محافظ كفر الشيخ يتابع فعاليات برنامج لقاء الجمعة للأطفال    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    الهدوء يخيم بالصاغة.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 وعيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بمحافظة الأقصر    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    محافظ أسيوط يوجه الشكر لاعضاء اللجنة النقابية الفرعية للصحفيين بالمحافظة    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    الصين تعلن رفضها أي أعمال تصعيدية في الشرق الأوسط    طارق البرديسى: الفيتو الأمريكى تأكيد على سياسة واشنطن الجائرة ضد فلسطين    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    ولاية ألمانية تلغي دعوة القنصل الإيراني إلى حفل بسبب الهجوم على إسرائيل    مفاجأة.. الزمالك مهدد بإيقاف القيد بسبب هذا اللاعب    أخبار الأهلي : حقيقة مفاوضات الأهلي للتعاقد مع لاعب البنك فى الصيف    مباشر BAL - الأهلي (30)-(16) سيتي أويلرز الأوغندي.. انطلاق منافسات الدوري الإفريقي    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إصابة 9 أشخاص في انقلاب سيارة «ربع نقل» بالطريق الزراعي ب بني سويف    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    "التعليم الفني" يكشف تفاصيل انطلاق مشروع "رأس المال الدائم"    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    خالد النبوي ناعيًا صلاح السعدني: «عنوان السلام النفسي»    صلاح السعدنى.. موهبة استثنائية وتأثير ممتد على مدى نصف قرن    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    محافظ الإسكندرية يدعو ضيوف مؤتمر الصحة لزيارة المعالم السياحية    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    من بينهم السراب وأهل الكهف..قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    6 آلاف فرصة عمل | بشرى لتوظيف شباب قنا بهذه المصانع    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    رجال يد الأهلي يلتقي عين التوتة الجزائري في بطولة كأس الكؤوس    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    وفاة رئيس أرسنال السابق    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توماس جورجيسيان يكتب:أسعد الله مساءنا !!

" أجل كيف وجد الرجل القادم من العالم الثالث فراغ البال ليكتب قصصا؟" قالها نجيب محفوظ في كلمته لدي استلامه جائزة نوبل للآداب عام 1988 وأكمل "ولكن من حسن الحظ أن الفن كريم عطوف. وكما أنه يعايش السعداء فأنه لا يتخلى عن التعساء. ويهب كل فريق وسيلة مناسبة للتعبير عما يجيش به صدره" وطبعا من حسن حظنا أننا قرأنا وعشنا وأيضا استمتعنا بما كتبه أستاذنا وعمنا نجيب محفوظ.
وينبهنا روائي الحارة المصرية في رواية "ميرامار": أقول لك لا حزن يدوم ولا فرح، وأن على الانسان أن يجد طريقه، واذا ساقه الحظ الى طريق مسدود فعليه أن يتحول الى أخرى". كما كتب في "حضرة المحترم" : "الحياة العجيبة تمسح في لحظة من الأحزان ما يعجز المحيط عن غسلها.."
ويتذكر جمال الغيطاني حوارا دار بينه وبين الأستاذ في مقهي ريش- نوفمبر 1980 : "قلت له انني لم أستوعب بعد رحيل أبي المباغت، انني لن أراه مرة أخرى أبدا، لن ألقاه مرة أخرى. قال: من يدرينا يا جمال ؟ كما أن المادة تتحول الى أشكال أخرى ربما يتبقى الوعى بشكل ما.. من أين لنا أن نقطع باستحالة اللقاء؟" فعلا - من يدرينا؟!
###########

وبما أننا مع يوم 11 ديسمبر 2010 دخلنا من بوابة مئوية نجيب محفوظ وبدأنا السير في طريق ممتد لعام بأكمله فهي فرصة لا تعوض لكي نعيد قراءتنا لمحفوظ ونتأمل من جديد و"نسرح كمان وكمان" مع ما كتبه هذا العملاق وما عاشه وتركه لنا. ولعلنا نستفيد ونثري حياتنا ونعطي لوجودنا معانى أكثر وأفضل. وأن نراه من جديد ونلتقي به ونتواصل معه – من يدرينا؟ والأهم ألا ننسى أن "آفة حارتنا النسيان" كما نبهنا وحذرنا محفوظ.
