كانت خطوط التجارة العالمية في العالم القديم، كما جاء في المراجع التاريخية، أهمها خط «الحرير العظيم» يربط ما بين بلاد الشرق الأقصي (الصين) والشرق الأوسط طريق ناقل للحرير الطبيعي إلي أفريقيا، وناقل لصناعات وتجارة الغلال والذهب والرقيق أيضا (بالعكس) وكان طريق «درب الأربعين» من (دنقلة) في الجنوب الأفريقي عبر صحراوات مصر الغربية حتي (هيبس) الخارجه حاليا، ثم طريق (درب الغباري) من أسيوط إلي واحة (سيوة) في شمال الصحراء الغربية (مصر). وبعد فتح «عمرو بن العاص» لمصر عام 640 ميلادية اتجه إلي غزو مملكة النوبة ليضمن عدم اعتدائها علي حدود «مصر» الجنوبية والمقصود ببلاد «النوبة»، تلك المنطقة التي كانت تعرف بمملكة (دنقلة) بين حدود أسوانالجنوبية و(دكورتي)، تحدثت المراجع كثيرا عن حملة (عبدالله بن سعد بن أبي سرح) التي غزت النوبة سنة «651 ميلادية» أثناء ولايته علي «مصر». وتم عقد صلح بين الفريقين سمي (بالبقط) وهو لفظ مشتق من اليونانية «PACTUM» ومعناه الاتفاق أو «الموادعة»، وهو شبه ضريبة تدفعها «النوبة» إلي بيت المال في «مصر» وهي كانت عبارة عن «ثلاثمائة وخمسة وستين» رأسا من الرقيق كل عام، وهو عدد مكافئ لعدد أيام السنة، وأمام ذلك يمد المصريون مملكة النوبة «بألف أردب من الغلال» كالقمح والفول والعدس والذرة إلي جانب أنواع من الأقمشة الكتانية المختلفة التي كانت تشتهر بها الصناعة المصرية القديمة وبالتالي فإن (البقط) هي مصلحة متبادلة بين مصر ومملكة النوبة، فيستخدم الرقيق في الخدمة لدي الخلفاء ورجال الدولة، والغلال يستفيد بها شعب النوبة التي لا تتوافر في بلادهم، أي أنها معاهدة اقتصادية. ولا يمكن اعتبار (البقط) بأنه (جزية أو خراج) ولقد أرسل ملك «النوبة» منبراً خشبيا بديع الصنع لوضعه في جامع «عمرو بن العاص»، والنجار يذكر بأن اسمه «فيكتور» وقد جاء مع «المنبر» وقام بجمعه وتركيبه في ساحة المسجد!، وهنا يطرأ سؤال، أين هذا المنبر الآن؟ ولعل المتابع للتاريخ بين «مصر» وملكة «النوبة» المسيحية سيجد كثيرا من الفتن عبر التاريخ قد ثارت بين الدولتين ودارت عدة حروب في أزمنة مختلفة كان لمصر دائما الذراع القوية لإعادة السلام بعد غارات عديدة قامت بها جيوش (دنقلة) علي جنوب البلاد وعلي الواحات «الخارجة» وقامت هذه الغارات علي مصر، حينما كانت تعاني مصر ضعفا في الحكومة المركزية وحينما يستشري الفساد والوهن في الحكومة الإسلامية القائمة في «مصر»، و«للنوبة» صلة أخري بمصر يجب الإشارة إليها وتلك ترجع إلي ما قبل العصر الإسلامي وهي الصلة الدينية بين الكنيسة «النوبية اليعقوبية» وبين البطريكية المرقسية في «الإسكندرية»، حيث يشمل الأخير برعايته الدينية بصفته الكنيسة القبطية، فيرسم في «مصر» الأساقفة في مملكة «النوبة» وجنوب السودان ومع تقدم التاريخ واختلاط القبائل العربية بسكان البلاد الأصليين في «النوبة»، فقد أدي إلي انتشار الإسلام انتشارا سريعا، ومن استمسك بمسيحيته التجأ إلي مناطق الهضاب الغربية في «كاردفان» أو «دارفور»، وتوقفت (الجزية والبقط) بدخولهم الإسلام ومازال للحديث بقية!.