القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    شعبة السيارات تدعو لإعادة التفكير في تطبيق قرار إجبار نقل المعارض    واشنطن بوست: أوروبا تسعى جاهدة للبقاء على وفاق بينما تُقرر أمريكا وروسيا مصير أوكرانيا    تصاعد التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ وسط المناورات المشتركة    كاشفا المتسبب في الأزمة، هاني أبو ريدة يبرئ حسام حسن من إهانة مصطفى محمد    هل يُسحب لقب دوري الأبطال من بيراميدز بسبب رمضان صبحي.. خبير لوائح يوضح    قمة نارية بالرباط.. الأهلي يصطدم بالجيش الملكي اليوم في ربع نهائي دوري الأبطال    أشرف زكي: النقابة فقيرة ماليًا وغنية بالقيمة.. رسالتنا حل مشاكل الفنانين    في ختام الدورة 18 لملتقى الاقصر الدولي للتصوير| الأقصر.. «متحف مفتوح» يُلهم العالم    ستيف بركات يقدم جولة "Néoréalité" العالمية على مسرح دار الأوبرا المصرية    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    رئيس التصنيع بالصيادلة: استهلاك مصر من بنج الأسنان يصل إلى 600 ألف عبوة سنويًا    معهد باستور الفرنسي يحذر من جائحة خطرة تهدد العالم أسوأ من كورونا    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    طولان: ثقتي كبيرة في اللاعبين خلال كأس العرب.. والجماهير سيكون لها دورا مع منتخبنا    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    جمعهما الحب والعلم.. زوجان يحصلان على الماجستير فى نفس اليوم ب«إعلام قنا»    هاني أبو ريدة: لا توجد علاقة بين جهاز حسام حسن وطولان.. ولن أعيد تجربة هؤلاء المدربون    الدوري الأوروبي - أستون فيلا يقتحم منطقة الصدارة.. والمغربي يقود روما للفوز    لحظة مقتل شابين فلسطينيين على يد جنود الاحتلال في الضفة رغم استسلامهما (فيديو)    رد المستشار الألماني على الخارجية الأمريكية بشأن الهجرة    مادورو: مناورات عسكرية شاملة في فنزويلا.. والتهديدات الموجهة لنا بلا أساس    متحدث مجلس الوزراء: مدارس التكنولوجيا التطبيقية تركز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية    بين الإبهار الصيني والمشهد الساخر الإيراني... إلى أين تتجه صناعة الروبوتات مؤخرًا؟    رام الله.. إسرائيل تفرج عن طفل أمريكي بعد 9 أشهر من اعتقاله    باختصار..أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ذعر فى شوارع إسرائيل بعد بث شاشات محطات حافلات صوت أبو عبيدة.. بابا الفاتيكان يحذّر من حرب عالمية ثالثة.. وماكرون يفتح باب التجنيد الطوعى للشباب    السنغال تؤكد استقبال الرئيس المنتهية ولايته لغينيا بيساو بعد أيام من الاضطرابات    شعبة السيارات: نقل المعارض خارج الكتل السكنية يهدد الصناعة ويرفع الأسعار مجددًا    وصول هالة صدقى للمشاركة فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    أسباب البرود العاطفي عند الزوجة وكيفية علاجه بحلول واقعية    مرشح لرئاسة برشلونة يوضح موقفه من صفقة ضم هاري كيم    فضائل يوم الجمعة.. أعمال بسيطة تفتح أبواب المغفرة والبركة    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    غلق كلي لشارع الأهرام 3 أشهر لإنشاء محطة مترو المطبعة ضمن الخط الرابع    أخبار 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لا انتشار لفيروس غامض والمتواجد حاليا تطور للأنفلونزا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 10 آلاف لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء    مديرة مدرسة تتهم والدة طالب بالاعتداء عليها فى مدينة 6 أكتوبر    وزارة الصحة توجه تحذير من حقننة البرد السحرية    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    قفلوا عليها.. سقوط طفلة من الطابق الثاني في مدرسه بالمحلة    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    هيئة الرعاية الصحية تمنح الدكتور محمد نشأت جائزة التميز الإداري خلال ملتقاها السنوي    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    رئيس جامعة بنها : اعتماد 11 برنامجا أكاديميا من هيئة ضمان جودة التعليم    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(شيخ الرواية العربية)..الذكرى الثالثة لرحيل نجيب محفوظ
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 08 - 2009

«الفن هو المعبر عن عالم الإنسان، ولهذا فمن الأدباء من أسهم بفنه فى معركة الآراء العالمية، فانقلب الفن على يديه عدة من عداد الكفاح فى ميدان الجهاد العالمى، لا يمكن أن يكون الفن نشاطا غير جدى».
