حتي بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك مساء يوم الخميس، وبيان الرئيس المفوض عمر سليمان بعده، لايمكن بلورة كل ملامح الصورة التي ستكون عليها مصر هذا الاسبوع. أو اليوم. أو بعد ساعة. المتغيرات تتقاذف الواقع بصورة مستمرة.. بمعدل زمني يذهل حتي مفجريه. وفي بعض الأحيان يكون الأمر كما لو أنه كرة ثلج تتضخم .. وفي ذات الوقت فإن التفاعلات تتجسد كرة نار يجدها هذا أو ذاك في حجره. الخطورة لا تكمن فقط في هذا اللهاث . إنما كذلك في أن التفاعلات المصرية ضغطت عليها ثلاثة عوامل: استيحاء الفصول من النموذج التونسي .. وصولا إلي أن الكثيرين انتظروا مشهد رحيل الرئيس . العامل الثاني هو أن الفضائيات مختلفة التوجهات كانت عنصرا رهيب التأثير في مجريات الأزمة . الثالث : تعدد مصادر التدخلات الخارجية. في ضوء عمليات التسخين المتقاطعة، نفهم لماذا سعت أطراف مختلفة في إدارة الأزمة إلي (تبريد) إيقاع ميدان التحرير بأي طريقة .. باعتباره (ترمومتر الأحداث) .. وقد أدرك الكثيرون هذا ..وحاولوا مرات مختلفة - من داخل ومن خارج مصر - أن يقوموا بتسخين هذا الإيقاع .. لعله يبقي جذوة (الميدان) مشتعلة .. ويكون هذا ضاغطا علي الأوضاع .. فلا تنجو سفينة مصر من الدوامة التي دخلتها يوم 28 يناير الماضي. التحليل السياسي لابد أن يقفز خارج هذه الدوامة، حتي يستطيع أن يري ما يدور في داخلها، ويطفو مع الحقائق، ويمايز إذا ما كانت الدوامة سوف تصبح (إعصارا).. أم أنها سوف تقف عند حدود (العاصفة) التي حركت الراكد من المياه.. ونشطت الموجات.. وبدلت أوراقا وأعادت ترتيب توازنات وأنشأت معادلات جديدة؟! - كيف يفكر النائب ؟ الآن، للدقة، يجب وصف السيد عمر سليمان بأنه الرئيس المفوض، فقد فوضه الرئيس مبارك صلاحياته في خطاب يوم الخميس الماضي .. وقبلها بيومين قال لرؤساء تحرير الصحف المختلفة في اجتماع بالرئاسة .. إن هدف الأزمة هو: إسقاط وإضعاف وإفقار مصر؟.. متخطيا المطلب المعلن لمظاهرات الاحتجاج في ميدان التحرير وغيره من الأماكن.. أي رحيل الرئيس مبارك. ردود الأفعال علي خطاب مبارك، ثم بيان الرئيس المفوض بعده، أظهرت إلي حد بعيد أن تشخيص سليمان دقيق .. إذ علي الرغم من حجم التنازل المهول الذي رضخ به مبارك إلي طلبات ميدان التحرير .. وتفويضه صلاحياته لنائبه .. إلا أن ردود الأفعال علي الخطاب تساءلت باستغراب عن السبب الذي جعل الرئيس متماسكا .. يتكلم بكل قوة وبكل ثقة .. ولايبدو عليه التأثر بأي شيء من حوله. الخلاصة هنا تعني ببساطة أنه كان مطلوبا أن يظهر مبارك (مسكينا) .. إذا لم يكن سيفر خارج بلده.. هاربا .. فإن المطلوب منه أن يبدو ضعيفا.. مضغوطا.. واقعا تحت تأثير مؤلم للمظاهرات .. وأن يبدو راضخا في صوته .. كما لو أنه يرفع الراية البيضاء ..وليس أن يعلن ابتعاده عن المشهد وهو في قمه كبريائه. حين يقول الرئيس المفوض عمر سليمان إن المطلوب هو إضعاف مصر .. قبل أن يلقي مبارك خطابه .. فإن هذا يعني أن فريق قيادة الحكم يدرك أن المقصود ليس مبارك وإنما منصب رئيس مصر .. وأن الإهانة مطلوبة للبلد .. وليس لحاكمه. ولا ينفي هذا أن هناك مجموعة من عوامل الإضعاف الأخري .. الكامنة في كل التفاعلات التي تجري منذ يوم 28 يناير: إخلاء دورها الإقليمي. إشغالها في الخروج من الوحل الاقتصادي.. سنوات . إشعال فتنة بين أجيالها .. وطبقاتها. شغل جيشها بمعضلة داخلية معقدة