(العلاج والتعويض هو حق من حقوق المصابين وليس منحة) هذه جملة أكد عليها الدكتور شرف في بيانه الأخير السبت الماضي في أعقاب جمعة (الثورة أولا).. ولكن الحقيقة التي ربما لا يعرفها كثيرون وبالتأكيد منهم الدكتور شرف أن العلاج والتعويض لم يعد حقا ولا حتي منحة للمصابين.. بل هو مسلسل من العذاب يتعرض له المصابون يوما بعد يوم.. فيجعلهم أكثر ضعفا وأكثر ذلا.. لتصبح الثورة التي قامت من أجل الكرامة.. مجرد حلم ضائع.. فلا يزال المصابون حتي وقتنا هذا تتأرجح حالتهم مع قرارات مجلس الوزراء.. فيوم يتقرر إعطاؤهم 5 آلاف جنيه في اليوم التالي يكتشفون أنها مشروطة بنسبة العجز.. ولم يتم الحكم من التقارير الطبية.. بل من خلال قومسيون طبي يحدد نسبة العجز.. ورغم كل هذا خضع المصابون لكل هذا الروتين، ومع ذلك لم يصرف مصاب واحد لا 5 آلاف ولا حتي ألفا واحدا.. - كشف صوري ربيع محمد 27 سنة هو أحد مصابي الثورة.. أصيب يوم28 يناير بطلق ناري في عينه اليسري أدي إلي القضاء علي العصب البصري وعضلة العين .. وانتقل إلي عدة مستشفيات فمنها من رفضه لأن حالته كانت خطيرة جدا.. حتي أنقذته السيدة (هبة السويدي) وقدمت له يد المساعدة.. فنقلته إلي مستشفي (نور العيون) وهناك أجري عملية جراحية تمت بنجاح، وأصبحت الرؤية جيدة نوعا ما.. لكن ربيع لم يسلم من الإصابات فقد أصيب مرة أخري من بعض البلطجية الذين أرسلهم له أعضاء مجلس الشعب في بولاق الدكرور. فقد أصيب بثلاث طعنات في البطن أدت إلي قطع الأمعاء وجدار المعدة، وعندما علمت السيدة (هبة السويدي) بإصابته للمرة الثانية قامت بنقله في الحال إلي مستشفي قصر العيني الفرنساوي، أجري عملية جراحية وخرج بعد خمسة عشر يوما، ويقول ربيع : علمت مؤخرا بموضوع القومسيون الطبي، فذهبت علي الفور لكني لم أجد أحدا، وعندما سألت لم يفدني أحد، فاعتصمت أنا وزملائي أمام مجلس الوزراء فطلبوا أن نرسل من يمثلنا ممن ساعدونا مثل الدكتور محمد شرف والدكتور ممدوح حمزة والسيدة الفاضلة (شهيرة محرم).. وقال لهم مجلس الوزراء بأنهم في أقرب وقت سيفعلون الإجراءات اللازمة ومر شهر ولم نر منهم أي شيء.. فقمنا بالاعتصام مرة أخري فذهبت للتحدث بالنيابة عنا هذه المرة السيدة (هبة السويدي) وتناقشت معهم وظلت وراءهم حتي حددوا ميعاد الكومسيون الطبي وذهبت ومعي كل تقاريري الطبية وهناك تعرضنا للسخرية من الأطباء الذين قاموا بالكشف علينا.. فكانوا يتعاملون معنا وكأننا شحاتين جئنا لنأخذ منهم حسنة.. فرفضت السيدة (هبة السويدي) هذه المعاملة ووفرت لنا مكانا لنجلس فيه بدلا من وقفتنا طوال اليوم منتظرين في الطابور وأحضرت لنا شيئا نأكله ونشربه حتي القلم الذي نكتب به بياناتنا الخاصة. وكان داخل القومسيون الطبي أناس مثل (البودي جارد) وأحسسنا أنهم واقفون لكي يخيفونا.. ثم دخلت في مكتب وكان جالسا عليه طبيب وكان يتعامل معي بمنتهي الاستهزاء والسخرية.. فبلهجة الطبيب كما كان يقول ربيع : (اسمك إيه يا حبيبي) فكنت أرد عليه قائلا : (ربيع) ثم يسألني الطبيب: (أنا ماسك إيه في يدي) فقلت له وأنا فاتح عيناي: قلم، فقال لي (هل أنت متأكد ؟ فقلت (نعم)، فقال لي (برافو عليك)، خلاص انتهي الكشف، فاندهشت لأنه لم يفحصني طبيا وكان مجرد سؤال ورفض أن يقول لي نسبة العجز التي أقرها في التقرير، وقال لي (سوف تستلمها في وزارة التضامن) وقالوا لزميلي (اذهب إلي البيت وسوف يصلك التعويض إن شاء الله! - إهمال لا يصدق عم إبراهيم «إبراهيم السيد» وهو أحد المصابين الذي أصيب بثلاث طلقات نارية أسفل الظهر ورصاصة أخري في فخذه الأيمن أدت إلي توقف قدمه عن الحركة يقول: أنا أب لأربعة أبناء أكبرهم في الصف «الثالث الإعدادي» عندما أصبت يوم «28 يناير»، حملني أهل الخير إلي أقرب مستشفي جامعي وهناك وجدت الإهمال الكامل في معاملة المصابين كما وجدت بعضا من المصابين ملقين علي الأرض ودماؤهم تملأ المكان، أو تم طردهم خارج المستشفي بالإضافة إلي معاملة الأطباء الذين يقومون بتشخيص المصابين بطريقة خاطئة أو إجراء عمليات جراحية لهم قد تودي بحياتهم أو تركهم في دمائهم إلا بعد دفع مصاريف المستشفي وأيضاً ملائكة الرحمة الذين يتعاملون بطريقة بعيدة كل البعد عن الملائكة.. فيتعاملون بقسوة مع المصابين وكنت واحدا ممن رأوا هذا الذل داخل المستشفيات لولا اتصال «السيدة هبة السويدي» ونقلها لي من المستشفي الجامعي لمستشفي خاص حيث أجريت عملية في العمود الفقري». كذلك فقد امتدت لي يد المساعد من السيدة مي والمهندس إسلام عفيفي وهما عضوا جمعية الطب النفسي اللذان وفرا لي كل سبل المساعدة.. فقد أجريت عملية جراحية لإخراج الطلقات النارية، وأنا الآن أعمل «فراش» في مكتب «المهندس إسلام عفيفي» حيث وفر لي فرصة عمل كي أصرف علي أبنائي.. فلولا هؤلاء الناس لكنت ملقي في الشارع علي الرصيف أو كنت شهيداً بسبب إهمال المستشفي لي. فكل ما أتمناه الآن هو المعاملة الحسنة للمصابين داخل المستشفيات أما بالنسبة للتعويضات فقد صرفت الألف جنيه بعد إصابتي بثلاثة أشهر وعندما صرح د. «عصام شرف» بأن هناك تعويضا بمبلغ 5000 جنيه لكل مصاب ذهبت لأخذها من وزارة التضامن قالوا لي أن أنتظر حتي إعلان أسماء المستشفيات الحكومية التي ستعيد الكشف علينا لتحديد نسبة العجز!! والحقيقة أنا لا أفهم فنحن نملك التقارير الطبية فما الداعي لكل هذا الروتين؟! - لا نستطيع عمل شيء أما الطفل عبدالرحمن أحمد فأصيب يوم 28 يناير، عمره لا يتجاوز العشر سنوات، اخترقت أربع رصاصات قدميه الصغيرتين وعندما ذهب إلي المستشفي قام الدكتور بإخراج الرصاص وترك رايش الرصاص في قدميه وقال لوالدته «يجب أن يمكث في الفراش ولا يتعرض للحركة، لأنه إذا تعرض للحركة سيتحرك الرايش داخل جسده الضعيف وذلك يمكن أن يؤدي إلي بتر قدميه.. استعانت أمه بأكثر من طبيب لكن كان الرد دائماً «لا نستطيع عمل شيء الآن.. اذهبي لدكتور آخر» فساءت نفسية الطفل وبدأ في دخول مراحل الاكتئاب وتقول والدة عبدالرحمن: ظهر «أهل الخير» وقاموا بمساعدتي حتي عرضوا علي أحد الأطباء الكبار وعندما قاموا بإجراء الأشعة له فوجئت بأنه لا يوجد رايش في قدميه وكل ما يريده هو إجراء