إن توضيح طبيعة النبوة والرسالة، وطبيعة الرسالات السماوية كما جاءوا في القرآن الكريم، سوف يمكننا من الوصول إلي أرضية عقيدية أصولية مشتركة بين الإسلام (شريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام) وبين الديانات السماوية جميعها، وكذلك بين الديانات الشرقية: (الهندوسية، الزرادشتية، الكونفوشيوسية، البوذية) وغيرها من الأديان التي أطلق عليها ظلما وزورا بأنها أديان (وضعية) أو (أرضية) أو (فلسفات) أو (لون من الحكمة). وذلك عن طريق استقراء النصوص الدينية والتاريخية لتلك الديانات القديمة، ومقارنتها بالرسالات المسماة ب(السماوية) ك(اليهودية، النصرانية، الإسلام) مما سيجعلنا في نهاية المطاف نصل إلي نتيجة مؤكدة بأن أصول الديانات الشرقية (الهندوسية، الزرادشتية، الكونفوشيوسية، البوذية) وغيرها من الأديان المماثلة هي في أصولها رسالات (سماوية) إلهية توحيدية أوحي الله بها إلي أهل تلك البلدان، وهذا سيجعلنا بكل تأكيد نخلص إلي نتيجة صحيحة مؤكدة ألا وهي: إن كل الدراسات التاريخية الدينية وكل ما يسمي بعلم (مقارنة الأديان) وكذلك كل ما كتب من فلسفات في موضوع الدين والوجود التي كتبت حديثا حول الأديان الشرقية أو الأديان عموما السابقة علي (اليهودية، والنصرانية، والإسلام) أو المتزامنة معها، كل هذه الدراسات والعلوم والفلسفات هي أخطاء في أخطاء وتشويه في تشويه وأن الطلاب في جميع أنحاء العالم يدرسون كتابات وبحوث ودراسات خاطئة مشوهة مبتورة غير حقيقية علي الإطلاق. وهذا بالتالي سيجعلنا نعيد قراءة تاريخ البشرية من جديد، بل سنعيد كتابة تاريخ البشرية مرة أخري، وسوف نعيد النظر ونراجع كل ما كتب عن تاريخ الأديان، وسوف نعيد النظر في علم مقارنة الأديان، وسوف نعيد النظر في كل ما تم خطه وتسطيره علي مدار التاريخ البشري كله في فلسفة الدين والوجود وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الإنسان بالدين، وكذلك دور الدين في حياة البشر. إن الرسالات الإلهية (السماوية) جميعها رسالة واحدة، وكذلك ليست واحدة، فهي واحدة من جانب أن جميعها جاءت تدعوا إلي وحدانية الله بأركانها الثلاث: الألوهية، الربوبية، واللامثلية، وهذه الوحدانية سوف نتناولها لاحقا في دراسة مستقلة. أما أن الرسالات السماوية ليست واحدة، فمن ناحية المادة الرسالية التي جاءت بها كل رسالة علي حدة، فمن استقراء نصوص القرآن الكريم حول الرسالات جميعها، وجدنا أن الله قد أرسل رسالاته علي نوعين، رسالات عامة مفصلة مركزية كبري، ورسالات فرعية تجديدية، وقد جاء في القرآن الكريم أن الرسالات العامة المركزية الكبري تحتوي علي عدة موضوعات شاملة كاملة مفصلة، ثم تأتي الرسالات الفرعية لتجديدها أو التخفيف منها أو الإضافة إليها. فلو تتبعنا خطي الرسالات الإلهية التي أوحي الله بها إلي الموكب الكريم من الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم، لوجدنا أن الرسالات الإلهية جميعها من حيث مضمونها تهدف إلي حقيقة واحدة وحيدة، هي: تعريف الإنسان بحقيقة مجيئه ووجوده في هذه الحياة الدنيا، ومصيره بعد رحيله منها، ومن ثم علاقة الله الخالق به، وعلاقته بالخالق سبحانه، ثم إلزامه بطائفة من القيم السلوكية الإنسانية التي تنظم سلوكه الشخصي مع بني جنسه، ومع الأشياء من حوله، وإلزامه أيضا بطائفة من العبادات والشعائر التي تربط الإنسان بربه، وتذكره به كلما غفل أو نسي أو شغلته متطلبات الحياة عن حقيقة وجوده وعلاقته بربه وبالآخرين وبالأشياء من حوله. أما الرسالات الإلهية التي أوحي الله بها إلي الأنبياء والمرسلين فتختلف عن بعضها البعض، من حيث أماكنها، ومن حيث توقيتها، ومن حيث مادتها، ومن حيث مهامها، إذن فهي مختلفة من حيث المكان ومن حيث الزمان، ومن حيث المادة، ومن حيث المهمة التي كُلِفَ بها النبي أو الرسول في هذه الرسالة أو تلك. فجميع الرسالات التي أوحي الله بها إلي الأنبياء والرسل أتت علي نوعين لا ثالث لهما، وهما: النوع الأول: الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبري. النوع الثاني: الرسالات الفرعية التجديدية، ونستعرض هذين النوعين في المقال القادم. باحث إسلامي مقيم بأسيوط