الاحتجاجات والمظاهرات العمالية شهدت ظاهرة هى الأخطر على مدى تاريخ مصر من حيث الكم والكيف، وشملت الاحتجاجات الفئوية كل الوزارات والمصالح الحكومية، فى جميع أنحاء مصر تقريبًا. فخلال الفترة الماضية شهدت الحركة العمالية 489 مظاهرة فئوية، تمثلت فى 186 اعتصاما و77 إضرابا و151 تظاهرة و27 تجمهرا و48 وقفة احتجاجية. فى حين تجسدت خسائر العمال فى شهر فبراير فى فصل وتشريد 4205 عمال وإصابة المئات نتيجة ظروف العمل السيئة وغياب وسائل الأمن الصناعى والصحة المهنية وضعف النقابات العمالية وعدم قدرتها على حماية العمال. فجاءت الاحتجاجات العمالية خلال أيام الثورة وما تلاها كضرورة للتأكيد على المطالب الاجتماعية حيث إن الكثير من تلك الاحتجاجات كانت موجهة فى المقام الأول ضد القيادات الفاسدة فى المواقع العمالية والتى طالب العمال بإقالتهم ومحاكمتهم كخطوة أولى على طريق محاربة الفساد. * لماذا يتظاهر المصريون قد يعتقد البعض أن هذه التظاهرات لفئات دست على الشارع من جهات داخلية أو خارجية لزعزعة أمن البلد واستقرارها، ولكن بعد قراءة التقارير التالية ستجد أن المظاهرات الفئوية مهما كثرت، منطقية جدا بل إنها الابن الشرعى للفساد الذى سرى فى جسد الكيان المصرى خلال العقدين السابقين. فقد ذكر (تقرير صندوق النقد الدولى) أنه يوجد بمصر 48 مليون فقير فضلا عن الإحصائيات التالية: - 40 مليونا يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار فى اليوم ولا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (لجنة الإنتاج الزراعى بمجلس الشورى). - 5,2 مليون يعيشون فى فقر مدقع (تقرير الأممالمتحدة للتنمية الإدارية). - 12 مليونًا دون مأوى بالإضافة إلى5,1 مليون يعيشون فى المقابر (الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء). ونتيجة للإحصاءات السابقة رصدت وزارة الصحة هذه الأرقام: - 40 مليونًا من المصريين لديهم أنيميا حادة و 8 ملايين مصاب بالسكرى و9 ملايين مصاب بفيروس سى مما يضع مصر على قمة دول العالم فى الإصابة به. - 20 ألفا يموتون سنويا بسبب تلوث المياه و100 ألف مصاب بالسرطان بسبب تلوث المياه. - 900 ألف مصاب سنويا بسبب حوادث الطرق (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار). - مصر تحتل أعلى نسبة وفيات للأطفال 5% (تقرير التعبئة العامة للإحصاء). كما رصد الجهاز المركزى للتعبئة و الإحصاء ومركز المعلومات ودعم القرار ما يلى: - 10 ملايين عاطل فى السن من 15 / 29 سنة أى 22% من قوة العمل. - 16 % من الشباب مدمنو مخدرات. - 17 % من الطلاب متزوجون عرفيا. - 9 ملايين عانس فوق 35 سنة بدون زواج. والنتيجة النهائية: - 30 مليون مصرى مريض بالاكتئاب 15 % منهم يلجأون للانتحار «د. أحمد عكاشة». - ومصر تحتل المركز 57 من بين 60 دولة فى تقرير البؤس العالمى (مؤشر بلومبرج). ونتيجة لذلك وجد الملايين الفرصة سانحة للمطالبة بحقوقهم التى هضمت طويلا، وعلى كل فقد تمثلت مطالب العمال فى آلاف المظاهرات فى ثلاثة مطالب رئيسية وهى زيادة الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة وإقالة المفسدين. ولعل أشهر هذه