من "الهطل" أو "العبط" أن يعتقد البعض أن نجاح ثورة 25 يناير، تُنسب وحسب إلى من تظاهروا في الميادين العامة! وأن "المتظاهرين" فقط هم من صنعوا هذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق! البعض يتكلم وكأن الثورة كانت حدثا أيا كان حجمه وقع في "الفراغ" أو في منطقة من هذا الكون الشاسع عند نقطة "صفرية" لا توجد فيها أية قوة أخرى أثرت في المحصلة النهائية إلا قوة "المتظاهرين" فقط! بنفسي كنت في ميدان التحرير منذ الصباح الباكر، يوم الجمعة 11 فبراير.. ولاحظت في هذا اليوم، كم استبد اليأس بالناس.. وبدأت دلالات التوتر طاغية على الوجوه .. ولأول مرة ألحظ عصبية الحشود وقلقهم من أن يبلغوا درجة اليأس حيث يفتر الحماس ويفقد الأمل ولا يجدوا حلا في النهاية إلا الاستسلام لعناد مبارك، والانصراف إلى البيوت.. في تلك اللحظة كانت القلوب والعيون والأمال معلقة بالجيش.. ووقر في يقينها بأنه بدونه فإن مبارك سيظل على عرشه، حتى لو احتشدت مصر كلها في ميدان التحرير، خاصة وأن القيادة السياسية في ذلك الوقت، اعتبرت المسألة قد باتت من قبيل الأجواء الاحتفالية التي تجتذب الناس لقضاء بعض الأوقات الممتعة في "كرنفال" يومي لا يبعث على الملل.. بلغت حد التعاطي مع ميدان التحريرباعتباره "هايد بارك"..ولا مانع أن تشارك فيه الحكومة بتوزيع "البنبوني " على الوافدين إليه على مدار الساعة!. في هذه اللحظة التي تسيد فيها اليأس، حسم الجيش أمره، واختصر الطريق، وأطاح بمبارك، وفرض عليه الإقامة الجبرية في شرم الشيخ.. ولولا هذا التحول الكبير والمفاجئ والذي انتصر فيه الجيش للإرداة العامة، ما انتصرت الثورة، ولا كنا اليوم نتنفس الحرية ولأول مرة منذ عقود طويلة يصعب علينا حصرها! المشكلة التي كادت تفسد علينا هذا النصر العظيم، هو تصور البعض، أن الجيش قوة على "هامش" متن الثورة.. وليس طرفا أصيلا في صناعتها، وهي وإن لم تكن خفة وسذاجة في سبر حقائق التغيرات السياسية الكبرى في التاريخ.. فإنها منحى "رخيص" لاستفزاز الجيش وتوريطة في مواجهات قد تكون خصما من رصيده الوطني، سيما من الأطراف التي تخشى استحقاقات ما بعد 25 يناير، وعلى رأسها الديمقراطية، لأنها تعلم تماما أن الديمقراطية تعني الاحتكام إلى الشارع .. والأخير قلبه وهواه ومزاجه العام ، بل ومصالحه ليس معها وإنما مع قوى "جماهيرية" أخرى تعبر عن أشواقه وأحلامه وهي الأقرب إليه رحما. أقرأ وأسمع هذه الأيام الكثير من الذين يتكلمون بتبتل عن الجيش.. بعد أحداث يوم السبت الماضي.. وهي ذات الوجوه التي مارست خلال الشهور الثلاثة الماضية حملة تحريض رخيصة في الفضائيات المصرية بما فيها التليفزيون الرسمي المصري، ضد القوات المسلحة أثمرت في النهاية أحداث السبت.. التي استثمرت بلا مسؤولية لضرب وحدة وسلامة الدولة، بافتعال وجود "انقسام" مزعوم داخل الجيش! .. وهو منحى بالغ الرخص والحقارة.. وضع البلد كلها موضع الدولة المقبلة لا قدر الله على التقسيم، متناسين بأن وحدة الدولة هي من وحدة جيشها وانضباطه بصرامة.. ولكنها القلوب المريضة التي تريد حرق البلد وتقسيمه ما لم تحصل على ما يشبع شهواتها الشيطانية. [email protected]