وتوريطه فيها. إنزال مؤسساتها من علياء كبير .. حرقا أو امتهانا أو تخريبا. إخضاعها لتهديدات استراتيجية ذات أبعاد إقليمية ودولية. هذا كله يعني أنه حتي لو تنحي الرئيس مبارك عن الحكم فإن هذا المشهد المتصاعد لن ينتهي .. بل سوف يتفاعل .. ولو حتي تراجع عن إيمانه الثابت بأن بلده هي (أرض المحيا والممات) .. واستقل طائرة إلي خارج مصر .. فإن ما يجري لن يتوقف .. لا في التحرير ولا في غيره .. لأن المعني لا يتعلق بالرئيس .. ذلك كان هو العنوان.. لكن الأمر أعمق من هذا بكثير. يقول عمر سليمان: (الرحيل كلمة ضد أخلاق الشعب المصري . وهي إهانة للشعب قبل الرئيس . ومبارك أحد أبطال حرب أكتوبر . والمؤسسة العسكرية حريصة علي أولئك الأبطال .. كيف يمكن أن ننسي تاريخنا ونضيعه). ما يقوله الرئيس المفوض يعني أن للأزمة جوانب أخلاقية، وتاريخية، تفرضها المبادئ التي تؤمن بها المؤسسات في مصر، ليس فقط في الجيش .. فحسب .. وإنما أيضا في كل مواقع الدولة .. وأن هذه الجوانب سوف تنكشف فيما بعد.. حين يخرج المجتمع من أزمته .. ويحصي خسائره .. ويرصد ما تعرض له من طعنات. علي كل فإن طريقة تعامل (الرئيس المفوض) مع الأزمة .. منذ بدأت .. وحتي الآن ..تشير إلي أن هناك رؤية متماسكة نابعة من عقيدة المؤسسات .. التي تصر علي أن تحافظ علي مقومات دور مصر .. حتي لو قبلت تلك المؤسسات بقدر من المرونة أو التنازلات .. في طريق تحقيق الأهداف الاستراتيجية .. وفي هذا السياق أشير إلي الموقف المستجد من جماعة الإخوان .. التي أتيحت لها في ضوء الأحداث الأخيرة فرصة تاريخية ثمينة للانضواء في رحاب الشرعية .. وهو ما لم يكن متاحا لها منذ عام 1954 . بدءا من يوم الخميس، فإن عمر سليمان سوف يكشف عن أسلوبه الخاص في التعامل مع الموقف في مصر، وهو في وضع لا يحسد عليه .. بينما يتولي المسئولية بتفويض من الرئيس في أزمة خانقة وضاغطة وعاصفة .. وإذا كان عنوان أسلوبه هو العبارة التي قال فيها لشباب مصر: (عودوا إلي دياركم .. وأعمالكم ... المجتمع يحتاج إلي سواعدكم ) .. فإن مجموعة الخطوات التي لجأ إليها سليمان خلال الأيام الماضية منذ عين نائبا كانت تنطوي علي أنه يقوم بمهمة في ضوء تكليفات رئيس .. وبناء علي عضويته في فريق. الآن، صار عليه أن يراعي الأبعاد الآتية: - أن يكشف عن كونه رئيسا مفوضا يقوم بمهامه فعليا وعمليا وأنه ينفذ ذلك بدون رجوع إلي الرئيس مبارك. - أن يحافظ علي التوازن المطلوب في هذه الفترة الانتقالية بدون أن يفقد قدرته علي الحسم والوضوح. -أن يتمكن من عبور الأزمة الحالية بأقل قدر من الخسائر .. وأن يتحرك علي المسارات المختلفة بنفس الوتيرة: اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. -أن يحافظ علي التوازن الدقيق الذي تم الكشف عنه في العلاقة بين الجيش وبقية مؤسسات الحكم. - ألا يضع علي كاهل الرئيس الجديد أعباء لايجب أن تكون مسئوليته .. وألا يقفز كذلك علي ما يفترض أن يقوم به الرئيس الجديد. ألا يهدر هو نفسه فرصه كمرشح حقيقي موثوق فيه في انتخابات الرئاسة المقبلة. رئيس الوزراء انتظر الكثيرون أن يأتي أحمد شفيق رئيسا للوزراء . توقع المنتظرون أن يؤدي هذا إلي انضباط مفتقد في الشارع .. وإلي تغيير في أسلوب العمل يمكن أن يقود إلي تطوير في الأداء .. وإبداع في التصرفات . لكن رئيس الوزراء الجديد تولي عمله في وقت عصيب جدا وصعب للغاية .. ما فرض عليه اختبارا فوق