لم يتسن لى حضور المؤتمر الوطنى الأول للشباب الذى أقيم أواخر الشهر الماضى فى شرم الشيخ تحت رعاية رئيس الجمهورية ولكن فى الوقت نفسه لم يمنع حضورى وتواجدى من متابعة هذا المؤتمر المهم جدا من خلال البث لمعظم جلساته على الهواء مباشرة. وقد كانت أهمية هذا المؤتمر أنه يجيء بعد توقف ست سنوات تقريبا لسلسلة المؤتمرات القومية للشباب، التى كان ينظمها المجلس القومى للشباب - آنذاك - وكان يحضرها رئيس الوزراء وأحد عشر وزيرا على الأقل من الوزراء المعنيين بقضايا الشباب الملحة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. لكن الأهمية الكبرى لهذا المؤتمر أنه يقام وربما لأول مرة تحت رعاية رئيس الجمهورية مما أعطى انعكاسا إيجابيا لاهتمام مؤسسات الدولة الأخرى من حكومة ومجلس نواب وأحزاب وقوى سياسية ورجال أعمال واقتصاديين بل وإعلاميين ورياضيين بالتواجد الفعال فى هذا المؤتمر وجلساته المنبثقة عنه، خاصة أن الرئيس حرص على حضور معظم هذه الجلسات، ولأول مرة تجد أن الرئيس يجلس فى القاعة ومعه الحكومة وليس على المنصة ثم يستمع إلى محاورات وآراء الشباب المشاركين فى ورش العمل الذين يجلسون على المنصة وهو الذى يقوم بالمداخلات والتعليقات.. لكن فى النهاية جاء الرئيس إلى المؤتمر ليستمع إلى قضايا وهموم الشباب والحلول المطروحة والرد عليها.. ولعل هذا من الإيجابيات المهمة جدا التى يجب ألا نغفلها فى تقييم هذا المؤتمر ومدى نجاحه فى تحقيق أهدافه لأنه فى النهاية لا يجب أن يكون مؤتمرا والسلام.. الأهم أن تنفذ توصياته وقراراته على أرض الواقع. إذن بعد هذه المقدمة الطويلة نسبيا.. ورغم قناعتى التامة بأن هذا المؤتمر كان مختلفا وكان أكثر إيجابية من المؤتمرات السابقة وخرج فعلاًبقرارات جوهرية وضعت موضع التنفيذ الفعلى.. فإننى فى نفس الوقت خرجت ببعض الملاحظات الأساسية والتعقيبات على فعاليات المؤتمر وما خرجت به من قرارات وتوصيات : أولا: على الرغم من أن هذا المؤتمر هو مؤتمر وطنى للشباب فقد كان من المتوقع والمفترض أن يضم ويشمل كل قطاعات الشباب فى الدولة خاصة أن الشريحة العمرية للشباب من 18 إلى 30 سنة تصل إلى أكثر من20 مليون نسمة.. وأغلبهم عمال وفلاحون وحرفيون وشباب جامعات ومراكز شباب وغيرهم، لذا فوجئت بأن المؤتمر ركز فقط على الفئة السياسية للشباب حيث ضم المؤتمر شباب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب وهؤلاء كانوا فى الصدارة وكذلك شباب البرلمان والأحزاب والقوى السياسية والائتلافات لكن غاب عن هذا المؤتمر بقية القطاعات التى لم نسمع لها صوتا أو نجد لها ممثلا يتحدث عن قضاياهم وهمومهم ولست أدرى إذا كان هذا الغياب أو التهميش متعمدا أم لا.. لكن فى الواقع أن المؤتمر كان من أهدافه الواضحة وضوح الشمس السعى لوجود ظهير سياسى من الشباب فى مواجهة التطرف والأفكار الهدامة فى محاولة لإزالة حالة الاحتقان السياسى بين الشباب ومحاولة إعادة الشباب إلى محور التمكين السياسى بالترشح فى انتخابات المحليات وغيرها حتى لا يتم ترك الفرصة لغيرهم فى تصدر المشهد السياسى. ثانيا : من ناحية أخرى فقد كان من أهم المحاور التى كان يجب التركيز عليها أكثر وأعمق من ذلك فى المؤتمر.. هما محوران أساسيان بالدرجة الأولى.. الأول هو التعليم الذى عقدت له جلسة واحدة فقط وهى ليست كافية على الإطلاق لمناقشة قضية خطيرة مثل هذه.. والمحور الثانى هو التشغيل والبطالة.. والمحوران مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا جدا.. ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض والأول يمثل الطريق الوحيد الاستراتيجى للتنمية البشرية التى هى أساس التنمية الشاملة التى يغطيها حل مشكلة المحور الثانى.. وإذا عدنا إلى قضية التعليم وهى القضية الأهم التى تمثل لنا قضية أمن قومى ويندرج تحتها قضية محو الأمية التى بلغ معدلها الحالى 18% تقريبا أى ما يوازى 20 مليون مواطن.. ولذا فلا يمكن أن تأتى ثمار تنمية حقيقية للدولة المصرية إلا بمحو الأمية.. والتعليم الجيد.. والتعليم الجيد الذى له استراتيجية وأهداف واضحة هو الذى سيقضى على قضية البطالة ويحقق التنمية الشاملة والتقدم الاقتصادى لمصر.. لأنه هو المؤهل لسوق العمل وتلبية احتياجات السوق من عمالة وتخصصات مدربة تحتاجها مصر فعلا.. لذا فقضية التعليم ومن خلالها محو الأمية يجب أن تكون المشروع القومى الأول لمصر مهما كلفها ذلك من مليارات، لذا فعلينا بالدرجة الأولى ونحن نتحدث عن إصلاح منظومة التعليم لابد أن نعرف الأهداف المرجوة من هذه المنظومة وكيفية إصلاحها وإعادة هيكلتها.. وجعلها تحقق الأهداف المرجوة منها.. هذا يأتى أولا وقبل أن نتحدث عن توجيه موارد الدولة للتعليم لأنه يمكن أن ننفق المليارات على المنظومة التعليمية ولا نأتى بأى ثمار حقيقية لأن المنظومة من الأساس منظومة فاشلة.. والدليل على ذلك أننا فى حاجة للتوسع فى التعليم الفنى والحرفى الذى أهملناه طوال ال40 سنة الماضية بينما توسعنا بشدة فى التعليم الجامعى الذى يخرج كل سنة الملايين من الشباب العاطل غير المدرب وغير المؤهل لسوق العمل والجالس على المقاهى يندب حظه.. لذا فنحن كنا بحاجة ملحة إلى وزارة متخصصة فى التعليم الفنى أكثر من حاجتنا لوزارة للتعليم العالى وعندما استبشرنا خيرا بإنشاء وزارة للتعليم الفنى فى حكومة إبراهيم محلب.. جاء شريف إسماعيل وألغاها تماما.. إذن يبدو ذلك أنه لا استراتيجية واضحة من الدولة فى التعامل مع قضية التعليم وأهدافه. وأضرب مثلا آخر على ما أقول.. نحن فى مصر عندنا أغرب نوع من أنواع البطالة فى العالم الذى يمثل عائقا مهما من عوائق الاستثمار والتنمية.. نحن عندنا معدل بطالة يصل إلى 12.8% ومع ذلك فكل المصانع والشركات الاستثمارية التى تريد أن تستثمر فى مصر تعانى من مشكلة نقص العمالة المدربة أى عندنا فى النهاية بطالة مقنعة لأن معدل البطالة العالى جدًا موجود بين الشباب خريجى الجامعات غير موجود أو موجود بنسبة أقل فى خريجى التعليم ما قبل الجامعى، وهذا يؤكد أن طريقنا الذى نسلكه فى قضية التعليم طريق مسدود ويزيد من حدة البطالة.. ولنأخذ مثالا على ما أقول مما يحدث فى الصين وكيف أن كل الشركات الصناعية الكبرى وأصحاب الصناعات الاستراتيجية والإليكترونية يفتحون مصانعهم ويستثمرون فى الصين وشرق آسيا والهند.. لأن العمالة المدربة متوافرة بشدة.. ولذا الصين التى يتعدى سكانها المليار ونصف المليار ليس عندها أزمة بطالة