هكذا قال أديب نوبل نجيب محفوظ فى عمله الروائى الفريد «السكرية» فكان بفنه العفى من الأدباء الذين أسهم فنهم فى معركة الآراء العالمية ،حسب تعبيره الروائى.
فيما يلى بعض الزوايا التى نظر منها الغرب لنجيب محفوظ، التى يمكن إعادة قراءتها فى ذكرى رحيل شيخ الرواية العربية التى تحل نهاية هذا الشهر.
دراما الاغتيال
«حياة محفوظ كانت فريدة خالية من أى تحولات درامية، إذا ما استثنينا محاولة الاغتيال التى تعرض لها عام 1994 التى نجا منها»، هكذا قالت صحيفة الجارديان البريطانية فى قراءة لسيرة أديب نوبل الحياتية، وهى المحطة التى كان التوقف عندها يقترن كثيرا بالحديث عن رواية «أولاد حارتنا» التى تتابع الصحيفة قولها عنها «فى عام 1957 بدأ محفوظ كتابة «أولاد حارتنا» التى ترجمت إلى الإنجليزية تحت عنوان «أولاد الجبلاوى» وهى الرواية التى قادت إلى صراع بين محفوظ والمؤسسات الدينية فى مصر، بعد أن نشرت مسلسلة فى صحيفة الأهرام الحكومية المصرية، فاعترض الأزهر على طبع العمل فى كتاب، باعتبار أن المجتمع المصرى له حساسيات دينية ينبغى أن تراعى، ومع الوقت طبع العمل فى بيروت، وبعد سنوات عدة كانت الرواية هى السبب وراء تعرضه للاغتيال».
أما مجلة «التايم» الأمريكية فنشرت تقريرا قالت فيه «كان نجيب محفوظ مسلما ورعا، وعلى الرغم من أنه انتقد سلمان رشدى لهجومه على الإسلام فى روايته «آيات شيطانية» فإنه دافع بقوة عن حق الروائى البريطانى الهندى فى التعبير عن أفكاره، وبعد سنوات عدة أقدم أحد المتطرفين على طعن محفوظ فى رقبته، ولكنه نجا من الحادث».
مسألة اصطدام محفوظ بالمؤسسة الدينية طرحته أيضا فى «الإندبندنت» التى اعتبرت «أولاد حارتنا» رواية مجازية حاول فيها محفوظ توثيق قصة الخلق وتطوره الروحانى والمعرفى من خلال المرور على الأديان الثلاثة الرئيسية اليهودية والمسيحية والإسلام، وتابعت أن محفوظ كان يريد أن يدرس الصوفية فى الفلسفة الإسلامية، ولكنه قرر أن يركز فى الكتابة الإبداعية ومع ذلك فإن أفكاره الفلسفية وتساؤلاته الصوفية كانت تسيطر على أعماله الأدبية.