صاحب الثلاثية ولد في حي الجمالية - بالقاهرة. والدته الأمية كانت مغرمة بسماع أغاني سيد درويش والتي كانت – حسب وصفه – مخزنا للثقافة الشعبية تعشق سيدنا الحسين وتزور دائما الأديرة والمتاحف وعاشت حتي سن المئة ولم تذهب يوما لطبيب.أما والده كان "سميعا" للأغاني ويحب المنيلاوي وصالح عبد الحي وقد ورث محفوظ عنه حبه للوفد وسعد زغلول. وكان الكتاب الوحيد الذي قرأه والده بعد القرآن هو "حديث عيسى بن هشام". كان يتمنى أن يرى ابنه وكيل نيابة أو طبيبا. وقد توفي عام 1937 قبل أن يقرأ رواية محفوظ الأولى"عبث الأقدار". وطالما قررنا قراءة (أو اعادة قراءة) أعمال محفوظ فلا يجب ان يفوتنا أيضا ما كتبه جمال الغيطاني ( "نجيب محفوظ يتذكر" و"المجالس المحفوظية") ورجاء النقاش ( "في حب نجيب محفوظ") عن حياة وطفولة وشباب وبدايات وكتابات ومعارك أديب نوبل المصري العربي.
وبالطبع لا يجب أن يفوتنا أيضا كتاب "المحطة الأخيرة" لمحمد سلماوي الذي يذكر في تقديمه : "... حاولت أن أستدعي بين صفحاته تجربة ال45 يوما الأخيرة في حياة أديبنا الراحل نجيب محفوظ، من لحظة دخوله المستشفى يوم الأحد 16 يوليو 2006، الى أن وورى التراب يوم الخميس 31 أغسطس 2006 ، بكل ما تضمنته تلك التجربة من وخزات ألم سددها لنا القدر، وما شهدته أيضا من لحظات بهجة أشاعها نزيل الغرفة 612 بين زائريه." وهكذا قد تكتمل الصورة في فهمنا لنجيب محفوظ ورحلة عمر امتدت 94 عاما.
ولا شك أن تأملنا لحياة محفوظ وكتاباته اثراء وتعميق لفهمنا لمصر وتاريخها وادراكنا للتركيبة النفسية والحضارية للشعب المصري. بالنسبة لأديبنا العظيم فرحتنا كانت كبرى يوم 13 أكتوبر 1988 - يوم أعلنت الأكاديمية السويدية فوزه بجائزة نوبل في الأدب. وحزننا كان عميقا وموجعا يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994 – الساعة الخامسة مساءا. وهو يوم تعرض فيه كاتبنا الكبير لحادث رهيب – طعنة في رقبته وهو أمام منزله (172 شارع النيل- العجوزة). من منا لا يمكن أن يتذكر هذا، عندما تأتي ذكر اسمه وسيرته وأيضا محاولات تكفيره منذ أن نشرت روايته "أولاد حارتنا" (1959). وبسبب الحادث توقفت يده اليمنى عن امساك القلم والكتابة به ( وهو في ال83 من عمره) ليدخل بعده الكاتب الكبير وبكامل ارادته في بداية جديدة ( وما أكثر البدايات في حياته) في تدريب يومي شاركه فيه الدكتور يحيى الرخاوي من أجل الكتابة بيده من جديد . تجربة ارادة واصرارنقرأ عنها بقلم د الرخاوي تحت عنوان "نجيب محفوظ : آخر البدايات " في العدد الأول (ديسمبر 2008) من دورية نجيب محفوظ الصادرة عن المجلس الأعلي للثقافة ومركز نجيب محفوظ . ورئاسة تحرير جابر عصفور.
