حياته كالموج فيها الكثير من الحيوية والتنوع حينما تحاوره تحتار من اين تبدأ معه وفى أى محطة تتوقف، فهو من أصحاب الخبرات النادرة والمتنوعة بعد أن عمل على مدى ثلاثين عاما تقريبا فى البنك الدولى حتى وصل الى موقع نائب رئيس البنك. وبرغم أنه عاش 35 عاما كاملة فى الولاياتالمتحدةالامريكية إلا أنه رفض الجنسية الامريكية وظل محتفظا بجنسيته المصرية دون شريك أو منافس. د.اسماعيل سراج الدين بدأ مهندسا وانتهى خبيرا اقتصاديا متميزا على مستوى العالم ومفكرا له رأيه ورؤيته وقياديا يسعى إلى التطوير والإصلاح فى مختلف المجالات. حاورناه فى مختلف المناطق واستمعنا إلى وجهة نظره فى التعليم ومياه النيل والازمة الاقتصادية ومكتبة الاسكندرية وأشياء كثيرة أخرى يكشفها الحوار..تعالوا نر ماذا قال؟! بالعودة إلى الجذور التعليمية الأولى هل صحيح انك بدأت رحلتك مع التعليم فى الرابعة من عمرك؟! نعم فقد ذهبت والدتى عام 1948 الى الدكتور طه حسين ليسمح لى آنذاك بالالتحاق بالتعليم الابتدائى فوافق وقال لها ليذهب للتعليم وإذا تعثر فسيعود للالتحاق فى سنه الأساسية عندما يبلغ السابعة، وقد نجحت لدرجة أنهم عندما وجدونى أجيد القراءة والكتابة وتفوقت سمحوا لى بأن اقفز سنة أخرى فدخلت كلية الهندسة وعمرى 15 عاما فقط وكانت هذه مرونة لكنها مرتبطة بنظام تعليمى ضخم له برنامج ويتسم بالانضباط، وعندما فتحت جامعة مصر عام 1959 التحقت بكلية الهندسة وكنت الأول على الدفعة وتم تعيينى معيدا بها وحصلت على جائزة عيد العلم عام 1964 لأننى حصلت على مجموع 93.5% بينما كانت مرتبة الشرف الاولى تمنح لمن يحصل على 85% بعد ذلك صدر تكليفى بالعمل بالتدريس فى الجامعة وراسلت جامعة هارفارد الامريكية لعمل الدراسات العليا هناك وشرحت لهم أن ظروف البلد صعبة فوافقوا على طلبى وكان والدى رحمه الله قد توفى فى نفس الفترة فذهبت إلى مساعد وزير التعليم العالى واخبرته بأنى كنت الأول على جامعات الجمهورية وليس على كليتى وحدها وارغب فى السفر فى أول بعثة فقال أنها ستكون بعد عامين وستتكلف 30 ألف دولار وفى هذ الفترة كانت العملة الصعبة نادرة جدا فقدمت له موافقة جامعة هارفارد على سفرى فقال انه لايمانع لكن فى هذه الحالة يتعين على ان اتقدم باستقالتى من الجامعة فوافقت وقال: اننى لن استطيع أن أفعل لك شيئا سوى الغاء التكليف وحتى احصل على تأشيرة خروج من مصر وكانت صعبة للغاية فى ذلك الوقت ذهبت الى زكريا محيى الدين الذى كان صديقا لوالدى فساعدنى وسافرت الى امريكا وكنت اعمل لأنفق على نفسى اثناء الدراسة التى استمتعت بها وكان يجب ان اجتاز 16 كورس للحصول على الماجستير فحصلت على 27 كورس بامتياز لأنها فرصة للتعليم لن تعوض وحصلت على الدكتوراه بعد 7 سنوات من سفرى لأمريكا. فشلت فى العودة هل فكرت فى العودة لمصر بعد حصولك على الدكتوراه؟! فكرت كثيرا لكننى فشلت وحاولت العودة مع الدكتور شريف لطفى لأن الحكومة شرعت آنذاك فى انشاء الهيئة العامة للاستثمار وقتها اعتبرونى افضل شخص يصمم المشروعات لأننى درست الاقتصاد وتخطيط المدن وكانوا قد اعطونى