عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس 2025 بالصاغة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    من جلسات التدليك لمنتجعه الخاص، جيسلين ماكسويل تكشف تفاصيل مثيرة عن علاقتها بإبستين وترامب    مباراة النصر ضد الأهلي مباشر في السوبر السعودي 2025.. الموعد والقنوات والتردد    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. حسام حبيب ينفى عودته لشيرين.. 3 أفلام جديدة تقتحم شاشات السينما المصرية تباعا حتى أكتوبر.. إيرادات فيلم درويش تتجاوز ال20 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    "حضورك راقي" 11 صورة لزوجة محمد عواد والجمهور يعلق    رئيس أركان الجيش الهندي يزور الجزائر الأسبوع المقبل    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الكبير السيد ياسين يحدد الأولويات:
مصر في حاجة لصياغة رؤية استراتيجية للمجتمع خلال العشرين عاما القادمة
نشر في الأخبار يوم 10 - 04 - 2010

لا خلاف بين اثنين حول القيمة الكبيرة التي يمثلها المفكر الكبير السيد ياسين.. قد تختلف حول أطروحاته وتنتقدها، وستجد أنه هو نفسه أول من يدافع عن حقك في الاختلاف، ولم لا وهو مفكر ومثقف كبير أثري المكتبة بالكثير من المؤلفات وله مئات الدراسات السياسية والاجتماعية. السيد ياسين لا يحتاج إلي من يقدمه فتاريخه يسبقه لذلك كان من الطبيعي ان نبدأ به لميزة أساسية يتمتع بها وهي الموضوعية المطلقة، والمنهج العلمي في التفكير، والرؤية المستنيرة والواضحة للحاضر والمستقبل، وإيمانه الكامل بحرية الرأي والفكر، ومستقبل مصر.
اسأل في البداية السيد ياسين عن جدوي طرح هذا التساؤل الآن.. تساؤل تحديث مصر؟.
- المفكر الكبير السيد ياسين: تحديث مصر عملية اقتصادية سياسية اجتماعية شاملة، ليس لها علاقة بطبيعة الدولة.. فالدولة المدنية الحديثة هي دولة سيادة القانون، دولة الديموقراطية والتعددية، الدولة التي يبيح دستورها حرية الرأي، وحرية التعبير والتفكير وبالتالي فالدولة المدنية فكرة مواجهة، وضد فكرة الدولة الدينية لماذا؟
لان الدولة المدنية هي دولة علمانية تفصل بين الدين والسياسة وليس بين الدين والمجتمع، وهذا فهم شائع، لأنه لا يمكن فصل الدين عن المجتمع، لان الدين في النهاية هو نسق اجتماعي اساسي، لكن لابد من الفصل بين السياسة والدين فالخلط بينهما يحدث ارتباكا شديدا في مسار الدولة المدنية.
يتساءل السيد ياسين ما الفرق؟
- ويجيب هو بنفسه: الدولة المدنية تقوم أساسا علي التشريع في ظل رقابة الرأي العام، والدولة الدينية تقوم علي الفتوي، وهذا فارق جوهري.. لذلك عندما قام الأخوان المسلمون بالتقدم بمشروعهم السياسي، وقام المرشد السابق مهدي عاكف بارساله للمفكرين، وأنا واحد منهم وقرأت المشروع قمت بالتعقيب عليه في جريدة الأهرام.. وجدت في هذا المشروع نصا غريبا جدا الغرض منه تأسيس دولة دينية في مصر علي أنقاض الدولة المدنية.. هذا النص يقول: »ينبغي تشكيل مجلس أعلي للفقهاء تعرض عليه قرارات رئيس الجمهورية التي يصدرها في غيبة البرلمان، وتعرض عليه قرارات البرلمان.. وهنا نحن أمام بنية الدولة الدينية.. وقد اسميت هذا الاتجاه الرجعي »ولاية الفقيه علي الطريقة السنية«.