واحتفالنا بنجيب محفوظ واحتفاءنا به لا يمكن أن يقتصرعلى أوساط بعينها فما تركه لنا من ارث أدبي (نحو خمسين كتابا – ال35 منها روايات) يجب أن يتم نشره وتوزيعه على أكبر نطاق ممكن. وفي نقاش ضم العديد من عشاق الأداب ونجيب محفوظ طرحنا معا أفكارا عديدة منها - فلتخصص الصحف مساحات يومية أو أسبوعية للحديث عن نجيب محفوظ أو نشر أجزاء من أعماله. كما أن القنوات التلفزيونية ممكن أن تقوم بالمهمة ذاتها باللجوء الى أرشيفها الفيلمي والمرئى واستنادا لانتشارها الواسع. فما المانع؟ ثم فلنوزع كتب نجيب محفوظ على امتداد البلاد - في كل مدرسة وفي كل حي وفي كل ركن نجد فيه قارئ أو نتصور أن هناك قارئ .. ولنتبادل كتبه ورواياته وذكرياته وحكمه وأحلامه وأفلامه وكل ما له صلة بحياته. ثم وأنت تقرأ هذه السطور أيها القارئ العزيز وأيتها القارئة العزيزة - كيف يمكن أن تحتفي بمحفوظ في مئويته؟ فكر قليلا وقد تجد طريقة جديدة ومبتكرة. وبينما كنا نناقش أدبه تدخلت صديقتنا نهى لتتساءل: هل ظلم نجيب محفوظ المرأة أم أنصفها .. هل كتم على صوتها أم خلاها تنطق وتقول؟ نهى طرحت الأمر وهي تتذكر أمينة في "بين القصرين" وزنوبة في "قصر الشوق" وحميدة في "زقاق المدق" واحسان شحاتة في "القاهرة الجديدة" ونفيسة في "بداية ونهاية" وزهرة في "ميرامار" ورجاء محمد في "الحب فوق هضبة الهرم".
الكاتب علاء الديب وهو يتناول المجموعة القصصية " الحب فوق هضبة الهرم" كتب عن محفوظ في عاموده الممتع "عصير الكتب " بمجلة "صباح الخير" (18 اكتوبر 1979) قائلا " يملك تلك "البهجة المنعشة" التي يتميز بها الفنان الأصيل، تلك التي تجعله قادرا على التعبير عن التعاسة والكآبة بوضوح وشفافية، تلك التي تجعله يضئ في قلب الظلمة كما يضئ المعدن النادر النفيس" تلك كانت بهجة محفوظ المنعشة – بهجة نتوق اليها ونبحث عنها وان وجدناها أكيد احتفينا بها.
وفي تناوله لحياة نجيب محفوظ ومراحله الابداعية يذكر الناقد فاروق عبد القادر "أعتقد أن من أخطر القرارت التي اتخذت في تاريخ الابداع المصري كله، القرار الذي اتخذه نجيب محفوظ ذات يوم من أيام 1938، عندما قرر أن يتوقف عن كتابة القصة القصيرة والمقالة ويتفرغ لكتابة الرواية. والدليل – الذي لا يمكن نقضه – على ذلك يتمثل في أن العمل الأول لنجيب محفوظ (عبث الأقدار) تحمل طبعته الأولى تاريخ 1939، العام التالي لاتخاذ القرار، وقد ظل نجيب محفوظ بعد ذلك، أي منذ ذلك التاريخ، حريصا على أن يصدر عملا روائيا كل سنة، باستثناء الفترتين اللتين توقف فيهما عن الكتابة لملابسات خاصة. الأولى بين عامي 1952 – 1958 والثانية عقب عام 1967"
بالمناسبة لقد كانت العودة بعد فترة الصمت الأولي برواية "أولاد حارتنا". وقد نشرت مسلسلة في الأهرام عام 1959 ثم أثيرت الضجة الشهيرة حولها فمنع نشرها في القاهرة – ولم تصدر طبعتها الأولى – عن بيروت- الا عام 1966. أما العودة في المرة الثانية فكانت رواية "المرايا" ( 1972).
