نحن بالفعل بحاجة إلي تكريس ثقافة التغيير بالمفهوم الواسع لهذا التغيير والشامل لجميع المجالات وعلي كل المستويات سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وعلي مستوي الإنتاج والخدمات، ومن قبل ومن بعد تغيير نوعية الفكر والثقافة السائدة، وغيرها من المجالات دون الوقوف عند حد التغيير السياسي، والذي بات يعلو صوت المطالبين والمنادين به، بل وطغي علي كل أنواع التغيير المطلوب إحداثها. نعم «التغيير السياسي» مطلوب، بل ويفرض نفسه، لكنه ليس بكاف وحده لإحداث النقلة النوعية المطلوبة، والمتوجهة للمستقبل. بل ومن المثير للأسي أنه دخل لعبة المطالبة بالتغيير السياسي بعض من يعملون لحساباتهم ومصالحهم الخاصة، وظهور من يعملون علي تزييف وعي الجماهير، ويتحدثون باسم الشعب من خلال «المقاعد الوثيرة»، أو من خلال التوقيعات الإلكترونية، وهناك من جاء وهو في الشيخوخة الطاغية، وعاش كل حياته خارج البلد، بل كان يتآمر عليها، ولا يزال، وهناك أيضًا من كنا نحمل لهم التقدير والإكبار، والاعتزاز، لكن فوجئنا بدخولهم اللعبة الخطيرة، ويفرضون أنفسهم فرضا، ولا يتقبلون نقدًا، ومن المضحك المبكي أن نري أمثال هؤلاء الذين كنا نعتبرهم عظاما يحملون لافتات ويتم تصويرهم بشكل مهين، ويفقدهم احترام الناس لهم، ولن نتحدث عمن يتقبلون ذات اليمين وذات اليسار وفقًا للمصالح والمنافع الشخصية، ويغيرون جلودهم وتتناقض أقوالهم مع أفعالهم. إنهم وباختصار: نخب المصالح، غير القادرة علي قيادة الجماهير، بل إنها المعوقة لحركتها وتزييف وعيها. بل إن الجماهير ترفض الوصاية عليها من هذه النخب أو من غيرها. إن التغيير السياسي مطلوب وضروري لكن يجب أن يكون بيد الجماهير ونتاج حركتها وطموحها وتطلعاتها، ومن خلال القادرين علي تشكيل الوعي الصحيح، لا الوعي المزيف، ومن يعيشون وعاشوا علي أرض هذا الوطن، لا الهابطين عليها من عل، المنفصلين عنها، والمستغلين لهذه الجماهير، ويأكلون باسم الدفاع عنها وهي منهم براء. وما يقال عن التغيير السياسي يمكن أن يقال عن التغيير الاقتصادي؛ حيث نجد ممن يطالب بهذا التغيير هم الأشد فسادًا وإفسادًا، نهبًا وسلبًا، والراغبين في المزيد من الثراء علي حساب الفقراء، ليزدادوا غني ويزداد الفقراء فقرًا وقهرًا. نحن بحاجة إلي التغيير الاقتصادي من قبل من يشعرون بما عليه وضع الأغلبية من الفقراء، وممن يؤمنون بقضية العدل الاجتماعي. ونحن أيضًا بحاجة إلي تغيير الثقافة السائدة، والفكر السائد، والخطاب الديني الموجه للأغلبية، وبحاجة إلي تغيير التعليم فلسفة، وأهدافا، معلما، ومناهج، ولا يقل عن هذا أهمية تغيير العقلية الجامدة المتحجرة، والبيروقراطية المدمرة في كل المجالات والمؤسسات الإنتاجية والخدمية. نحن بحاجة إلي التغيير الذي يعد في الأساس مسئولية الجميع كل في ميدانه ومجاله ومحور اهتمامه. والله من وراء القصد.