ها نحن على أعتاب لحظة تاريخية فارقة بالفعل فى حياتنا وحياة وطننا ولم يعد يفصلنا عنها سوى سويعات قليلة وتبدأ مرحلة غاية فى الأهمية ستكتب بحروف من نور فى وجدان كل من عايشها وسيتوقف عندها التاريخ كخطوة محورية ونقطة انطلاقة، وصحوة حقيقية لبلادنا وناسها.. وبداية أعترف أن وصف «تاريخية» كان من الأوصاف التى أشعر تجاهها بحالة من الاستفزاز الشديد بل والتحفز فقد كان أي لقاء يتم من قبل بين الرئيس المخلوع وأى ضيف هو لقاء تاريخى حتى لو لم يسفر عن أى شىء.. وكذلك أى حوار معه أو عنه هو أيضا حوار تاريخى حتى لو كان مجرد كلمات جوفاء.
وأيضا أى حدث حتى لو كان تقليديا أو دوريا هو حدث تاريخى حتى تحولت كلمة «تاريخى» إلى وصف لأى شىء وكل شىء من باب التفخيم والتعظيم أو من قبيل النفاق الممجوج.
لكننى ولأول مرة بالفعل أستشعر القيمة الحقيقية لهذه الكلمة بل لا أرى سواها كلمة معبرة بالفعل عن تلك اللحظة الفارقة التى نمر بها، بل وأرى فيها تجسيدا لذروة الأحداث التى بدأت منذ 52 يناير من العام الماضى وامتدت على مدى عام ونصف حتى وصلنا إلى تلك اللحظة التاريخية لحظة الحسم وتقرير المصير واختيار رئيس جمهورية مصر العربية لأول مرة بجد وحقيقى وليس من قبيل التمثيل..
فلأول مرة سنمارس حقا، سمعنا عنه كثيرا، ولم نمارسه قط!!
ألا وهو حق الاختيار.. المفاضلة.. التقويم والتقييم، لأول مرة سنمارس الديمقراطية.. لقد عشنا سنوات طويلة كنا فيها مجرد متفرجين على مسرحية هزلية فرضوا علينا أن نلعب فيها أدوار الكومبارس.. كنا جميعا مجرد مجاميع متحركة لكنها صامتة، نكتفى بالفرجة على السادة الأبطال غير الموهوبين ولا المؤهلين يمثلون علينا كل فى الدور المرسوم له، بل ولا مانع من أن نصدق الوهم.. ونصفق له، بل لا مانع من أن يطلق البعض آهات الإعجاب لزوم إتقان الدور والاندماج ليمنح شرف التقدم للصفوف الأولى من المجاميع ليصبح متصدرا للكومبارس.. هكذا كان الواقع المؤلم والحزين الذى عايشناه على مدى سنوات طويلة كنا نرى الدنيا تموج بالحياة الحقيقية والإنجاز والتقدم، أما نحن فلم يكن من نصيبنا سوى الوقوف محلك سر لنبتلع مرارة اليأس فى استسلام ونتفرج على المسرح وهو يعد لاستقبال الوريث وحاشيته إلى أن أذن الله بإزاحة الغمة وانكشاف المستور.
وتحركت المجاميع لتصبح هى الأبطال وتتصدر المشهد بعد أن دفعت الثمن غاليا من دمائها وعيونها.. وصحتها وكرامتها وحريتها.. ها هم يقلبون المشهد كله رأسا على عقب ويمنحونا الحق ولأول مرة فى ممارسة الحياة بكرامة.. بأمل فى الغد ويقين فى مستقبل واعد لأولادنا. لذا لن نكون أبدا على الهامش ولن نكتفى بدور المشاهدين.. اليوم يومنا.. يوم تحررنا من سلبياتنا وهواننا على أنفسنا، سنذهب لممارسة حقنا فى انتخاب رئيسنا. وباسم كل شهيد وجريح ومقهور خلف الأسوار سنتقدم نحو صندوق الاقتراع بإرادة حرة ووعى سليم وسنختار من أحيا فينا الحلم.. وأشعل الثورة.. وأطاح بالنظام لن نسلم إرادتنا لجماعة تريد أن تتحكم فينا ولا لنظام سابق أسقطه الثوار بالدم سنختار أبناء الثورة وسنضع أيدينا فوق أيديهم وسنبنى معا غدا أفضل ولن نكون أبدا كومبارس.