الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    المعارضة تقترب من حسم المقعد.. وجولة إعادة بين مرشّح حزبى ومستقل    20 مرشحًا فى مواجهة ساخنة على 10 مقاعد فردية    انطلاق أول رحلة رسولية خارجية للبابا ليو الرابع عشر نحو تركيا ولبنان    وزير الري يستعرض المسودة الأولية للنظام الأساسي واللائحة الداخلية لروابط مستخدمي المياه    أسعار الخضروات اليوم الخميس 27 نوفمبر في سوق العبور للجملة    أكاديمية البحث العلمي تفتح باب التقديم لمسابقة مستقبل الوقود الحيوي في مصر    وزير البترول يشهد توقيع خطاب نوايا مع جامعة مردوخ الأسترالية    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم 27 نوفمبر    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3% بالربع الأول من عام 2025 /2026    مرفق الكهرباء يعقد اجتماعا مع رؤساء شركات التوزيع لمناقشة أسباب زيادة شكاوى المواطنين    مصر للطيران تكشف حقيقة وقف صفقة شراء طائرات جديدة    زلزال بقوة 6.6 درجات يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    بالفيديو.. حقيقة سقوط أمطار حمضية على مصر بسبب بركان الصدع الأفريقي    نهاية الملاذ الآمن    هل يحق ل رمضان صبحي المشاركة مع بيراميدز حال الطعن على إيقافه 4 سنوات؟    مؤتمر سلوت: هدف أيندهوفن الثاني قتل إيقاعنا.. والحديث عن مستقبلي طبيعي بعد هذه النتائج    هاري كين: هذه أول خسارة لنا في الموسم فلا داعي للخوف.. ومتأكد من مواجهة أرسنال مجددا    دوري أبطال إفريقيا.. توروب والشناوي في المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي والجيش الملكي    رأس المال البشرى.. مشروع مصر الأهم    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    انطلاق امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    طقس الخميس.. انخفاض فى درجات الحرارة وشبورة كثيفة صباحا    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    فتاة تتفق مع شاب على سرقة والدها لمساعدته على الزواج منها بالوراق    اعترافات سائق ميكروباص بتهمة التعدي جنسيا على سيدة داخل سيارة في السلام    وفاة الاعلامية هبة الزياد بشكل مفاجئ    طريقة عمل كفتة الخضار، لذيذة وصحية وسهلة التحضير    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    أحدث ابتكارات ماسك، خبير يكشف مفاجأة عن صفحات تدار من إسرائيل للوقيعة بين مصر والسعودية (فيديو)    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    مواعيد مباريات الخميس 27 نوفمبر 2025.. ثلاث مواجهات في كأس مصر ونهائي مونديال الناشئين    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    سر ظهور أحمد مكي في الحلقة الأخيرة من مسلسل "كارثة طبيعية" (فيديو)    جنة آثار التاريخ وكنوز النيل: معالم سياحية تأسر القلب في قلب الصعيد    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق هونج كونج إلى 44 قتيلا واعتقال 3 مشتبه بهم    السيطرة على حريق شب في مقلب قمامة بالوايلي    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    ترامب: الولايات المتحدة لن تستسلم في مواجهة الإرهاب    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    فانس يوضح الاستنتاجات الأمريكية من العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    المصل واللقاح: فيروس الإنفلونزا هذا العام من بين الأسوأ    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    أوركسترا النور والأمل يواصل البروفات في اليونان    أستاذة آثار يونانية: الأبواب والنوافذ في مقابر الإسكندرية جسر بين الأحياء والأجداد    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    الحماية من الإنفلونزا الموسمية وطرق الوقاية الفعّالة مع انتشار الفيروس    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    برنامج ورش فنية وحرفية لشباب سيناء في الأسبوع الثقافي بالعريش    مدارس النيل: زودنا مدارسنا بإشراف وكاميرات مراقبة متطورة    جمال الزهيري: حسام حسن أخطأ في مناقشة مستويات اللاعبين علانية    بسبب المصري.. بيراميدز يُعدّل موعد مرانه الأساسي استعدادًا لمواجهة باور ديناموز    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقار فريد الأطرش حكاية العمر كله

ولد فى سوريا.. وعاش فى مصر.. وزار بلاد العالم شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا.. ومات فى لبنان.. أطلق عليه العالم العديد من الألقاب.. منها: موسيقار الشرق، ملك العود، موسيقار الزمان، مطرب العروبة، كروان الفن الحزين، الأستاذ.. وقد كرم الأستاذ بما لم يكرم به أحد من قبله ولا بعده.. فقلد وسام الاستحقاق اللبنانى المذهب.. ووسام الاستحقاق المصرى من الطبقة الأولى.. وقلادة النيل.. ووسام الكوكب الأردنى.. وميدالية الخلود الفرنسية.. وسجل اسمه على لوحة الخلود الفرنسية التى لم يوضع عليها اسم قبله سوى العالم الموسيقى بتهوفن.. نتحدث عن الموسيقار فريد الأطرش.
