واقعيا لا يمكن لأم هيام- 38 عاما - المصرية الأصيلة الجدعة التى تتحمل مسئولية أسرتها كاملة.. دون يأس أن تعرف ريتشارد دين رجل الأعمال الإنجليزى المشهور ومدرب التنمية البشرية وصاحب سلسلة كتب هى الأكثر توزيعا على مستوى العالم، ولكن الاثنين يعرفان بعضهما جيدا على مستوى الأفكار والأهداف والنظر إلى الحياة، فالاثنان بالمفهوم العملى ناجحان فى حياتهما وراضيان تماما عما حققاه- ولا يزالان يحققانه- إنهما نموذجان من الحياة يحققان فكرة أن الحياة هدف ورسالة وقدرة على العطاء والنجاح، واللافت أن كلا منهما ينظر للنجاح بالمعنى الأوسع.. وهو تأكيد ذاتك وقدرتك على العطاء دون توقف والاستمتاع بالحياة كلما أمكن ذلك. الفارق بين أم هيام وريتشارد دين أن الأولى فقيرة ماديا، ولكنها ثرية جدا على مستوى تجربتها التى تحكيها لنا والتى تجسد معزوفة إنسانية لامرأة شابة تواجه الحياة بكل صعوباتها وتتحمل مسئولية بيتها وأسرتها دون شكوي، أما ريتشارد دين الذى يقترب من الستين عاما فقد بدأ عصاميا ونجح فى أن يصبح مليونيرا وهو فى الثلاثينات من عمره، ولأنه يعتقد بأن النجاح ليس ماديًا فقط.. قرر أن يقدم تجربته شديدة الثراء إلى القراء والمتدربين فى مجال التنمية البشرية، فيدفعهم للنجاح والغريب أن كتابه (انجح من أجل نفسك) ويردفه بعبارة أخرى لافتة تقول (حرر قدراتك الكاملة من أجل الوصول للنجاح والسعادة) يحوى عشرات الأفكار البناءة والجادة والمهمة من أجل بناء الشخصية الإيجابى والسعى للنجاح وتحقيق الأهداف والأولويات ومواجهة الصعاب، وهى تقريبا نفس الأفكار التى تتحدث عنها أم هيام وبطريقتها المصرية المليئة بالرضا والقناعة وهزيمة اليأس، ولا يبدو غريبا أن تكون الأفكار شبه واحدة رغم اختلاف الظروف والنشأة والثقافة.. وربما كان هدفهما- أم هيام وريتشارد- واضحا وهو أن يكونا أنفسهما أو كما قال الشاعر محمود دوريش فى إحدى قصائده (ولنا هدف واحد.. أن تكون) وما يلفت الانتباه فى تجربة أم هيام وريتشارد أنها تخلو من التنظير والكلام النظرى.. فكل منهما قال حكايته بعد أن حقق معنى النجاح الذى أوصلهما للرضا والقناعة وإيجاد شخص إيجابى بناء قادر على المواجهة والصمود وتحقيق الهدف، ليصبح كل منهما (بنى آدم) حقيقيًا يفتخر بنفسه أمام المحبطين واليائسين والمدعين والمرفهين والتائهين فى الحياة. • من هى أم هيام ؟! سأبدأ حديثى عن أم هيام.. لأنها أحق بالبداية فهى امرأة بسيطة من العياط وقبل أن تكمل العشرين عاما تزوجت من ابن عمها- فارس- القريب منها فى النشأة والظروف الصعبة والسن أيضا، وجاءت إلى القاهرة- وبالتحديد إلى الجيزة لتسكن فى بيت حماتها بإحدى المناطق الشعبية بالجيزة، أم هيام- ربة منزل- جاءت بالأبناء والبنات تباعا: هيام ثم أحلام وبعدهما مصطفى ثم سماح آخر العنقود، والزوج يعمل فى مهنة الفراشة، يعمل ويكد من أجل زوجته وأبنائه، ومرت الحياة هادئة إلى أن انقلبت فى لحظة واحدة لتتحول حياة أم هيام 180 درجة ولكن ماذا حدث؟ ما حدث أن زوجها خرج فى أحد الأيام ليقوم بعمله الذى يحبه ويحفظه عن ظهر قلب وأثناء إعداد اليافطات والأقمشة ودق الأخشاب لنصب الصوان سقط على ظهره (عرق الخشب) فأصيب بارتجاج فى المخ وأعراض أخرى تجعله ملازما للفراش ممددًا فى بيته على السرير وكأنهما واحد، كان هذا منذ أكثر من عشر سنوات وإلى الآن.. ورغم الأهل والأخوات لم تجد أم هيام من يقف بجوارها ووجدت نفسها وحيدة.. زوجها ممدا على السرير ولا يقوى على الحركة أو العمل، وكوم لحم يحتاج إلى الرعاية والتعلم وتجهيز البنات للزواج، والأهم هو الإنفاق على البيت. أصبحت امرأة عاملة مسئولة عن أسرتها بشكل كامل.. لم تشكُ أم هيام قلة بختها وقلة حيلتها وكونها امرأة صغيرة مكسورة الجناح وقررت المواجهة. نزلت للعمل والتحقت بالعمل كدادة فى حضانة أهلية بجوار بيتها.. تنزل كل يوم من السادسة صباحا وتعود مع أذان المغرب. برغبة وحماس وإرادة قاومت أم هيام الظروف وحددت أهدافها وعملت على تحقيقها، فهى تعالج زوجها وتذهب به إلى المستشفيات باستمرار، وما لم يتوفر من أدوية تقوم بشرائه وأحيانا تتمرمط فى الطوابير ولا تجد ثمن العلاج ثم يفرجها ربنا من عنده (لاحظ أن أم هيام ترفض الاستدانة مهما كانت الظروف ولا تتسول شيئا من أحد لأن لديها كرامة وعزة نفس . أم هيام تتقاضى مرتبًا شهريا لا يجاوز ال 400 جنيه، وتقوم بتوصيل الأطفال إلى أهاليهم كل يوم، وتتقاضى مقابل ذلك إكرامية من الأهل حبا فيها وثقة ولحفاظها على الأطفال وبعد أن تنتهى من هذه المهمة تعود إلى الحضانة لترتيبها وتنظيفها وتصل البيت مهدودة، ولكن على وجهها ابتسامة رضا تجعلها قادرة على مواصلة ذلك كل يوم دون كلل أو زهق. وعندما تندهش، هل هذه السيدة حقيقية أم أنها تمثل؟ تفاجئك أنها لا ترى ما تقوم به ثقيلا أو عظيما، هى حياتها وظروفها وعليها ألا تستسلم، فإذا انسحبت من المعركة اليومية التى تخوضها، من يربى كوم اللحم والزوج، واللافت أن صبرها الذى ورثته عن جدودها الفراعنة يتحول إلى طاقة عمل وإبداع لا حد لهما فهى الآن تجهز ابنتها الكبيرة هيام -19 عاما- للزواج. أما ابنتها الثانية أحلام -16 عاما- فثانوية عامة هذا العام، وهى بنت متفوقة- حافظة للقرآن وتتقن دروسها بمفردها دون دروس خصوصية. اللافت أن أم هيام حريصة على تعليم أولادها (أهو التعليم ينفعهم وعشان يكونوا أحسن منى) وهو ما دفعها لأن ترفض أن يعمل ابنها مصطفى- 14 عاما- أثناء الدراسة ولا تسمح له سوى بالعمل فى الإجازة فقط. نستطيع القول إن أمثال أم هيام ترمومتر للشعب المصرى.. فهى لا تنتمى لأحد سوى عملها ومصريتها الخاصة وإسعاد أبنائها، ولما حصلت على بطاقة التموين الإلكترونية فرحت كثيرا لأنها لم تعد تقف فى طوابير العيش الطويلة! وعندما