الثورة
ذهب مقال نقدى بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية إلى أن ثورة يوليو 52 دفعت نجيب محفوظ إلى التوقف لمدة خمس سنوات عن الكتابة فى فترة كانت أشبه بالتأمل، وتابع أن الثورة بما طرحته من مستجدات همشت الموضوعات والتيمات الثلاث الرئيسية التى كانت تستحوذ على النصيب الأكبر من اهتمام محفوظ وهى الملكية، والاحتلال البريطانى، وفساد النظام السياسى، فكانت كتابته متأثرة إلى حد بعيد برغبته فى خلق وعى عام بضرورة الحاجة إلى إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية، وفجأة، وجد أن التغيير أخذ مجراه بسرعة كبيرة، حتى إنه استشعر أن طموحاته الرئيسية وجدت ضالتها، ومن ثم كان يجب أن يعيد ترتيب أولوياته فى الكتابة، وكانت هذه عملية صعبة وتحتاج إلى وقت ومشقة للتوصل إلى اختلافات جذرية فى تيمات الكتابة والنصوص، وفى هذه المرحلة المؤقتة ركز بصورة أكبر على كتابة سيناريوهات الأفلام.
تابع المقال أن محفوظ كان يبحث عن منظور يطرح من خلاله الاتجاه الجديد الذى تسير فيه مصر بعد حصولها على الاستقلال، وكانت نصيحته الواضحة لقادة الثورة أن يتبنوا اتجاهات أكثر ليبرالية ومنطقية لمواجهة الواقع الاجتماعى السياسى المعقد فى مصر، ولكن هذه النصيحة لم يلتفت إليها أحد، الأمر الذى اعتبره المقال أنه «استفز» محفوظ ليبدأ كتابة سلسلة تضم 6 روايات جديدة، التى خرجت مع عام 1960 واعتبرها النقاد تدشينا لمرحلة جديدة فى تطور الكتابة الواقعية لدى نجيب محفوظ.
كانت هذه الروايات سياسية من الطراز الرفيع، تؤكد على ضرورة حرية التعبير وخطورة غيابها على المجتمع كله، وأضاف المقال «يمكن اعتبار هذه الروايات وثائق تجسد إحباط محفوظ وجيله فى عهد عبدالناصر».
هذه «الوثائق» تجسد ملامح التحدى والاحتفاء وتمجيد روح التمرد كما ظهر فى «اللص والكلاب» عام 1961، وتسليط الضوء على قسوة التغيير والتعاطف مع ضحاياه كما فى «السمان والخريف» 1962، أما البحث عن الخلاص فكان تيمة رئيسية لهذه الروايات التى وصلت إلى ذروتها فى «الطريق» 1964، و«الشحاذ» 1965، واعتبر المقال أن روح الدعابة لدى محفوظ التى تألقت فى «ثرثرة فوق النيل» 1966 جعلت من الرواية أداة للنقد اللاذع فى مواجهة الفساد والظلم.
أشار أيضا إلى رواية «ميرامار» التى قدمت تحليلا للوضعين السياسى والاجتماعى لمصر قبيل هزيمة 67، هذه الهزيمة التى اعتبرت «الإندبندنت» أنها تسببت فى دخول محفوظ فى طور جديد من الصمت، وبدلا من أن يتجه من جديد لكتابة سيناريوهات الأفلام، صب طاقته فى كتابة القصص القصيرة، التى اتسمت باتجاهها إلى الرمزية وأحيانا الخيال، فى محاولة لتجسيد التعقيد والغموض لهذه الأحداث غير المتوقعة التى تلت أحداث هزيمة يونيو 67، واعتبرت الصحيفة البريطانية أن رواية «الكرنك» 1971 التى كتبها مباشرة عقب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر سجلت نقدا حادا وشديد القسوة فى تصويرها للنظام البوليسى ومسئوليته عن تدمير روح الجيل الجديد وحماستهم من أجل الدفاع عن بلادهم.
الثلاثية
«ثلاثية» محفوظ هى العمل الأبرز الذى يحتفى به النقاد فى الغرب، ويطلقون عليه ثلاثية القاهرة، التى يعتبرونها علامة فى تاريخ كتابة الرواية لا تقل عن الأعمال الأدبية الكلاسيكية الأكثر شهرة فى العالم، فحسب الناقد البريطانى سكوت ماكلويد الذى كتب عن محفوظ فى مجلة التايم عقب وفاته «فى ثلاثيته التى نشرت عام 1956 أرّخ محفوظ لثلاثة أجيال لعائلة مصرية فى العقود التى مهدت لثورة 1952».
