نشأت بين العالم الإسلامي والغرب علاقات اقتصادية وطيدة نمت منذ عصر الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام ومصر وأفريقية نمواً مطرداً. وغدا الازدهار الاقتصادي لأي من الطرفين دليلاً علي تفوقه عسكرياً وسياسياً. وفي نفس الوقت نري ميزان القوي متعادلاً في كثير من الحالات وهو ما نراه في بلاد المناصفات بالشام أثناء الحروب الصليبية. أو في التبادل الاقتصادي§ النفعي بين المماليك في مصر والشام وجمهوريات البندقية وبيزا وجنوه. قبل الفتوحات كان رخاء سوريا وآسيا الصغري عظيماً تحت الحكم البيزنطي. علي الرغم من تأثر بعض أجزائها بالزلازل وغزوات الفرس. واستمر رخاؤهما حتي بداية القرن السابع الميلادي. وأدي إدخال تربية دودة القز في أواخر القرن السادس الميلادي إلي إضافة رخاء آخر إلي رخائهما الزراعي من الحرير الخام. وأثرت مدنهما بالتجارة مع جميع بلاد البحر الأبيض المتوسط وتركزت التجارة العالمية بين أقاليم الشرق وبلاد الغرب في أيدي العملاء الشرقيين من السوريين واليونايين ذلك أن السوريين المقيمين بفرنسا في القرن السادس وأوائل السابع استوردوا التوابل والأنبذة وورق البردي إلي مرسيليا وإلي المدن الداخلة مثل باريس وتور. واستقرت جاليات منهم في كل مركز هام من مراكز التجارة. أما نشاط اليونانيين في الأقاليم فكان أقل. وقد كان احتياج أقاليم الشرق للحبوب من صقلية والقمح وزيت الزيتون من شمالي أفريقيا والخشب والملح من البحر الأدرياتي والحديد والمعادن الأخري من إسبانيا والغلال وغير ذلك من المنتجات الطبيعية. لا يقل عن احتياج الغرب للتوابل وورق البردي والأنبذة والحرير والمنسوجات وسائر المنتجات الصناعية الفاخرة المصنوعة في الإسكندرية وسوريا والقسطنطينية. ولم تنجح تماماً محاولات البيزنطيين في تحويل طرق التجارة الشمالية بعيداً عن إيران. ولا في الاستغناء بالحرير الخام عن استيراده. ولا في إرغام المستوردين الفرس علي قبول الأسعار التي حددوها لشراء الحرير. فاستمر اعتماد بيزنطة علي الفرس كوسيط تجاري فضلاً عن مواصلتها إرسال منح مالية لآل ساسان. لكن هذا لا يعني أن ذهب الإمبراطورية قد تحول إلي الشرق. بل أوجدت الصناعات الناجحة في سوريا والقسطنطينية نوعاً من التعادل في ميزان التجارة مع فارس. فقد غدت العملة البيزنطية في منتصف القرن السادس عملة دولية دون منازع في منطقة المحيط الهندي التي كان يسيطر عليها تجار الفرس. ولم يضرب الساسانيون عملة ذهبية قط مكتفين بالعملة الفضية مما يشير إلي سيادة البيزنطيين اقتصادياً. الفتوحات وأثرها استمرت أحوال التجارة في البحر المتوسط علي ما هي عليه في النصف الأول من القرن السابع الميلادي "الثلث الأول من القرن الأول الهجري". ولم تغير الفتوح الإسلامية في أول الأمر هذه الأحوال إلا قليلاً. وغدت الدولة الإسلامية باستيلائها علي فارس والعراق وريثة نشاط الفرس التجاري في الشرق الأقصي. كما غدت بفتح الشام ومصر مطلة علي البحر المتوسط وهو حلم الفرس القديم الذي عجزوا عن تحقيقه. كان موقع الثغور الجزرية "ومعها أرمينية" والشامية "ومعها ثغور البحر المتوسط" هاماً كمحطات لتوزيع ما جلبه المسلمون من تجارة الشرق علي بلدان الغرب. وأدرك أهالي البلاد المفتوحة أن العرب الفاتحين ليسوا شعباً متبربراً متغطرساً يضع العقبات في سبيل الحياة الاقتصادية بل رأوا من العرب أناساً يتركون الحياة الاقتصادية تسير في مجراها الطبيعي ويحوطونها بتشجيعهم ورعايتهم. تعريب الدنانير أراد الخليفة عبدالملك بن مروان صبغ الدولة بصبغة عربية نتيجة لسياسة رسمها بدقة ومهارة قام بتنفيذها في جميع الميادين الإدارية والاقتصادية. لذلك كان تعريب النقود جزءاً من ساسية عبدالملك. إن النقود العربية بما كانت تحمله من نقوش تتضمن اسم الخليفة أو الأمير أو الحاكم فكان سكها يعبر عن سيادة الدولة الإسلامية وتحريرها من أي نفوذ أجنبي ولا مجال للتحرر الاقتصادي ما دامت النقود في الدولة العربية تدور في فلك السياسة الاقتصادية البيزنطية والفارسية. كذا اتجه عبدالملك إلي الاستقلال الاقتصادي عن طريق التعريب. وتعريب النقود جاء وفقاً لخطة مرسومة لتوحيد الأنظمة المالية في الدولة من نظم مالية ساسانية ونظم مالية بيزنطية كان سبباً في الاختلاف الواضح بين أحكام الجزية والخراج وعشور التجارة في العراق وفارس عنها في الشام ومصر. لذا وجد عبدالملك أن تعريب النقود وتوحيدها هو العلاج للقضاء علي هذا التضارب. وكان القضاء علي الامبراطورية الفارسية علي يد العرب وتأزم الأوضاع مع الامبراطورية البيزنطية أدي إلي نقص النقود المتداولة بين الناس فكان لابد من ضرب نقود عربية لسد العجز في النقود.