يشكل موقف المعارضة المصرية الآن موقف الخاسر خصوصًا بعد إقرار الدستور الذى عكف على كتابته تيار واحد وهو تيار الإسلام السياسى. وهل ستغير المعارضة سياسة «الند بالند» التى كانت تتعامل بها مع جماعة الإخوان المسلمين وتأخذ عدة خطوات للوراء وتقبل بمقعد المتفرج الذى فرضته عليها نتيجة الاستفتاء، هذه الأسئلة وغيرها طرحتها على محمد أنور السادات البرلمانى السابق وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، فى محاولة لمعرفة موقف المعارضة خلال الفترة القادمة. ∎ أراك متقبلاً نتيجة الاستفتاء وكأنك كنت على علم بها فما سبب ذلك؟ - لأن الشعب المصرى بات يدرك تمامًا أن الصراع بين التيار الإسلامى والتيار المعارض هو صراع سياسى وليس هو طرف فيه، ولا له مصلحة منه، وعندما كنت أدلى بصوتى فى محافظتى المنوفية مررت على عدة لجان لتفقد سير عملية الاستفتاء وهناك استوقفنى أهالى المنوفية عدة مرات وجميعهم أكدوا على ضرورة اتفاق كل الأطراف على هدف واحد وهو العبور بمصر للاستقرار وقالوا لى بالحرف الواحد «إحنا هنطلع من هدومنا». ∎ وماذا بعد الاستفتاء؟ - على الجميع قراءة المشهد السياسى فى مصر بكل تفاصيله وعلى الرئيس مرسى أن يتحمل دوره ومسئوليته كرئيس لكل الشعب المصرى وليس لجماعة الإخوان المسلمين فقط ويدعو لحوار شامل جامع لكل الأحزاب التى رفضت الدستور، بالإضافة إلى أحزاب التيار الإسلامى ويجلس الجميع على مائدة واحدة كى نضع أجندة للحوار بدون شروط مقدمة تتناول عدة موضوعات تطرح نفسها على الساحة الآن، ويأتى على رأسها قانون الانتخابات التشريعية ثم الصلاحيات التشريعية لمجلس الشورى والمخول له القيام بها لحين انتخابات مجلس شعب جديد بمعنى أن تحدد القوانين التى سوف يتعامل معها بمنتهى الشفافية ودون مراوغة. والقضية المهمة أيضا هى تشكيل حكومة وطنية يشارك فيها كل من همشوا فى الفترة الماضية وتم استبعادهم تماماً وهم شركاء فى ثورة يناير، أما بخصوص مؤسسة الرئاسة فعلى الرئيس مرسى أن يعيد النظر فى مستشاريه بعد أن ثبتت قلة خبرتهم وكفاءتهم وتسببوا فى زعزعة هيبة الرئاسة أمام الرأى العام، فهذه هى النقاط الحيوية التى تتطلب تفاهما وحوارا فى أسرع وقت ممكن لأن الشعب المصرى لن يقبل بمزيد من الانقسام. ∎ أراك متفائلا برغم فشل محاولات الحوار أكثر من مرة - فما سبب ذلك؟! - لأننى أرى أن هذا ليس ببعيد بشرط أن تكون النوايا خالصة بالإضافة إلى أننا ليس لدينا أى اختيارات فى الوقت الحالى. ∎ هل طلبت عقد هذه الجلسات من أجل الحوار وماذا كان الرد؟ - بالتأكيد توجد مساعى بين الطرفين وعلى التيار الإسلامى أن يحترم وعى الشعب المصرى ويدرك أنه لن يسانده أكثر من ذلك لتحقيق المزيد من الفرقة. ∎ هل ستدفعون بأسماء بعينها لتولى حقائب الحكومة المقترحة؟ - لا. لكن لابد من وجود شخصية اقتصادية قوية لأن الوضع الاقتصادى الحالى على حافة الإفلاس وعلى هذه الحكومة أن تعمل وفق برنامج حقيقى قابل للتنفيذ فى إطار زمنى محدد وأن تكون هناك مصارحة لجموع الشعب حول سياسات هذه الحكومة، فالشعب المصرى صبور لكن لابد من مصارحته بكل صغيرة وكبيرة وإعطائه أملا فى أن الغد سيحمل له الخير. ∎ لكن الشعب المصرى لدغ من جحر ارتفاع الأسعار مرات عديدة منذ حكم مبارك، ألا ترى معى أن السياسات الاقتصادية للحكومة الحالية قد تدعو إلى تأجيج الشارع مرة أخرى؟! - اتفق معك فحتى أبسط السلع التى ستزيد أسعارها خلال الفترة المقبلة السجائر هى المزاج الوحيد للبسطاء مع «كبايه الشاى» لكن فى النهاية هذا برنامج إصلاحى كامل ونحن لدينا الخبراء القادرون على تنفيذه. ∎ هل لديك رؤية أو مقترحات لخطة اقتصادية للخروج بمصر فى أزمتها؟ - أولاً على الحكومة قبل أن تقول للناس «شدوا الحزام» يجب أن ترشد نفقاتها ولا سبيل عن قرض الصندوق الدولى فهو حياة أو موت بالنسبة لنا فى الوقت الحالى بل إننا نحتاج إلى أضعافه حتى نخرج من هذه الأزمة. ∎ ما أكثر المواد فى الدستور التى تثير قلقك؟ - ما هو خاص بتحديد اختصاصات وتشكيل المحكمة الدستورية وصلاحيات مجلس الشورى وكذلك اختيار وتعيين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومادة العزل السياسى كل هذه مواد فى منتهى الخطورة بالإضافة إلى المادة 912 المتعلقة بتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية هى تزيد بدون فائدة حقيقية ومجاملة للسلفيين وإحقاقا للحق فإن الدستور به الكثير من المواد التى بذل بها مجهود كبير، لكن هناك بعض المواد كانت تحتاج إلى المزيد من التوافق ودليل صحة اعتراضنا كقوى سياسية على هذه المواد أن الرئيس محمد مرسى ينتظر الآن صدور وثيقة بالمواد المختلف عليها لعرضها على مجلس الشعب الجديد فى أولى جلساته وهذا واقع يقر نفسه واعتراف واضح بضرورة تعديل هذه المواد. ∎ شبه البعض المرحلة الثانية من الاستفتاء بالانتخابات التشريعية 2010 نظرا لفجاجة المخالفات. هل تتفق مع هذا الرأى؟ - من خلال حزب الإصلاح والتنمية قمنا بمراقبة التصويت على الاستفتاء كباقى الأحزاب والجمعيات الحقوقية وما رصدناه من مخالفات أبلغت اللجنة العليا للانتخابات به وأيضا المجلس القومى لحقوق الإنسان وفى النهاية القرار النهائى لهما. لكن دعينى أقول لكِ إن لدينا قناعة بأن المصريين «تعبوا» حتى المستنيرين كانوا بين نارين، تحقيق الاستقرار وعدم «نضج» الدستور، وبالتالى فإن فرص التصويت بنعم كانت أكثر، ليس عن قناعة أو دراسة مستفيضة لمواد الدستور، وإنما أمل فى «الاستقرار»، وعلى المستوى الشخصى كنت أتوقع هذه النتيجة، خصوصا أن الطعون المقدمة والمخالفات التى رفعت إلى اللجنة العليا للانتخابات لن تحقق أى جديد، ولن تغير من نتيجة الاستفتاء، وعلينا أن نتعامل مع واقع يقول «نعم للدستور». ∎ قيل إن 100٪ من المراقبين التابعين للمجلس القومى لحقوق الإنسان منتمون لجماعة الإخوان المسلمين، ما صحة ذلك؟! - مشكلة المجلس أن رئيسه هو نفسه رئيس اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وهذا يضع العديد من علامات الاستفهام، بالإضافة إلى أن أغلب أعضاء المجلس المتبقين هم منتمون للإسلام السياسى، أما باقى الأعضاء فاستقالوا، وطبيعى أن نجد بعض المجاملات بإعطاء تصاريح أكثر للمنتمين ل «نعم للدستور» على حساب الأطراف الأخرى. لكن كانت هناك بعض الأحزاب التى شاركت فى عملية المراقبة، بالإضافة إلى الجمعيات الحقوقية، وكان من الأجدى أن يتولى مهمة استخراج التراخيص، أما اللجنة العليا للانتخابات أو الاتحاد العام للمؤسسات والجمعيات الأهلية، لكن المجلس القومى فقد شرعيته وأعضاء مجلس إدارته كانوا ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. ∎ أنت عضو بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ورصدت أزمة حقيقية تمر بها مصر وهى هجرة العديد من الأقباط إلى الخارج بعد أن تولى الإخوان الحكم، ما تعليقك؟! - نعم، فقد هاجر من مصر ما لا يقل عن 20 ألف قبطى، وهو رقم ليس بقليل بالنسبة للأقباط فى مصر والسبب فى ذلك هو عدم التعامل بحزم وشدة مع بعض الحوادث التى تعرضوا لها مثل حادثة العامرية والتهجير الذى تعرضوا له فى الزقازيق وأخيرا فى العريش، فالتعامل مع الأقباط على أنهم أقلية وضيوف على هذا البلد يشعرهم بالخوف مع أن حقيقة الأمر أنهم أصحاب الأرض كغيرهم من أفراد الشعب المصرى، لابد من تطبيق القانون على كل من يعتدى عليهم أو يعتدى على حرية غيره. ∎ لماذا لم تقدم استقالتك من المجلس القومى لحقوق الإنسان، كما فعل أغلب المنتمين للتيارات المدنية؟! - لأن وجود المجلس أصبح كعدمه فهو غير مفعل ولا يعمل تقريبا وليس هناك أى نشاطات يقوم بها على الإطلاق. ∎ تتردد شائعة بأن خيرت الشاطر سيترأس الحكومة الجديدة وبمقتضى الدستور ستخول له بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، ما تعليقك؟! - هذا مجرد كلام ونحن سنطلب فى حوارنا أن يكون رئيس الوزراء مستقلا تماما عن التيار الحاكم ومشهودا له بالنزاهة. ∎ هل تميل فى اختيار الوزراء من الأحزاب السياسية لإرضائهم أم تقديم الكفاءات أيا كان انتماؤهم السياسى؟ - بالتأكيد الكفاءة تفرض نفسها لكن علينا أن نبحث داخل الأحزاب أولا حتى تتحمل مسئوليتها ويكون لها دور حقيقى. ∎ إذا ألا يقلقك هذا الأمر: أن قرارات الرئيس ليست نابعة منه وهذا سيؤثر على الحوار الذى ستدعون له؟ - يجب أن نعلم أن الرئيس حسن النية لكنه محكوم بجماعته وولائه لهم، وهذا واقع رصدناه ونبحث عن حلول له، وأود هنا أن أقول للرئيس أنت ملك مصر وملك كل مصرى أيا كان انتماؤه السياسى والدينى وأرجو أن تأخذ مسافة بعيدة عن قيادات الجماعة لأن تدخلاتهم وظهورهم المستمر يزيد الحاجز بينك وبين شعبك. ∎ هل سترشح نفسك فى الانتخابات التشريعية القادمة مرة أخرى؟ - نعم وأبحث حاليا عن صيغة للاندماج مع أحزاب لها نفس أيديولوجيتنا حتى نحقق سويا منافسة على عدد مقاعد أكبر داخل البرلمان.∎