأولي. جاء بها ألفريد فرج من الجزائر كان عنوانها: «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» نشرتها في مجلة 23 يوليو. أكملت أنا: أن الطاهر انتهي مؤخراً من رواية جديدة عنوانها: «شمعة في الدهليز». ويبدو كما فهمت من حديث معه. عندما تقابلنا في لندن مؤخراً أنه يساوي بين خطر الإرهاب وخطر الفرنسة.
قال مصطفي الفقي إن العروبة قومية في شمال أفريقيا وفي الجزائر علي وجه الخصوص.
تحدث السعدني عن إميل حبيبي. فقال نجيب إنه صاحب المتشائل. إنه يستفيد من التراث وفي كتاباته روح سخرية مرة. أما غسان كنفاني. قال نجيب إن توفيق صالح أخرج له روايته: «رجال في الشمس» في فيلم: «المخدوعون» وقد لا يعلم كثيرون أننا حاولنا إنتاج هذه الرواية في فيلم في مؤسسة السينما عندما كنت مسئولاً عنها.
3- الوصلة الثالثة
عمي نجيب. يقول السعدني بعلو الصوت: هل قابلت عبد الناصر؟ يحكي نجيب حكاية جميلة. يمكن أن ننشرها تحت عنوان: «يوم قابلت عبد الناصر». قال:
- اللقاء الوحيد الذي دام دقيقتين عندما جاء عبد الناصر إلينا لكي يفتتح المبني الجديد للأهرام. الأستاذ هيكل كان موجوداً. وعبد الناصر قال لي إنه مرت فترة طويلة دون أن يقرأ لي شيئاً. سألني: ألم تكتب عملاً جديداً؟ وقبل أن أرد قال له هيكل: إننا ابتداء من الأسبوع القادم سننشر له رواية جديدة «من اللي بتودي في داهية» قال له عبد الناصر ومقدمات ضحكة تبدو علي ملامحه: توديك انت في داهية.
يومها صافح عبد الناصر صلاح جاهين متعجباً من ضخامة حجمه. وسأله إن كان السبب في ذلك هو تناول لحمة الرأس.
وصلة من خارج السياق
لم يكن الأستاذ هيكل معنا في هذه السهرة. وبالتالي لم يرد علي ما قاله نجيب محفوظ. ورغم أنهما - هيكل ومحفوظ - التقيا مرتين معاً. مرة في الاحتفال بعيد ميلادي الستين. ومرة أخري في الاحتفال بعيد ميلاد جمال الغيطاني الستين. إلا أن ظروف الاحتفالية منعتني من طرح الموضوع عليهما معاً. فالواقعة واحدة. وإن كانت روايتها تختلف تماماً من نجيب محفوظ إلي الأستاذ هيكل. قرأتم من قبل ما قاله نجيب محفوظ في سهرة محمود السعدني. وها هي رواية الأستاذ هيكل لنفس الواقعة. عندما سألته عنها في كتابي معه: «عبد الناصر والمثقفون والثقافة» محمد حسنين هيكل يتذكر.
سألت الأستاذ هيكل:
في كتاب جمال الغيطاني الجميل: «نجيب محفوظ يتذكر» قال له نجيب محفوظ عن لقاءاته مع عبد الناصر:
لم ألتق بعبد الناصر في لقاءات خاصة. إنما رأيته ثلاث مرات عندما حصلت علي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي. طلعت وسلمت عليه ونزلت. المرة الثانية سنة 1957، كان هنا عدد من الأدباء العرب التقي بهم، وكنت أحد الذين ذهبوا اللقاء.
المرة الثالثة كانت في الأهرام عندما زاره في سنة 1969. إذا لم تخني الذاكرة. كان يتحدث إلي كل شخص، قال لي عبد الناصر:
- إزي ناس الحسين بتوعك. بقالنا زمان ما قريناش لك قصة:
هيكل: قال له. وما زال الراوي هو نجيب محفوظ لجمال الغيطاني:
- لأ. دي بكرة طالعة له قصة.
كان يوم خميس. قال هيكل:
- تعمل إيه؟! ما هي قصصه تودي الليمان.
عبد الناصر قال له:
- لأ، دي تودي رئيس التحرير
وعن هذه الواقعة التي ما زالت محفورة في ذاكرة نجيب محفوظ قال لي الأستاذ هيكل:
هذه الرواية عملياً غير ممكنة، وفضلاً عن أن الأستاذ جمال الغيطاني كتب عن أقوال للأستاذ نجيب محفوظ من الذاكرة. فالرواية - كما نشرت - غير معقولة لسبب أساسي أنه لا يتفق لا مع سلوكي مع عبد الناصر ولا نوع علاقتي به.