يضيف السيد ياسين: هذا مشابه لولاية الفقيه علي الطريقة الشيعية.. الملالي يحكمون وهناك أيضا المرشد الأعلي.. وعندما وصلني المشروع قمت بالاتصال تليفونيا بمهدي عاكف وشكرته وقلت له بعد سبعين سنة »اخوان مسلمين« تأتي وتقول وتقترح مجلس أعلي للفقهاء.. وسألته من هم الفقهاء؟! قال ساعدونا في تحديدهم، وهو بذلك ليس لديه فكرة عن من هو الفقيه!
هل الفقيه هو خريج الأزهر، مثلا، وما هي مواصفاته.. وقلت له بالنص ان الجماعة بعد سبعين سنة لديها مشروع فكري مفلس ومن هنا يمكن القول ان الدولة الدينية هي نقيض الدولة المدنية التي تقوم علي الدستور وعلي القانون وفكرة المواطنة التي تمثل جوهرها، حيث ان المواطنين سواء أمام القانون بدون تمييز.
شوائب الممارسة
تعال نقترب أكثر ونرسم صورة الواقع في مصر الآن؟
- السيد ياسين: هناك شوائب في ممارسات الدولة المدنية في الحالة المصرية، وهي تدخل الفتاوي الدينية في الأمور السياسية، وهو شيء لا يجوز.. ومن هنا مثلا أنا أرفض تدخل المفتي في أمور ليست من اختصاصه.. فعندما يتبرع أحدهم بتقديم فتوي عن الجدار العازل بيننا وبين غزة، ومدي شرعيته، انما هو يتدخل في أمور لا شأن له بها.
يضيف المفكر الكبير السيد ياسين لازال هناك التباس في مفهوم الدولة المدنية فالمادة الثانية للدستور تقول ان مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع، وهناك إغفال كبير لكلمة مبادئ ويتحدثون عن الشريعة.. ولكن هناك فارقا كبيرا بين مبادئ الشريعة، والشريعة ذاتها، واغفال هذا الفارق يؤدي إلي لبس شديد.. وبصفتي دارس للحقوق وللشريعة الإسلامية استطيع ان أقول ان مباديء الشريعة الإسلامية لا يقصد بها الاحكام الشرعية التفصيلية.
ولكن هناك مبادئ، مثل مبدأ مهم جدا يقول »لا ضرر ولا ضرار« ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق.. فالمبادئ في النهاية عبارة عن موجهات عامة وليست احكاما تفصيلية بالذات فمن يتحدثون أحيانا عن المادة الثانية للدستور يغفلون هذه التفرقة الدقيقة بين مبادئ الشريعة، والشريعة نفسها.
ومن الممارسات السلبية دعاوي الحسبة فقبل إلغاء القانون كان أي عابر سبيل يستطيع ان يبلغ النيابة ضد كاتب أو مفكر متهما اياه بانه يهاجم صحيح الدين ويطلب تحويله للمحكمة.. كان هذا عبثا، وهذا لا يمنع ان لدينا في قانون العقوبات نصا يمنع ازدراء الأديان.
من هنا فالدولة المدنية هي في النهاية دولة قانون، وهناك نصوص قانونية، وليس فتاوي دينية.
أين المشكلة
يتساءل المفكر الكبير السيد ياسين أين المشكلة الآن؟
- ويجيب هو بقوله: المشكلة ان الدولة المصرية، باعتبارها دولة مدنية في مرحلة انتقالية بالنسبة للإصلاح السياسي.. فهناك مطالب من الداخل لاشاعة الديموقراطية في بنيات الدولة وضغوط من الخارج لفرض الديموقراطية علينا بشكل أو بآخر سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو من الاتحاد الأوروبي، لان الديموقراطية أصبحت شعارا عالميا من شعارات العولمة السياسية التي تنص علي احترام التعددية السياسية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وأصبحت هناك رقابة من قبل المجتمع الدولي والحكومات والمجتمع المدني العالمي مثل لجنة العفو الدولية التي تعد تقريرا سنويا ولها وزن أدبي لا يمكن اغفاله.