• الزعيم عبدالناصر والموسيقار
لم تكن هذه فقط التكريمات التى حصل عليها الموسيقار فريد الأطرش.. ولكن هناك تكريما أيضا من نوع آخر لم يذكره أحد.. فى عام 1955 عندما انتهى الموسيقار فريد الأطرش من تصوير فيلم «عهد الهوى».. وكان فريد الأطرش قد عود جمهوره على حضور العرض الأول لأفلامه.. إلا أنه فى ليلة العرض الأولى لفيلم «عهد الهوي» أصيب بذبحة صدرية لم تمكنه من الحضور.. وليقينه وعلاقته الوطيدة وصداقته للزعيم عبدالناصر.. فطلب من شقيقه فؤاد الأطرش أن يكتب برقية عاجلة للسيد الزعيم جمال عبدالناصر، يطلب فيها أن يحضر الزعيم بدلا منه العرض الأول لفيلم «عهد الهوى».. ولبى جمال عبدالناصر.. ووصل إلى سينما ديانا ومعه مجلس قيادة الثورة.. وقال لجماهير فريد الأطرش.. أنا جى أحضر بدلا من فريد الذى أصابه مرض مفاجئ وأعدكم أننى بعد انتهاء عرض الفيلم سوف أتوجه إلى منزله لأطمئنكم عليه.. وبالفعل ذهب الزعيم ومعه مجلس قيادة الثورة إلى منزل الموسيقار فريد الأطرش 5 شارع العادل أبوبكر فيللا دار الهنا بالزمالك، وأرسل عبدالناصر مرسالا يطمئن جمهور فريد الأطرش الذى كان بالانتظار أمام سينما ديانا وبعد أن تعافى فريد الأطرش خصص أرباح الفيلم لمدة شهر للمجهود الحربى.. وذهب إلى الزعيم عبدالناصر.. وسلمه الشيك بالمبلغ.
لم يتوقف تكريم عبدالناصر لفريد الأطرش عند هذا الحد.. ولكن كان مقدرا لدوره الوطنى وعشقه لمصر وقيمته كفنان.. فقد ذكرت الكاتبة الصحفية سناء البيسى فى أحد لقاءاتها والإعلامى وجدى الحكيم.. أن سبب لقب «الأستاذ» الذى أطلق على الموسيقار فريد الأطرش.. أنه فى أحد الحفلات التى كان يشارك فيها مجموعة من المطربين.. وكان فريد سيغنى قبل عبدالحليم حافظ وتأخر عن موعده.. وبالتالى تأخرت فقرة حليم.. فتوجه إلى الزعيم عبدالناصر الذى كان حاضرا الحفل يشكو له هذا التأخير وقال: يا فندم فريد.. وقبل أن يكمل جملته.. استوقفه عبدالناصر قائلا: قول الأستاذ فريد.
