محافظ الإسكندرية: جاهزون لانتخابات النواب بتنسيق كامل بين الجهات التنفيذية    افتتاح أسواق اليوم الواحد فى كفر شكر والقناطر الخيرية    مختار غباشي: الانتخابات العراقية تمثل محطة اختبار مهمة في المنافسة السياسية    هشام الحلبي: زيارة الشرع لأمريكا متوقعة.. دول كبرى تتنافس على سوريا    البيت الأبيض يحذر من تقلص الناتج المحلي الأمريكي بسبب الإغلاق الحكومي    زيزو برفقة كأس السوبر: عاش الأهلى.. صورة    قرار صادم من يايسله تجاه نجم الأهلي السعودي    بجلباب «جعفر العمدة».. شبيه محمد رمضان يثير الجدل في عزاء والده    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    المدير الإقليمي لليونسكو بالقاهرة: تعمل على إصدار توصيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي    أب يكتشف وفاة طفليه أثناء إيقاظهما من النوم في الصف    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    حبس المتهمين في مشاجرة بالسلاح الناري في أسيوط    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    محمود مسلم ل كلمة أخيرة: منافسة قوية على المقاعد الفردية بانتخابات النواب 2025    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    بث مباشر.. البابا تواضروس يشارك في احتفالية مرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    قراءة صورة    «ما تجاملش حد على حساب مصر».. تصريحات ياسر جلال عن «إنزال صاعقة جزائريين في ميدان التحرير» تثير جدلًا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    أوقاف شمال سيناء تناقش "خطر أكل الحرام.. الرشوة نموذجًا"    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    نهائي السوبر.. الأهلي والزمالك على موعد مع اللقب 23    تشكيل الزمالك المتوقع ضد الأهلي في نهائي السوبر المصري    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما قال نجيب محفوظ: لن أخرج من بيتى إذا جاءتنى نوبل فى حياة توفيق الحكيم
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 12 - 2010

منذ ثلاثة عشر عاما رن جرس الهاتف، فراح الأديب الكبير نجيب محفوظ للرد..
جاء صوت المحادث: ألو.. أستاذ نجيب؟.
محفوظ: أيوه أنا... لو سمحت ارفع صوتك شوية.
أنا طالب بكلية الإعلام، ونفسى أعمل معك حوارا لجريدة الراية.
قالها الطالب وهو يتوقع أن يرفض.
لكن المهم أنه سمع صوت الأديب العالمى نجيب محفوظ، فهذا يكفى.
لكنه فوجئ برد محفوظ: تفضل يوم الأربعاء... الساعة الواحدة ظهرا.
فرحت لموافقته، واندهشت كيف وافق سريعا لإجراء حوار مع أحد لا يعرفه فضلا عن أننى كنت طالبا بالكلية، فى وقت لم أستطع مقابلة كاتب أقل شهرة وموهبة.
ذهبت لبيته فى الوقت المحدد، وقبل أن أضرب الجرس وجدت الأستاذ يفتح الباب مرحبا بىّ، وصدقت كل ما قيل عنه من أنه إنسان استثنائى، لا تقل شخصيته عن عظمة أدبه. لا أتذكر بالتفصيل كل ما دار فى الحوار الأول إلا تواضعه وقفشاته.
بعدها بعامين، اتصلت به مرة أخرى:
أستاذ نجيب أود إجراء حوار آخر لجريدة القاهرة. فوافق.
ذهبت فى الوقت المحدد. وتكررت قفشاته، وتجلى تواضعه. لكن عناوين هذا الحوار، أغضبته؛ إذ جاء فى مانشيت الجورنال «نجيب محفوظ: لا أكره الإسرائيليين ولا أحب فكرة العروبة».
وفى أحاديثه مع محمد سلماوى بالأهرام، حاول أن يقدم وجهة نظره. اتصلت به لكى اعتذر له عن عناوين لا ذنب لى بها، فوجدته يقول: «أنا مش زعلان منك، ولكنى حبيت أوضح رأيى فى الأهرام».
والآن انتهيت من قراءة أجزاء ممتعة ومهمة من كتاب سيصدر قريبا للأديب زكى سالم، وهو الأقرب إلى محفوظ، تحت عنوان «نجيب محفوظ.. صداقة ممتدة».