مصر داخلة في عملية التحول الديموقراطي الذي يمثل انتقالا من السلطوية إلي الليبرالية والديموقراطية.. ولكي نعرف أهمية وقيمة الانتقال الذي يحدث يجب ان نعرف ما هو مفهوم السلطوية.. لدينا ثلاثة نظم أساسية نظم شمولية، ونظم سلطوية ونظم ليبرالية.. بالنسبة للنظام الشمولي المجتمع الروسي أيام الاتحاد السوفيتي الذي هوي، لم يكن هناك صوت يعلو علي صوت الحزب الشيوعي الروسي.. مع القضاء علي كل المبادرات الفردية، وهناك الغاء للمجتمع المدني، وهيمنة من قبل الحزب الذي يسيطر علي كل شيء في المجتمع.
أما النظام السلطوي فهناك مثال له هو المجتمع أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حيث هناك هيمنة نسبية علي المجتمع ولكن هناك هوامش نسبية تحت رقابة النظام.. والسلطوية. قائمة في مصر منذ يوليو 2591 وحتي الآن والسؤال هو كيف يتحول المجتمع من النظام السلطوي إلي النظام الديموقراطي والليبرالي لذلك فانت تدخل ما نسميه بالاصلاح السياسي والديمقراطي.
صور الإصلاح
الاصلاح السياسي له صور مختلفة منها يمكن اصلاح الدستور، أو اصلاح قانون الانتخابات أو الغاء قانون الطوارئ.. ما حدث من إصلاح سياسي في مصر أبرزه: التعديلات الدستورية التي جعلت الانتخابات الرئاسية في مصر لأول مرة انتخابات تنافسية وعن طريق الاقتراع المباشر للناخبين وليس عن طريق الاستفتاء رغم كل التحفظات التي كتبتها ونشرتها في »الأهرام« علي المادة 67 باعتبار انها تضع قيودا ولكنها تبقي نقطة حاسمة في تاريخ التحول إلي النظام الليبرالي وحدث حراك سياسي.
حرية التفكير
ويضيف السيد ياسين انه من المطلوب إلغاء قانون الطوارئ، ورفع القيود عن حرية التفكير وحرية التعبير وهذه ليست مسئولية الحكومة وحدها ولكن مسئولية المجتمع المدني أيضا.. فهناك هيئات اجتماعية وهيئات دينية تريد التقييد من حرية التفكير والتعبير، تمثل ذلك في رفع دعاوي الحسبة من قبل بعض المتشددين الدينيين وان كان القانون قد منع ذلك وقال إن النيابة هي المسئولة وان كان البعض يقدم شكوي للنيابة فقد تحفظها، وقد تقدم شخصا للمحاكمة رغم ان هذا لا يجوز والاكتفاء بقانون العقوبات.
هناك مظاهر متعددة للسلطوية تتمثل في الانفراد باتخاذ القرار، ضيق المشاركة في صنع القرار وان التنمية تكون من فوق وليس من أسفل، المطلوب تغيير جوهري فالبنية الليبرالية الديمقراطية تدعو إلي أوسع مشاركة جماهيرية في صنع القرار السياسي والتنموي نحن وفق هذا لازلنا في الخطوات الأولي نحو التحول لدولة مدنية حديثة.
ماذا عن المدة لكي يستقر نظام لدولة مدنية حديثة؟
- السيد ياسين: التحول السياسي يأخذ عادة عشرات السنين ونحن في مصر لم نبدأ التحول منذ زمن طويل.
عندنا بدايات ايجابية ولكن التغيير السياسي يحتاج لسنوات لأنه ليس مجرد تغيير قوانين وتشريعات ولكن تغيير قيم واتجاهات.. خذ علي سبيل المثال في مصر ما حدث في السنوات الأخيرة في هذه النقطة تحديدا ستجد ان هناك تحولا جذريا في الشخصية المصرية من السلبية إلي الايجابية.. من الخوف من السلطة إلا معارضة السلطة، وإذا درسنا الحركات الاحتجاجية الجماهيرية ستجد نفسك أمام قرابة ألف حالة في صور متعددة هذا في النهاية تحول ايجابي، وجزء من التحول الديموقراطي.