المظاهرات وأولها كانت من نصيب وزارة الداخلية حيث احتشد آلاف الضباط فى مظاهرة لتحسين أوضاعهم مطالبين وزارة الداخلية بتصحيح الصورة التى رسمها المواطنون عنهم خلال الأيام الماضية. * مستشفيات بلا ملائكة أيضا تظاهر أكثر من 1000 طبيب وممرض بمستشفى أم المصريين ومثلهم بمستشفى قصر العينى (الفرنساوى) بالقاهرة وعشرات من الإداريين والعاملين بالمستشفى العام بالإسماعيلية والمئات من العاملين بمستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحى بالدقى الذين طالبوا بزيادة الأجور لتحسين أوضاعهم المالية وجاءت وكيلة وزارة الصحة إليهم مؤكدة أنها لاتستطيع أن تفعل شيئا مما جعل الأطباء يستمرون فى التظاهر. كما اعتصم ثلاثة آلاف موظف بمرفق إسعاف القاهرة والمحافظات، مطالبين بتثبيت العمالة المؤقتة، والارتقاء بالتأمين الصحى والاجتماعى، وإنشاء نقابة تمثلهم. * مظاهرات الأفندية وتشهد منطقة المنيرة بالقاهرة (سعد زغلول) مقر وزارة التربية والتعليم عشرات المظاهرات يوميا من المدرسين، حيث يطالب الخريجون بتعيينهم ولو بالحصة ويطالب المدرسون بنظام الحصص بعمل تعاقد مؤقت ويطالب أصحاب العقود المؤقتة بتثبيتهم ويطالب المدرسون المثبتون بزيادة الرواتب. وقد نظم 6 آلاف موظف وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية التعليم بالقاهرة مطالبين بإقالة وكيل وزارة التربية ومحاسبته وتشكيل لجنة للتحقيق معه فى إهدار المال العام بالمديرية. وزارة التعليم العالى لها نصيب الأسد من التظاهرات التى استمرت طوال الفترة الماضية أمام الجامعات والمعاهد سواء من الأساتذة أو الطلبة. كما تظاهر نحو 3 آلاف من أساتذة وموظفى المركز القومى للبحوث أمام المركز، احتجاجا على عدم صرف مستحقاتهم المتأخرة. * العمال أما العمال فكانوا أصحاب النصيب الأكبر فى التظاهر وذلك بسبب سوء الأوضاع المادية والمهنية فى كل القطاعات. ولعل أهم هذه المظاهرات كانت لعمال السكة الحديد الذين يبلغ عددهم70 ألف عامل بكافة المحافظات، ورغم أن المظاهرات كانت سلمية، إلا أنها تسببت فى خسائر كبيرة للشركة وتعطيل لمصالح الآلاف من المواطنين، حيث اعتصم العمال على شريط السكة الحديد رافضين تشغيل القطارات إلا بعد أن تستجيب الشركة لمطالبهم المادية. وكذلك فعل العاملون فى الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو أنفاق القاهرة للمطالبة بصرف الأرباح لجميع العاملين، وزيادة حافز الإثابة وبدل طبيعة العمل وبدل العدوى ورفع الحد الأقصى للإضافى أسوة بجميع الشركات، وعمل لائحة خاصة بالعاملين فى المترو. وفى مقر الشركة المصرية للاتصالات فى القرية الذكية اعتصم نحو 1700 عامل مطالبين بزيادة الأجور. وبالمثل قطع 10 آلاف عامل بمجموعة «عرفة غروب» (الشركة السويسرية للملابس الجاهزة) طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوى أمام مدخل مدينة العاشر من رمضان احتجاجا على تدنى الرواتب وسوء معاملة أصحاب الشركة. وفى السويس، واصل عمال شركة «ترسانة السويس» اعتصامهم، بينما هدد آلاف العاملين بأربع شركات تابعة لقناة السويس ببورسعيد بالبدء فى إضراب عام إذا لم يستجب