روى لى هذه الوقائع د.عادل السيد رئيس جمعية محبى فريد الأطرش.. ويستكمل: فى حفل تكريم اسم الزعيم جمال عبدالناصر الذى أقامته الجمعية قال المهندس عبدالحكيم عبدالناصر إن والده الزعيم قال: «فريد الأطرش مطرب العروبة وأنا زعيم العروبة».
ويقول د.عادل السيد: الموسيقار فريد الأطرش أول فنان ينادى بوحدة العرب «وذلك من خلال أوبريت بساط الريح فى فيلم آخر كدبة عام 1950».. وقدم أكثر من اثنتين وخمسين أغنية وطنية.. فقد ارتبط فريد الأطرش بثورة يوليو.. وقدم أول أغنية للثورة يوم 27/9/1952 من كلمات الشاعرين الكبيرين بيرم التونسى ومأمون الشناوى.. يقول مطلعها:
يا شباب آن الأوان
وانتهينا من العدوان
يوم ما جيشنا صان بلادنا
أحلى أيام الزمان
والنهاردة مصر لينا
مش لخاين أو جبان
والموسيقار فريد الأطرش هو أول فنان يذكر اسم جمال فى الأغانى الوطنية بغنوة أول جملة فيها: «يا مرحب بك يا جمال».. وهو أيضا الوحيد الذى غنى لعبدالناصر بعد وفاته أغنية من كلمات مأمون الشناوى.. يقول مطلعها:
حبيبنا يا ناصر يا أغلى الرجال
يا فاتح طريق مجدنا يا جمال
دموعنا عليك بالكفاح والعمل
دموعنا حتروى سنين الأمل
بطل وانت حاضر بطل وانت غايب
يا أعز الحبايب يا جمال
ولد الموسيقار فريد الأطرش فى جبل الدروز بلده «القربا» فى عام 1917.. ينتمى إلى عائلة الأطرش وهم أمراء وإحدى العائلات العريقة فى جبل العرب جنوب سوريا، هذه المنطقة التى أطلق عليها جبل الدروز نسبة إلى سكانها الدروز.. والده فهد فرحان إسماعيل الأطرش، تزوج ثلاث مرات.. الأولى طرفة الأطرش وأنجب منها ابنه طلال.. والثانية عليا المنذر وأنجب منها خمسة أولاد.. ثلاثة ذكور هم أنور وفريد وفؤاد وابنتين هما وداد وآمال التى أصبحت بعد ذلك أسمهان.. ثم تزوج والده ميسرة الأطرش وأنجب منها أربعة: منيرة ومنير وكريمة واعتدال.
أصدقاء الموسيقار فريد الأطرش كثيرون ومعارفه أيضا.. وكل منهم له معه حكاية، وعن بدايته وحكاية عنه يرويها الملحن شوقى إسماعيل قائلا: عانى فريد الأطرش من حرمانه رؤية والده لاضطراره إلى التنقل والسفر بصحبة والدته هربا من الاحتلال الفرنسى المعتزم اعتقاله وعائلته انتقاما لوطنية والده فهد الأطرش، الذى ناضل ضد ظلم الفرنسيين فى جبل الدروز.. ومن خوف والده على عائلته الصغيرة أرسلها إلى مصر عن طريق البحر.. وكان فريد طفلا صغيرا ووالدته حاملا فى شقيقته الصغرى آمال «أسمهان» التى ولدت فى عرض البحر على الباخرة والتى جعل القدر نهايتها أيضا فى البحر، حيث ماتت غريقة.. سكنت العائلة الصغيرة فى جزيرة بدران بحى شبرا وألحقت الأم ابنها فريد مدرسة الفرير.. وكان متميزا بين التلامذة فقد تعلم من والدته عليا المنذر فن الغناء، حيث كانت