وإذا نظرنا إلي ما فعلته الضرائب العقارية سنجد انفسنا امام مفتشي الضرائب باسرهم يحتجون لعشرة أيام ويقود كمال أبوعيطة الاضراب بطريقة ديموقراطية سلمية وتفرض هذه الجماهير ارادتها علي وزارة المالية هذا تحول ايجابي.. وكل هذا من مظاهر التحول الديموقراطي.. فنحن أمام ظاهرة ضغط علي السلطة لكي تشبع الجماهير حاجاتها الاساسية والسلطة تقبل عملية التفاوض.. هذا معلم من معالم التحول الديموقراطي.
تغيير المواطن المصري
يضيف الاستاذ السيد ياسين: لا تستطيع ان تحدد سنين للتغيير الكامل.. فقد احتجنا إلي عشر سنوات لكي يتحول المواطن المصري من السلبية إلي الايجابية ولا يمكن التنبؤ بالمدة التي تستغرقها التحولات الثقافية والاجتماعية.. فالتحول الاجتماعي بطيء بطبعه، والتحول الثقافي أبطأ.. فتغير القيم الثقافية بالغ الصعوبة، والتحولات الاجتماعية تستغرق أكثر من عشرين سنة وربما جيلا كاملا.. مثلا عندما جاء السادات رحمه الله وقرر مسألة التعددية السياسية ونشأت الاحزاب حتي الان وبعد هذا الزمن لم تستقر الاحزاب لانها تأخذ وقتها.. ولكن الاخطر انه تحول بالمجتمع من القرارات الاشتراكية إلي الانفتاح الذي أدي إلي تغيرات في القيم اخذ 02 سنة ولا زال هناك صراع في التقييم ولم تستقر بين مجتمع اشتراكي يتحدث عن تكافؤ الفرص والدولة مسئولة عن الصحة والتعليم إلي ان أصبح المواطن مسئولا عن نفسه بعد انسحاب الدولة من عدد من الخدمات ومن الوظائف الانتاجية.. ولكن يبقي هناك صراع قائم بين القيم القديمة والحديثة.. بين الحافز الفردي والرغبة في الثراء وبين الاعتماد علي الدولة.. هذه أمور تحتاج إلي سنوات، فالقيم لا تتغير بقرار جمهوري.. بل انها عملية معقدة تحتاج إلي تفاعل مجتمعي وبالتالي فالسؤال عن المدنة اللازمة في حالتنا هذه غير مقبول.
ماذا عن تجارب الدولة المشابهة لنا وحققت تطورا مثل ماليزيا أو تركيا؟
- لا تجوز المشابهة التاريخية لان كل مجتمع له تاريخه الاجتماعي الفريد فلا يجوز ان أقارن نفسي بتجربة أوروبا الشرقية مثلاً.
أليس في دراسة الأمر ما قد يفيد؟
- ادرس كيفما شئت لكن عندما تدرس تجربة النهضة في ماليزيا، لا يجب ان يتم ذلك بمعزل عن القيم الثقافية المساوية في آسيا.. العالم كله تساءل عن تجربة النمور الآسيوية ودرس التجربة.. وتبين ان من أهم القيم السائدة لديهم شيء اسمه عبادة العمل بغض النظر عن نوع النظام السياسي، وهو مبدأ اسلامي ولكن للاسف غير مطبق عندنا وهذا سر من اسرار نجاح تجربة ماليزيا مع خطة متكاملة للنهوض بالتعليم ونجحوا فيها.. المقارنة هنا غير واردة في رأيي لأن كل دولة لها ظروفها وعاداتها وقيمها.