وقلت يا لسعادة زكى سالم؛ لأنه اقترب من الأديب العظيم، فى مشهد أقرب إلى الصوفية، وما يحدث بين المريد وشيخه الذى يعلمه الصوفية بالعيش بقربه لا بالوعظ أو إجابة الأسئلة.
فى بداية الكتاب المملوء محبة، قال زكى: «كنت فى بداية الصبا قد قرأت بعض أعمال طه حسين والعقاد والمازنى وتوفيق الحكيم ويحيى حقى ونجيب محفوظ، فأعجبت بهم جميعا، وبخاصة محفوظ الذى عشقت فنه البديع، ثم شاهدته وهو يتحدث فى التليفزيون، واستمعت إليه فى الإذاعة، وقرأت حواراته فى الصحف والمجلات، فجذبتنى شخصيته الساحرة.
فكان لابد أن أذهب إليه، لأعرض عليه بعضا من قصصى القصيرة، لعله يقدم لى ملاحظات فنية، ونصائح أدبية تنفعنى فى كتابة القصص والروايات التى أيقنت منذ هذه السن المبكرة أنها عملى الأهم فى هذه الحياة».
لكن يكتشف زكى سالم بعد رحلته العميقة مع محفوظ أن الأهم لا الملاحظات الفنية أو النصائح الأدبية التى قدمه محفوظ إلى سالم، إنما الدوران فى فلك عالم محفوظ الأكثر جمالا من كل عوالم البشر الآخرين.
وفى أحد اللقاءات الأولى بينهما سأله سالم عن أهمية الالتزام بكل قواعد اللغة العربية القديمة فى الكتابة الأدبية الحديثة، وأن الأساليب اللغوية تتغير، وتتطور، وتتحرر مع الزمن من بعض قيود اللغة الجامدة، لكن محفوظ قال بوضوح: «إنه مع الالتزام الكامل بكل قواعد اللغة، وإنه لا يرى أى ضرورة لكسر مثل هذه القواعد المستقرة».
ولم يسكت سالم فحاول أن يضرب مثالا له بعنوان أول مجموعة قصصية ليوسف إدريس، وهو «أرخص ليالى» وذكر له ما قاله الدكتور طه حسين عن وجود خطأ لغوى فادح، ولا يصح، فى عنوان المجموعة، فالصحيح هو أن تكتب هكذا:
«أرخص ليال»، بحذف الياء الأخيرة، وهنا حسب الكتاب قدم الأستاذ نجيب مخرجا لغويا، أو تبريرا يسمح بأن يبقى العنوان كما هو!.
وفى سطور الكتاب، وجدت إجابة عن اندهاشى السابق: كيف يقابل بود ومحبة الأستاذ نجيب محفوظ كل من يسأله الجلوس؟، حيث قال زكى سالم: «إن ثقافة محفوظ الموسوعية، لها فصل خاص فى هذا الكتاب، ولكنى أود أن أشير هنا إلى جانب واحد من جوانب ثقافته، وهو ما يخص علاقته بالناس من حوله، وهذا ما ظهر بوضوح فى ندواته العامة، فأى إنسان يريد أن يقابل نجيب محفوظ ويتحدث معه، كان يمكنه بمنتهى السهولة، أن يذهب إليه فى ندوته، ويشترك فى الحديث، أو يفتح ما يشاء من موضوعات للحوار».
وهذا ما يجعلنا نسخر من حالنا الثقافى الآن، إذ لا يستطيع الناس مقابلة بعض نجوم الأدب والثقافة أو من يعتقدون أنهم نجوم؟
ندوة قصر النيل
وعن ندوة «قصر النيل» أفرد سالم الكثير من السطور عنها: «هذه هى الندوة التى دعانى إلى حضورها الأستاذ نجيب محفوظ، وهى الندوة التى بدأت بها، وانطلقت منها فقد سبقتها ندوات، وتبعها ندوات أخرى.
وتقع ندوة قصر النيل هذه، فى مرحلة وسطى بين ندوات محفوظ الكثيرة.
