«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق البشري يكتب : العدوان على غزة الحرب الثانية عشرة
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 01 - 2010

كتب هذه المقالة مقدمة للمشروع البحثى «أمتى فى العالم» عن سنة 1009، الذى سيصدر قريبا وهو مشروع يصدر تباعا. وهو يصدر هذا العام عن حرب غزة فى ديسمبر 2008 ويناير 2009.
الموضوع الذى أمامنا اليوم هو موضوع غزة، وهذا الموضوع عايشناه جميعا يوما بيوم وأصبحت معلوماتنا عنه متساوية، فليس منا من لديه معلومات أكثر من الآخر، إذن نحن نتحدث عن موضوع سبق العلم به، وتساوينا تقريبا فى المعارف الخاصة بوقائعه وبقدر كبير من التحليلات الخاصة به، ولذا تصورت أن الحديث فيه سيكون فى ثلاث أو أربع نقاط، وذلك لإعادة ترتيب الوقائع بشكل أو بآخر حتى نستطيع فهمها والحوار حولها.
النقطة الأولى: تتعلق بأهمية أرض الشام لمصر وللتاريخ المصرى.
النقطة الثانية: تتعلق بقدر الحروب التى دخلنا فيها وهذه الحرب الأخيرة فى سياق الحروب الممتدة فى التاريخ المعيش المعاصر.
النقطة الثالثة: الحروب النظامية والمقاومة الشعبية.
النقطة الرابعة: تتعلق بالمقاومة فى فلسطين بين أهل الداخل وأهل الخارج
فيما يتعلق بأهمية فلسطين أو أرض الشام عامة بالنسبة لمصر، خاض صلاح الدين الأيوبى معركة حطين فى أرض الشام، وكان وهو يحكم مصر يقوم بالدفاع عن المنطقة كلها، كان هذا فى عام 1187.
والمظفر قطز عندما أراد مواجهة التتار كان ذلك فى موقعة عين جالوت فى أرض الشام أيضا عام 1260، إذن من يحاول الدفاع عن هذه المنطقة لا يدافع عنها من داخل مصر، ولكنه يخرج إلى أرض الشام، إذن حين حاربنا الصليبيين القادمين من الغرب وحين حاربنا التتار القادمين من الشرق ومع كليهما كانت أرض الشام هى مجال المعركة وكلتاهما كانت معركة الحسم أيضا.
وبعد ذلك جاء السلطان سليم الأول عندما أراد توحيد المنطقة الإسلامية قبل أن يصل إلى مصر كان قد فرض سيطرته على الشام، فى 1516 سيطر على الشام وفى عام 1517 سيطر على مصر. استقل على بك الكبير بمصر عام 1759 وأرسل أحد الولاة ليسيطر على الشام فلم يستطع، وتلاشى حكمه لمصر بعد عدد من السنوات، فلم يستطع أن يحتفظ بولايته على مصر مستقلا عن الدولة العثمانية مادامت أرض الشام بعيدة عنه، وعندما قام نابليون بغزو مصر كان ذلك فى شهر يونيو سنة 1798، فى يناير 1799 ذهب إلى عكا وحاصرها ولم يمكنه أحمد باشا الجزار من اقتحامها وفشلت الحملة وعاد إلى مصر، وانتهت الحملة الفرنسية على مصر بعدها بعامين.
إذن لننظر إلى مدى إمكانية استقلال واستقرار لحكم ثابت فى مصر دون أن يكون محميا من أرض الشام، وعندما أراد محمد على السيطرة على مصر وكان واليا عثمانيا، وعندما بدأ ينازع الدولة العثمانية سلطاتها كان أمامه طريق الشام وسيطر عليه، وبعد ذلك فى عام 1840 جاءت معاهدة لندن التى أخرجت محمد على من الشام وجعلته محصورا فى مصر، وبقيت أرض الشام فى يد الدولة العثمانية، من هذا التاريخ تقريبا نستطيع أن نحدد أن كلا المنطقتين فقد استقلاله وظل تحت الهيمنة الأوروبية. معاهدة لندن عام 1840 جعلت مصر أو الشام تحت الهينمة الأوروبية، بوجود كل منهما منفصلا عن الآخر، ولذلك بقيت أسرة محمد على تحكم مصر، ولكن تحت الحماية الأوروبية التى بدأت حسبما نعرف من التاريخ المصرى فى عهد سعيد ومن بعده. احتلت إنجلترا مصر عام 1882، لكن مصر كانت تحت الهيمنة الأوروبية عامة منذ عام 1840 والإنجليز احتلوها ليستخلصوها من أى نفوذ أوروبى آخر.