سألت أم هيام عن سر ابتسامتها المرسومة على وجهها المصرى الأصيل، فقالت بالفم المليان (الفقر مش عيب، وأنا لأ أعمل شىء أتكسف منه، ولا أمد إيدى على الحرام، ولا ألجأ لأحد، كل الحكاية إنى باشتغل عشان عيالى وبحب ده وبافرح لما اشوف عيالى وجوزى فرحانين). • أم هيام وريتشارد دينى ريتشارد دينى كما قلت لكم رجل أعمال ناجح جدا ومؤلف كتب شهير فى إنجلترا، وعلى مدار 25 عاما يشارك العالم بأفكار عن النجاح والإنجاز وهو متحدث ومحاضر شهير فى مجال التحفيز، وساعد آلاف الأشخاص على تحقيق النجاح ومعرفة طريقهم فى الحياة، وما يلفت الانتباه أن كل أفكار دينى قائمة على تجربته الشخصية، ويؤكد فى كتبه أن جميع المبادئ التى يتحدث عنها حققت النجاح والسعادة له ولأسرته ولعدد كبير من الناس. يرى أن النجاح متاح لكل البشر وليس مقصورًا على أشخاص بعينهم.. بشرط أن تسير فى الطريق الصحيح لرحلة النجاح، يقول: إنك مطالب فى البداية بأن تحافظ على أكثر أصولك كبنى آدم قيمة، وهو العقل.. وركز فكرك على النتائج المرغوبة، واحرص على الاستثمار فى نفسك بمعنى عرض نفسك للأفكار الجديدة والمعرفة واكتساب الخبرات من الآخرين، وهى استثمارات ضخمة ستعود عليك بالنفع فيما بعد، واحرص على أن تبتعد عن التفكير السلبى وعليك بضخ مدخلات إيجابية لعقلك وابتعد عن المحبطين واليائسين وأصحاب الأفكار السلبية، لأنهم يجذبونك للإحباط واليأس. والجميل فى ما يقوله ريتشارد أن كل مبدأ أو معنى يريد توصيله لجمهوره مبنى على حكاية أو قصة حدثت معه أو مع غيره، وهو ما يجعلنا إزاء تجارب حقيقية من لحم ودم مثل حكاية أم هيام بالضبط، فيقول لك مثلا إذا أردت النجاح، فعليك أن تضع نظاما يقوم على وضع قائمة بالأهداف اليومية والبعيدة ورتب أولوياتك وقم بالمهام المزعجة أولا وحافظ على وقتك وأحسن إدارته وغير عاداتك السيئة والنمطية، وتوقع الأفضل واجعل الإيجابية عادتك ابتسم، وحاول ألا تثقل الآخرين بالهموم، وخطط للقيام بأشياء إيجابية كل يوم، وآمن بنفسك وتغلب على مخاوفك وقلقك واجعل لديك روحًا إيجابية نحو المقاومة والإصرار والمثابرة وتجنب البرامج التليفزيونية والسينمائية المليئة بالسلبية.. واختلط بالأشخاص الإيجابيين المتطلعين للنجاح، وكن واقعيا ولا تبالغ فى رد فعلك تجاه آراء الآخرين، ولا تكن مزيفا أو مصطنعا، واضحا فى مظهرك ومشاعرك، وكن مبتهجا وكافئ نفسك إذا أنجزت مهمة ما ولا تنس الاهتمام بالآخرين والاستماع إليهم بجدية. وعموما.. أطلب منك أن تعود لقراءة الموضوع مرة أخرى ستجد أن تجربة أم هيام المرأة المصرية البسيطة التى لا تجيد القراءة ولا الكتابة تعتمد على نفس الأفكار والمبادئ التى يقولها ريتشارد ديني، كل بطريقته وأسلوبه وهو ما يعنى أن الوصول لذاتك وأن تكون ناجحا ومتميزا ومفيدا.. لا يتوقف سوى على نفسك أنت.. فاعرف ماذا تريد واعمل على تحقيقه. •