فعلاقته بالندوات قديمة جدا، ويسبقها علاقته بالمقاهى حيث كان يلتقى بالأصدقاء والمعارف، أما الندوات فبدأت مذ أوائل الأربعينيات، حين تكونت لجنة النشر للجامعيين التى أنشأها عبدالحميد جودة السحار، وشارك فيها نجيب محفوظ وآخرون، منهم عادل كامل المحامى والروائى.
وكانت تعقد كل يوم جمعة فى كازينو أوبرا، وتمتاز عن الندوات الأخرى بأنها ندوة أدبية بمعنى الكلمة، إذ يحضرها عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين، ويناقشون كتابا كل أسبوع، ومعظم موضوعاتها ثقافية وفكرية وأدبية. بالإضافة إلى الحديث عن نشر مؤلفات أعضاء لجنة النشر بطريقة متتابعة».
ويوضح سالم أن ندوة قصر النيل ظلت مستمرة حتى بعد انقلاب يوليو 1952م. وصادف فى يوم جمعة أن جمال عبدالناصر كان سيمر فى شارع الأوبرا، فلاحظ الأمن مجموعة من الأشخاص يتجمعون فى كازينو أوبرا، فجاء الأمن وسألهم: من أنتم؟ ولماذا تجلسون هكذا؟ وهل معكم تصريح؟
وعندما قالوا للضابط هذا نجيب محفوظ، قال الضابط للأستاذ: أين تحقيق شخصيتك؟ فقدمه له الأستاذ، فنظر إليه الضابط حسبما جاء فى الكتاب وقال إن هذه التجمعات ممنوعة، ولابد من وجود تصريح من الأمن لعقد مثل هذه الاجتماعات! فسأله الأستاذ: ومن أين نحصل على مثل هذا التصريح؟ قال الضابط: من قسم الشرطة التابع له الكازينو.
فكان الأستاذ يضطر إلى الذهاب إلى القسم حتى يحصل على تصريح بعقد الندوة، وتم الاتفاق على أن يذهب فى كل أسبوع أحد أعضاء الندوة إلى قسم الشرطة للحصول على التصريح! ليس هذا فقط، بل استتبع ذلك حضور أحد المخبرين إلى الندوة، لتسجيل كل ما يقال فيها؛ ولأن كثيرا مما كان يقال من أحاديث أدبية وثقافية وفكرية، كانت تستغلق على قدرة المخبر على المتابعة والتسجيل، أصبح المخبر يطلب من الأستاذ فى نهاية كل ندوة أن يساعده فى تسجيل ما دار فيها من أحاديث ومناقشات وحوارات!.
ويذكر كتاب زكى سالم تاريخ ندوات محفوظ، حيث انتقلت الندوة إلى مقهى ريش، وكانت كذلك ندوة أدبية، وإن ظهرت فيها أيضا المناقشات السياسية الحامية، فأغلب الحضور كانوا يساريين أو شيوعيين، ومنهم عدد كبير من كتّاب الستينيات.
وأرجع زكى توقف هذه الندوة أيضا إلى أسباب أمنية، إذ بدأ مقهى ريش يغلق فى موعد الندوة، كل يوم جمعة، حتى لا تستقبل أعضاء ندوة نجيب محفوظ. ثم ظهر كازينو قصر النيل كبديل.
حكايات الأستاذ
ثم انتقل سالم إلى سرد الحكايات، بعد تأكيده أن عدد الحضور تضاعف بعد حصول الأستاذ على نوبل. فقبلها كان عدد حضور الندوة من ثمانية إلى عشرة أو اثنى عشر على الأكثر، أما بعد نوبل، فكان العدد فى بعض الأحيان يصل إلى أربعين وخمسين شخصا، معظمهم حضروا لكى يشاهدوا صاحب نوبل.
ومن الحكايات التى ذكرها سالم أن د. جلال أمين، حضر ندوة، وكان متحمسا عن أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه التليفزيون فى حياة الناس، وإنه إذا عهد إليه بقيادة العمل فى هذا الجهاز الخطير، فإنه يمكن أن يغير مصر كلها، وهنا علق الأستاذ ضاحكا: نعم يمكن أن تغير مصر كلها من خلال التليفزيون إذا كنت تبث ساندوتشات!