ومع ضعف الدولة العثمانية بقيت المنطقة كلها تحت التأثير الأوروبى والهيمنة الأوروبية عليها فى الوقت الذى بدأ الإنجليز فيه الانفراد بمصر وفرض الحماية عليها رسميا، كان ذلك عام 1914، أعلنت الحماية على مصر 1914 وفى 1917 صدر وعد بلفور بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، ووقتها قال الساسة الإنجليز إن هذا الأمر مقصود به حماية السويس، بمعنى حماية نفوذهم وسيطرتهم على قناة السويس.
وأوجدوا هذا الوطن القومى اليهودى فى فلسطين. وضعت فلسطين رسميا تحت الحماية الإنجليزية سنة 1922 بمعاهدة السلام وجاءوا لها بمندوب سامى يهودى هو هربرت صمويل لينفذ المشروع الإسرائيلى، وفى نفس الوقت اعترفوا باستقلال مصر، كان ذلك بعد ثورة 1919.
وبعد الاعتراف باستقلال مصر، وضعت فلسطين تحت إطار تنفيذ المشروع الصهيونى، فى نفس الوقت الذى فرضت فيه الحماية على مصر وصدر وعد بلفور، عقدت اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم أرض الشام، ولا أقصد بأرض الشام دمشق كما يقال ولكننى أقصد ما نقوله نحن فى مصر بر الشام ونعنى به سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، فى أيام الحرب العالمية الثانية والإنجليز يحتلون مصر فأصبحت منطقة لابد من الدفاع عنها ضد الغزو الألمانى الذى كان قادما عن طريق شمال أفريقيا ووصل عن طريق تونس وليبيا إلى العلمين بالساحل الغربى لمصر وكلنا نعرف المعركة التى دارت هناك، وقتها انشأ الإنجليز مركز تموين الشرق الأوسط لأنهم أحسوا أنه لكى يمكن الدفاع عن مصر لابد أن تكون مصر والشام معا، ويكونان نوعا من أنواع التكامل الاقتصادى أثناء الحرب وأيضا نوعا من أنواع الدفاع المشترك.
إذن لكى تدافع عن مصر حتى وأنت أجنبى لابد أن تضمن أين أرض الشام بالنسبة لك «لورد موين» هو الذى كان مقيما فى مصر وقتها وأرسل الصهاينة فردين لقتله، لأنه نظرا للتوازنات اللازمة أثناء الحرب بدأ يأخذ سياسة لا تحقق الطموح الصهيونى كاملا فقتلوه هنا فى الزمالك بالقاهرة، إذن ارتباط مصر بهذه المنطقة ارتباط تاريخى ويستحيل التقليل من أهميته، وفيما عدا الحملة الفرنسية لم يتم احتلال مصر إلا عن طريق بوابتها الشرقية، حتى عندما حاول الإنجليز احتلال مصر عام 1882 جاءوا عن طريق الإسكندرية ولم يستطيعوا فغيروا طريقهم ودخلوا عن طريق قناة السويس، بمعنى إنهم جاءوا أيضا من الشرق.
مصر حقيقة هى متجانسة بل لديها قدر كبير من التجانس من أسوان حتى الإسكندرية، فلا يوجد فيها قبائل أو تكوينات طائفية أو إقليمية تتحدى هذا التجانس، وهذه ميزة فى مصر ولكن بها عيب واحد هو أن أمعاءها خارج جسمها، بمعنى أن أمنها القومى كله خارج حدودها، فمصر لا تستطيع العيش إلا من خلال ضمان السودان وضمان حدودها الشمالية الشرقية، فهى تحتل وتغتصب ولا تستطيع أن تكون لها إرادة سياسية وطنية صادرة عن مصالح هذا الشعب إذا لم تكن مؤمنة من جانب حدودها الشمالية الشرقية وجانب السودان.