ما علاقة الإسلام؟
ألا يجوز ان اقارن نفسي في مصر بتجربة ماليزيا، أو تركيا وكلتاهما دولة إسلامية؟
- الإسلام لا علاقة له بالقضية فأي إسلام تقصد، وهل إسلام ماليزيا مثل إسلام تركيا.. هو استشهاد في غير محله.. الإسلام وتطبيقاته يختلف تماما من كل مجتمع إلي آخر علي حدة.. ففهم الإسلام وممارساته وتطبيقاته تختلف من مجتمع إلي آخر ففي المجتمعات الإسلامية نحن أمام نظم ديموقراطية، وأخري دكتاتورية فما علاقة الإسلام بذلك؟ الإسلام ديانة، وليس نظاما سياسيا ولذلك فان جمع عدة دول تحت مسمي مجتمعات إسلامية لا معني له.
حقائق التاريخ أحيانا تكون مفيدة.. فماذا عن تجربة محمد علي باشا باعتبارها تجربة وحيدة؟
- السيد ياسين: رأينا تجربة الثورة وكان هناك مشروع تحديث ومشروع محمد علي ضرب، وتجربة الثورة انضربت في 76.
ألا تري ان نجاح تجربة محمد علي في زمن قياسي يدعو إلي الوقوف أمامها؟
- السيد ياسين: نجاحها كما تقول في زمن قياسي يحتاج إلي مناقشة.. فعندما تقيم تجربة تنمية، لابد ان تدرس الواقع الاجتماعي والثقافي السائد.. فكم حربا فرضت علي محمد علي باشا، وكم حربا فرضت علي عبدالناصر؟ ألا تقطع الحروب مسار التنمية والنهضة؟.. في النهاية انا ضد المشابهات التاريخية أو المقارنة بماليزيا أو الصين أو تركيا فلكل مجتمع تاريخه ومجتمعه وثقافته وظروفه.. وحتي تجربة محمد علي باشا سنجد أن المقارنة غير واردة لان الظروف مختلفة، السياق التاريخي مختلف، والقوي الدولية مختلفة والمناخ العالمي مختلف.. وعبدالناصر كان لديه مشروع للتنمية حيث أرسل بعثات للخارج أكثر من محمد علي.. الخطة الثانية كان بها 5 آلاف مبعوث للعالم ورجعوا وارتفع مستوي التعليم.. حاول ان يتيح التعليم للجميع وان يشغل الجميع.. احدث نهضة اقتصادية وأوجد القطاع العام.. ولكن جاءت 76 لتقضي علي المشروع.
الأخبار: المهم اننا نسير في الاتجاه الصحيح.. لكن متي يصل المجتمع إلي مرحلة رشده كدولة مدنية حديثة؟
- السيد ياسين: لازم تتبني المنهج التاريخي، وتري ماذا حدث قبل ثورة يوليو.. ألم يكن هناك نظام ليبرالي ملكي.. خذ الفترة من دستور 3291 إلي 2591.. تعددية سياسية واحزاب ونظام ملكي مع وجود احتلال انجليزي .. ماذا حدث؟
سنجد ان نخبة الاحزاب خانت النظام الديموقراطي، حكمت بحكم تآمر القصر مع الإنجليز ضد حزب الوفد الذي كان يمثل الأغلبية، وخلال الفترة من 3291 إلي 2591 لم يحكم الوفد إلا 8 سنوات فقط وكان هناك تساقط الوزارات منها وزارة نجيب الهلالي التي لم تستمر سوي ثلاثة أسابيع.
كنا امام ما نسميه أمراض الديموقراطية علي حد وصف استاذنا عبدالحميد متولي.
لدينا تجربة مماثلة في تاريخ فرنسا ولكن الدستور الذي وضعه شارل ديجول هو الذي أعطي فرنسا نعمة الاستقرار السياسي وانتهت أمراض الديمقراطية.. في مصر بقيت اللعبة، وقد عشت هذه الفترة في صباي، إلي حد اننا تمنينا حدوث التغيير رغم اننا لم نكن نعرف شكله فقط نريد التغيير وقد كان هناك أحساس بان النظام الملكي وصل لمنتهاه ورحبنا بالثورة عند قيامها وكانت هناك ايجابيات وسلبيات.