مشروع اقامة عمارة سكنية فقلت ان الارض غير منتظمة وبالتالى كان يجب تخطيط المدينة حتى لا تظهر قطعة الارض بهذا الشكل وخرجت ايضا بنتيجة اخرى هى ان الازمة فى الدول النامية ليست اقتصادية بل بشرية وهنا غيرت موضوع رسالتى من سياسات الاسكان الى دور التعليم فى التنمية وكان فى صدر صفحاتها كاريكاتير يصور ملكا يقف فى شرفة قصره ويخاطب شعبه قائلا: أود ان يكون شعبى أكبر شعب متعلم فى العالم ولذلك امرت بصرف شهادة لكل مواطن! وقلت فى عام 1971 ان اخشى ما اخشاه انه تحت الضغط السكانى والسياسى يركز التعليم فى الدول النامية على الشهادة دون مضمون العملية التعليمية!. نظام تعليمى فاشل بصراحة هل ترى ان نظام التعليم فى مصر الآن فاشل؟ النظام التعليمى الحالى لم ينجح فى الوصول الى ما نريد تحقيقه وهذا لا يعنى انه لاتوجد اقسام ممتازة واساتذة ممتازون وطلاب ممتازون لكن الموجود ليس ما نتوقعه أو نتمناه لمصر وأى مواطن يحب بلده لن يرضى عن وضع التعليم بدءا بوزراء التعليم انفسهم! وما هى رؤيتك لإصلاح التعليم؟ أرى ان التعليم قبل الجامعى يحتاج الى 5 خطوات أساسية للإصلاح: الأولي: التركيز على ناظر المدرسة فإذا كان جيدا سيدير المدرسة بكفاءة. الثانية: الموجهون لتوجيه الادوات الادارية والفنية بالعملية التعليمية. الثالثة: الأهالى لأنهم هم الذين ينفقون على العملية التعليمية والدروس الخصوصية وخلافه وهناك تجربة اجريناها فى قنا بتشكيل مجلس ادارة للمدرسة يشترك فيه الاهالى للانفاق على المدرسة بدلا من الدروس الخصوصية. الرابعة: إصلاح المناهج الخامسة والاخيرة: تدريب المعلمين لأننا سنكون ضبطنا الإدارة والتوجيه والاهالى والمناهج فتكتمل المنظومة بالمدرسين ولو فعلنا ذلك فى 64 الف مدرسة تدريجيا (5 آلاف مدرسة كل عام) سنحصل على نتيجة سريعة. أزمة مناهج فى رأيك ما أكثر شئ يحتاج للتدخل العاجل فى المناهج؟ الملخصات أخطر شىء لأنه من الضرورى التعامل مع الطفل ببراءته حين يسأل: لماذا السماء زرقاء وورق الشجر اخضر؟! انه لايهتم هل هذا سيفيده فى الوظيفة عندما يكبر أم لا وهذا الفضول الفطرى للمعرفة سيخرج العبقريات والابداع وليس الاجابة الحرفية من الكتاب المدرسى المعتمد على التلقين وليس التجديد. البنك الدولي لماذا عملت فى البنك الدولي؟ وماذا حققت خلال 35 عاما من العمل به؟ عندما حصلت على الدكتوراه قلت لأستاذى فى جامعة هارفارد اننى اريد اكتساب خبرة دولية قبل العودة الى مصر فقال لى أن الافضل لك البنك الدولى وليس اليونسكو فتقدمت وقبلونى ووجدته مؤسسة ضخمة تقوم بمشروعات كبيرة جدا، وكانت أول دولة أسافر اليها اليمن لتنفيذ اول مشروع تعليمى هناك عام 1972 ولم يكن هناك سوى طريق واحد مرصوف وكان تركيزنا على الفقراء لأن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا بالتنمية الاجتماعية وحققنا اهدافنا خلال اربع سنوات ونتيجة هذا النجاح تمت ترقيتى فى البنك الدولى خمس أو ست درجات خلال عامين دون النظر الى التدرج الوظيفى الروتينى حتى اننى فى آخر 7 سنوات لى قبل العودة الى مصر شغلت منصب نائب رئيس البنك الدولى وكان اهم ما شغلنى قضايا الفقر فى افريقيا. مياه النيل وهل كنت تتوقع حدوث ازمة فى مياه النيل؟ نعم حتى اننى حذرت فى عام 1995 باستكهولم من ان حروب القرن القادم ستكون على المياه ومن واقع دراساتى قلت ان 85% من المياه بمصر تذهب الى الزراعة وبالتالى سيتأثر الغذاء بأزمات المياه كما ان تزايد السكان سيفاقم المشكلة، وفى هذه الفترة توطدت علاقتى بالدكتور محمود ابو زيد وزير الموارد المائية والرى السابق الذى اسس المجلس العالمى للمياه عام 1996 بينما اسست الشراكة العالمية للمياه فى نفس العام وانتخبونى رئيسا لها وكان هدفنا وضع قضايا المياه فى مقدمة اولويات العالم واقمنا عدة منتديات أولها فى مراكش عام 1997 وأنشأنا المفوضية العالمية للمياه بمشاركة الفاو والبنك الدولى وكنت رئيسا لها وكان الاجتماع الثانى فى بولندا عام 2000 والثالث عام 2003 فى اليابان. وتقييمك لأزمة مياه النيل الآن؟ ورؤيتك للخروج منها؟ هناك 1600 مليار متر مكعب من المياه فى حوض النيل منها 55 مليارا فقط تصل الى مصر والمشكلة هى المخاوف من تناقص كمية المياه والامطار نتيجة التغير المناخى وهنا أشير الى ان السد العالى نجح فى حماية مصر من القحط الذى عانته اثيوبيا 14 عاما والوضع الان يحتاج الى حسن ادارة فعندما كانت علاقتنا وطيدة بدول حوض النيل كانت هذه المسائل تمر ببساطة لكنهم الان يريدون التعامل بشكل اخر. سر العودة الى مصر برغم نجاحك فى البنك الدولى لماذا عدت الى مصر؟ مشروع مكتبة الاسكندرية فبرغم اننى عشت فى امريكا 35 عاما لم ينقطع اتصالى بمصر ولا احمل سوى جنسية بلدى مصر ورفضت الجنسية الامريكية لأننى سأقسم حينذاك على الولاء لأمريكا وليس لى أى ولاء سوى لمصر لهذا لا أملك سوى حق الاقامة فى أمريكا. وقصة ترشيحى لإدارة مكتبة الاسكندرية يعود الفضل فيها الى السيدة سوزان مبارك فقد كانت تشرف على المبنى عن قرب وباهتمام بالغ وطلبت ترشيح شخص لإدارتها وقتها رشحنى السفير عبدالرءوف الريدى مدير عام مكتبة مبارك، وطلب منى عدم الرفض والتقيت السيدة سوزان مبارك وكانت المشكلة ان المكتبة تابعة لوزارة التعليم العالى التى كان يتولاها فى ذلك الوقت الدكتور مفيد شهاب لكننى ترأست لجنة المستشارين القانونيين التى اعدت مشروع قانون مكتبة الاسكندرية وبعد الموافقة البرلمانية صدر القانون وتأسست المكتبة بنظامها الحالى والحقيقة ان الرئيس مبارك والسيدة قرينته تحركا معنا بشكل كبير جدا فى كل خطوات تأسيس المكتبة التى أستغرقت سبع سنوات تقريبا. حصاد السنوات السبع وما هو حصاد السنوات السبع؟.. وهل انت راض عنه؟ نعم وبشهادة العالم، حيث استطاعت المكتبة ان تأخذ وضعا متميزا على مستوى مكتبات العالم وهى ليست مجرد مكتبة لكنها مشروع ثقافى ضخم لتضاهى المكتبة القديمة ويحضر الينا 1.4 مليون زائر سنويا وتنظم نحو 700 فعالية ثقافية سنويا لكن المشكلة فى التمويل الضعيف فالدولة توفر 70% من الميزانية و30% منحا ونسعى جاهدين لعكس هذا الوضع ورغم ذلك فإن ما تقدمه الدولة لا يتجاوز 1% من ميزانية الدولة لكنها ستساعدنا على تحقيق ما