وقد فهم الإنجليز ذلك وهم يحتلون مصر، ولكن السياسى الماهر ويبدو أن السياسيين الاستعماريين كانوا مهرة بالفعل فأحيانا يفكر السياسى المحتل فى ماذا لو اضطررت لإخراج قواتى منها؟ فكانوا يفكرون فى كيفية احتلال مصر من خارج حدودها، ومصر بها هذه الخاصية فهى يمكن احتلالها عسكريا من خارج حدودها، وهى داخل حدودها لا يجود احتلالها عسكريا، ولكن متى تحتل عسكريا من الخارج؟
إذا وجدت قوة عسكرية استعمارية مناوئة لها أو تحت سيطرة أجنبية فى السودان أو قوة عسكرية مناوئة واستعمارية فى أرض الشام، فإن مصر تعانى من الضغوط على إرادتها الوطنية، مما يجعل من الصعب عليها أن تقيم هذه الإرادة صدورا عن الصالح الوطنى العام، ونحن عندما يكون هناك احتلال على الفور نطالب بإزاحته ونطالب بالجلاء، ولكن عندما يبدو هذا الجلاء قائما أو يتحقق تبدأ على الفور الإملاءات الخاصة بالاعتبارات الأمنية المتعلقة بضمان هذا الاستقلال من خارج حدودها.
ويقال لابد أن تكون لها سياسة خارجية ونحن نسميها خارجية لأنها خارج القطر المصرى وهى متعلقة بتأمين هذا الوضع المتعلق بالشام أو المتعلق بالسودان.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وجدت أن موضوع السودان مشكلة فأرادت حله بشكل ما، وقد كانت هناك مشكلة فى مصر والسودان فقد كانت هناك إثارة لموضوع وحدة مصر والسودان ولكن القوة الوطنية الحاكمة أيامها لم تكن لديها سعة أفق بحيث تجعل تنظيماتها مصرية سودانية فى نفس الوقت، فعندما تشكل الحزب الوطنى تشكل من المصريين فقط دون السودانيين، وعندما تشكل حزب الوفد تشكل من المصريين دون السودانيين أيضا، وعندما تشكل جهاز الدولة كان دائما من المصريين فقط، فبأى حق يطلب المصريون الوحدة مع السودان، والتكوينات المؤسسية الرسمية والأهلية لا تعكس هذا الاشتراك؟، لقد كانت الحركة الوطنية المصرية، طموحاتها أكثر من إمكاناتها المؤسسية، وهى بتشكيلها المصرى القح حكمت بانفصال مصر عن السودان.
جهود ثورة 23 يوليو الحقيقية أنها حاولت أن تضمن باتفاقية السودان سة 1953 ألا يكون السودان تابعا للإنجليز ويخير فقط بين الاستقلال الوطنى أو الوحدة مع مصر، وبالطبع اختار الاستقلال الوطنى وعلى الفور بدأ الحكم الوطنى هناك، وفى نفس الوقت نشأ السد العالى ليكفل لمصر القدرة على حماية مياه النيل لعدة سنوات إذا حدث شىء يتعلق بهذه المياه، لأن قبل ذلك لم يكن لدينا السد العالى وكان لدينا خزان أسوان فقط، وخزان أسوان كان ينظم الرى لمدة سنة زراعية فقط فلم يكن يحتمل تخزين مياه أكثر من ذلك، وكان هناك عدة خزانات فى السودان وبذلك كانت الخزانات السودانية تستطيع أن تتحكم فى المياه المصرية، زرعة بزرعة، فإذا لم يعطنى حجم المياه المطلوبة فى شهر يونيه مثلا لزراعة الأرز لن أستطيع زراعته، فالوضع كان يشبه وجود صنبور يستطيع إغلاق المياه فى أى وقت، ولذلك نجد أن مفتشى الرى المصريين دائمو الوجود فى السودان وقتها، فالسد العالى كفل لمصر الحماية فيما يتعلق بالمياه لعدد من السنوات القليلة تستطيع إدارة أمورها ويطول به نفسها حتى تستطيع تدارك أمرها فى هذا الشأن، كان هذا بالنسبة للسودان.