وعندما يتحدث فاروق عبد القادرعن ابداع محفوظ في بداية التسعينيات من القرن الماضي ( وهو في الثمانينات من عمره) وكتاب "أصداء السيرة الذاتية" (صدر عام1996) يذكر أن " كلمة أصداء تشير الى صميمه. انه لا يقدم سيرته أو أحداث حياته، لكنه يقدم انعكاسات تلك الأحداث على عقله وروحه ووجدانه".
أما القاص والروائى زكي سالم وهو يتناول تجليات صوفية ظهرت في الكتاب نفسه "أصداء .." يكتب :
وصف الشيخ عبد ربه التائه رجلا فقال: "رجل نبيل وما أندر الرجال النبلاء، أبى رغم طعونه في العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك" هكذا، هو تقدير شيخنا لقيمة الحب، فكما يقول: " حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل وعلامة من علامات الصبر".فهذا التذوق للجمال نعمة كبرى، ودليل على حب الخالق العظيم لمخلوقاته البديعة.
وتحت عنوان "السر" كتب أستاذنا: "لم يكن الشيخ عبد ربه التائه يخفي ولعه بالنساء وفي ذلك قال: الحب مفتاح أسرار الوجود" هذا هو المفتاح لفهم تصوف محفوظ أنه الحب الذي يفتح مغاليق القلوب.
وهنا نقرأ أيضا محاولة من الكاتب يوسف القعيد لوضع اليد على مفاتيح شخصية نجيب محفوظ ( التقرب منها والتعرف عليها). يشير القعيد الي ما وصفه ب"عبقرية المجهود" والجدية والابتعاد عن الفهلوة وكيف أن محفوظ رفض العشوائية في أمور الحياة والقراءة والكتابة. "عندما كان يتأهب لقراءة عمل كبير، كان يقول:عندي شغل . وفي فترات الاستعداد لكتابة رواية جديدة يردد:عندي شغل.
ثم مفتاح آخر وهو "المتلفت لا يصل" لقد كانت أقرب لشعار عمره .. وهو ألا تقع في حب واقعك الذي تكتب عنه ولا زمانك الذي تتناوله. ولا بد من وجود مسافة لفصلك عما تكتب. وعكسه محفوظ وقدم المثال النادر له بالسلوك اليومي والكتابة المستمرة.
ويكتب محفوظ في "رحلة ابن فطومة" : "أول درجة في السلم هي القدرة على التركيز الكامل.. بالتركيز الكامل يغوص الانسان في ذاته.. بذلك توثق المودة بينكم وبين روح الوجود.. انه مفتاح أبواب الكنوز الخفية"
و"ايه الداهية دي؟؟" قالها الناشر سعيد السحار عندما رأي رواية محفوظ الجديدة التى قاربت صفحاتها الألف صفحة ورفض نشرها . وكان محفوظ انتهى من كتابتها في أبريل 1952 وأسماها "بين القصرين". الصدمة كانت فظيعة وحادة و"عانيت منها كثيرا" كما يعترف محفوظ. ثم أخذها منه يوسف السباعي لينشرها مسلسلة في مجلة "الرسالة الجديدة". ونجحت الرواية وقرر السحار نشر الرواية ولكن بعد تقسيمها الى ثلاثة أجزاء – هكذا ولدت الثلاثية "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية".
