شهدت منطقة جامو الهندية انفجارات متكررة في ظل اتهامات متبادلة بين الهندوباكستان بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذى تم التوصل إليه - السبت الماضي - بوساطة أمريكية، بعد تصاعد حاد في التوترات إثر هجوم دامٍ في كشمير، وبعد أيام من تبادل القصف، وزارة الخارجية الباكستانية، أكدت استمرار التزامها بوقف إطلاق النار رغم الاتهامات الهندية، فيما أعلنت الهند بدء سريان الاتفاق مساء السبت بالتوقيت المحلي، ما يُثير قلق المجتمع الدولي، حيث إن الوضع لا يزال هشًا ومتوترًا رغم الاتفاق. ◄ دور باكستان كبوابة للصين بمبادرة الحزام والطريق يجعلها حليفاً أساسيًا ◄ أمريكا تستفز بكين بتشجيع الهند على فرض وجودها فى مواجهة باكستان ■ حطام معدني في كشمير الخاضعة للهند ما حدث ليس مُجرد نزاع ثنائى، بل يُنظر إليه بشكل متزايد من منظور التنافسات الجيوسياسية الأوسع تتجاوز النزاع الإقليمى المباشر، لاسيما تلك التي تشمل الصينوالولاياتالمتحدة، ويتمثل أحد الأبعاد الحاسمة لهذا الصراع فى الأهمية الاستراتيجية لباكستان كبوابة برية لمُبادرة الحزام والطريق الصينية، التى لها آثار عميقة على ديناميكيات القوة الإقليمية والعالمية. ◄ نقطة الانفجار بدأ التصعيد الأخير بهجوم فى 22 أبريل 2025، فى باهالجام، الشطر الهندى من كشمير، أسفر عن مقتل 27 شخصًا، واتهمت الهند جماعات مسلحة متمركزة فى باكستان بتدبير الهجوم، وهو ادعاء نفته باكستان، داعيةً إلى تحقيق محايد، وقد أثار هذا الحادث سلسلة من ردود الفعل العسكرية والدبلوماسية؛ حيث شنت الهند ضربات صاروخية على مواقع متعددة فى باكستان والشطر الباكستانى من كشمير، فى عملية أُطلق عليها اسم «عملية سيندور»، وتوعدت باكستان بالرد، ومنذ ذلك الحين، تبادل البلدان قصفًا مدفعيًا كثيفًا وهجمات بطائرات بدون طيار على طول خط السيطرة، وفقًا لمجلة «تايم» الأمريكية. أدى الصراع أيضًا إلى أزمة دبلوماسية، شملت تعليق الهند معاهدة مياه نهر السند، وإلغاء التأشيرات، وطرد الدبلوماسيين، وإغلاق المجال الجوى، وتعليق التجارة بين البلدين، ورغم هذه الأعمال العدائية، ادّعى الجانبان تحقيق انتصارات تكتيكية، إلا أن الوضع لايزال متقلبًا ومحفوفًا بخطر مزيد من التصعيد، بحسب ما ذكره موقع CNN وصحيفة «نيويورك تايمز». ■ شي جين بينج ومودي وترامب ◄ اقرأ أيضًا | الصين تتصدر قائمة أكبر المشترٍين للنفط الكندي في ظل توترات التجارة ◄ الحزام والطريق تحتل باكستان مكانة محورية فى مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ تعد بوابة برية تربط منطقة شينجيانج غرب الصين ببحر العرب عبر ميناء جوادر الباكستانى، ويُعد هذا الممر، المعروف باسم الممر الاقتصادى الصينىالباكستانى (CPEC)، مشروعًا رائدًا فى المبادرة الصينية، مُصممًا لتوفير طريق مُباشر وآمن للصين إلى المحيط الهندى، مُتجاوزًا مضيق ملقا ذى الأهمية الاستراتيجية، الذى يخضع لمُراقبة وتأثير مُكثفين من البحرية الأمريكية، وفقًا لموقع منتدى شرق آسيا. ويعبر الممر الاقتصادي بين الصينوباكستان تضاريس جبلية وعرة من شينجيانج إلى جوادر، مما يمكن الصين من نقل البضائع وإمدادات الطاقة بكفاءة إلى الأسواق العالمية، ميناء جوادر هو ميناء بحرى عميق يتيح للصين الوصول إلى المياه الدافئة، ويشكل نقطة محورية للتجارة البحرية، وواردات الطاقة، والوجود البحرى المحتمل فى منطقة المحيط الهندى. يعد هذا الربط حيويًا لطموحات