بالنسبة للوضع الثانى، كانت هناك فلسطين وظهور الدولة الصهيونية بها، ولذلك أول اتفاقية تمت لثورة 23 يوليو كانت اتفاقية الدفاع المشترك الخاصة بجامعة الدول العربية. كان هناك اتفاقية تمت فى سنة 1951، ولكن تمت اتفاقية أخرى سنة 53 للدفاع المشترك بين سوريا ومصر والسعودية أيام الملك عبدالعزيز، وبحس عسكرى لابد أن يكون لديك دفاع مشترك ليس فقط من أجل الوحدة الوطنية والقومية العربية ولكن لأنه لابد أن يكون هناك خط دفاع موجود بالنسبة لهذه البلاد خاصة مصر والشام، ومن هذا الوقت وحتى اليوم لم يحدث قط أن اتفقت السياسة المصرية مع السياسة السورية والسعودية أبدا، فدائما تأتى مصر مع سوريا فتفلت السعودية وإذا جاءت مصر مع السعودية تفلت سوريا، وكل هذا يؤدى إلى استمرار التبعية والخضوع والهيمنة ومن أجل ذلك نتكلم عن فلسطين.
وأنا أرى أنه من العيب أن نقول مصر أولا، فهذا الكلام غير منطقى فالأمن أهم من الطعام، وليجرب كل منا يخاف أم يجوع؟ فالخوف أشد وطأة على الإنسان من الجوع، الإنسان يفقد قدرته وإنسانيته عند الخوف وليس عند الجوع، فمع الجوع يستطيع المقاومة ويستطيع تدبير نفسه أما مع الخوف فلا، إذن هذه الأمور تتعلق بالأمن وليست متعلقة حتى بالرخاء.
النقطة الثانية المتعلقة بالحرب الأخيرة فى غزة، أنها الحرب الثانية عشرة فى سلسلة من الحروب المتواصلة من 1948 2008 أى على مدار ستين سنة، وأنا أقوم بحساب الحروب الأمريكية مع الحروب الإسرائيلية على أساس أنهم كتلة واحدة، فليس هناك سياسة فى العالم توحدت بين دولتين مثل هذا التوحد اللصيق الذى لا ينفصم أبدا كما توحدت السياسة الأمريكية والإسرائيلية، وسنجد أن السياسة الأمريكية على مدى هذه السنوات الطويلة قد تغيرت، مع الاتحاد السوفييتى وبعد ذلك مع مجىء روسيا تغيرت أيضا وتغيرت أيضا مع الصين من عدم الاعتراف بها ثم الاعتراف بها ثم قيام علاقات مع سلام بارد، وتغيرت أيضا مع الهند وباكستان كما تغيرت أيضا مع دول كثيرة فى أمريكا الجنوبية، يتم إذن تعديل السياسة حسب الظروف والأحوال فيما عدا هذه العلاقة المتعلقة بالأمريكان والصهاينة فلم تتغير أبدا، فهذه سياسة ثابتة مستقرة على مدى هذه السنين لم يحد سياسى أمريكى عنها لا جمهورى ولا ديمقراطى، لا أيزنهاور ولا كلينتون ولا أوباما ولا غيرهم، إذن من حقنا أن نعتبر أن حروبهم واحدة، خصوصا أننا نجد أن المصلحة ليست مشتركة فقط ولكنها متحدة بين إسرائيل وبين السياسة الأمريكية الثابتة المستقرة، وعندما نضع هذا فى اعتبارنا سنجد أنها 12 حربا بالفعل وهى كالآتى:
1 حرب 1948.
2 حرب 1956.
3 حرب 1967.
4 حرب الاستنزاف التى تمت بين مصر وإسرائيل. بين الحربين السابقة واللاحقة.
