دارت الدنيا فى رأس لمياء، عندما انقطع التيار الكهربى فجأة حين وصلت إلى البيت الذى تسكن فيه معلمة ابنتها بحى الأشجار فى 6 أكتوبر.. وسألت نفسها ألف سؤال وسؤال، هل تعود أدراجها إلى البيت وتضيع الحصة على الابنة، وهل ستحدد لها المعلمة موعدا آخر، وما الذى يضمن ألا تنقطع الكهرباء خلال الحصة التالية أيضا، مع انقطاع الكهرباء بشكل يومى لأكثر من مرة خلال اليوم.. قطعت ابنتها نورهان سيل الأسئلة قائلة: «دروس الفيزياء كثيرة والامتحان قرب، مافيش وقت». تقدما إلى جهاز النداء الداخلى «الإنتر كم» لتفتح المعلمة الباب الخارجى الحديدى للبيت تلقائيا من شقتها، لكنها لم ترد، فقالت الأم: الكهرباء مقطوعة هايشتغل ازاى، ثم أخذت نفسا عميقا ونظرت حولها وسط الظلام والهدوء، واتصلت بالمعلمة لتعرف مصير الدرس.
بهدوء شديد جاء صوت المعلمة عبر الموبايل، لتطمئن لمياء على أن الحصة فى موعدها وعلى أن باقى الطالبات فى الأعلى، وطلبت من لمياء أن تتلقف المفتاح من البلكونة، ليمكنها أن تفتح الباب الخارجى، لتلحق نورهان بزميلاتها فى الطابق الثانى على ضوء الموبايل.
وفى الطابق الثانى كانت الطالبات يجلسن حول طاولة المعلمة، يتوسطهن كشاف كهربائى كبير، وسط الظلام الذى يلف باقى أرجاء البيت وكأننا فى مشهد من فيلم سينمائى، تدبر فيه العصابة مؤامرة فى الظلام، لتترك الأم ابنتها فى ذهول.
تقول لمياء التى تعمل بأحد البنوك الشهيرة: ما حدث خلال العام الدراسى هذا العام، وتوقف الدراسة وامتداد عطلة نصف العام الدراسى لأكثر من شهر، ثم تقديم الامتحانات من أجل الانتخابات الرئاسية، أوقعنا فى مأزق الاحتياج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالدروس الخصوصية، لأن ابنتى فى ثانوية عامة، ومعلمو مدارس اللغات محددون، ولابد من أن تفهم ابنتى منهج الفيزياء بأكمله، وفى حين كان المفروض أن تحصل على الحصة ذات ال 100 جنيه، مع زميلة واحدة فقط، فوجئت بأربعة آخرين فى الحصة، بسبب ظروف انقطاع الكهرباء، ولا أستطيع الاحتجاج، لأن كل الظروف والوقت ليست فى صالحى.
ومن أكتوبر فى الجيزة إلى وسط القاهرة المعاناة واحدة، كما يقول محمود توفيق الطالب فى الصف الثالث الثانوى بمدرسة المبتديان وأول الجمهورية فى الكاراتيه، حيث يتسبب انقطاع التيار الكهربائى، الذى يحدث بصورة يومية، فى عدم انتظام مواعيد الدروس الخصوصية، التى عادة ما تلغى ويؤجلها المدرس إلى وقت لاحق لانقطاع الكهرباء.
ويكمل محمود: حاولت أنا وزملائى أن نبكر موعد الدروس لنأخذها فى الصباح أو فى فترة العصر، ولكننا لم نستطع لأن فترة الصباح تكون أنسب لنا فى المذاكرة بعيدا عن مواعيد انقطاع الكهرباء، كما أن المدرسين اعتادوا إعطاء الدروس الخصوصية فى المساء.