نجيب محفوظ يقول. إن شئت الدقة أنت تقول نقلاً عن رواية لنجيب محفوظ، إن عبد الناصر قال له: إننا لم نقرأ لك شيئاً. من الممكن أن يكون هذا صحيحاً. لكن أن أقول لعبد الناصر إننا سنقرأ له نصاً «يودي في داهية» فهذا معناه أنني أقول لجمال عبد الناصر في مواجهته، وفي حضور جمع كبير من الناس، وعلناً إنه من الممكن أن يذهب كاتب في داهية في ظل حكمه بسبب قصة أدبية يكتبها.
لو كنت قلت ما نسبه كتاب الأستاذ جمال الغيطاني علي لسان نجيب محفوظ، فمعناه أنني أسئ إلي جمال عبد الناصر وإلي نظامه، وأكثر من ذلك أنني أسئ لنفسي ولعلاقتي بجمال عبد الناصر.
إن البعض ينسي ما نشرناه في الأهرام في زمن جمال عبد الناصر وفي ظل حكمه لمصر. لقد نشرنا في الأهرام كل ما كانت له قيمة في ذلك الوقت. إن كل الكتابات والأدبيات المعارضة قد نشرت في الأهرام.
وهذه مجرد أمثلة من الذاكرة:
- لويس عوض، في معارضته للسياسة الثقافية التي كان يقوم علي تنفيذها عبد القادر حاتم، حيث كان يعتمد علي سياسة الإغراق. لويس عوض كتب سلسلة مقالات طويلة ومستمرة في نقد المشروع الثقافي لثورة يوليو.
كانت هناك مدرستان في الثقافة المصرية في ذلك الوقت، مدرسة كان يمثلها الدكتور ثروت عكاشة وهي المدرسة التي أيدناها في الأهرام، والمدرسة الثانية وهي مدرسة عبد القادر حاتم، وقد اختلفنا معها وهي تقوم علي أساس إصدار مطبوعات كثيرة وسريعة تصل إلي الناس علي شكل حالة من الأعراق.
وكان رأي الأهرام كما توصل إليه القسم الأدبي فيه بصفة عامة، أن الثقافة موضوع يقدم إلي الخاصة، وعن الصفوة يتسرب وينزل جموع من الناس وتوسع الدائرة قدر ما تستطيع.
والسادات يا عم نجيب؟! قابلته أكثر من مرة. ذهبنا إليه في المجلس الأعلي للشئون الإسلامية. وبعد أن تولي حكم البلاد ذهبنا نقدم التهنئة. لكن اللقاء الخاص الذي كان عابراً جداً عندما كنت عضواً في اللجنة التي شكلت قبل المؤتمر الوطني الذي أقر الميثاق.
يومها كتبت اقتراحاً في ورقة وأرسلتها إلي رئيس الاجتماع وكان السادات. طالبت فيها بالإفراج عن المعتقلين خاصة الشيوعيين منهم. وكتبت أيضاً عن موقف الأقباط وما يجب أن يكونوا عليه. لاحظت أن الجلسة رفعت دون تلاوة الورقة التي أرسلتها. وبعد أن انفض الاجتماع، وبينما كنت أتمشي بجوار القاعة جاء إليّ من قال لي إن الرئيس يطلبك - يقصد رئيس الاجتماع طبعاً - ذهبت إلي مكتب السادات وكان يجلس معه إحسان عبد القدوس. وهنا أخرج الورقة وقال لإحسان:
- شوف صاحبك العبيط كاتب إيه. أنا لو قلت اللي في الورقة دي كان خرج من الاجتماع علي سيوة. وما كانش حد عرف له طريق «جُرة».
يومها - يكمل نجيب - تأثرت كثيراً من موقف السادات. فلم تكن هناك صلة سابقة بيننا تبرر إخفاء الورقة أيضاً حرصه عليَّ أعتبره ديناً في عنقي حتي الآن.
لكن نجيب يستدرك بعد إيضاح من السعدني. أنه نشر أعظم أعماله في زمن عبد الناصر. وحصل علي أفضل الجوائز في أيامه. وازدهر تماماً في الحقبة الناصرية. ويعلن سراً عندما يقول إن روايته: «أولاد حارتنا» بعد أن نشرت كاملة في الأهرام، حولتها إذاعة صوت العرب إلي مسلسل أذيع بالكامل. دون التنويه عنها في برامج الإذاعة أو الصحف. وأن الذي تحمس لتقديمها إنسان كان يعمل في صوت العربي وفي مكتب شعراوي جمعة، وعندما سألناه إن كان محمد عروق قال إنه لا يتذكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.