علاج طبيعي علي قدميه حتي يستطيع السير مرة أخري والآن أنهي «عبدالرحمن» كورسات العلاج الطبيعي وما يتبقي هو إخضاعه للعلاج النفسي.. وكل ما أستطيع قوله هو «حسبي الله ونعم الوكيل» في الأطباء الذين تسببوا في إيذاء نفسيته ولم أبحث عن تعويض عن إصابة ابني ولكن كل ما بحثت عنه هو علاج ابني. - معدة صبحي «صبحي محمد» الذي كان يعمل سائق تاكسي قبل الثورة لكن بعدها أصبحت حياته منحصرة بين البيت والذهاب إلي المستشفيات.. فقد رأي صبحي كل أنواع العذاب والذل ومازال حتي الآن ينتقل من طبيب لآخر حتي يجد من بقلبه رحمة ويقوم بعلاجه بطريقة صحيحة دون أي مصالح شخصية.. فقد أصيب صبحي بثلاث طلقات نارية في البطن أدت إلي قطع في الأمعاء وقد أجري عملية جراحية في أحد المستشفيات الجامعية لكنه لم يفلت من الإهمال.. فقد ترك الطبيب جرحه مفتوحاً حتي أن أخته قالت لنا إنها كانت تري معدة أخيها من الفتحة التي تركها الأطباء له دون خياطة وظلت حالته سيئة وجلس بدون عمل حتي ساعده أهل الخير وذهب لطبيب وهو يباشر علاجه الآن.. فقد ظل صبحي يعاني ثلاثة أشهر حتي وجدنا من ينقذنا.. وعندما ذهب «صبحي» لأخذ التعويض الذي قالت الحكومة عليه وهو من خمسة آلاف جنيه قالوا له انتظر حتي نري درجة العجز كي نحدد كم المبلغ الذي ستأخذه! - الفخ يقول «إسلام عفيفي» رجل أعمال وعضو جمعية خيرية ومنسق في مجلس الوزراء: في بادئ الأمر سمعنا عن أحزاب تحاول استقطاب المصابين للدخول معهم دون وعي ومنهما «حزب 25 يناير» وعمل توكيلات لهم وعرفنا أن هذه التوكيلات لانضمامهم للحزب وأيضاً للتنازل عن القضايا التي يرفعها المصابون علي الحكومة في شأن إصاباتهم وبالطبع وقع بعضهم علي التوكيلات، كل ما شغل بالنا هو إنقاذ هؤلاء المصابين من هذا الفخ بعد كل ما عانوه لعلاجهم من الإصابات فقد مرَّ أغلبهم بمهازل كثيرة أثناء رحلة علاجهم في المستشفيات الحكومية.. ومنهم «عم إبراهيم» وعندما سألناه عما تم بخصوص تعويضات المصابين قال «م. إسلام» لم أكن حاضراً هذا الاجتماع في مجلس الوزراء ولا أعرف علي أي أساس يتم تحديد التعويض. معايير التعويض.. تحدثنا عنها مع الدكتورة «رشا سمير» وهي عضو منسق في مجلس الوزراء.. وقالت: إن القرار لم توضع له معايير كاملة بعد.. وأنه بعد صدور القرار وضعت بعض الأسس والمعايير ولكنها غير واضحة وسيتم تعديلها حتي يستطيع الناس فهم الوضع بصورة جيدة!! وقالت إن كلهم ستكون لهم تعويضات ولكن كل واحد علي حسب نسبة إصابته. وتحدثنا مع السيدة «أمينة باشا» وهي المسئولة عن التعويضات للمصابين في وزارة التضامن الاجتماعي فقالت إن المصابين تم الفعل صدور قرار بإعطائهم تعويضات ولكن علي حسب نسبة العجز.. فإذا كانت الإصابة أكثر من 50% يأخذ خمسة آلاف.. وإذا كانت أقل يأخذ أربعة آلاف جنيه، أما إذا كان المصاب مصابا بجرح طفيف أو خياطة بسيطة فيأخذ ألف جنيه فقط.. وسيتم إعلان الأسماء في الجرائد قريبا.. وسيكون الكشف مجاناً.. وسيأخذ كل مصاب حقه.. وهذا فقط لعدم السماح للدخلاء من الذين يدعون الإصابة أثناء الثورة زوراً.