ويتخوف إسلام مختار، الطالب بالصف الثالث الثانوى بمدرسة أحمد عرابى الثانوية بعابدين، من الانقطاع الكهرباء خلال فترة الامتحانات لأكثر من مرة خاصة أن الصيف سيكون قد اشتد، وستزيد ساعات الانقطاع حسب تصريحات المسئولين، مما سيؤثر على دروس المراجعات. ويكمل: انقطاع الكهرباء فى منطقتنا كان يحدث فى أوقات محددة، وكان المعلمون يحددون موعد الدروس بعد فترة الانقطاع، أى بعد الثامنة، لكن التيار الكهربى أصبح دائم الانقطاع الآن، وبصورة عشوائية ومتوسط فترة الانقطاع ساعة ونصف، وبعض المعلمين يتعاطفون معنا وقد لا يأخذون ثمن الحصة التى تنقطع الكهرباء خلالها، ولا تستكمل فى الغالب.
∎ أصحاب السناتر جاهزون بالمولدات
ويوضح إسلام كيف يضيع الوقت حين يأخذ بعض الدروس فى السناتر ذات الأسعار المنخفضة، لأنها لا تستخدم المولدات الكهربائية وكثيرا ما تنقطع بها الكهرباء مثل سنتر «ك.ع» بعابدين، وسنتر(..) بشارع بورسعيد، فسعر الحصة به 5 جنيهات بعكس سناتر مدينة نصر ومصر الجديدة التى تستخدم مولدات كهربائية، لأن سعر الحصة بها 35 جنيها.
ومن الزاوية الحمراء، يقول عبدالرحمن ناصر، الطالب بالثانوية العامة بمدرسة المستقبل، أن انقطاع الكهرباء لأكثر من مرة بالمنطقة دفع الكثير من المعلمين إلى اللجوء إلى السناتر، أو مراكز الدروس الخصوصية، بعد أن كنا نكمل الحصة على ضوء الكشافات، لأن السناتر جاهزة بالمولدات الكهربائية منذ العام الماضى، وهو يتنقل بين أكثر من سنتر من مصر الجديدة إلى جسر السويس إلى شارع الخليفة المأمون، لأن كل سنتر يتميز بمعلم فى مادة بعينها، والحصة لاتقل عن001 طالب، ويدفع الواحد 55 جنيها فى الحصة.
∎ الدرس أبوشمعة
وفى شبرا يحكى الطالب بالثانوية العامة عبدالهادى عبدالحميد، عن تجربته مع الدروس الخصوصية والكهرباء قائلا: إذا كان المنزل الذى نأخذ فيه الدرس به كشافا فإننا نستمر فى الدرس إلى أن يفقد الشحن، وذات يوم طلب المدرس من زميلنا صاحب البيت شمعة كى نكمل الحصة.
وبابتسامة يتابع عبدالهادى: جاءت والدة زميلى الذى نأخذ الدرس فى منزله بصينية شمع ووضعتها على الطاولة لتكون الإضاءة قوية لتشجعنا على الاستمرار، وعدم الشعور بالنعاس.
ولا ينسى مختار حسن مدرس اللغة العربية بمدرسة الحواياتى الثانوية بنات، كيف أكمل حصة الدروس مؤخرا على ضوء موبايلات الطلاب «حتى لايضيع وقت طلاب الثانوية الحرج» حسب تعبيره.
ولايمانع مختار الحاصل على لقب المدرس المثالى على مستوى إدارة عابدين التعليمية، من إعطاء الدروس على ضوء شمعة أوفانوس إذا كان ذلك فى مصلحة الطلاب.
من ناحية أخرى يخشى مدرس الدراسات الاجتماعية بمدرسة المشير أحمد إسماعيل الإعدادية بالهرم، ناصر على من رسوب الكثير من الطلاب هذا العام فى سنوات النقل، حتى يعوض المدرسون ما فاتهم من مقابل الدروس الخصوصية، بعد تقليص أيام العام الدراسى.
∎ دراسة علمية
رصدت نتائج دراسة تربوية 7 أسباب كبرى وراء انتشار الدروس الخصوصية، أولها الأسرة، لسعيها لتفوق أبنائها والوصول بهم إلى كليات القمة، ولضعف دور غالبية الأسر فى الإشراف العلمى على أبنائها، وعدم ثقة الأسرة فى الدور التعليمى للمدرسة.
الدراسة الميدانية أعدها الأستاذ بالمركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى جاد الله أبوالمكارم، وصدرت فى 2013 عن دار الجامعة الجديدة.