5 حرب 1973. وهذه الحروب الخمسة كانت مصر مشاركة فيها بل كانت المقاتل الرئيسى فيها، وانتهت بحرب 73 فلم تعد مصر تحارب وجاءت بعد ذلك سبعة حروب هى:
6 حرب 1982 اجتياح لبنان.
7 انتفاضة 1987. الفلسطينية فى أرض فلسطين.
8 حرب الأمريكان فى الكويت والعراق سنة 1991.
9 انتفاضة عام 2000 الفلسطينية فى أرض فلسطين.
10 حرب العراق سنة 2003.
11 حرب لبنان 2006.
12 حرب غزة 2008.
إذن هناك 12 حربا على مدى ستين سنة أى بمتوسط حرب كل خمس سنوات، إذن هى حرب واحدة ووقائع متسلسلة، هى حرب واحدة ومستمرة ولذلك هناك عدو استراتيجى أمامنا.
إذا نظرنا لمعاركه سنجدها تنتقل: مصر ثم لبنان ثم تنتقل إلى العراق والكويت، وغرب سوريا مازال محتلا حتى الآن، إذن العدو هنا يوحدنا ونحن لا نتعظ ولا نتوحد، ولذا من حقنا أن نعتبر أن هذه الحرب هى مواجهة إستراتيجية على مدى طويل، ونحن أحيانا نجد بعض المسئولين يقول إن العلاقة بيننا وبين أمريكا هى علاقة تحالف إستراتيجى!! والحقيقة أننى أجد هذا الكلام غريبا جدا فهل من الممكن أن تقيم تحالفا إستراتيجيا مع عدو إستراتيجى؟!
النقطة الثالثة وهى الحروب النظامية والمقاومة الشعبية، هل إسرائيل تشكل احتلالا للإرادة المصرية من خارج الحدود المصرية؟ حروبنا مع إسرائيل دائما حروب تحرير، وبمعنى آخر أن العدوان علينا دائما من إسرائيل، ففى حرب 48 العدوان على فلسطين، وفى 56 العدوان علينا فى مصر، وفى 67 العدوان علينا أيضا، وفى 73 وقبلها حرب الاستنزاف حروب تحرير الأرض المصرية، وفى هذه الحرب يدخل الشأن المصرى بشكل أكبر، إسرائيل لديها مدد سلاح وتنظيم وعلوم وتكنولوجيا من أمريكا والغرب لا ينقطع وأيضا إمكانيات اقتصادية ضخمة، المقاومة ضد أى احتلال عسكرى من دولة كبرى بجيش نظامى محكوم عليه بالفشل، هذه نقطة محسومة حتى لو نظرنا إليها من أيام محاربة أحمد عرابى للاحتلال الإنجليزى وفشله.
الحروب النظامية تكون بين دول متعادلة من ناحية القوة العسكرية، الوسيلة الأساسية لمقاومة الاحتلال العسكرى من دولة كبرى هى المقاومة الشعبية، والمقاومة الشعبية لا تعتمد على القوة الخاصة بالجيوش ونظمها والأسلحة التى لديها وقوتها النظامية والاقتصادية. يدافع المحتل عن مصلحته والمقاومة تدافع عن وجود وعن حرية، المصلحة أقصر من الوجود وأقل ضرورة منه، وهذا يجعل المقاوم نفسه أطول نفسا لأنه لن يتوقف فهو يدافع عن وجوده، الذى يدافع عن مصلحته إذا جعلته يشعر أنه لا يحققها وإذا جعلته يشعر أنها تؤدى به إلى الخسارة وليس إلى النفع انتهت آماله، ولذا نجد أن الفيتناميين رغم صغر حجم ومساحة فيتنام غلبوا الولايات المتحدة، ونجد أن الصين بالرغم من أنها كانت فقيرة جدا غلبت الاحتلال اليابانى، الجزائريون أيضا غلبوا الفرنسيين.