ومثلما كانت للجمالية حكايات في حياة نجيب محفوظ فان للعباسية حكايات وحواديت. وأيضا للأسكندرية ولشلة الحرافيش ومقاهي القاهرة وحواريها وأزقاتها. وحكايته مع السينما حكاية. بدأ يكتب للسينما عام 1945 وكان أول أفلامه"مغامرات عنتر وعبلة" من اخراج صلاح أبو سيف. وقد بلغ اسهاماته في السينما –بين سيناريو أو قصة للسينما أو قصة وسيناريو معا – 25 فيلما. كما أن الأفلام التي أخذت عن أعماله الأدبية تبلغ 35 فيلما - حسب رصد هاشم النحاس صاحب كتاب " نجيب محفوظ في السينما المصرية". ومعروف أن محفوظ ارتبطت وظيفته ارتباطا مباشرا بالسينما منذ عام 1959 حتى احالته على المعاش عام 1971. كمدير للرقابة ثم مديرا لمؤسسة دعم السينما ورئيسا لمجلس ادارتها ثم رئيسا لمؤسسة السينما ثم مستشارا لوزير الثقافة لشئون السينما. وهو الذي قال: " لا أندم على مراحل الحياة التي مررت بها فقد منحت كل مرحلة نورها"
وطبعا بالنسبة لي الرجوع أو اللجوء لكتابات محفوظ وحياته (كما أفعل في هذه المقالة) واحة أسعي اليها من حين لحين. ولو فيه فرصة - أتذكر أصداءا من لقاءاتي العديدة معه أو من تواجدي في لقاءات له مع الآخرين. وأذكر هنا انه عندما سئل عقب فوزه بجائزة نوبل في لقاء كان بالقاعة الشرقية – في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: "هل ستغير حياتك ؟". وكعادته تأمل محفوظ السؤال والسائل والحضور وطبعا حياته وقال ببساطة:هل نسيت انني الآن في ال77 من عمري .. ثم اذا كانت حياتي كما عشتها هى التي أوصلتني الى نوبل – فبالتالي هي حياة كانت حسنة ولا داعي أن أغيرها!
############

ونحن مع نجيب محفوظ بالطبع نكتشف ونتعلم وننتبه ونتذكر وندرك كمان
أن الحياة - حياتنا لها معنى اذا أعطيناها نحن بأنفسنا هذا المعني بل كل هذه المعاني
وأننا لكي نصل للمعنى وللحياة علينا أن نسعى وعلينا أن نستمر
ولا نتردد في أن نقبل على الحياة .. لا أن نهرب أو نتهرب منها ومن تحدياتها اليومية
نعم أن تكون لدينا القدرة على الاستمرار بل القدرة أيضا على العيش بكل وفي كل تفاصيل اللحظة
اللحظة بمفهومها الزماني والمكاني
أن نذوب في المكان والزمان حتى نعيش اللحظة بحذافيرها
بل أيضا نحيا ونحيى الآخرين من حولنا بالذاكرة والحلم اللي جوانا
بالأصوات وأيضا بالأصداء التي نسمعها مع مرور الأيام
والأحلام التى نخلقها ونعيشها.. وتشكلنا وتأخذنا من الواقع اللي احنا فيه الى آفاق أبعد
سرحنا شوية ؟ – يمكن!
ولكن هو ده المطلوب والمرجو والمنتظر والمرتقب
وهو ده دور الروايات والحكايات والحواديت في حياتنا
أن تتذكر الحلم وأن تطير بالذاكرة – وأن تستمتع بتجربتك الانسانية
انطلق أيها الانسان – فأنت معجزة ومصدر الهام وصاحب أحلام ومالك ارادة
وأنت بطل حياة – وبطل رواية سواء كتبت تلك الرواية أو لم تكتب
عمنا واستأذنا ومعلمنا نجيب محفوظ قال وكتب وحكى وحلم بك وعنك
وطبعا نصحنا كمان أن نحلم ونطير ونغني وننتشي ونحكي ونقول
ياااااااااه ..ما أجمله من حلم يطاردنا – أو فليكن حلم نطارده
هكذا تكون صحوة الحياة
ونحن نرتمي في أحضانها
نعم لنحيا من جديد .. ونحيا الى الأبد
ممكن؟! طبعا ممكن!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.