بطء الإصلاح
يضيف المفكر الكبير السيد ياسين لا نستطيع ان نقول الآن ان الإصلاح السياسي بطيء أو سريع الا إذا رجعت للتاريخ القريب وليس البعيد.. فلابد ان نضع في الاعتبار الفترة الليبرالية من قيام الثورة ثم الفترة الثورية حتي 0791 وفاة عبدالناصر ثم فترة الانفتاح في عهد الرئيس السادات ثم فترة الرئيس مبارك حيث فترة تطبيق التغيير الهيكلي وتطبيق النظام الرأسمالي واعطاء الفرصة للقطاع الخاص هذه الحقب لابد ان نضعها امامنا لننظر ونحكم هل هناك بطء أم تسارع في عملية الاصلاح.
لنضع النقاط فوق الحروف ونسأل مفكرنا الكبير عن الخطوات التي يجب ان نخطوها كمجتمع أو كمسئولين في طريق تحويل مصر لدولة مدنية حديثة؟
- السيد ياسين: أنت تطرح سؤالا مهما.. هناك صور متعددة للتحديث هناك تحديث سياسي، وآخر اجتماعي وثالث ثقافي.. ولكل نموذج أو صورة من صور التحديث مشكلاته وسياساته في التحديث السياسي تحدثنا عنه وقلنا انه لكي نحقق فيه خطوات ملموسة لابد من سيادة القانون، وتطبيق الديموقراطية بالكامل، والتعددية السياسية، وتشجيع قيام الاحزاب بدون قيود وتعديلات دستورية والتحول من السلطوية إلي الديموقراطية والليبرالية.
لأنه ثبت ان هناك فجوة طبقية عميقة برزت في مصر بين الاغنياء والفقراء ويمكن تلخيص المشهد الاجتماعي المصري في عبارة واحدة هي: »منتجعات هنا، وعشوائيات هناك« حيث أصبح لدينا في مصر هوس بالمنتجعات والفيلا بعشرة ملايين جنيه، وأصبح هناك فئة خاصة أثرت علي حساب الدولة وهو ثراء بلا سبب كما يقول القانون المدني.. والدولة اعطت لهم الأراضي وتاجروا فيها واثروا وهم لم ينتجوا انتاجا حقيقيا، لا في الزراعة ولا في الصناعة وكأن مصر أصبحت دولة منتجعات وليست دولة صناعية.. الجدل الثائر الآن حول »الضبعة« وهل تصلح مكانا لإنشاء المفاعل النووي المصري أم منتجعا سياحيا يعطيك صورة من المناخ السائد في مصر الآن.
تحديث اجتماعي
في مجال التحديث الاجتماعي نحن امام مجالات لا حدود لها تكاد تكون اخطر من التحديث السياسي.. فكيف نتحدث عن دولة حديثة ولدينا أمية 04٪.. هذه أمية أبجدية لمن لا يقرأ ولا يكتب، فما بالنا بالأمية الفكرية.. اضافة إلي انعدام الوعي الاجتماعي، وتدهور القيم الاجتماعية التي يتبناها الناس.. هذه مشكلات تنعكس علي العنف الذي نراه، وارتفاع الجريمة، وانتشار العشوائيات في كل مكان وعدم القدرة علي السيطرة عليها.
هذه المشكلات تؤدي أيضا إلي انتشار دوائر الفقر، وأصبح القضاء علي الفقر لا يقل أهمية عن نشر الديموقراطية.. فكيف يمكن ان نتحدث عن الديموقراطية والناس في غاية الفقر ونحن امام حالة تناقض، وبالتالي فالتحديث الاجتماعي مسألة لا ينبغي ان تترك علي عاتق الحكومة أو الدولة فقط، بل لابد للمجتمع المدني ان يتحرك، ولابد ان نفعل المسئولية الاجتماعية لرجال الاعمال الذين اعطت لهم الدولة مزايا لاحد لها، منها أراض بثمن بخس، واعفاء من الضرائب، ودللتهم كثيرا.. وانا ضد ان يتم اعتبار ذلك وكأنه احسان من رجال الاعمال.. فالمسئولية التنموية يجب ان تكون جزءا من عمل رجال الاعمال، وان تحدد الدولة مناطق تنمية يجب ان ينشط فيها رجال الأعمال.. لذلك فانا أري انه كان يجب حصر المناطق العشوائية وتقسمها ويدعي رجال الأعمال للعمل في تنميتها والارتفاع بمستوي الناس اجتماعيا وتنمويا.