ما قامت حرب تحرير شعبية إلا وانتهت بالنصر على المعتدى، وقديما كانوا يقولون حين تسقط العاصمة تسقط البلد، ذلك فى التاريخ الوسيط، واستمرت هذه القاعدة موجودة حتى اليوم ليس عن طريق العاصمة ولكن عن طريق الجيش النظامى، إذا غلب أحد جيشين الآخر فى معركة نظامية حاسمة تسقط الدولة، أول شرط فى المقاومة الشعبية هو تفادى المعارك الحاسمة، حتى فى الكتب الخاصة بحرب العصابات يقولون إذا تابعك العدو تجرى وتهرب، وإذا تقدم تقهقر، وإذا توقف ناوشه، وإذا استقر فاضربه، وتفادى المعارك الحاسمة، وبهذا الشكل لن يستطيع هو أن يدخل معك فى معركة حاسمة، وهذه الحروب تحتاج إلى تضحيات ولذلك نجد أن أعداد الخسائر البشرية فى المقاومة الشعبية كثيرة جدا، إذن المقاومة الشعبية تعتمد على تقديم تضحيات بشرية ضخمة وتتفادى المعارك الحاسمة وتجعل العدو دائما قلقا وغير مستقر.
وسنضرب مثالا على ذلك بالحركة الشعبية فى مصر سنة 1951 عندما قويت جدا فقرروا إلغاء المعاهدة مع الإنجليز والتى تمكنهم من الوجود العسكرى المشروع فى مصر، وجاء مصطفى النحاس وأعلن إلغاء المعاهدة، فأصبح الوجود الإنجليزى فى مصر غير مشروع، وراحت الناس تنادى لعمل مقاومة شعبية، وأخذت الأحزاب تعمل على ذلك قدر طاقتها وكنا طلبة فى ذلك الوقت، وكان هناك معسكر داخل الجامعة بعلم وموافقة عبدالوهاب باشا مورو رئيس الجامعة وتحت نافذة مكتبه لتعليم الطلاب استخدام السلاح وكيفية إلقاء القنابل اليدوية والرماية، وكان يقوم بذلك أفراد يرتدون اللون الكاكى، وكانت هناك أماكن معسكرات مثل هذا فى كثير من الأماكن، وشعر الإنجليز أن ذلك سوف يتزايد وينمو أكثر مع الوقت ويكتسب خبرات وما إلى ذلك، فقاموا بعمل مذبحة البوليس فى الإسماعيلية لكى يستدرجوا الدولة وتكون معركة حاسمة وينتهى الأمر، ولكن طالما المسألة بين الشعب والمحتل فلن يستطيع التصرف، أما عندما تكون مع الدولة، يستطيع الضرب وإنهاء الموضوع.
كان ذلك يوم 25 يناير وبالفعل قتلوا الكثير من أفراد البوليس المصرى فى المقر الخاص بهم فى الإسماعيلية، وقامت بعد ذلك ثورة 23 يوليو وألغت الأحزاب وأصبحت الدولة فقط والإنجليز محتلين غير معترف بهم، فهل يستمر الدفاع الشعبى والتدريب العسكرى فى الجامعات بالطبع لا، والجيش النظامى لن يستطيع، ولكن حكومة الثورة حكومة وطنية وتريد إخراج الإنجليز بالفعل فماذا تفعل؟ فخلع لابسو الكاكى زيهم وارتدوا الملابس العادية وقاموا بعمل مقاومة شعبية وظلوا مرتبطين بالجيش فى نفس الوقت.