أضاف ماكلويد أن نجيب محفوظ استطاع فى هذا العمل أن يفجر بأدبه الرفيع مقارنات حقيقية مع أعمال أدباء غربيين عظماء مثل فيكتور هوجو و ليوى تولستوى وتشارلز ديكينز، الأمر الذى جعل حصوله على جائزة نوبل الرفيعة فى الآداب عام 1988، أمرا جديرا به ساهم فى لفت الانتباه أكثر إلى هذا الرجل، الذى كان معروفا بالفعل وذائع الصيت حتى قبل حصوله عليها فى المنطقة العربية كأب للرواية العربية.
أما رائد المترجمين من الإنجليزية إلى العربية الشهير دينيس جونسون ديفس، فقد كتب فى صحيفة الجارديان عن الثلاثية وقال: «فى 1956 كتب محفوظ «بين القصرين» وهى الجزء الأول من ثلاثيته الشهيرة التى تبعها بعد ذلك بكل من «قصر الشوق» و«السكرية»، وتعاملت الثلاثية تلك مع ثلاثة أجيال لعائلة السيد أحمد عبدالجواد التى امتدت من عام 1917 وحتى ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كانت مصر تناضل من أجل استقلالها من الحكم الإنجليزى».
تابع الأمريكى ديفيس قوله إن الثلاث روايات ترسم تفاصيل دقيقة ليوميات عائلة مصرية متوسطة وتسجل للتاريخ، كما لم يفعل أى كتاب من قبل، نمط حياتها الذى تأثر بالغرب وتعرض لضغوط من الحياة الحديثة، وتأثيرات الحياة السياسية وتشابكها مع حياة الكثير من شخصيات الثلاثية، فظهرت فى الثلاثية أطياف السياسة فى مصر فى ذلك الوقت كحزب الوفد وهو الحزب الذى ارتبط به نجيب محفوظ شخصيا، والحركة الاشتراكية وبدايات الأصولية الإسلامية.
واعتبر ديفيس أن شخصيات الثلاثية وأحداثها تم غزلهما بمهارة فائقة، وأنها فى حد ذاتها عمل وإنجاز ملحوظ استطاع به محفوظ أن يحقق للرواية العربية وجودا مهما على الساحة الأدبية، فالثلاثية أصبحت سريعا ضمن أفضل المبيعات فى العالم العربى، ومن لم يقرأ الرواية فقد استمتع بشخصيات الثلاثية من خلال أفلام السينما التى جسدت هذه الروايات، علاوة على أنها وجدت طريقها خارج مصر ففى الولايات المتحدة حققت ترجمة الثلاثية مبيعات فاقت 250 ألف نسخة.
وفى مقال نقدى بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية اعتبر أن الثلاثية استطاعت أن تطرح نماذج اجتماعية وفلكلورية وحكايات وحكما شعبية وأمثالا شائعة، علاوة على تجسيد التيارات السياسية الخفية فى النصف الأول من القرن العشرين، كما أنها عكست التطور الثقافى والسياسى فى المجتمع المصرى قبل الثورة، والفوضى التى أحدثها الاحتلال البريطانى ،كما أشار التقرير إلى ما وصفها بالخريطة التفصيلية للحياة السياسية فى مصر التى استطاع محفوظ رسمها فى روايات ثلاثيته، علاوة على قدرته على كشف الصور النمطية للعلاقات والمشاعر والأدوار فى المجتمع المصرى، ودللت فى ذلك على شخصية أحمد عبدالجواد أو «سى السيد» الذى استمد محفوظ الكثير من ملامحه من شخصية والده، وصوّر من خلاله صورة فذة لرب العائلة، ولفت التقرير إلى أن هذه الشخصية عندما جسدتها السينما وعرضت بعدها فى التليفزيون تطلع إليها الجمهور بكثير من الحنين والسحر والإعجاب.
وتابع التقرير أن موت أحمد عبدالجواد فى نهاية الثلاثية وميلاد طفل جديد كان رمزا مهما أراد به محفوظ أن يلفت إلى نهاية عهد وبداية عهد آخر، لاسيما أن نهاية هذه الثلاثية تزامنت مع ثورة 52.