نظرة متشددة
لذلك، والكلام لازال علي لسان المفكر الكبير السيد ياسين، فالتحديث الاجتماعي لا يقل أهمية من التحديث السياسي.. ثم هناك التحديث الثقافي فأنت كمجتمع تعاني لديك نظرات متشددة للدين، وفكر ديني متطرف سواء مسيحيا أو إسلاميا وفكر خرافي علي حساب الفكر العلمي، انظر إلي الفضائيات المدنية التي تنشر الجهل باسم نشر الإسلام، انظر إلي الكتب المنشورة علي الأرصفة. وتحوي فكرا اسطوريا خرافيا بالاستناد إلي نصوص دينية.. لابد من نشر الثقافة السليمة.
خلاصة رأيي ان عملية تحديث مصر عملية شاملة منها جانب سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي، إذا اختل التوازن بين احدها سوف تفشل عملية التنمية والتحديث، مثلا لدينا مطالب من بعض رجال الأعمال باستيراد عمالة ماهرة من الخارج، في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من البطالة.. وزيرة القوي العاملة اعترضت اعتراضا شكليا لأنه بلا شك نحن أمام حالة تدهور لمستوي العمالة المصرية.. لا يوجد تدريب، ولا توجد معاهد فنية حقيقية ورجل الأعمال معذور في أن يحل مشكلته بطريقته.. فأنت لم تعالج الخلل من المنبع وهو تدهور القوي البشرية في مصر وهناك دراسات متكاملة أمام مجلس الشعب لمناقشة هذه القضية الخطيرة.. فمستوي القوي العاملة البشرية في مصر في منتهي الانخفاض.. كل هذا يؤثر علي انتاجيتك وعلي قدرتك التنافسية مع الخارج.. لأنك عندما تصدر للخارج سوف يتم رفضها كما ترفض البطاطس المصرية بسبب العفن البني فهذه »خيبة مصرية«.
انظر كيف قامت الصين بغزونا بسلع فرز ثالث.. قرأت بالأمس خبرا يدل علي عمق »الخيبة المصرية« يقول ان مصر تستورد مئات الآلاف من الأطنان من السمك البلطي الصيني.. هل هذا كلام.. أين أسطول الصيد المصري ونحن لدينا كل هذه البحيرات والبحار والانهار.. أين البحيرات التي يسعي رجال الأعمال لتجفيفها والبناء عليها.. أين خطة الصيد المصرية؟ أليس هذا خللا كبيرا.
دعني أقول لك ان الخيبة الكبري لاحزاب المعارضة في مصر هي التركيز علي التحديث السياسي والانتخابات النزيهة، فأمام الاحزاب مجالات لا حدود لها في التحديث الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
القاطرة
أين تكون القاطرة التي تدفع بهذا المجتمع..؟
- السيد ياسين: صياغة رؤية استراتيجية للمجتمع المصري.. تعني نظرة للمجتمع المصري خلال عشرين عاما قادمة نتوقع فيها الصورة التي يجب ان تكون عليها مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. ولكن لا يجب ان يستأثر الحزب الوطني الحاكم وحده بوضع هذه الرؤية.. لكنها رؤية مجتمعية يضعها المجتمع كله. بناء علي تنظيم حوار قومي ديموقراطي يشترك فيه الجميع من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار بهدف تشخيص المشكلات ووضع رؤية استراتيجية. هذه المهمة تقع علي عاتق الدولة والمثقفين والمجتمع المدني، فهذه دعوة لوضع رؤية استراتيجية لمصر تنسق بين عملية التحديث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.