اختبار .. وضغوطا فوق تحديات . بحيث إنه لو أفلت من هذه الفترة .. ولو بدون أن يحقق إنجازا سوي أن يحافظ علي الحد الأدني المتبقي من مؤسسات العمل التنفيذي .. فإن هذا سوف يكون بطولة في حد ذاته. أمضي أحمد شفيق يومي الثلاثاء والأربعاء في عملية تواصل مستمرة مع بعض من الشباب الذي تنتمي إليه النواة الصلبة في حركة 25 يناير .. وفيما يبدو فإنه أطلعهم علي حقائق ربما ساعدت في إقناعهم بأهمية الخطوات التي تم اللجوء إليها في خطاب الرئيس مساء يوم الخميس. يمضي رئيس الوزراء ما بين متصارعين: سوء الحظ .. وإرادة صارمة . وهو مضطر إلي أن يقوم بخطوات مختلفة تناقض الروتين المتوقع من رئيس الوزراء ..ليس لأنه غير عادي .. ولكن لأنه يجد نفسه أمام منحنيات رهيبة ومنزلقات سحيقة . في ذلك أشير إلي أنه قد يكون رئيس الوزراء الأول الذي بادر بأن يطبق سياساته قبل أن يذهب لإلقاء بيانه وبرامجه وتعهداته أمام مجلس الشعب. وفي الأسبوع الماضي كان أن تدهورت الأمور إلي الدرجة التي جعلت دخول رئيس الوزراء إلي مكتبه مستحيلا .. في ظل امتداد الاعتصام إلي مداخل مباني مجالس الشعب والشوري والوزراء .. ومن ثم فإنه ذهب يؤدي دوره من خلال مكاتبه السابقة في وزارة الطيران .. وأيضا أن يمارس مهامه بالمرور علي الوزراء في مكاتبهم .. ما يعني أنه حتي علي المستوي المكتبي واجه ظروفا معقدة. القرارات المالية التي صدرت خلال الأيام الماضية أظهرت الرغبة الحثيثة لمجلس الوزراء في تلبية الاحتياجات المختلفة لقطاعات متنوعة من الشعب .. أما علي مستوي المتضررين مباشرة من الأحداث الأخيرة .. أو علي مستوي تثبيت ثقة الفئات التي لم تندفع في اتجاه الاحتجاج والاعتصام .. أو علي مستوي الفئات التي قررت أن تعبر عن غضبها واحتياجاتها في ذات توقيت ثورة الشباب .. أو علي مستوي كل فئات الشعب التي استفادت من قرار علاوة ال 15%. ومن المهم الإشادة بالقرار الذي اتخذه وزير المالية بشأن تثبيت العمالة المؤقتة .. وهو القرار الذي طولب به حزبيا أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق .. مرتين علي الأقل في الأسبوعين السابقين علي إقالته .. وقد كان يصر علي ألا يوافق .. حتي حين كان يقال له: أنت بالفعل تتكلف ماليا من دفع رواتبهم المؤقتة .. غير أنه كان متشبثا بتصوراته الأيديولوجية .. ولايخضع لأي نصح سياسي .. تاركا الإرث إلي الحكومة التي تولاها الفريق أحمد شفيق . . وقد تصدت له فورا .. بمجرد أن تفجرت المشكلة في الشارع مجددا. في ضوء المعطيات، والوقائع سيئة الحظ، فإن رئيس الوزراء أحمد شفيق سيكون عليه أن يواجه التحديات التالية: حفظ الحد الأدني من الخدمات .. ومواجهة الشلل العام .. سواء ذلك الذي تسببه حالة حظر التجول أو تلك التي تسببه حالات التمرد الجماعية في مختلف القطاعات. سيكون علي رئيس الوزراء أن يحمي ثبات فريقه الوزاري المنقوص .. فهو عمليا لم يعين بعد وزيرا للتعليم .. ولم يعين وزيرا للشئون الإدارية .. واستقال وزير الثقافة مدعيا أن هذا لأسباب صحية . وقد تفرض الضغوط عموما علي فريق شفيق تحديات تدفع هذا الوزير أو ذاك إلي أن يسلك المنهج (العصفوري) .. المنتسب إلي تصرف جابر عصفور .. فيستقيل ذلك الوزير أو زميله .. ومن ثم فإن رئيس الوزراء عليه أن يحافظ علي الروح المعنوية لوزرائه وقدرتهم علي الثبات .. خصوصا أنهم يرون زملاءهم الأسبقين يواجهون اتهامات تتعلق بأدائهم في مناصبهم .. وهذا سيف آخر مسلط علي الرقاب. تنمية مصداقية المؤسسة الوزارية، والحفاظ علي ثبات مصداقية رئيس الوزراء نفسه، بناء علي رصيده الأصلي، وبناء علي رصيده المستجد بعد تصريحاته التي أدلي بها قبل أيام في مختلف القنوات، في ضوء حالة انعدام ثقة عامة .. نتجت عن تراكمات مهولة خلال سنوات بعيدة .. بين الخطاب الرسمي للدولة وقطاعات من الرأي العام .. ويمكن القول أن رصيد المصداقية الذي يتمتع به شفيق هو حائط الصد الأهم في التواصل مع الجمهور. تلبية استحقاقات تتعلق بالأزمة الحالية علي المستوي القانوني، وقد أصدر رئيس الوزراء قرارا مهما بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، منحت لها صلاحيات واسعة، للوصول إلي حقيقة ما جري من يوم 25 يناير إلي الآن .. وماصاحب انتفاضة الشباب من وقت حدوثها إلي اليوم .. وهو قرار يأتي في إطار تكليفات الرئيس .. وكما أنه يعطي أفقا واسعا بشأن ملاحقة من أدي إلي كل هذا العدد من الشهداء الشباب .. فإنه كذلك يعطي أبعادا لابد من تلبيتها بشأن كل عمليات التخريب والترويع والإفزاع التي لحقت بمرافق الدولة وموظفيها وضباطها. الأولوية الأهم، والتي لايتم العمل معها إعلاميا بصورة كبيرة، من قبل رئيس الوزراء، هي استعادة جهاز الشرطة ..للقيام بمهامه الأمنية ..وهي مهمة قدر الرئيس المفوض أنها سوف تستغرق شهرين علي الأقل .. وهي من جانب آخر تحتاج إلي تمويلات مهولة .. كما أنها تضيف عبئا معنويا علي الحكومة التي صار مطلوبا منها ترميم الحالات النفسية لقطاعات مختلفة في الدولة .. تعرضت فعليا إلي اكتئاب واسع وافتقاد للحوافز. - الجيش تواجه القيادات المسلحة ظرفا عصيبا، وتحديا كبيرا، ومناخا غير مسبوق .. يبدأ من عند أن ملفاتها وشئونها وما يتعلق بها أصبح متاحا للجدل في مختلف المحطات والصحف والمدونات .. وقد كان مجرد الاقتراب من أمر يخصها أمرا شديد التعقيد .. ويحاط بتحفظات قانونية .. وصولا إلي أن الجميع في الداخل والخارج ينظر إلي طريقة تصرفها وما سوف تكون عليه الأمور خلال إدارتها للأزمة. لقد دخلت القوات المسلحة هذا الأفق بدورها في لحظة عاصفة، حين انهارت الشرطة بفعل توجيهات خاطئة من قياداتها، في يوم 28 يناير، وكان علي الجيش أن يبدأ انتشاره .. وتنفيذ مهمته .. قبل أن يكون كل الشعب قد سمع بخروج الجيش من ثكناته وقيامه بمهمة خطيرة لحماية الشرعية وحفظ مكتسبات الوطن وحقوق الشعب. وبينما الشارع يعاني من حالة فوران ثوري وانفلات جنائي .. ما يعني أن الجيش كان مطلوبا منه أن يؤدي مهمة شرطية ليس متدربا عليها بشكل تفصيلي. شيئا فشيئا كان أن وجد الجيش نفسه موضوعا بين خيارات مرة .. فهل يطلق النار علي المتظاهرين .. وهل يكون عليه أن يتساهل مع الحق في حرية التعبير .. وهل عليه أن يتخطي مهمته الجوهرية في الحفاظ علي الشرعية التي يدرك تمام الإدراك أنها تتعرض لمؤامرة مهولة تستهدف القفز عليها .. وما هو نوع التراث الذي سوف يتركه في الذاكرة وبين الناس في الشارع بعد هذه الأزمة حين يعود إلي ثكناته؟ نقطتان عسيرتان واجهتا الجيش في الأيام الأولي لتلك الأزمة: - محاولة الوقيعة فيما بين الرئيس والجيش ..