ونجد من قاموا بتشكيل أجهزة الأمن بعد ذلك ينتمون إلى نفس العناصر مثل كمال رفعت، وبذلك تكون المقاومة الشعبية تكونت من ناس مرتبطين بجهاز الدولة دون أن يكونوا من جهاز الدولة، وكسبت هذه المقاومة وحدثت اتفاقية 1954 وما حدث فى التاريخ بعد ذلك، وبدأ التفكير فى تطبيق هذه الخطة فيما يتعلق بفلسطين، وجرى تنفيذ ذلك عن طريق غزة والتى كانت تحت الإدارة المصرية وبالفعل كان الأفراد يخلعون الكاكى ويرتدون الملابس المدنية ويقومون بتدريب الناس على استخدام الأسلحة، تنبهت إسرائيل إلى ذلك فقامت بتوجيه ضربات مؤلمة للجيش المصرى فى سيناء لكى تستدرج الدولة وجيشها النظامى لمعركة تكون حاسمة، ومع كون الحكم فى مصر حكما عسكريا فضرب الجيش لا يجوز ويعتبر إهانة، وبذلك نجحت إسرائيل فى إجبار مصر على الدخول فى حروب نظامية فى صراعها مع إسرائيل، فبوجود حكم عسكرى يعتمد على الدولة لا يمكن أن يتم ضرب الجيش ويتعامل مع الموقف عن طريق المقاومة الشعبية.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الحروب النظامية ضد إسرائيل. ومن الانصاف القول إنه كان محكوما عليها أن تكون كما حدثت بالضبط، فأنت بالفعل تحارب أمريكا، أقوى قوة عسكرية منظمة فى العالم بكل ما فيها من أسلحة وتكنولوجيا وكل ما فيها من علوم ومخترعات حديثة، إذن الحروب النظامية هنا لن تصلح، ولذلك الشىء الإيجابى الوحيد الذى تم من أيام الرئيس السادات قوله إن حرب 73 هى آخر الحروب بالرغم من أنه كان يقصد أن بعد ذلك سيكون هناك سلام، بالطبع السلام لم يتحقق ولن يتحقق طالما أن هناك إسرائيل توسعية بهذا الشكل الذى نراه، ولكن وجه الصواب فى هذه المقولة هو أن حرب أكتوبر 73 ستكون آخر الحروب النظامية؛ لأن بعدها سيتجه الأمر إلى الكفاح الشعبى والمقاومة الشعبية، وتمثل ذلك فى الدول التى ليس بها سلطة مركزية قوية، لأن السلطة المركزية القوية لا تقبل أن تكون لديها مقاومة شعبية قوية خارجة عن سيطرتها، ولذلك نشأت المقاومة الشعبية فى لبنان حيث الدولة ضعيفة وفى فلسطين حيث لا دولة وفى الصومال أيضا. فكلما كانت الدولة ضعيفة كلما كانت المقاومة قادرة على الوجود المستقل وقادرة على التنفس، وهذه معضلة لن نستطيع حلها قريبا.
النقطة الرابعة تتعلق بالمقاومة فى فلسطين، وفلسطين كانت مجتمعا بشريا مثل كل المجتمعات التى خلقها الله فى العالم، بمعنى مجتمع مستقر وضعه، فيه طوائف وطبقات ودولة وفئات مختلفة وأيضا قبائل وأسر وقرى وحواضر، وبدخول الصهاينة ومع التشتيت والتهجير والضرب والتقتيل تمزقت البنية الاجتماعية داخل فلسطين، فلم تعد الأسر متجانسة ومترابطة، ولم تعد هناك علاقة بين الطبقات فأصبح المجتمع مهلهلا، وبذلك أصبح المجتمع ركاما يعيش أهله فى الملاجئ والمخيمات وتوزعوا على البلاد العربية وبعضهم ذهب أمريكا وباقى دول العالم، وبظهور فتح احتاج المجتمع إلى عشرات السنين لكى يتجمع مرة أخرى ويظهر ويكون له تكوين سياسى، وكان ذلك أساسا فى المهجر، إذ بدأت التركيبات الضخمة للفلسطينيين فى المهجر فى التجمع مع بعضهم البعض وكان يجب أن يمر وقت طويل حتى يتجمع المجتمع من جديد ويستقر.
وفى ذلك الوقت كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل للفلسطينيين رمز الوطن، ورمز الانتماء للوطن، أى أنها كانت بمثابة وطن تصورى، أنت لست فى بيتك أنت فى بلد عربى وبحكم تنقلها بين عدة أقطار عربية أخذت المنظمة طابع الدولة التى تتخذها مقرا لها، لم تكن المنظمة مستقلة فى سياساتها ولكن من حسن الحظ كان لدينا حكومات وطنية مثل مصر وسوريا ولم يكن متاحا للمنظمة إلا أن تخضع لتوازنات البلاد العربية وتعمل فى إطار هذه التوازنات، حتى أنه يمكن قراءة ملامح السياسة للأقطار العربية ذات التوجه الاستقلالى من خلال المنظمة، ولم يكن للمنظمة إلا ذلك فلم يكن لها استقلال، ولما انهارت هذه الحكومات الوطنية بدأ الاستقلال يقع وبدأت سياسات أخرى تظهر، فوقعت أحداث أيلول الأسود فى الأردن.