الصين الاقتصادية والاستراتيجية، لا سيما فى سعيها إلى تقليل الاعتماد على الطرق البحرية الأطول التى تمر عبر نقاط اختناق تسيطر عليها القوى المنافسة. ■ متفجرات تحملها طائرة بدون طيار اعترضتها الهند ◄ صراع بالوكالة تنظر الولايات المُتحدة إلى توسع نفوذ الصين فى جنوب آسيا والمحيط الهندى كتحدٍ استراتيجى؛ ما قد يُضعف نفوذ واشنطن على طرق التجارة الصينية وإمدادات الطاقة، ويُنظر إلى الولاياتالمتحدة، التى تربطها علاقات مُتعمقة بالهند، على أنها مُهتمة بجر الصين إلى صراع إقليمى بشكل غير مُباشر، ومن خلال تفاقم التوترات بين الهندوباكستان، تهدف الولاياتالمتحدة لتعقيد الحسابات الاستراتيجية للصين، وربما توريطها فى صراع قد يشتت انتباهها عن طموحاتها العالمية الأوسع، وفى هذا السياق، يمكن تفسير الصراع الهندىالباكستانى كجزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع نطاقًا تهدف إلى احتواء الصين من خلال زعزعة استقرار نقاط وصولها البرية والبحرية الحيوية، ومن خلال إثارة الصراع بين الهندوباكستان، قد تسعى الولاياتالمتحدة إلى إجبار الصين على تحويل انتباهها ومواردها نحو المخاوف الأمنية الإقليمية، ما يحد من قدرتها على إبراز قوتها وتوسيع نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق. إن دور باكستان كبوابةٍ للصين فى مبادرة الحزام والطريق يجعلها حليفًا أساسيًا لبكين. وقد دعمت الصينباكستان عسكريًا ودبلوماسيًا على مر التاريخ، حيث زودتها بأسلحةٍ متطورةٍ مثل طائرات J-10C المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوى، التى ورد أن باكستان استخدمتها فى مواجهاتٍ حديثةٍ مع الهند. يُؤكد استخدام باكستان للأسلحة الصينية الصنع على عمق التعاون العسكرى بين البلدين، ويُبرز اهتمام الصين الراسخ بأمن باكستان واستقرارها. أبرز الصراع الأسلحة المُتطورة القادمة من الصين وإسرائيل، مما يعكس تحالفات جيوسياسية أوسع. تعتمد الترسانة العسكرية الباكستانية بشكل كبير على الأسلحة الصينية، حيث يأتى حوالى 81% من أسلحتها المستوردة من الصين، بما فى ذلك طائرات تشنجدو J-10C المقاتلة، ومقاتلات JF-17 المطورة بالتعاون مع الصين، وأنظمة صاروخية متنوعة مثل صواريخ أرض-جو HQ-9 HQ-16، وفقًا لمجلة «نيوزويك» الأمريكية. وأفادت التقارير أن هذه الطائرات صينية الصنع لعبت دورًا رئيسيًا فى المناوشات الجوية الأخيرة، حيث زعمت باكستان أنها أسقطت عدة طائرات هندية، بما فى ذلك طائرات رافال فرنسية الصنع، باستخدام طائرات J-10C المجهزة برادار وصواريخ متطورة. ويمثل هذا تحولًا عن اعتماد باكستان السابق على طائرات F-16 أمريكية الصنع، ويسلط الضوء على نفوذ الصين المتزايد فى الديناميكيات العسكرية بالمنطقة. فى غضون ذلك، نوّعت الهند مصادرها، حيث زادت من شراء الأسلحة من الدول الغربية، بما فى ذلك إسرائيل، التى زودتها بطائرات بدون طيار مثل طائرة هاروب المستخدمة فى الضربات ضد الأهداف الباكستانية، وفقًا لوكالة «أسوشيتد برس»، وهكذا، يشكل الصراع ساحة اختبار حى للتكنولوجيا العسكرية الصينية فى مواجهة الأنظمة الغربية والإسرائيلية. ◄ توازن دقيق رغم علاقاتها الوثيقة مع باكستان، تواجه الصين مُعضلة مُعقدة، فهى تشترك فى حدودٍ متنازع عليها مع الهند، وتعمل على إصلاح علاقاتها مع نيودلهى بعد التوترات الحدودية الأخيرة، وتحرص بكين على تجنب حرب شاملة بين جارتين نوويتين على أعتابها، مما قد يزعزع