وكتب سالم عن حديث دار بين محفوظ وتوفيق الحكيم، حين قال له الحكيم: هل قرأت ما نشر فى الصحف عن ترشيحك لجائزة نوبل؟ فأجابه: نعم، فسأله الحكيم: هل اتصلت بك السفارة السويدية لتحصل منك على سيرتك الذاتية؟ فأجابه محفوظ: لا، لم يتصل بى أحد. فقال له: لا تصدق مثل هذه الأخبار المنشورة فى الصحف؛ لأنك إذا كنت مرشحا فعلا، كانت السفارة اتصلت بك لتأخذ بياناتك. (والحقيقة كما تبين لنا فيما بعد أن السفارات السويدية لا تتصل بالمرشحين لجائزة نوبل).
وخطر للأستاذ سالم، بعد حصول الأستاذ على نوبل، أن يسأله عن رأيه فيما لو حدث أن جاءت إليه الجائزة فى حياة توفيق الحكيم، فقال له أعجب إجابة، حسب وصفه، إذ قال: لو حدث ذلك لما خرجت من بيتى!.
كما حكى سالم بعض حكايات توفيق الحكيم، منها أنه حكى عن الشخص الذى تسمى باسمه شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية، وهو شاطئ سيدى بشر، إذ حكى الحكيم أنه كان يعرف هذا الرجل البسيط، والذى كان يعمل «عسكرى» فى البوليس، وأنه ليس وليا له كرامات، ولا شيخا له مريدون، ومن ثم كان الحكيم يتعجب كيف أصبح له ضريح يؤمه الناس كل يوم، كما تسمى باسم هذا الرجل العادى شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية.
أشخاص فى حضرة الكبير
ولم يغفل الكتاب الحديث عن أشخاص بعينهم، مثلا قال عن عادل كامل إنه كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وشارك نجيب محفوظ جائزة الرواية من مجمع اللغة العربية، بروايته «ملك من شعاع»، ورواية محفوظ «كفاح طيبة»، ولكنه لم يواصل إذ لم يجد المردود المتوقع للعمل الأدبى، فأخذته مهنة المحاماة. وذكر سالم مقولة قالها كامل بعد حصول محفوظ على نوبل: «الآن فقط أعلن أننى أخطأت حين توقفت عن إكمال مشروعى الأدبى».
وهنا انتهز سالم الفرصة ليسأل محفوظ عن السبب الذى يجعل مبدعا موهوبا يتوقف عن إكمال مشروعه الإبداعى. وجاءت إجابة محفوظ، حسب الكتاب: «أن المبدع الحقيقى لا يمكن أبدا أن يتوقف؛ لأنه يبدع طالما موهبته لم تنضب». ثم قال له سالم: أمعنى ذلك أن أى مبدع توقف أن موهبته قد نضبت؟ فرد عليه قائلا: «أو تكن الموهبة توقفت لفترة كما حدث معى بعد الثلاثية ثم يواصل الإبداع بعد ذلك».
وعن فرج فودة قال زكى سالم: «أتذكر أول مرة حضر فيها د. فرج فودة، فقد جاء مبكرا، فى تمام الساعة الخامسة، ولم يكن موجودا فى الندوة سوى الأستاذ ومصطفى أبوالنصر والمؤلف، وقد جاء د. فرج حزينا لما حدث فى حزب الوفد، فقد كان فى هذا الوقت عضوا فى الهيئة العليا للحزب، وقد رأى فؤاد سراج الدين، وكثير من أعضاء الهيئة العليا أن يتحالف الوفد مع الإخوان فى أثناء الانتخابات، وقد رأى فؤاد باشا أن ذلك فى مصلحة الوفد لما سيحصده من مقاعد (وهذا ما حدث فعلا)، ولكن د. فرج رأى أن هذا الموقف يعد نوعا من الانتهازية السياسية، ومن ثم استقال فرج من حزب الوفد، وبدأ يفكر فى إنشاء حزب سياسى جديد.
