صورتان أصر الدكتور اسماعيل سراج الدين علي اطلاعي عليهما بعد لقائنا بدقائق.. الصورتان التقطتا يوم 28 يناير الماضي يوم الانفلات الامني.. الاولي لمبني محافظة الاسكندرية وقد التهمتها النيران.. والثانية لشباب الثغر وهم يلتفون حول مكتبة الاسكندرية لحمايتها من اي اعتداء.. لكل من الصورتين دلالة قوية تنم عن ان شباب مصر لديه وعي كبير بقيمة العلم، وقيمة الحضارة وقيمة الحفاظ علي صرح مصري لم يكن يوما ملكا للحاكم او زوجته التي كانت ترأس مجلس الامناء ذات يوم.. ورغم ان سوزان مبارك متهمة بإخفاء 145 مليون دولار من اموال المكتبة في حساب خاص باسم زوجها.. ورغم ان سوزان مبارك سعت لهدم مستشفي الشاطبي لبناء فندق يخدم زوار المكتبة.. إلا أن شباب الاسكندرية الواعي وجد ان هذا الصرح العظيم هو ملك لمصر ولشعبها فقط!! الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية واجه متاعب منذ اندلاع ثورة 25 يناير.. كان أهمها حكاية ال145 مليون دولار.. وهو اندلاع الاحتجاجات داخل المكتبة للمطالبة بعدالة الاجور والتحقيق في إهدار المال العام، وتثبيت العاملين وغيرها من القضايا التي حملتها "الوفد الاسبوعي" لتطرحها أمام الدكتور سراج الدين .. وإلي نص الحوار: الوفد: لماذا لا يصدق الناس في مصر انك لم تكن تعلم بحقيقة ال145 مليون دولار في أحد البنوك تتصرف فيها سوزان مبارك كيفما تشاء؟! - د. سراج الدين: لم نعرف اي شيء عن هذا المبلغ، فالمادة رقم 8 من قانون مكتبة الاسكندرية رقم 1 لسنة 2001 تنص علي "ان يستمر العمل بالهيئة العامة لمكتبة الاسكندرية الي ان يصدر قرار رئيس الجمهورية وتؤول الي المكتبة اصول وحقوق الهيئة الملغاة" وبعد اسبوع من استلامي صدر القرار، وكان هناك حسابان للمكتبة بالبنك المركزي وكان فيه 10 ملايين جنيه، وحساب ببنك آخر بقيمة 280 الف جنيه بواقي دراسات اليونيسكو إلا أنه ألغي، وعند استلامي لم اسأل عن حسابات سرية، ويراجعني الجهاز المركزي للمحاسبات ومجلس الامناء ولم يعلمني احد منهما بالحساب الآخر، وبعد ذلك فتحنا وديعة للمكتبة بقيمة 100 مليون دولار بمفاوضات مع وزارة التعاون الدولي، ويوزع جزء علي المرتبات وجزء علي الانفاقات وجزء لاستثمار اموالها. الوفد: مجلس الامناء عندما كان يجتمع مع سوزان مبارك ألم تتحدثوا في امور متعلقة بزيادة دخل المكتبة؟ - د. سراج الدين: كنا نتحدث وكانت تصدق علي كلامنا "ايوة عايزين نزود الدخل". الوفد: يعني كنتم تطلبونا زيادة الدخل، وهي ترد ايوة عايزين، دون ذكر وجود ال145 مليون دولار؟ - د. سراج الدين: لم تذكر هذا ولم تتحدث عن هذه الاموال وانا مذهول ومش قادر اتخيل كيف هناك هذا الكم الهائل من الاموال ولم نعرف به وقطعا اذا كنت اعلم لم اكن لاوافق علي اخذ 100 مليون جنيه من وزارة التعاون الدولي. الوفد: ألم يتبرع احد من رجال الاعمال لدعم مكتبة الاسكندرية مثلما يحدث في الدول الاخري؟ - د. سراج الدين: حصلنا علي دعم ب200 الف من رشيد، و4 ملايين جنيه تقريبا من آل سويرس لدعم ابحاث مع الدكتور مجدي يعقوب عن مشكلة القلب عند الاطفال، وحاليا اعتمد علي الدولة في حدود 70٪ من الميزانية السنوية وال30٪ تأتي من الوديعة فتذاكر دخول المكتبة قيمتها ضعيفة، وارفض رفعها لأني صاحب رسالة وليس شغلتي ان اقدم خدمات ثقافية للاغنياء وشغلتنا توسيع الافق الثقافي وليس زيادة الارباح، لذلك ارفض الحصول علي قروض لأني لست مؤسسة ربحية فلن اقدر علي سداد هذه القروض، والدولة تتفهم طبيعة مهمة المكتبة وأغلب المسئولين مقدرون ان كل جنيه يوضع في المكتبة يكون له عائد ثقافي. الوفد: العاملون بالمكتبة يتهمون الادارة بإهدار المال العام من خلال بعض المرتبات التي يحصل عليها البعض والتي تتراوح بين 30 و40 الف جنيه شهريا، ما تعليقك؟ - د. سراج الدين : المعيار عندي الانجاز، وما حققته المكتبة من انجازات يؤكد ان الاموال التي وضعت فيها جاءت بنتيجة، ونحن من اوائل من طبقنا الحد الادني للاجور منذ 4 سنوات مضت ودخلت في معركة مع الشباب لصرفي 1000 جنيه للعامل كحد ادني للاجور والحاصل علي بكالوريوس 1300 جنيه، وهذا هو معني الحد الادني للاجور لأن فكرته يعني كرامة الانسان. الوفد: ولكن أليس بيدك وضع حد أقصي للاجور؟ - د. سراج الدين : لست مقتنع بهذا.. وهذه ليست مفهموما للعدالة، ولكنني قمت بتثبيت الحد الاقصي للاجور واقوم الآن بزيادة الحد الادني، واقول للتذكرة ان مكاتب الاممالمتحدة الموجودة بمصر والعاملين المصريين بها يحصلون علي مرتبات اعلي بكثير من مرتبات خبرائنا الذي تقول عنهم انهم يتقاضون من 30 و40 الف جنيه مع العلم انهم ليسوا بأقل من خبير مكتب اليونيكسو بمصر. الوفد: بعض العاملين بالمكتبة طالبوا بتعديل لائحة شئون العاملين لأن اللائحة الحالية تتيح فصل الموظفين بدون اسباب؟ - د. سراج الدين: أنا شخص اعتباري عام اقيم قانونا خاصا لا يجعل تبعيتي لوزارة أو جهة غير رئيس الجمهورية لذا جميع العاملين هنا غير مثبتين وهم متعاقدون لمدة 3 سنوات وانا شخصيا عقدي 5 سنوات، ووصلت مطالب بعض العاملين الخاصة بتغير اللائحة لمجلس الامناء ورفضوا وهناك مجموعة ورثتها من الهيئة القديمة كانوا مثبتين بنظام الوظائف الحكومية وعددهم 100 عامل، ولما توليت المكان طرحت عليهم: ان من يريد الاستقالة والعمل بعقود يتقدم، فوافق البعض واستمر البعض الآخر، ونتعامل معهم بالنظام الحكومي ويحصلون علي المرتبات التي تعطيها الدولة للموظفين، وعندما طلبوا المساواة بمرتبات غير المثبتين رفضت لانهم يريدون ان يكونوا مثبتين ويحصلوا علي مرتبات وحوافز العقود، وللعلم يوجد بالمكتبة 2200 عامل وموظف. الوفد: أنت كمثقف مصري كيف كنت تري ما يحدث في مصر خلال السنوات العشر الاخيرة؟ - د. سراج الدين : كنت حزينا جدا وذكرت هذا في مقالة بعنوان "عودة مصر المثقفة" لأني رأيت تقهقر مصر الثقافي علي الرغم من امتلاكها الثقافة والكتب التي نعتز بها ولا يصلح الوضع الذي وصلنا اليه والاوضاع الثقافية في مصر سيئة جدا، واري ان هناك كارثة وانهيارا كاملا حدث في مجال التعليم ومصر كان لها دور ولابد أن يبقي في 5 دوائر ثقافية.. الاولي: الدائرة العربية.. لو قدمنا اشياء بالعربية ليس لها مثيل بالعالم ومصر لها اسهامات ضخمة في الاسهامات العربية من خلال الاسهامات الثقافية.. ثانيا: البعد الافريقي.. ثالثا: البعد الاسلامي.. رابعا: البعد المتوسطي.. فهناك منهجية متوسطية تضم اوروبا وشمال افريقيا ومصر لها بعد متوسطي في هذا الاطار لابد ان يعود.. والاسكندرية من اوائل من صنع البعد المتوسطي.. والبعد الخامس: الثقافة الدولية فهناك مفاهيم مشتركة عالميا كحقوق الانسان والديمقراطية والعولمة والعلم والبيئة ومصر تستطيع ان تسهم فيها فلو لعبت دورا حقيقيا في الابعاد الاربعة الاولي، بالضرورة سيكون لها دور ضخم علي الساحة العالمية ولكن كل هذا مرهون بالاصلاح الداخلي. الوفد: كيف تري خطوات اصلاح التعليم؟ - د. سراج الدين: طريقة اصلاح التعليم الاساسي تتم بخمس خطوات ولها ترتيب معين لابد من مراعاته.. اولا: مدخل اصلاح النظار.. فناظر المدرسة الجيد يقود المدرسة جيدا اما لو فاسد فلن يقودها بشكل جيد حتي لو يملك مدرسين جيدين، كما ان عدد النظار قليل.. ثانيا: المشرفين او الموجهون: وهم احسن مدرسين يشرفون علي العملية التعليمية.. ثالثا الاهالي: وأجزم ان الاهالي في مصر مشتركين في الجريمة من خلال الدروس الخصوصية واهتمامهم بالشهادة وليس التعليم.. وفي قنا اجريت تجربة منذ فترة.. وضع خلالها اولياء الامور اموالهم في حصص تقوية داخل المدرسة بدلا من الدروس الخصوصية والمدرس الذي ينجح في تحسين مستوي المدرسة كان يحصل علي مكافأة منها.. رابعا: تغييير المناهج لأنها "بايظة جدا".. فالطفل يدخل بفضول طبيعي ويحطم هذا الفضول عند وصوله للجامعة وهذه جريمة في حقهم.. خامسا: اعادة تأهيل المدرسين وتطبيقه في المدارس النموذجية في شرائح مختلفة، وفي ظرف عدد من السنوات ستشعر بالفرق، ومن المهم جدا في معايير الجودة الالتزام بالخارج لأن الشباب اذا كان يطمح للتميز فلابد ان يكون الاول في المنطقة ومن ضمن افضل عشرة علي مستوي العالم وهذا يحدث بامتحانات دولية في المهارات وليس المقررات. الوفد: ماذا عن تشخيصك للحالة الاجتماعية للبلاد؟ - د. سراج الدين : كانت سيئة جدا لأن الاصلاح الاقتصادي كان يملك اساسيات جيدة ولكن السياسات القطاعية التي يفترض ان تبني لم تنفذ بشكل جيد واتعملت في اضيق نطاق ولم تنشأ مشروعات تخدم الناس.. هم فكروا في تفكير اجتذاب رأس المال الاجنبي وليس تحقيق العمالة بينما منهجي ان القضية رقم واحد هي قضية العمالة وترتب علي هذا ان هناك معدلات نمو كبيرة صحيحة، ولكن معدلات النمو هذه لم تترجم لفرص عمل كافية، وزاد علي المشكلة ان الهوة بين الاغنياء والفقراء زادت بشكل فاضح، فمعدلات صرف الاغنياء اصبحت استفزازية وعدد كبير اصبح تحت خط الفقر وبشكل عام فإن الوضع الاجتماعي كان سيئا، ويتجه الي الاسوأ، وصحيح اني كنت انتقد الدكتور عاطف عبيد عندما كان في منصبه لان التحركات ادارية وغير كافية ومعدلات النمو 3٪ كارثة واتهمت الحكومة باضاعة مستقبل شاب كل دقيقة فلدينا حوال 870 الف شاب يدخل سوق العمل ويترتب ان ما بين هجرة ووظائف تخلقها ب3٪ توفير، 350 ألف وظيفة فقط، وهو ما يعني ان هناك 525 الف شاب لا يجدوا فرص عمل وهذا يعادل عدد الدقائق في السنة 525 ألفا و600 دقيقة، اي ان كل دقيقة الحكومة بتضيع شاب، ونحن نريد معدلات نمو عالية، وحكومة دكتور نظيف نجحت في رفع معدلات النمو لكن ركزوا في الحوافز علي الاستثمار الاجنبي ولم يترجم كل هذا لوظائف جديدة وفرص عمل، ويترتب علي ذلك ان الناس تشعر بأنها مطحونة ولا تري مستقبلها. الوفد: وكيف كنت تري الحالة السياسية؟ - د. سراج الدين: كارثة .. للتغلب الكامل للعنصر الامني السلطوي في الحياة السياسة المصرية والمنهج الفكري في التعامل مع الامور كان منهج امني مش سياسي فتخيل انه اي شيء يحل بالقوة وهذا منهج خاطئ فهذا النظام لا يتقبل الاختلاف معه حتي ولو بنسبة 5٪ فهو يريد الولاء الكامل وهذا خطأ لأن التجربة العالمية كلها هكذا فمن يتصور أن الديكتاتوريات اكثر كفاءة من الديمقراطيات غير صحيح والديمقراطيات انتصرت علي الفاشية والنازية والفكر هو الاساس.. فالفكرة لاتهزم إلا بالفكر ولا تحارب الفكرة إلا بالفكرة.. والفكرة التي حان وقتها لا يمكن منعها .. والديمقراطية هي حماية الاقلية من بطش الاغلبية وليس لها علاقة بالاغلبية لان رأي الاغلبية ممكن ان يسود حتي لو "بالدراع" وميزة الرأي الديمقراطي انه يسمح للفكر والفكر الآخر بالتعبير عن نفسه وعندي ثقة في أن مصر ستطور نفسها وستختار الانسب لنفسها مع مرور الزمن، وهذا يتنافي مع الفكر السلطوي الامني الذي يري مركزية في السلطة. الوفد: ايهما تفضل جمهورية برلمانية أم رئاسية؟ - د. سراج الدين : هذا السؤال مطروح خطأ لان لكل منهما محاسن ومساوئ وانما الفكرة الاساسية التي نعاني منها هي سلطة الرئيس ولابد من الحد منها، وهناك منهج آخر مهم وغير مطروح للمناقشة وهو المركزية والمحلية في اتخاذ القرار فلا بد ان ننزل بجزء كبير من صناعة القرار والموارد للمحافظات ويكون المحافظ منتخبا ومجلس محلي منتخبا وله حق حقيقي في اتخاذ القرار ويكون هناك حساب وعقاب وهذا سيتيح مشاركة اوسع من المواطنين وكذلك الحساب.. ثانيا ستفرغ جيلا كاملا من الممارسات الديمقراطية علي المستوي المحلي يخرج منها مجموعة للمستوي القومي وهذه ممارسة للديمقراطية الحقيقة، وهذا يساهم في الحد من المركزية القومية علي مستوي الدولة بأكملها والتي كانت تسيطر علي كل صغيرة وكبيرة، وهذا يقتضي نقل موارد للمحليات لحل مشاكلها، واعطاءهم سلطة اخذ قرارات، وفي النهاية النظام البرلماني مطبق في كل دول اوروبا والعالم المتقدم باستثناء فرنسا وامريكا اما النظام الرئاسي فمطبق في الدول النامية وعلينا ان ندرس ايجابيات وسلبيات كل نظام وايهما يناسب البلاد. الوفد: هل تخشي من حكم الاخوان او السلفيين؟ - د. سراج الدين: لا.. التيار الاسلامي جزء لا يتجزأ من المجتمع ولكني افضل الدولة المدنية وافضل الفكر الليبرالي وحقوق الانسان وحرية التعبير والرأي والرأي الاخر وهذا يقتضي نوعا من التعددية واذا كانت التيارات الاسلامية ستعبر عن نفسها بأحزاب قابلة للتعددية وستأخذ بمأخذين مهمين اولهما مساواة الجميع امام القانون.. وثانيا الاعتراف بأن من يسن القوانين الممثلون المنتخبون من الشعب وليس احد يراجع وراءهم ونحن نتحدث عن قانون وضعي سيستلهم قيما معينة من المجتمع لها صور غالبة.. وفي هذه الحالة لماذا نرفض ان تكون هناك احزاب اسلامية ففي اوروبا هناك أحزاب ديمقراطية مسيحية زي المانيا ولازم يؤمن بمساواة الجميع امام القانون وان هذا القانون يصنعه المشرع حتي لو هيختلف مع رأي القيادة الدينية. الوفد: هل تري أن مصر تعاني من ازمة وجود مرشحين لمنصب الرئاسة؟ - د. سراج الدين: لا.. أري أننا مازلنا في الاول ولايزال امامنا الوقت، فلو اتينا باساطين الفكر في مصر وجلسنا يوم 24 يناير ما كان احد سيتخيل السيناريو الذي حدث ويتوقع من هم قادة الثورة الذين سيسقطوا نظام مبارك يوم 25 يناير.. هؤلاء القادة الشباب الذين استطاعوا ان يفعلوا الثورة قادرون علي فعل اشياء اخري ولدي ثقة كبيرة في الشباب في اشياء كثيرة ولا اري انه بالضرورة سينحصر الاختيار بين الكبار، وقد تعاونت مع الشباب الذين طوروا المكتبة وارتفعوا بها وايضا مع الشباب الذين وقفوا ودافعوا عن المكتبة من اعتداء البلطجية اثناء الثورة وفخور بخدمتهم فهم حاضر ومستقبل البلاد ومفجرو الثورة، وارد علي من يسأل عن اين هم الشباب المرشح لهذا المنصب بسؤال آخر هل كنا نعلم من هم قادة الثورة واين اماكنهم؟ ولابد من الانتظار وسيتمكنون من تنظيم انفسهم وكل الثورات الصناعية بالعالم قام بها شباب مثل بيل جيتس وستيف جوبس واينشتاين وواطسون ولكن علينا الاهتمام بمن يظهر عليه هذه القدرات مثلما يحدث في الخارج. شاهد الفيديو