نوبل
كتب المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز فى الجارديان البريطانية بعد وفاة نجيب محفوظ رثاء قال فيه «أديب نوبل الذى قدم الرواية العربية إلى العالم الغربى».
وقال إن محفوظ كان أحد أبرز الرموز الأدب العربى، وأن الأدب العربى المعاصر حقق تميزا عالميا بعدما حاز محفوظ جائزة نوبل عام 1988، وأضاف أنه من الصعب أن نذكر التحول الدرامى الذى غير حالة أى فائز على صعيد الكتابة مثلما حدث لمحفوظ، ولفت إلى أنه منذ أن عرف ككاتب فى العالم العربى بالإضافة إلى عدد من المستشرقين، حصل على اهتمام العالم كله، فبين عشية وضحاها اهتمت به دور النشر الأمريكية وأصبح كاتبا عالميا ارتبط اسمه بقوائم أفضل الكتب مبيعا، وترجمت رواياته إلى العديد من اللغات الأجنبية.
يضيف المترجم الأمريكى أن نوبل لم تغير بما منحته له من شهرة أو من قيمة مادية فى حياته من شىء، فقد استمر يعيش فى منزله بالعجوزة مع زوجته وابنتيه كما لم يغير ذلك من روتين حياته شيئا، فقد استمر حتى يوم مماته رجلا شديد التواضع له ابتسامة وخفة ظل التى يتمتع بها المصريون، وكتب عن نشأته فى حى الجمالية وهى مدينة قاهرية قديمة، ووالده الذى كان يعمل موظفا بسيطا، وقضائه لأول سنوات حياته فى مناخ أقرب إلى مناخ العصور الوسطى المميز بحواريه الضيقة ومبانيه العريقة، وقال إن هذه الملامح أصبحت جزءا من وعيه التى استدعاها فى رواياته التى قدمها فى مطلع تجربته، لا سيما فى الثلاثية التى حققت الجانب الأكبر من شهرته فى العالمين العربى والغربى.
ظلت مجلة «التايم» الأمريكية تحتفى بكلمة محفوظ بعد حصوله على نوبل التى وصف نفسه فيها بأنه «ابن حضارتين» وقال «فى يوم ما سيختفى الهرم الأكبر، ولكن سيبقى الصدق والعدل طالما بقت البشرية وبقى ضميرها الحى».
أما صحيفة «لوس أنجلس تايمز» الأمريكية فقد قالت فور حصول محفوظ على جائزة نوبل «يجب الإشارة إلى مدى مساهمة نجيب محفوظ فى الرواية العربية، فمنذ أن بدأ خطواته الوليدة فى الرواية العربية، استطاع تحقيق قفزات ضخمة فيها عن طريق دأبه وصبره وبعد نظره ومنهجيته وهى الأمور التى أعانته على التعبير عن الأدب المعاصر، ليصل الى قاعدة عريضة من القراء فى العالم العربى، وفضل أن يستخدم اللغة العربية الفصحى فى كتابته للتعبير عن مدينته وتفاصيلها المحلية، الأمر الذى يجعل فوزه بنوبل اعترافا عالميا بأدب نجيب محفوظ».
هنا القاهرة
فى كلمات عذبة يقول الناقد الأدبى المعروف توماس دى الفين عن نجيب محفوظ «هو أب للرواية العربية الحديثة، وكاتب الواقعية الذى يذكرنا بالإنجليزى شارلز ديكينز، وتفاصيل كتابته التى تسودها رهافة الحس هى الأقرب إلى فن الموزاييك،الذى قدم من خلاله القاهرة إلى الغرب، الذى نقل إليه الأدب العربى المعاصر وكذلك السناء الروحانى الذى يطل من تكوينه الدينى العميق».