تتمتع بصوت جميل وعزف ماهر على آلة العود.. وأسندت المدرسة رئاسة كورال الأطفال إلى فريد الأطرش الذى كان متميزا فى أداء الترانيم الكنائسية.. وذات يوم زار المدرسة شخص يدعى هنرى هوواين فأعجب بغناء فريد وأشاد بعائلة الأطرش أمام أحد المدرسين الفرنسيين.. فطرد فريد من المدرسة.. والتحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.. نفد المال الذى كان بحوزة والدته.. وانقطعت أخبار والده، مما دفعها إلى الغناء فى مسارح روض الفرج.. ووافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها أينما تذهب.. ثم التحق فريد بمعهد الموسيقى «فؤاد الأول للموسيقي» وللمساعدة فى إعالة الأسرة بدأ فى توزيع الإعلانات والمجلات بالعجلة على البيوت.. وأخذ يرتاد المقاهى والملاهى كمغنٍ أو عازف للعود، حتى التقى بفريد غُصن والمطرب إبراهيم حمودة الذى طلب منه الانضمام إلى فرقته للعزف على العود فى مسرح بديعة مصابنى.. ثم أعطته بديعة فرصة الغناء أمام الجمهور.. وكان حاضرا إحدى الحفلات مدحت عاصم الذى كان وقتها رئيس المجلس الأعلى للموسيقى وقدمه وأخته أسمهان «آمال» إلى لجنة الإذاعة التى اعتمدته مطربا وهى مطربة.
• من آمال إلى أسمهان
ومازال الملحن شوقى إسماعيل يروي: «عندما استمع الملحن الكبير داود حسنى إلى صوت آمال قرر أن يتبناها فنيا وهو صاحب اللحن الشهير «قمر له ليالي».. وبدأ فى تدريبها وهو الذى اختار لها اسم «أسمهان» تيمنا باسم فنانة كانت صاحبة صوت ساحر وكان يعلمها فن الغناء ولكن القدر لم يمهلها فقد توفاها الله.. وكانت آمال «أسمهان» تملك نفس السحر.. فى هذه الفترة كان فريد شق طريقه فى الإذاعة وسجل أولى أغنياته «ياريتنى طير وأنا أطير حواليك» كلمات وألحان يحيى البليدى.. واستطاع تكوين فرقة موسيقية صغيرة وسجل أول اسطوانة بصوته وألحانه «بحب من غير أمل» من كلمات الشاعر والملحن يحيى البليدى.
ويقول الملحن شوقى إسماعيل: الموسيقار فريد الأطرش له معى موقف وحكاية لن أنساها.. فقد كان الموسيقار يقيم مسابقة سنوية لعازفى العود.. وتقدمت للمسابقة بعزف لحن أغنية «أول همسة».. وبعد أن استمع إلى عزفى.. قام وقبلنى وشكرنى لأننى اخترت العزف لغنوة من ألحانه وقال: «لو جبت تسجيل لى لعزف أول همسة وعزف هذا الرجل لن تستطيع أن تفرق بينهما».. وفى هذا اليوم حصلت على درع الموسيقار فريد الأطرش وجائزة قيمتها خمسمائة جنيه.
فى يوم 26 ديسمبر 2016 ذكرى رحيل الموسيقار فريد الأطرش تم إزاحة الستار عن تمثال له بدار الأوبرا المصرية للمثال محمد ثابت.. هذا التمثال قدمته جمعية محبى الموسيقار التى يرأسها الدكتور عادل السيد بجهود وتبرعات شخصية لم تساهم فى صنعه أى جهة رسمية فنية أو ثقافية.