نتمناه وعموما فالتمويل ليس كل شئ المهم عندى الكفاءات واستغلال الموارد البشرية بأفضل صورة ممكنة. عدو الأقدمية وكيف تتعامل مع أصحاب الكفاءة؟! أنا أكبر عدو لنظام الأقدمية لأنها سبب البيروقراطية والفساد لهذا فإن القيادات العليا لدينا يبلغ متوسط اعمارهم 24 عاما ولا تتجاوز نسبة من تخطوا 55 عاما 2% من العاملين ولدينا نظام تقييم نطبقه مرتين سنويا ومن يحصل على تقدير «مقبول» ليس فاشلا ولكن التميز شيء اخر وارفض ان يقول احد ان لديه خبرة 20 سنة لكننى اقول له لديك خبرة سنة تكررت 20 مرة. المشروعات البحثية هل اثرت إدارتك للمكتبة على مشروعاتك البحثية؟ نعم لأننى انشغلت بأمور كثيرة لكن هناك بحثا تقدمت به أخيرا الى المجلس الاعلى للثقافة والمجمع العلمى المصرى حول الاعمدة السبعة للمعرفة الجديدة كما اننى اشارك فى اعداد كبيرة من اللجان الدولية والجامعات وان كنت قد استقلت من لجنتين منها لأنها تتطلب سفرى دائما وقد انتخبت أخيرا فى اهم منصب علمى ثقافى بفرنسا عضوا فى مؤسسة «كولج دو فرانس» والتى اسسها الملك فرانسوا عام 1531 لمتابعة التعليم بجامعة السوربون حتى لا تتحول الى جامعة دينية تابعة للكنيسة انذاك والمؤسسة تضم 52 عضوا وانا اول شخصية من الدول النامية تنضم اليهم وسأركز خلال عملى معهم على قضية تجويد التعليم من اجل محاربة الفقر. الإصلاح السياسي لماذا لم تستمر فى اقامة مؤتمرات الإصلاح السياسي؟ لأننا خرجنا بورقة إصلاحية مازالت سارية المفعول وكان لابد ان يستمر السعى الإصلاحى من مؤسسة الى اخرى ثم اننا لم نتوقف عن الانشطة والمؤتمرات الاصلاحية التى تناقش قضايا الفساد والتعليم وحرية تداول المعلومات وحرية الرأى والصحافة والتعبير والإبداع كما تطرقنا الى موضوع الفتنة الطائفية وقلنا ان قتل مواطن هو جريمة يعاقب عليها قانون الجنايات ويجب عدم اضفاء بعد دينى والمواطنة ليست مقصورة على البعد الطائفي. الجهات التنفيذية هل تشارك مكتبة الاسكندرية فى حل مشكلات المواطن السكندري؟ نقيم فعاليات للمساعدة فى ذلك لكن حل المشكلات مسئولية الجهات التنفيذية التى لو طلبت مشورتنا نقدم لها خلاصة خبرتنا كما نشارك فى تنفيذ بعض المشروعات ومنها النوادى العلمية بالمدارس الثانوية التى اقمناها فى 100 مدرسة العام الماضى وستصل الى 300 مدرسة هذا العام ولدينا انشطة للشباب الصغير ومكتبة الطفل وتنمية الموهوبين ومعرض الاسكندرية للكتاب وجماعة اطلالة الثقافية للشباب. النخبة البعض يقول ان المكتبة تتعامل فقط مع النخبة؟ لو كان هذا صحيحا فلماذا يزورنا 1.4 مليون زائر سنويا؟ الوزارة هل تأمل فى ان تكون وزيرا؟! أنا سعيد بمكانى فقد عدت إلى مصر من اجل مكتبة الاسكندرية التى أرى انها لاتزال فى بدايتها وأتمنى تحقيق المزيد من الانجازات فى الفترة المقبلة. وهل تحسب نفسك ضمن التيار الاقتصادى أم الثقافي؟ أنا من الاشخاص الذين يحبون المعرفة بمفهومها الواسع من اجل الانسان ومفهومى للثقافة مفهوم واسع مرتبط بالإنسان والمجتمع والتعددية والعقلانية وقراءة التاريخ ومنهج التفكير والثقافة العلمية والعمل العام.