هذا التعليق الذى احتفى بتقديم نجيب محفوظ لمدينة القاهرة، هو جانب اشترك فيه الكثير من النقاد الغربيين والمستشرقين، فهذه المدينة الساحرة والقاهرة فى آن واحد دبت فى أركان عالم محفوظ، فهى المدينة التى عاش بها جل عمره ،ونقش فى أعماله همس حواريها وصخب ضواحيها، وفى إحدى المقالات النقدية كتبت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية فى هذا الصدد «وصف نجيب محفوظ الحياة القاهرية والتاريخ المعاصر وحفرهما فى قلوب الجمهور العربى من الخليج العربى وحتى الخليج الأطلنطى»، وأضافت «لقد أثّرت القاهرة القديمة فى أعماله من بدايتها وحتى نهايتها، فروايته «القاهرة الجديدة» هى أول رواية اجتماعية واقعية يقدمها محفوظ، وكتبها فى العام الأول من الحرب ولم تنشر حتى عام 1943، واحتوت على الكثير من انشغالاته الجديدة فى هذه الفترة، فقد كان محفوظ مشغولا بتحول القاهرة كمدينة تحتضن ثقافة مدنية مميزة، كما أنها بالنسبة له رمز للصراع بين قيم ثقافية مختلفة وبوتقة تضم تحولات إنسانية واجتماعية وسياسية مختلفة تؤثر على مواطنى هذه المدينة التى تنتمى إلى العالم الثالث».
أما شيخ المترجمين دينيس جونسون ديفيس فقد كان يعتبر أن نجيب محفوظ قدم القاهرة فى الرواية العربية، بشكل استطاع فيه التخلص من الكثير من الكليشيهات التى كانت سائدة،الأمر الذى يعتبره هدية جليلة إلى الرواية العربية بشكل عام.
عقب وفاة محفوظ كتب الناقد الأدبى سكوت ماكلويد فى مقال نشر فى مجلة «التايم» الأمريكية «نجيب محفوظ هو روح أمته، وأب الرواية العربية التى حيرت العالم بأسره»، وأضاف «حاول كل من الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات كثيرا إضفاء تعريفات جديدة للظواهر المصرية الحديثة، ولكن لم يستطع أحد أن يجسد روح الأمة المصرية عن قرب كما فعل نجيب محفوظ، الذى ظل مفعما بالنشاط كأديب عالمى راق حتى وافته المنية عن 94 عاما، وأصدر فى هذه الأثناء 33 رواية وعشرات القصص القصيرة التى تصور المصرى البسيط، والمهمشين منهم بدءا من الخدم وحتى العاهرات الذين انخرطوا جميعا فى صراع ضد السلطة والفقر».
يعتبر ماكلويد أيضا أن محفوظ هو رائد الواقعية الاجتماعية، ومع ذلك برع فى الكتابة التى تحتوى على الخيال وكذلك الإبحار فى التاريخ والتراث، كما طرح أسئلة وجودية وافية حول معنى الحياة وجدواها، وعلاقة الدين والإيمان بالعلم، وأن قصص محفوظ غارقة فى تفاصيل المعاناة البشرية وتطلعاتهم من أجل عالم تسوده معايير إنسانية، التى كان يعتنقها محفوظ نفسه حسب تعبيره.
عالم نجيب محفوظ واسع وشديد الثراء يمتد من الحقبة الفرعونية إلى الواقع المعاصر والحديث وذلك حسب تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عام 2006، واعتبر أن محفوظ رصد أحلام وطموحات المصريين الواقعية وكذلك توقعاتهم من الدولة، كما رصد صراعات الحفاظ على الهوية أمام تحدى الحداثة، ويقول التقرير «على الرغم من أن عالم محفوظ هو القاهرة وحى الجمالية التى قضى بها فترة طفولته، استطاع أن يجعل مشهد هذه المدينة شديد الدلالة والرمزية للحالة الوطنية بشكل عام»، ويضيف أن عالمه الروائى يعج بالشخصيات التى تمثل الحياة المصرية بشكل عام، بدءا من الشحاذين وحتى الطبقات الأرستقراطية كأنه حرص على أن يحفظ مكانا للمثقفين بين شخصياته، فمحفوظ عن طريق جهده ودأبه طوّر الرواية العربية من التاريخية إلى الحديثة وحظى باحترام وشعبية لا يمكن الانتقاص من قدرهما.