بدأت علاقة د.عادل السيد بالموسيقار عندما كان عمره سبعة عشر عاما وكان عاشقا لصوت الموسيقار وألحانه.. وعن بداية مشواره معه يقول: «كانت هناك رابطة بمدينة الإسكندرية اسمها «نادى أصدقاء فريد الأطرش» يرأس هذا النادى سعد طه تاجر جلود وإبراهيم أرسلان رجل أعمال وكانت تربطهما بالموسيقار علاقات وطيدة وكانا من عشاق فنه.. وكان للموسيقار شقة بحى رشدى بالإسكندرية وكانوا يلتقون فيها ويقومون بتوزيع الإعلانات والدعاية لحفلاته وأفلامه.. وجاء دورى مبكرا، حيث تعرفت إليهما وانضممت إلى النادى ضمن أعضاء كثيرين فى النادى وفى إحدى الحفلات عرفنى عليه سعد طه.. وكنت شابا صغيرا.. وخلف الكواليس وقبل بدء الحفلة دار بينى وبين الموسيقار حوار فى نهايته قال لى إنه بعد ثلاثة أيام سيعود إلى القاهرة.. وأعطانى رقم تليفون المستشار محمود لطفى للتنسيق معه وتحديد موعد.. وفى اليوم الموعود ذهبت بصحبة المستشار محمود لطفى إلى منزل الموسيقار.. وفوجئت بشيء غريب جدا.. أنك عندما تدخل إلى المنزل يفتح لك الباب عم عبده السفرجى.. تسأل الأستاذ موجود.. يجيب: أيوه.. بس لازم تدخل حجرة السفرة أولا.. وبعدين تقابل الأستاذ..
هذا هو البروتوكول فى منزل فريد الأطرش.. تأكل وتشرب وبعدين تقابله.. ووجدت كل من يدخل منزله أيا من كان فى أى وقت.. هذا هو النظام!!
وعندما استقبلنا وكأنه يعرفنى من عشر سنين.. وسألنى إزى ماما وبابا.. وكان من عاداته أن يسأل كثيرا.. واكتشفت فيما بعد أنه يفعل ذلك ليحدد مستواك المعيشي!!
ويقول د.عادل السيد: روى لى الموسيقار عن حضوره إلى القاهرة قادما من سوريا وانتقاله من حى شبرا إلى حى الفجالة وكيف أن سعد باشا زغلول عندما علم بوجودهم خصص لهم إعانة ثلاثة جنيهات شهريا.. وكيف أنه فى حى الفجالة عاش وكبر وسط أولاد البلد الذى رأى فيهم الجدعنة والرجولة والشهامة والكرم.. وحدثنى عن والدته التى كانت تعمل من أجلهم وتغنى وتعزف على العود فى صالونات الجاليات السورية بالإضافة إلى عملها فى الخياطة والتطريز.
ويقول د.عادل السيد: «ولما ربنا كرمه.. أصبح يمد يد المساعدة لكل محتاج.. وكان يدفع مصاريف عشرة طلاب سنويا فى جامعة القاهرة.. وعندما توفى وكنت فى منزله.. وجدت مجموعة رسائل تزيد على الأربعة آلاف أمام فؤاد الأطرش الشقيق الأكبر لفريد.. فقال لى اجلس واقرأ.. فوجدت كل الرسائل التى اطلعت عليها تحمل جملة واحدة: «بعد رحيل فريد الأطرش هل ستتوقف الشهرية ولا ستستمر».. وهذا يعنى أنه كان مخصصًا مرتبات لعائلات.
عطاء فريد الأطرش لم يكن له حدود، سواء على المستوى الإنسانى أو الفنى.. قدم فريد الأطرش للسينما 31 فيلما سينمائيا استعراضيا.. أولها فيلم «انتصار الشباب» الذى قام ببطولته أمامه شقيقته أسمهان فى عام 1941.. ومن أشهر أفلامه «حبيب العمر»، «عهد الهوي»، و«حكاية العمر كله»، و«رسالة من امرأة مجهولة».. و«آخر كدبة»، و«عفريتة هانم» وغيرها.. كما قدم ما يقرب من المائة أغنية.