ولا أزمة تنمية. ثالثا: نأتى إلى المحور المرتبط بالمحور السابق وهو البطالة والتشغيل.. وهذه القضية لم تأخذ أيضا الاهتمام المباشر من المؤتمر ولا جلساته وتم المرور عليها مرور الكرام فى الجلسات الأخرى.. والحقيقة فإننى قلت ومازلت أقول إنه لا مجال للحديث عن التمكين السياسى والاقتصادى والاجتماعى للشباب وعندنا هذا المعدل الكبير للبطالة والذى وصل إلى 12.8% لا مجال للكلام عن قضايا الشباب وهموم الشباب.. ومعظمهم جالس على المقاهى فى انتظار فرصة عمل مناسبة.. وقد حضرت من قبل العديد من مؤتمرات الشباب التى تناولت هذه القضية وتحدث فيها الوزراء والمختصون بقضايا التشغيل سواء بالمشروعات الصغيرة أو قرى الشباب أو غيرها، لكن للأسف كل هذا والحلول التى طرحت كانت حبرا على ورق ونحن نأخذ بالشمال ما نقدمه للشباب باليمين فى المشروعات التنموية التى نقدمها لهم ونحجز عليهم ونحبسهم فى النهاية.. ولذا فمخاطر العمل الخاص والمشروعات الصغيرة التى تقدمها الدولة لاتجذب الشباب ولا صغار المستثمرين لذا لابد من التعامل بجدية أكثر فى هذه القضية.. وأحب أن أسأل السادة منظمى المؤتمر لماذا غاب الصندوق الاجتماعى للتنمية عن المؤتمر.. لماذا لم تقدم الحكومة مثلا رؤيتها فى مشروع المليون ونصف المليون فدان مع كيفية طرح تلك الأراضى للشباب لتكوين مجتمعات زراعية جديدة. رابعا: بقيت ملاحظة أساسية لاحظتها من خلال جلسات المؤتمر.. وهى أنه فى جلسة تأثير الإعلام على صناعة الرأى العام لم أر أى إعلامى على المنصة يمثل الصحافة القومية أو التليفزيون الرسمى للدولة.. وعلى الرغم من أن الرئيس السيسى فى كلمته فى هذه الجلسة أكد أن بعض الإعلاميين وبعض وسائل الإعلام المصرية تسببت فى أزمات مع الدول وتسببت فى الإضرار بمصر من الداخل والخارج، أى أن الذى وراء هذه الأزمات والإضرار هو الإعلام الخاص بإعلامييه ومذيعيه وليس الصحافة القومية والتليفزيون الرسمى بل الأهم من ذلك أن الذى قام بإدارة معظم جلسات المؤتمر وأيضا كانوا من أهم ضيوفه جاءوا من الإعلام الخاص ولم نسمع لرأى أى إعلامى ينتمى لمؤسسة صحفية أو التليفزيون المصرى وقنواته المتخصصة.. لذا فلست أفهم الموقف المتناقض من الدولة.. صحيح أننا كلنا شركاء فى المنظومة الإعلامية.. لكن يجب أن تعلم مؤسسات الدولة كلها أن الصحافة القومية والتليفزيون المصرى هما خط الدفاع الأول والحقيقى عن الدولة ومقدرات ومكتسبات هذا الشعب وليس له أجندات خاصة وهو يعانى فقط الإهمال والتهميش من كل مؤسسات الدولة العاملة بعد أن شعر الجميع أنه أصبح عالة على الدولة وأنه لايستطيع أن يطور نفسه.. الوحيد الذى تحدث بصراحة شديدة هو أستاذنا الكبير مكرم محمد أحمد الذى طالب بسرعة وضرورة إصدار التشريعات الإعلامية والهيئات الجديدة التى نص عليها الدستور حتى تنهى حالة الفوضى الإعلامية وحتى تنتهى فترة تسيير الأعمال المسيطرة على المؤسسات الصحفية. وفى النهاية كل ما أتمناه أن توضع قرارات الرئيس فيما يتعلق بالجوانب الأخرى للمؤتمر موضع التنفيذ وأن تكون هناك لجان متابعة تقدم تقارير شهرية لما أسفر عنه تنفيذ توصيات وجلسات المؤتمر حتى تتم المحاسبة الفعلية فى المؤتمر الثانى فى نوفمبر 2017 بإذن الله. •