رئيس هيئة قناة السويس لمطالبهم.. وأرسلت الشركات الأربع إنذارا شديد اللهجة لرئيس هيئة قناة السويس يطالبه بتنفيذ مطالب العمال. ولم تسلم المؤسسات الإعلامية من الاحتجاجات، حيث نظم عدد من العاملين فى التليفزيون ومؤسسة أخبار اليوم والأهرام والجمهورية ومؤسسات صحفية أخرى بمختلف الفئات من صحفيين وإداريين وعمال، مظاهرات طالبوا فيها بتعيين العمالة المؤقتة وإجراء إصلاح هيكلى فى الأجور وزيادة الحوافز والرواتب. وشهدت نقابتا الموسيقيين والسينيمائيين بوسط القاهرة تجمهرا آخر، منددين بأوضاعهم السيئة. * مظاهرات الفلاحين لعدة أيام استمر أكثر من 3000 عامل تابعين لوزارة الزراعة فى اعتصامهم أمام مقر الوزارة فى حى الدقى، للمطالبة برفع الأجور للحد الأدنى 1200 جنيه، وتثبيت العمالة المؤقتة. وفى شمال سيناء، تظاهر مئات المزارعين أمام مقر مديرية الرى بمدينة القنطرة شرق، للمطالبة بتقنين أوضاعهم وتمليك أراضى وضع اليد التى زرعوها، وسرعة إطلاق مياه الرى فى الترع بعد أن تم قطعها، مثل ترعة السلام وجابر الصباح. * محاكم بلا قضاة ولم تسلم نوادى القضاة من التظاهرات حيث امتنع القضاة عن العمل، لمدة أسبوع بسبب أعمال الشغب والتدمير التى ارتكبها أهالى الشهداء والمصابين داخل قاعة محكمة جنايات الجيزة بمحكمة جنوبالقاهرة فى باب الخلق، عقب أولى جلسات محاكمة 13 ضابطا متهما بإطلاق الرصاص وقتل 6 وإصابة 18 آخرين أمام قسمى شرطة إمبابة وكرداسة، يومى 28 و29 يناير الماضيين. حيث تدافع الأهالى بعد انتهاء الجلسة وخروج المتهمين من قاعة المحاكمة، نحو المتهمين فى محاولة للفتك بهم. ؟ الصحة المهنية هذا وقد تظاهر العشرات من أصحاب التاكسى الأبيض بشرم الشيخ «الجمعة» أمام مستشفى شرم الشيخ الدولى، مطالبين بمغادرة الرئيس المخلوع حسنى مبارك لمستشفى شرم الشيخ ونقله إلى أى مستشفى آخر بعيدا عن المحافظة. وأوضح أصحاب التاكسيات والسائقون أن وجود مبارك بشرم الشيخ تسبب فى انخفاض الإشغالات الفندقية بالمدينة، لتخوف السياح من أى مكان يتواجد به الأمن بكثافة. كما شهد كوبرى الجامعة، المواجه لمقر السفارة الإسرائيلية بالجيزة.. تظاهرات حيث ردد المتظاهرون الهتافات التى تطالب بالرحيل الفورى لكل ما هو إسرائيلى بمصر. كما نظم حوالى 500 من مؤيدى الرئيس السابق حسنى مبارك يوم الجمعة وقفة احتجاجية أمام مبنى التليفزيون المصرى وسط العاصمة المصرية القاهرة للمطالبة بالإفراج عن الرئيس السابق وعدم مساءلته قانونيا. لم تنته المظاهرات وربما لن تنتهى لسنا متأكدين، ولكن المؤكد أن هذه التظاهرات عادت على مصر بخسارة فادحة حيث إنها تعطل مسيرة العمل فى كل القطاعات. فقد ذكر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى مصر أن إجمالى الخسائر المحققة فى قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والسياحة نتيجة الأحداث الأخيرة بلغ أكثر من 10 مليارات جنيه.. بسبب التظاهرات مما جعل الاقتصاد المصرى يواجة صعوبة فى العودة إلى مساره فى ظل إضرابات عمال القطاع العام فى العديد من القطاعات فى أنحاء البلاد للمطالبة بزيادة الأجور. فهل ننتبه أم سنظل نصعد إلى الهاوية؟!