غنى فريد ولحن لمعظم شعراء عصره.. أحمد شفيق كامل، أحمد رامى، أنور عبدالله، بديع خيرى، عبدالعزيز سلام، فتحى قورة، مأمون الشناوى، وكامل الشناوى، ومرسى جميل عزيز، وبيرم التونسى الذى وضع كلمات أوبريت «بساط الريح»، فى فيلم «آخر كدبه»، الذى شاركته البطولة فيه الفنانة سامية جمال.. وتقول كلماته:
بساط الريح جميل ومريح
وكله أمان ولا البولمان
يا طاير فوق.. وكلّك ذوق
أنا مشتاق وبرانى الشوق
ودواى فى سوريا وفى لبنان
نسيم لبنان شفا الأرواح
عليل القلب عليه يرتاح
ويا مشتاق لأرض الشام
تبات سكران بلا أقداح
سوريا ولبنان قامات وقدود
عليها بشوف عيون وخدود
تزوّد نار القلب بارود
أنا أعشق سوريا ولبنان
نروح يا بساط على بغداد
بلاد خيرات بلاد أمجاد
نحن هنا بالسيف نحمى أرضنا
وفى نهار الحيف نحمى عرضنا
أما الكرم للضيف مخلوق فرضنا
والعز فى الاثنين : السيف والكرم
آه يا زلم آه يا زلم
يا دجلة أنا عطشان
ما أقدر أرتوي
من حسنك الفتّان هذا الكسروي
فى كل رمشة عين خنجر ملتوي
لو صاب منى القلب يعدمنى عدم
بساط الريح يا أبو الجناحين
مراكش فين وتونس فين
أنا لى هناك حبيب واتنين
وبعادهم عنى اليوم بشهرين
بلاد الحوت، والغلة والزيتون
فيها الشفايف قوت، وللشراب عيون
ياللى علينا تفوت، انزل وكن حنون
اشبعْ طعام وشراب ولا تزيد يا خي
تونس أيا خضرا يا حارقة الأكباد
غزلانك البيضا تصعب على الصياد
على الشطوط تعوم ما تخف صيد المي
بساط الريح أوام يا جميل أنا مشتاق لوادى النيل
أنا لفّيت كتير ولقيت
البعد عليَّ يا مصر طويل
اللى يفوت أرضنا
يروح ويرجع لنا
ما فيش كده حسننا ولا فيش كده ظرفنا
يا حلو يا طبعنا
يا خفة يا دمنا
كما غنى من ألحان الموسيقار فريد الأطرش معظم مطربى ومطربات مصر والعالم العربي: شادية، وصباح، وفايزة أحمد، وليلى مراد، ومحرم فؤاد، ونازك، وفهد بلان، ونور الهدى، وعادل مأمون وأسمهان.. صدر عن الموسيقار فريد الأطرش ستة عشر كتابا تناول فيها الباحثون المصريون والعرب جميع حياته الفنية والاجتماعية والعاطفية.
• آلام وأنغام
فن الموسيقار فريد الأطرش وإبداعاته لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، فهى تعبر عن نفسها.. سواء أفلامه أو ألحانه وأغانيه التى نحتت اسمه بين أساطير الفن وجعلته قامة وقيمة ندرك جميعا قدرها.. وقليلة هى الكتب التى تناولت فن الموسيقار فريد الأطرش، لاسيما كتاب الغناء المصرى للكاتب والناقد كمال النجمى الذى قال فيه: «خلال أكثر من أربعين عاما استطاع فريد الأطرش أن ينفرد بين المطربين بفن خاص، اسمه «فن الدموع»، إنها تسيل من عينيه، ومن حنجرته.. ومن الميكروفون الواقف فى خشوع أمام عينيه.. ويؤكد عارفو فريد الأطرش أن وراء دموعه ماضيا معذبا مليئا بالحرمان والألم.. بالإضافة إلى أن حنجرته لأسباب فسيولوجية لا يمكن أن تنطلق بالغناء ولابد لها من وقفات تتنهد فيها وتتنفس، فتختلط عندئذ التنهدات بالألحان، وتختنق الكلمات.