وقد اختلف رأى الأستاذ نجيب مع ما طرحه د. فرج، إذ رأى أنه ما كان يجب أن يستقيل فرج، لأن فرج وأمثاله هم مستقبل حزب الوفد، بينما الباشا ومن معه، فهم يمثلون التاريخ لا المستقبل، ولا يجب أن ينسحب المستقبل أمام التاريخ. ولعل كلام الأستاذ عن فكرة المستقبل والتاريخ هو الذى دعا فرج فودة إلى إطلاق اسم «المستقبل» على الحزب الذى حاول أن ينشئه، ولم يفلح. وقد استمر فرج فودة مواظبا على حضور الندوة حتى اغتياله.
وعن حوار مهم دار بين زكى ومحفوظ، أضعه هنا كاملا، يذكر الكتاب: «دار بيننا حوار جرى تقريبا فى عام 1980م، بعدما أنهيت دراستى فى كلية التجارة، وأردت أن أحقق حلمى القديم، وهو حلم دراسة الفلسفة دراسة أكاديمية منظمة، فقلت للأستاذ ذلك، فإذا به يقول لى: إذا أردت أن تدرس فى كلية الآداب، فمن الأفضل أن تدرس أدب عربى، أو أدب إنجليزى، فأنت تكتب القصص، ومن ثم ستكون دراسة الأدب أفضل لك كثيرا من دراسة الفلسفة.
أصابتنى لحظة من الذهول، وإذا بى أقول له: كيف؟ إننى أحلم منذ سنوات أن أدرس الفلسفة مثلك. فإذا به يقول: أنا أخطأت بدراسة الفلسفة. الأستاذ يعترف لى فجأة أنه أخطأ حين اختار قسم الفلسفة للدراسة! كيف أخطأت يا أستاذنا؟ قال إنه كان فى زمن أساتذة كبار من المفكرين: طه حسين، وعباس العقاد، وسلامة موسى، ومن ثم فقد تمنى أن يصبح مفكرا مثلهم، وبالتالى فالطريق الأقرب لذلك هو دراسة الفلسفة لا الأدب! قلت له: أتظن أن دراستك للأدب بدلا من الفلسفة، كانت ستكون أفضل لما قدمته من إبداع عظيم. فقال: لا أستطيع أن أجزم بذلك الآن، لكن من يهتم بالأدب يدرسه. فقلت: الأدب يسمح لنا أن نقرأه بطريقة حرة، وكذلك كتب النقد الأدبى، أما الفلسفة فهى بحاجة إلى دراسة أكاديمية منظمة».
ثمة حكاية جميلة حكاها الأستاذ نجيب، ورواها زكى سالم فى كتابه، إذا قال: «حين تقدم فى عام 1930م للدراسة فى كلية الآداب، واختار قسم الفلسفة، ففى ذلك الحين كان عميد الكلية بنفسه، الدكتور طه حسين، يستقبل الطلاب الجدد، حتى يتأكد من خلال الحوار معهم، أنهم أحسنوا اختيار الدراسة فى أقسام الكلية المناسبة لهم! وحين سأل العميد الطالب نجيب محفوظ عن سبب اختياره لدراسة الفلسفة دون غيرها، عبر نجيب محفوظ عن رأيه فى أسباب اختياره لقسم الفلسفة وأهميته، عندئذ قال له د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك غير مفهوم».
يجب هنا الإشارة إلى كلمات ذكرها من قبل الدكتور يحيى الرخاوى فى كتابه: «فى شرف صحبة نجيب محفوظ»، توضح مدى قرب سالم لنجيب محفوظ، وبالتالى تعتبر مذكراته من أصدق ما كُتب عن الأستاذ بعيدا عن ورثة الأديب. قال الرخاوى إنه فى أول مقابلة معه يقصد نجيب محفوظ فى مستشفى الشرطة، وأنا أسأله عن أسماء الأصدقاء الذين سوف أضمنهم روشتة العلاج من ظاهرة: «الافتقار إلى الناس».
سألته يومها: من يريد أن يسمح له بزيارة منتظمة فى يوم بذاته، ساعتها ذكر لى أول ما ذكر: زكى سالم، ولم أكن قد التقيته ولا مرة قبل ذلك، ثم ذكر: جمال الغيطانى، ثم أضاف: ثم ما يرون وترى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.