وقد تنبه لهذا الأمر ياسر عرفات فكان يخشى على المنظمة من أن تستوعب فى الدولة التى تقيم فيها، ومن هنا كان دائما يرفع شعار: منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، وعندما اختفى التوجه الاستقلالى للبلاد العربية بدأت الحركة الفلسطينية تنتقل من الخارج إلى الداخل (أى إلى داخل أرض فلسطين المحتلة) وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية تتحول من «وطن» إلى «تنظيم»، (لأن الوطن قد صار محققا على الأرض المحتلة ذاتها بظهور حركات المقاومة بين قوى شعبية محلية لم تهاجر).
وبدأت تظهر قوة الداخل الفلسطينى، وفوجئنا فى عام 1987 بظهور أطفال الحجارة، حين قام أطفال لا تزيد أعمارهم على 15 و16 سنة بحمل الحجارة ورميها على الإسرائيليين.
وهنا بدأ الداخل الفلسطينى يتحرك، وبدأ مركز الحركة الفلسطينية ينتقل من الخارج إلى الداخل ويعمل وهذا ما أدركه ياسر عرفات، ففى البداية كان يخشى من الأردن وكان يقول إن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى فى مواجهة ألا يتم استيعابها من الأردن، وعندما بدأت حركة الداخل أصبح هذا الشعار فى مواجهة الداخل، حتى لا يكون الداخل هو الممثل لأن الداخل أصبح أكثر كفاءة وأكثر قدرة على الاستقلالية من ضغوط الخارج عليه، كما أصبح أكثر قوة على إنقاذ نفسه من التوازنات الخاصة بالحكومات العربية وبالمنطقة العربية وإخراج نفسه منها، وأيضا يستطيع فرض سياسة خاصة به فى حدود إمكانياته، كل ذلك لا يقدر عليه عرفات وهو بالخارج، فأصبحت مشكلته مع الداخل بعدما كان الخطر أن تقضى عليه دول أخرى أصبح الخطر أن يقضى عليه الداخل الفلسطينى، وبذلك تتحول المنظمة من ممثل وطن إلى تنظيم، ولذلك بدأ يأخذ سياساته فى مواجهة الداخل. كارل ماركس له كلمة فى سياق النظرية الماركسية فهو يقول: إن الطبقة البرجوازية تظل وطنية حتى تجد الطبقة العاملة قد أخذت تنمو وتكبر واستشعرت خطرها فلا تبقى الطبقة البرجوازية وطنية.
وإذا استبدلنا طرفى نظرية كارل ماركس بالداخل والخارج سنجد الصورة كالآتى: أن أهل الخارج كانوا وطنيين حتى بدأ أهل الداخل منازعتهم الأمر فبدأوا فى تأكيد علاقتهم بالخارج ضد الداخل، وهنا المشكلة. ونحن نرى أن كل قوى المقاومة سواء كانت حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية تعتمد أساسا على المواطنين داخل فلسطين فى الضفة وغزة، وعموما هذه المشكلة سنجدها عندما نتحدث فى أى موضوع يتعلق بتنظيمات سياسية وانشقاقات عن هذه التنظيمات، فحيثما توجد تنظيمات سياسية بها من يحمل السلاح وبها أيضا السلميون سوف يدب نوع من أنواع الصراع بين الاتجاهين، وحيثما يوجد أهل داخل وأهل خارج سوف يدب الصراع بين هؤلاء وأولئك، وذلك لأن الرؤية مختلفة والأوضاع مختلفة والإمكانيات مختلفة والأودات التى نستخدمها أيضا مختلفة، وبالطبع كل ذلك يؤدى إلى اختلافات فى السياسات المقترحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.