ومن دموع حنجرة فريد الأطرش انبعثت أسطورة دموع حياته كلها، التى يقول عنها أصدقاؤه إنها ليست دموعا نابعة من الفشل فى الحياة، بل من الفشل فى الحب.. وعندما سأل الكاتب جليل البندارى الموسيقار فريد الأطرش من خلال حوار أجراه معه ونشره فى كتابه «أنا والنجوم» عام 1965.. عن التجارب العاطفية التى مر بها فى حياته.. قال فريد الأطرش: كلها مآسٍ.. وقد أدت هذه المآسى إلى المتاعب التى أعانيها الآن.. وعندما سأله البندارى عن ألحانه العاطفية كيف تخرج للنور؟ أجاب: من ذكرياتى.. إن ذكرياتى لاتزال تمدنى بالآلام والأنغام.
• الموسيقار والملكة
وإحدى هذه المآسى جاءت فى كتاب «مذكرات فنية» للكاتب والناقد عبدالنور خليل، التى نشرت بجريدة «نهضة مصر».. يذكر فى مقال بعنوان «غرام الملكة والفنان.. فريد وناريمان»، أن الصحف تناولت الزواج المرتقب بين الملكة السابقة ناريمان والفنان فريد الأطرش.. ولم يرق ذلك لأم ناريمان.. فأصدرت بيانا تحذر فيه الأطرش من مجرد التفكير فى هذا الأمر.. وطالبته بمعرفة قدر نفسه ومراعاة الفوارق الاجتماعية.
لم يتحمل فريد الأطرش هذا الهجوم من والدتها.. فرد عليها محاولا توضيح أصله وحسبه ونسبه قائلا: أنا أمير من نسل أمراء الدروز.. أبا عن جد.. بينما ناريمان لم تحصل على صفة الملكة إلا بعد زواجها من ملك.. وهأنذا أضع حسبى ونسبى ومالى كله أمامها.. ووفقا لمقال عبدالنور خليل: خافت ناريمان من والدتها، فرفضت هذا العرض ما جعله يصاب بأزمة قلبية فى 1 يناير 1954 واعتكف عن العمل فترة من الوقت.. ودخل المعركة الكاتب الصحفى موسى صبرى من خلال رئاسته لتحرير مجلة «الجيل».. وفى مذكراته «50 عاما فى قطار الصحافة» أكد أن فريد كان على علاقة صداقة بأسرة ناريمان وكان يدعوهم إلى منزله ويتلقى دعواتهم.. ويذكر أنه كتب رسالة مفتوحة إلى ناريمان بعنوان «سيدتى الملكة السابقة.. رفقا بأهل الفن» قال فيها: «ليس من حق السيدة ناريمان أن تنال طائفة يجب أن يكون لها مكانتها فى مجتمعنا بالتجريح والتحقير.. هذا أسلوب بلاه الزمن الذى أسرعت عجلاته للأمام.. وأهل الفن هم أهلنا المفترى عليهم لأن ذنبهم أنهم دائما تحت الأضواء.. وأن ما يدور وراء البيوت المحجبة لهو أقسى بكثير مما يفعله أهل الفن بلا حجاب وتحت أضواء الشمس.. وجاءت هذه الرسالة ردا على تعليق والدة ناريمان على خبر الزواج المرتقب بين الفنان والملكة بكلمات أهدرت كرامة فريد.. فقد قالت: من يكون هذا الفريد الأطرش ، إنه ليس أكثر من مطرب.. ويؤكد موسى صبري: فأصابته هذه الكلمات فى مقتل تسببت له فى أزمة قلبية حادة أنقذه منها الأطباء بأعجوبة.