الدراسة ركزت على البحث فى الأسباب الكامنة، وراء انتشار الدروس الخصوصية والعلاقة بين هذه الأسباب، من وجهة نظر نحو 534 من المعلمين والموجهين ومدير المدارس، ونحو 52 من خبراء التربية بكليات التربية والمراكز البحثية التربوية، وما يقرب من 107 من أولياء الأمور.
كما رصدت الدراسة وجهات نظر أكثر من ألفى طالب من طلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية فى النقل والشهادات بمدارس الإسكندرية، عن الآثار التربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية للدروس الخصوصية.
وكان ثانى الأسباب هو الطالب، بسبب الرغبة فى التفوق، وخوفه من الرسوب فى مادة معينة، وعدم وعى الطالب بقدراته الخاصة، وتغيب الطالب عن المدرسة.
ويأتى النظام التعليمى فى المرتبة الثالثة بين أسباب انتشار الدروس الخصوصية، بسبب عدم مراعاة ميول الطلاب الفعلية نحو ما يدرسونه، وتكدس محتوى المناهج الدراسية المقررة، وعدم استقرار النظام التعليمى، واعتماد غالبية الامتحانات على قياس الحفظ والتلقين.
وفى المرتبة الرابعة يأتى الكتاب المدرسى، لعدم ارتباط موضوعاته بحياة الطلاب العملية، وعرضه للمادة العلمية بطريقة جافة وغير مشوقة.
وتأتى الأسباب المتعلقة بالمدرسة فى المرتبة الخامسة، كأحد أسباب انتشار الدروس الخصوصية، بسبب ارتفاع كثافة الفصول، وعدم توافرالامكانيات المادية اللازمة بالمدرسة، وضعف المتابعة المدرسية.
وفى المرتبة قبل الأخيرة يأتى المعلم كأحد أسباب انتشار الدروس الخصوصية، لضعف الرواتب، وضعف أداء بعض المدرسين داخل الفصل.
وأخيرا يأتى عدم الاهتمام الأنشطة المصاحبة للمادة الدراسية، وعدم تنوع مصادر الحصول على هذه المعلومات، وعدم توافر وسائل تكنولوجيا التعليم بدرجة كافية.
∎ الغش فى الامتحانات
واتفق أغلب الطلاب المشاركين فى الدراسة على أن الدروس الخصوصية، سببت ظاهرة الغش فى الامتحانات، الذى تحول من غش فردى، إلى غش جماعى، وانعكس على الغش فى كل مناحى حياتنا.
كما أنها ألغت التفاعل الإيجابى بين الطالب والمدرس داخل الفصل، وتسببت فى عدم انتظام الطلاب فى الحضور للمدرسة، فجاء ارتفاع نسب غياب الطلاب عن المدرسة، وأهملت الأنشطة المدرسية بأنواعها.
وبحسب رأى الطلاب أفقدت الدروس الخصوصية الطلاب روح البحث العلمى، والتفكير الناقد، وأهملوا تتبع المصادر العلمية للمعرفة، مما أدى لعدم وعى الطالب بقدراته، وركنه إلى الاتكالية وعدم اعتماد الطالب على نفسه فى المذاكرة.
كما قال الطلاب إن الدروس الخصوصية تسببت فى إضعاف العلاقة بينهم وبين معلميهم، حتى وصل الأمر إلى الاعتداء اللفظى والجسدى على المعلم من قبل بعض الطلاب.
بينما أجمع خبراء التربية المشاركون فى الدراسة على أن الدروس الخصوصية تمثل جريمة اجتماعية، يجب أن يعاقب عليها القانون، لأنها ألغت تكافؤ الفرص بين الطلاب، وتؤثر سلبا على قدرة الطالب على حل مشكلاته الحياتية، كما أنها أثارت العداء بين المعلمين، بعضهم البعض نتيجة ظهور طبقة جديدة من أثرياء المعلمين.
كما تسببت الدروس الخصوصية فى إعطاء صورة شكلية عن نتائج الامتحانات وظهور شرائح وهمية من المجاميع المرتفعة، لا تدل على إمكانات أصحابها، هذا إلى جانب الأضرار الاقتصادية التى تصيب الأسرة.