قصة حب فريدة نشأت فى البلاط الملكى، جمعت بين إحدى وصيفات القصر الجميلة «سنت» بالكاهن القزم «سنب».. مشاعر الحب فى مصر القديمة معلنة وظاهرة، «القزُم» لم ينقص شيئا من مشاعر حب مكتملة صادقة بين اثنين تحابا وقررا تتويج مشاعرهما بالزواج. . استطاع «سنب» أن يترقى فى المناصب فكان واحدًا من كبار رجال الدولة وتمتع بكثير من الألقاب الاجتماعية والدينية والشرفية، فكان كاهنًا ورئيسًا لأقزام البلاط الملكى الذين كانوا فى خدمة أحد ملوك الأسرة الخامسة ومسئولا عن الحلى والملابس الملكية، ونظرًا لمكانته الرفيعة دُفن فى قبر فخم قريب من هرم خوفو بجبانة الجيزة. جمعته قصة حب مع «سنت» وهى امرأة كاملة الجمال والجسد وذات مكانة رفيعة، فكانت إحدى الوصيفات في البلاط الملكى وحملت لقب كاهنة للمعبودتين «حتحور ونيت». لم تبال «سنت» كونه قزمًا ولم تعق مشاعر حبها اتجاهه أى معوقات شكلية بل أحبته بشدة وتزوجته وأنجبت منه طفلين (ولد وبنت).. ولأن الحب مَثل جزءًا مهمًا من حياة المصريين القدماء، سجلوا معه قصص حبهم فى أعمال فنية نحتية وتصويرية على جدران المعابد والمقابر والبرديات. فقد جسد هذا الثنائى (سنب و سنت) قصة حبهما ومشاعرهما فى عمل فنى لتخليدها وإعلاء شأنها، فجاء تمثالهما ليشرح بجمالياته الفنية مدى النُبل والوفاء لهذه العلاقة الرومانسية. ويندرج التمثال تحت ما يعرف بتماثيل «المجموعة» وعثر عليه عالم الآثار الألمانى «يونكر» فى بداية القرن العشرين على مقربة من الأهرامات فى الجبانة الغربية ويعرض حاليًا بالمتحف المصرى بالقاهرة. تمثال أُسرى فى المتحف المصرى تظهر ملامح الود والمحبة بين الزوجين فى التمثال فنرى «سنت» الزوجة بابتسامة صافية، وقد ظهرت عليها حالة الرضا والسعادة مع زوجها وأبنائهما وقد احتضنت «سنب» بحب وإعزاز وفخر كونه زوجها بالتفاف يدها حوله فاستقرت يدها اليمنى على كتفه ويدها اليسرى على ذراعه اليسرى فى وضع ودى وجلسة أسرية حميمة، باستدارة خفيفة فى جسمها نحو زوجها إيحاء للحميمية بينهما رغم كونه قزمًا لم يؤثر على مكانته وشخصيته الرئيسية فى الأسرة. ذكاء الفنان النحات صاحب التمثال جعل هذه القطعة الأثرية مميزة من الناحية الفنية، فى إظهار قصة حب الثنائى فى تشكيل التمثال بوضعية مثالية تخفى عيوب فرق الطول والحجم بينهما. فنرى «سنب وسنت» يجلسان فوق مقعد مكعب الشكل (مصطبة) وقد جلست «سنت» بقامتها العادية واستراحت قدماها فوق قاعدة التمثال، بينما لم يجعل الفنان ساقى «سنب» مفرودتين مثل زوجته ليحل بذكاء مشكلة فنية واجهته لقصر قدمى «سنب» وطول قدمى زوجته، لكى يحافظ على منظر التمثال الجمالى، فجعل «سنب» يجلس متربع الساقين والذراعين حتى يخفى قصر طولهم. كما ملأ الفراغ الذى تركته رجلا القزم «سنب» بوضع طفليهما واقفين فى تصوير رمزى فى المكان المخصص عادة لنحت الساق، ليظهرا كبديل لساقين «سنب» وحتى لا تُترك هذه المساحة فارغة مما أدى إلى المحافظة ببراعة تامة على وحدة التكوين والطبيعة التكعيبية لفكرة تصميمه، وبذلك حافظ على السيمترية الرائعة الموجودة فى الفن المصرى القديم، ولكى توحى أيضًا لمن يرى التمثال من بعيد بأنهما ساقى «سنب» ويصبح بذلك المنظر متوازنا.. وأيضا ليكونا سندًا له فى العالم الآخر. كما أن ضخامه حجم رأس «سنب» فى التمثال أدت إلى التلطيف من حجم زوجته المباين والمخالف للعرف المعتاد الذى كان يحتم أن تكون الزوجة أصغر بنيانًا من الرجل. ويعمل التعارض الشديد فى ألوان البشرة بين الزوجين «بنى غامق للقزم سنب وأصفر فاتح لزوجته سنت» على إبراز التضاد بين خشونة الرجل ونعومة المرأة، فاللون الأصفر الفاتح خصصه الفنان ليرمز للنعومة والرقة وخصص اللون البنى أو الأحمر الغامق للرجل ليرمز للخشونة والقوة ودليل على خروجه للعمل وتعرضه للشمس مما يكسبه اللون الداكن، واختلاف لون البشرة بين الرجل والمرأة هو قانون ومبدأ فنى مصرى قديم منذ العصور البدائية. واكتملت المنظومة اللونية جمالاً بالرداء الأبيض الكتانى الطويل «لسنت» والنقية البيضاء القصيرة «لسنب». •