ويؤكد الكاتب والناقد عبدالنور خليل أن فريد أقدم على إنتاج فيلم «قصة حبي» إخراج بركات، ليحكى قصته.. وطلب من مؤلف الأغانى محمد فهمى إبراهيم أن يكتب له أغنية تكون ضمن أحداث الفيلم تبدأ باسم «نورا» وهو اسم التدليل للملكة ناريمان الذى كان يناديها به أفراد عائلتها.. وتقول كلمات الأغنية:
نورا يانورا يانورا
ياورده ناديه ف بنوره
اسمك على رسمك صوره
م القمره آه ياقمورة
نورا يا اسم على مسمى
الليل بيه يبقى نهار
عشت انتى وعاش من سمى
يا اميره على النوار
يانسيم رفاف.. يا ضمير شفاف
ولا إيشى أوصاف
توفيكى الحق يانورا
ياحلو ياللى الهو
هفف على توبك
اغير عليك م الهوا
واحسد عليك توبك
مجروح ومالك دوا يا قلبى مكتوب
اسمك على رسمك لايق
سبحان من أبدع رسمك
ياندى الصبح الرايق
ياليالى العيد.. من غير مواعيد
أبو حظ سعيد.. اللى تحن عليه نورا.
وإذا كانت تلك حكاية فيلم «قصة حبي».. فإن فيلم «ودعت حبك» إخراج يوسف شاهين، له أيضا حكاية يذكرها الكاتب فوميل لبيب عن مذكرات فريد الأطرش التى دونها، وقال فيها: ذكر لى فريد الأطرش أن بداية قصة الحب التى اشتعلت بينه وبين الفنانة شادية كانت بعدما أنهت إجراءات طلاقها من الفنان عماد حمدى وتجربة زواجها الفاشلة التى تسببت فى كثير من الآلام لشادية.. وكان فى الوقت نفسه يعانى فريد الأطرش من انتهاء علاقته بالفنانة سامية جمال، لم يكن هذا الفيلم وحده هو الذى أشعل نار الحب بينهما.. ولكن أيضا علاقة الجيرة، حيث انتقلت الفنانة شادية لتسكن بعمارة فريد الأطرش المطلة على النيل، حيث سكنت الطابق الثالث، وفريد بالطابق التاسع، وأكد فريد أن شادية عوضته عن عذاب فراقه عن سامية جمال بحنانها واهتمامها به وأكله وشربه وساعات نومه، بل إنها كانت تطبخ له بيديها.. إلى أن جاءت اللحظة التى أجبرته ظروفه الصحية على السفر إلى باريس بمفرده.. ويبدو أن الأمور قد تأزمت بينهما.. حيث عاد فريد ليجد شادية قد تزوجت من المهندس عزيز فتحى.. كان الوجع كبيرا والصدمة عنيفة على فريد.. واعتكف يداوى قلبه العليل.. ويقول الكاتب فوميل لبيب: ربما لم يترك القدر الفرصة لفريد وشادية أن يعيشا قصة غرامهما.. ولكن خرج علينا بواحدة من أكثر أعماله شجنا وحزنا وشاعرية.. وهى أغنية «حكاية غرامي».. تلك الأغنية التى عبر فى كلماتها بمساعدة الشاعر مأمون الشناوى وبلحن عبقرى عن قصته مع شادية.. تقول كلماتها:
حكاية غرامى حكاية طويلة
بدايتها ذكرى الليالى الجميلة
وحرمانى منها ما بين يوم وليلة
ماليش يد فيها ماليش فيها حيلة
كتبها زمانى عليا
بدمى ودموع عينيه
ومرت بنا الأيام تجري
نشرب من الحب ونسقيه
أبيع لمين باقى عمري
ويرجع الحب ولياليه
عشنا فى فرحة وأمان
كان أملنا نعيش كمان
بس ما رضيش الزمان.
كان وراء أنغام الموسيقار فريد الأطرش آلام.. خرجت لنا ألحانا عشنا فيها الشجن والرومانسية.. نغمات أطرشية خالصة، تربع بها على عرش الغناء والتلحين والتمثيل، واقتحم بها العالمية بتوزيع ألحان وترجمة أغنية وملكا للعود.. غاب عن دنيانا.. ولايزال حاضرا.. لحنا وصوتا وإبداعا. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.