استقرار المنطقة ويعرض مصالحها الاقتصادية للخطر، ولذلك، دعت الصين إلى ضبط النفس والحوار، مؤكدةً على أهمية السلام والاستقرار فى جنوب آسيا، وفقًا لموقع»The Diplomat» ، ويتمثل الموقف الرسمى للصين فى دعم باكستان دبلوماسيًا، بما فى ذلك دعم الدعوات إلى إجراء تحقيقاتٍ محايدة فى حوادث مثل هجوم باهالجام، مع الامتناع عن التدخل العسكرى المباشر. ومن المرجح أن يتجلى دعم بكين من خلال المساعدات المالية، والتحالفات الاستراتيجية، والدعم الدبلوماسى، بدلًا من نشر قواتها العسكرية، ويعكس هذا النهج الأولويات الاستراتيجية الأوسع للصين، التى تشمل الحفاظ على طرق تجارية مستقرة وتجنب التورط فى صراعات إقليمية قد تقوض طموحاتها العالمية. ◄ الدور الأمريكي تلعب الولاياتالمتحدة دورًا هامًا فى هذه المعادلة الإقليمية، وقد تعززت شراكتها الاستراتيجية مع الهند، لا سيما بعد الاتفاق النووى المدنى لعام 2008، وتنظر إلى الهند كقوة موازنة رئيسية للنفوذ الصينى المتزايد فى آسيا. فى الوقت نفسه، تتسم العلاقات الأمريكية مع باكستان بتعقيد أكبر، إذ تتشكل بفعل المخاوف بشأن الإرهاب وأفغانستان، وترى الصين أن الولاياتالمتحدة تحاول احتواء الصين أو تطويقها من خلال تعزيز العلاقات مع الهند ودول جنوب آسيا الأخرى. ومن خلال تشجيع الهند على فرض وجودها فى مواجهة باكستان، قد تهدف الولاياتالمتحدة بشكل غير مباشر إلى استفزاز الصين، مع علمها بأن علاقة باكستان الوثيقة مع الصين قد تجر بكين إلى الصراع، تحول هذه الديناميكية الحرب الهنديةالباكستانية إلى ساحة معركة بالوكالة للتنافس بين الولاياتالمتحدةوالصين، حيث تعتبر باكستان المحور الحاسم نظرًا لموقعها الاستراتيجى وتحالفها مع الصين، وتشير التقارير إلى أن استخدام باكستان طائرات مقاتلة صينية الصنع من طراز J-10C فى المناوشات الأخيرة أدى إلى ارتفاع حاد فى مخزونات الدفاع الصينية، ما يعكس ثقة السوق فى المجمع الصناعى العسكرى الصينى ودوره كمورد رئيسى للأسلحة لباكستان، وقد وجه أكثر من 60% من صادرات الأسلحة الصينية إلى باكستان، بما فى ذلك الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والطائرات المسيرة، مما عزز البعد العسكرى للتحالف الصينىالباكستانى. لن يكون الصراع الهندىالباكستانى فى عام 2025 مجرد نزاع ثنائى، بل نقطة اشتعال ذات تداعيات أوسع نطاقًا؛ فكلتا الدولتين تمتلكان أسلحة نووية، وتثير أعمالهما العسكرية المتصاعدة مخاوف من نشوب حرب واسعة النطاق ذات عواقب وخيمة على جنوب آسيا والاستقرار العالمى، وتواجه الصين تحديا حماية استثماراتها وطرق الوصول إلى باكستان، مع تجنب التدخل العسكرى المباشر الذى قد يؤدى إلى تصعيد التوترات مع الهندوالولاياتالمتحدة. كما يجسد هذا الصراع التنافس الاستراتيجى بين الولاياتالمتحدةوالصين، حيث تستغل الصراعات الإقليمية لتحقيق مكاسب جيوسياسية، وتهدف الولاياتالمتحدة إلى كبح صعود الصين من خلال استهداف بنيتها التحتية الحيوية وتحالفاتها، بينما تسعى الصين إلى تأمين ممراتها الاقتصادية وتوسيع نفوذها، ومن ناحية أخرى، قد يؤثر هذا الصراع على تدفقات التجارة وإمدادات الطاقة والتنمية الاقتصادية فى المنطقة، وقد تُحدث الاضطرابات آثارًا متتالية على الأسواق العالمية وسلاسل التوريد الدولية، هذا التوتر الثلاثى بين الهندوباكستانوالصين، المتأثر بالحسابات الاستراتيجية الأمريكية، يُنذر بتحويل صراع ثنائى إلى مواجهة جيوسياسية أوسع.