هو الدكتور اسماعيل سراج الدين، ينتمى الى عائلة سراج الدين الوفدية، فوالده ابن عم فؤاد سراج الدين القطب الوفدى البارز وحفيد الدكتور على باشا إبراهيم أول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى، رجل يملك عشرات القبعات والمواهب التى يتفرد بها وحده، فهو مهندس معمارى من حيث الدراسة ، اقتصادى قدير من خلال خبرته العملية لسنوات بالبنك الدولي، مفكر وله اسهامات فى النهوض بالتعليم ، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة هارفاد فى هذا الشأن تحت عنوان«دور التعليم فى التنمية« ، له اسهامات وكتابات عديدة فى مجال البحوث الزراعية والمياه ومساعدة الفقراء، حصل »سراج الدين« على 37 درجة دكتوراه فخرية من مختلف كبرى جامعات العالم، فضلا عن اعداده وتأليفه لأكثر من 50 كتابا فى مجالات عدة تاريخية وتنموية واجتماعية وتكنولوجية. يشغل »سراج الدين« الان منصب مدير مكتبة الاسكندرية وذلك منذ افتتاحها عام 2002 ، تلك المكتبة التى تعتبر من قوى مصر الناعمة لدى الغرب ومفخرة لكل مصرى نظرا للأدوار العديدة والعظيمة التى تقوم بها المكتبة منذ افتتاحها وحتى الان.. فى هذا الحوار يتحدث سراج الدين عن اللحظة الراهنة.. والامية.. والبطالة لدى الشباب..و مؤتمر مكافحة الارهاب الذى دعى له الرئيس السابق المستشار الجليل عدلى منصور فى قمة الكويت الاخيرة.. فضلا عن التطرف.. والدعم.. وتفاؤله لمستقبل مصر القادم.. والى نص الحوار: هناك مؤتمر مرتقب عن التطرف سيعقد فى مكتبة الاسكندرية فما ابرز محاور هذا المؤتمر ؟ الرئيس السابق عدلى منصور دعا الى هذا المؤتمر باسم مصر من خلال وجوده فى مؤتمر القمة بالكويت الأخير، ودعا بأن يكون هناك مؤتمر للمثقفين من كل الدول العربية فى مكتبة الاسكندرية يقوم بدراسة كيفية معالجة مشكلة التطرف من أوجهها المختلفة وأن يقدم هذا المؤتمر مقترحات الى الدورة القادمة للجامعة العربية، وستكون وزارة الخارجية هى المنوط بها تقديم نتائج هذا المؤتمر، والتطرف ظاهرة موجودة فى كل المجتمعات فى كل لحظة وكل مجتمع على مستوى العالم يحتوى على بعض الجماعات المتطرفة فكريا ولا يكون لها تأثير سياسى ، لكن تأثيرها يظهر عندما يقومون بدور سياسى وتصل الى مراحل قد يكون لها السيطرة، وقد رأينا ذلك فى القرن العشرين عندما ظهرت الفاشية والنازية والشيوعية..أنظمة كانت موجودة بصورة أو بأخرى فى المجتمع لكنها كبرت وتوصلت إلى انها تأخذ السلطة وتنفذ رؤية معينة، ما بين هذا وذاك ,هناك ظاهرة أخرى وهى ان هذه الجماعات تزداد قوتها فى المجتمع وخاصة فى المجتمعات الديمقراطية المحتمية بالأدوات الديمقراطية التى تحمى التعددية وانها تبدأ فى التأثير على مسيرة الحياة السياسية، ومنها من يتجه الى العنف كوسيلة ,والعنف الدينى هو الظاهرة الاكثر انتشارا فى المنطقة العربية وفى اوربا مثلا هناك الاحزاب اليمينية المتطرفة والتى حققت نجاحات كبيرة فى الانتخابات البرلمانية الاخيرة فى البرلمان الاوروبي، اذن فالظاهرة موجودة فى كل مجتمع، كيف تعالج، هذا هو السؤال وهذا محك المؤتمر الذى سنعقده بعد اسابيع فى مكتبة الاسكندرية. ما القضايا الملحة التى ترى ان تكون على رأس قائمة أولويات الرئيس الآن؟ أولا لابد من الأمن والاستقرار والانضباط، الأمن بمعنى انتهاء قضية الإرهاب فلابد ان تعيد الدولة مكانتها حيث إذا ذهب الفرد فى أى مكان يكون آمنا على نفسه وعلى أسرته، أما بالنسبة للاستقرار فهذا يتطلب حكومة لها جدية واستمرارية وملتزمة بقراراتها وكلماتها أمام الداخل والخارج، والشيء الثالث هو الانضباط فنحن لدينا قانون للمرور فى مصر ولكن ليس هناك انضباط مرورى فى الشارع المصري، فإذن لن تقوم لشعب قائمة ولا أى حضارة من الحضارات ستتحقق، إذا لم يكن هناك احترام لمبدأ سيادة القانون، والفكرة الأساسية فى ذلك انه على الفرد احترام القانون لكونه قانونا وليس لكونه أن أحدا سيعاقبني، فمثلا فى الدول الراقية مثل الدول الاسكندنافية وغيرها الجماهير هناك تقف وتحترم إشارة المرور حتى وان كان الشارع خاليا من السيارات، وأعتبر الثلاثة محاور التى ذكرتها أشياء أساسية للتحرك الفعلى بالنسبة لمصر. وهناك جزء آخر مهم، قاله الرئيس السيسى ووعد به وانا متأكد أنه سينفذ ذلك، وهو المشاركة للجميع وعدم إقصاء أحد وبصفة خاصة للشباب فلا يجوز ان نتحدث عن الشباب ونقول إنهم مفجرو الثورة وكانوا وراء تمرد وفى النهاية لا نجدهم فى الصورة السياسية للدولة، فأنا سعدت عندما ذكر الرئيس أن مجموعات من الشباب ستكون معه فى الرئاسة وايضا مع الوزراء فى الحكومة الجديدة ومع المحافظين فى المحافظات، فالمطلوب خلق شبكات من التواصل ويكون هناك طريقة لحوار وطنى مفتوح، فمكتبة الأسكندرية مثلا لديها 2400 موظف كلهم من الشباب والشباب قطاع كبير من الشعب المصرى فهناك من له ميول إخوانية وميول ماركسية ولينينية وسلفية وليبرالية فعندما أتحدث مع هؤلاء الشباب أسألهم هل تريدون ديمقراطية؟ يقولون نعم. فأقول لهم: الديمقراطية تقتضى التعددية والتعددية تقتضى الاختلاف، فلا يجوز أن نكفر هذا ونخون ذاك، فكلنا مصريون ولنا آراء مختلفة وهذا الاختلاف يخلق ثراء للحوار ويضئ على المشكلة من جميع جوانبها وللأسف هناك نظرة عدائية لكل من يختلف مع الآخر فى الرأي، وأحادية الرؤية لا تؤدى إلى نجاح، لذا يجب ان تكون لدينا نظرة انفتاحية مثلما علمنا كبار العلماء فى التاريخ. وما السبيل للتخلص من الامية بعد أن تجاوزت الامية نسبة ال40%؟ هناك نموذجان لحل هذه المشكلة،اولا بالقيام بحملة شاملة مثلما تم فى كوبا وبعض الدول الاخرى أو نتركها وينتهى جيلها على ان يضمن أن 100% من الجيل الجديد يكون متعلما، ولو أستطاع عمل الاثنين فى آن معا يكون أفضل، انما القدرة على التنفيذ ليست حاليا من سمات النظام المصرى فى العقود الماضية، والشيء الصادم أن أول شخص تكلم فى هذا الموضوع وطالب بمحو الأمية فى مصر هو رفاعة الطهطاوى 1826 فالمسألة ليست جديدة بالنسبة لنا، انا أرى ان أهم من محو امية الكبار رغم فوائدها الاجتماعية أن أضمن الا يتسرب طفل من النظام المدرسى واضمن كفاءة هذا النظام المدرسى ,هذا فعلا يساعد على جيل جديد لديه كل الطاقات والامكانيات ويفجر الطاقات الكامنة لدى الاطفال وهذا يحتاج الى ثورة فى مجال التعليم، والمشكلة المصرية تفاقمت ووصلت الى انه هناك نظام فاسد وعفن ولا يختلف على ذلك اثنان فى مصر ولكننى ارى ان الأهالى ايضا مشتركون فى الجريمة وللأسف الاهالى بتدفع دم قلبها لكى يأخذ ابناؤها الشهادة فقط! لا لكى يتعلموا، واذا أردنا إصلاح التعليم المصرى فالمسألة تبدأ من خلال خمس خطوات، اولا: ناظر المدرسة ، عندما يكون قويا ومسيطرا على المدرسة نشعر دائما بالفرق بعكس اذا كان الناظر متسيب وغير مسيطر. ثانيا: المشرفون أو الموجهين،وهم كبار المدرسين وعددهم أقل نسبيا ، نأخذ منهم أيضا عشرة آلاف ويكونون موجودين معنا ، وبذلك يصبح لدينا الأليات الإدارية والفنية. ثالثا: الأهالى لابد وأن يشترك الأهالى وأعرض عليهم ميزانية المدرسة واطلب منهم دفع الأموال التى يدفعونها للدروس الخصوصية الى المدرسة تحت إشراف لجنة مشكلة منهم ودروس التقوية ستقام بداخل المدرسة تحت اشراف الموجهين. رابعا: نقوم بتغيير المناهج، لأنه لدى من الأدوات التى استطيع تنفيذ الجديد من خلالها. خامسا: أقوم بتدريب المدرسين على المناهج الجديدة فى اطار هذا النظام الادارى الجديد. ولابد ان نعرف ان اى خطوة سنتخذها تجاه الإصلاح ستتم محاربتها بحرب شعواء من قبل أفراد مستفيدة من النظام الحالى ، فالنظام مهما كان فاسدا فهناك من يستفيد منه، لذا هذا الامر فى حاجة الى ارادة سياسية مع مساندة شعبية. وبطالة الشباب تلك القنبلة الموقوته التى تهدد مصر ، كيف نستطيع ان نتغلب عليها؟ أزمة البطالة متعددة الاطراف والابعاد ، وليس هناك طريق واحدة لحلها، هناك عدة أشياء يجب عملها على المدى البعيد، والمدى البعيد يعنى اننا لابد وان نبدأ اليوم، وهناك حلول آنيه يجب ان نفعلها الان وهناك تجارب ناجحة لهذا فى اندونيسيا وبوليفيا، وذلك بجلب مجموعة من الشباب الذين لديهم جمعيات محلية ونقول لهم اننا سنقيم صندوقا سيشارككم فى التكاليف ونبدأ بمشاريع آنيه ومحلية موجودة فى أماكن وجودهم وسكنهم، مثل رصف الشوارع ودهان البيوت وتنظيف الاماكن، ولو نجحت فى الاتفاق مع الجمعيات الاهلية انهم سيأتون بنصف العمالة تطوعا انا كحكومة سأدفع أجور النصف الثانى من المشاركين فى العمل، والذين تقاضوا اموالا يعملون بطريقة تطوعية فى مشروع آخر وهكذا، لو قمت بعمل برنامج ضخم لمشروعات صغيرة مثل هذا فى كل مكان تأثيره يكون كبيرا. كذلك إصلاح التعليم لابد ان يرتبط باصلاح نظام التوظيف..فضلا عن المشروعات القومية الكبرى مثل محور قناة السويس أو ممر التنمية هذه المشاريع تأخذ وقتا طويلا جدا ولكنها على المدى البعيد يظهر تأثيرها من خلال عمالة جديدة وموانى وفرص عمل جديدة. ما رأيك فى المقولة الشائعة من قبل الغرب ان العرب هم السبب فى اختفاء مكتبة الاسكندرية ؟ هذه كذبة بدأها شخص اسمه »ابن القفتي« فى القرن الثانى عشر الميلادى واتهم عمرو بن العاص بحرق الكتب واتهم عمر بن الخطاب بأنه منع الكتب التى تتنافى مع القرآن وايضا الكتب التى تكرر ما فى القرآن وهذه ادعاءات كاذبة لأن العرب والمسلمين لم يتعاملوا مع الحضارات الاخرى بهذه الطريقة، اولا يكفى ان نعرف أن العهد العمرى كان حاميا للكنائس والاديرة فى القدس فى القرن السابع الميلادي، وبعد موقعة حطين، حمى صلاح الدين الايوبى كل المسيحيين وسمح بعودة اليهود للقدس تحت حمايته، فهذه القصة مغلوطة. إلى متى ستستمر الفجوة بين المثقفين ورجل الشارع البسيط ؟ أرى ان سبب تلك الفجوة أن الكلام بعيد عن المشاكل الحياتية التى تشغل الناس. كيف ترى الحل لوصول الدعم إلى مستحقيه من الفقراء ؟ هناك وسائل بسيطة جدا لتحقيق ذلك، أبسط طريقة لمساعدة الفقراء والوصول لهم، قراءة خريطة القاهرة أو الإسكندرية أو أى محافظة لتحديد الأماكن التى ليس بها مجارى واذهبى الى مركز الخدمات والطعام المدعم وارسليه الى تلك المناطق، فهذه ابسط طريقة لكى ترسلى الدعم الى مستحقيه الحقيقيين لأنه ليس هناك طبقات غنية تعيش فى تلك المناطق التى تفتقد الى الخدمات. وماذا عن رؤيتك لمستقبل مصر ؟ ارى مصر بين الدول العظمى بمعيار او مركز رقم 30 أكبر اقتصاد فى العالم وذلك بعد 15 عاما من الآن فى عام 2030، وستعمل على طاقة ابنائها وستدخل إلى عالم الصناعات التقنية العالية، لأن المصرى لديه ذكاء فطرى ممتاز والمصرى ينضبط فى العمل اذا وجد النظام المناسب، والدليل على ذلك نجاح المصريين فى الخارج وهم لاينجحون فى مصر بنفس المستوي. هل من الممكن ان تصل مصر إلى هذه المرحلة على ارض الواقع ؟ نعم، فأنا رأيت هونج كونج وسنغافورة وكوريا والصين عندما كانوا فقراء جدا وكانوا أقل منا بكثير ورأيت المستوى الذى وصلوا اليه فى خلال 30 عاما فقط، سنغافورة لا تمتلك اى موارد لكنها بالطاقة البشرية والفكرية استطاعت ان تتجاوز سويسرا وامريكا فى معدل دخل الفرد. وما السر وراء هذا النجاح؟ الإرادة، والعقل المصرى الذى اخرجناه من النظام الإدارى العفن للحكومة المصرية، ولكى نريد ان نرتقى ونتقدم لابد من تغيير الاجراءات البيروقراطية التى لا تساعد على النجاح والتقدم، ومصر من الممكن ان تأخذ مكانها فى مصاف الدول الكبري.