سفير الإبداع الذى ترجم قبل أن يترجم
عزة حسين
منذ بداياته آمن «نجيب محفوظ» بالترجمة طريقا للتواصل الإبداعى والحضارى بين سكان العالم. وهو الأديب المنتج لأكثر من خمسين عملا ما بين قصص قصيرة وروايات وسيناريوهات، ترجمت لعشرات اللغات الأجنبية، وصدر منها مئات الطبعات، إلا أن أولى خطواته مع الترجمة لم تكن لأحد أعماله، وإنما ترجمة قام بها من اللغة الإنجليزية‏، لكتاب «مصر القديمة» ل«جيمس بيكى» عام 1932.
ويذكر أن الأديب الراحل كان قد اقترح إنشاء مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية، تتولى ترجمة الأعمال الأدبية من العربية إلى لغات العالم، لكن أحدا لم يستجب.
أما أولى ترجمات أعمال أديب نوبل فقد قام بها المترجم الكندى «دينيس جونسون ديفيز»، وكانت قصة «الزعبلاوى» إحدى قصص مجموعة «همس الجنون»، التى ترجمت ونشرت مع قصص مصرية وعربية أخرى فى مجموعة بعنوان «قصص عربية حديثة»، أو «Modern Arabic short stories»، ثم ترجم له الرجل خمس روايات لاحقا، وتوالت الترجمات.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضى تولى قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة الإشراف على ترجمة أعمال «نجيب محفوظ» لمختلف اللغات الحية، بلغت حصيلتها 500 طبعة بأربعين لغة مختلفة، أكثرها انتشارا طبعات رواية «زقاق المدق» التى ترجمت إلى 22 لغة.
ومؤخرا أطلق المركز الببليوجرافى العربى «ببليو عرب» موقعا إلكترونيا عن ترجمات أعمال «نجيب محفوظ» وعددها، واللغات التى ترجمت إليها، وكذا دور النشر التى أصدرتها بمختلف هذه اللغات. وكحصيلة أولى يغطى الموقع 42 دارا للنشر فى 18 دولة تنشر 193 ترجمة لإجمالى 41 عملا من أعمال محفوظ فى 14 لغة.
وقد حصر القائمون على العمل دول النشر فى:
إسبانيا، ألمانيا، أمريكا، إيران، إيطاليا، البرازيل، البرتغال، بريطانيا، البوسنة، تركيا، السويد، سويسرا، صربيا، فرنسا، المكسيك، النرويج، هولندا، واليونان.
أما الأعمال المترجمة فهى:
أصداء السيرة الذاتية، أفراح القبة، أولاد حارتنا، الباقى من الزمن ساعة، بداية ونهاية، بين القصرين، ثرثرة فوق النيل، الحب تحت المطر، الحب فوق هضبة الهرم، حديث الصباح والمساء، حضرة المحترم، حكايات حارتنا، خان الخليلى، خمارة القط الأسود، دنيا الله، رادوبيس، رحلة ابن فطومة، زقاق المدق، السراب، السكرية، السماء السابعة، السمان والخريف، الشحاذ، صباح الورد، صوت من العالم الآخر، الطريق، العائش فى الحقيقة، عبث الأقدار، عصر الحب، القاهرة الجديدة، قشتمر، قصر الشوق، كفاح طيبة، اللص والكلاب، ليالى ألف ليلة، المرايا، مصر القديمة، ملحمة الحرافيش، ميرامار، وطنى مصر، ويوم قتل الزعيم.
أما اللغات التى تم حصرها فهى 14 لغة، جاءت كالتالي: الإسبانية، الألمانية، الإنجليزية، الإيطالية، البرتغالية، البوسنية، التركية، السويدية، الصربية، الفارسية، الفرنسية، النرويجية، الهولندية، اليونانية.
جدير بالذكر أن «محفوظ» نفسه كان قد صرح فى أكثر من مناسبة بأن تلك الترجمات المختلفة لأعماله لعبت دورا أساسيا فى فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.