عبر الآليات الأمريكية التي تداخلت فيما بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة .. وحفزت وشجعت .. وأوحت .. وكان أن فوجئت، بما لا يفاجئنا، بأنه لا توجد مساحات من أي نوع يمكن العبث فيها بين الرئيس والقوات المسلحة .. أو بين نائب الرئيس والرئيس .. ما أدي إلي فشل محاولة اصطناع انقلاب .. أو تخليقه .. بعد أن تأكد للجميع في واشنطن وغيرها أن لدي القوات المسلحة احتراما كبيرا لرئيسها وولاء لا يمكن فصمه . وأن الجيش ليس لديه هذه المطامع الانقلابية. - النقطة الثانية هي أن جمهور المتظاهرين أراد بدوره أن يصطنع موقفا بين القوات المسلحة والرئيس .. أو بين القوات المسلحة والنظام .. وقد سعي شعار (الجيش والشعب إيد واحدة) إلي محاولة استقطاب القوات المسلحة إلي جانب المعتصمين في ميدان التحرير ..وهو اختيار لم يقبله الجيش .. وبقي حريصا علي حمايه أرواح أهل مصر المعتصمين .. وفي ذات الوقت علي ولائه وإخلاصه للشرعية. من المهم هنا أن نشير إلي أن الجيش وهو يدير الموقف المأزوم ويعمل علي حل الأزمة في إطار دستوري، إنما يصنع التاريخ .. وهو يعيد رسم دوره وعلاقاته ومهمته .. وإذا كان هناك من يطرحون علي الجيش أن يكون له دور يماثل الدور الذي يقوم به الجيش في باكستان .. باعتباره نموذجا مهيمنا .. وضاغطا علي السلطة .. أو أن يكون نموذجا مماثلا للجيش التركي .. بعد تطوره الأخير. اعتقادي الخاص أنه في ذات الوقت الذي أرادت فيه مصر أن تؤكد علي أن لديها صيغتها الاستثنائية والفريدة .. وأنها لا تشبه تونس حتي في سيناريو مشهد الختام .. فإن الجيش لديه نموذجه المصري .. ويقدم صيغته الملائمة التي تتوافق مع مستقبل البلد .. وأن يكون حافظا للاستقرار .. وأن يحرص علي التوازن مع بقية المؤسسات .. وأن يكون هو الضامن الدستوري لدولة مدنية .. وأن يحمي الأوضاع في إطار دستوري. الجيش، في هذه اللحظة التاريخية، التي يحرص فيها علي توازن دقيق، إنما سوف يضع بصمة مؤثرة في مسار البلد، تضيف إلي شرعية انتصاره في عام 1973، وتجعله رصيدا أعظم استراتيجيا مضافا إلي كيان الدولة، يعطي حيوية جديدة للجمهورية التي أنشأتها ثورة 1952 ومن خلال الضباط الأحرار. - التأخير والتغيير والتدمير التحليلات التي انهالت علي شاشات التلفزة بعد خطاب التفويض الذي أعلنه الرئيس مبارك للرئيس المفوض يوم الخميس الماضي تمحورت حول ثلاثة أمور: - التأخير: أي اتهام القرارات التي تصدر عن الرئيس بأن إيقاعها متأخر .. وأن بينها وبين إيقاع الطلبات الشبابية فجوة رهيبة .. هي التي تجعل الخطوات التي يقوم بها غير مؤثرة .. وقد يكون هذا الكلام صحيحا .. لكن اعتقادي الخاص أن كل إجراء أيا ما كان توقيته في ضوء الحالة الثورية كان سوف ينظر إليه علي أنه متأخر وعلي أنه غير كافٍ. - التغيير: الكثيرون قدروا أن هناك تغييرا يجري، وأظن أن ذلك يتحقق فعلا، وسوف تبين الأمور .. حين أن تنتهي الأحوال الجارية .. أن هناك تطورا رهيبا قد جري .. وأن شباب 25 يناير قد أدي إلي إنجاز كبير .. ولكن السؤال هو: متي تنتهي تلك الحالة الثورية ..لكي يمكن للمجتمع أن يستوعب ما قد تحقق له؟ - التدمير: هو النتيجة الوحيدة المتوقعة والمؤكدة أكثر من غيرها في الأجواء الحالية . وهذا اختيار سوف يقودنا إلي المجهول .. إن لم يكن قد وصل بنا إلي أعتابه فعلا. عبد الله كمال يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى www.abkamal.net أو موقع روزاليوسف: www.rosaonline.net أو على المدونتين فى العنوانين التاليين: http//alsiasy.blospot.com http//:abouzina.maktoobblog.com أو للمتابعة على موقع تويتر: twitter.com/abkamal Email:[email protected]