في القرية وقبل العيد بيومين تقريباً كان الزحام علي أشده في دكان خياط القرية- الترزي- وعلي الرغم من أن والدتي كانت اشترت من أجلنا ملابس العيد من (مصر)- أم الدنيا كما يسميها أبناء خالتي - إلا أن أبي كان من أنصار أن "تفصل" ملابس أخري في "البلد" حتي أبدو متساوياً مع الأهل والعشيرة - حساسية مفرطة- الدكان عريض جداً وله باب أضخم من باب أكبر مول في مصر الآن، مصنوع من خشب النخيل، وفي جانبيه مصطبة لانتظار الزبائن.. ترزي قريتنا كان في ورطة كبيرة، لأنه ترزي عربي، متخصص في تفصيل الجلباب العربي- فهو زي كل أبناء القري وقتها!.. حتي المدرسة التي زرتها حتي لا أتغيب كثيراً عن دروسي كانت المعلمة- المدرسة يعني- ترتدي الجلباب الأسود ولكنها فجأة رفعت عنها جلبابها لتبدو في صورة أكثر مدنية أمام تلميذ قادم من مصر وكانت المفاجأة أنه من أسفل الجلباب الأسود، كان هناك جلباب آخر ولكنه ملون "مشجر بلون البهجة"! هل لهذا علاقة بالعيد..؟ طبعاً.. المصراوي ورطة عمنا الترزي كان سببها أن ابن مصر الغلباوي يريد تفصيل بنطلون وقميص لزوم العيد، والترزي الشرقاوي الطيب يسأله: يعني عايز بدلة؟ أقول بغضب: لأ.. بنطلون وقميص، وأظل أشرح وأشرح، لأكتشف في النهاية أن هذا الزي "الأفرنجي" يقال له "بدلة" في القرية.. في أقل من ساعة كان قد تم تفصيل "البدلة" ومعاها بيجاما، فقد كنت- وما أزال- لا أميل إلي لبس الجلباب، مصراوي بقي! البيجاما- كما عرفت بعد ذلك- لزوم ليلة العيد.. أي يوم الوقفة، والبدلة المكونة من بنطلون وقميص لأيام العيد .. ومن الممكن أن يكون هناك طقمان للتغيير. شموع وأصابع صغيرة بعد ذلك انطلقنا في ليل معتم، لا ينيره إلا شموع صغيرة، رفيعة، قصيرة، بداخل علب من الصفيح، ذهبنا نقطع القرية ذهاباً وعودة نغني مهللين: يا برتقان "برتقال" أحمر وكبير بكرة الوقفة وبعده العيد يا برتقان أحمر وصغير بكرة الوقفة وبعده نغَّير (أي نرتدي الملابس الجديدة). بركة الشيخ ونظل هكذا حتي يخرج شيخ وقور من "داره" ليبدأ في التسبيح وهو يسير في أزقة القرية، منبهاً الأهالي بقرب حلول صلاة الفجر، ويدعونا للصلاة فنسير من خلفه بما تبقي من شموع لننير له الطرقات، وكلنا أمل في أن نحصل علي "ثواب" من الخالق سبحانه لأننا نشارك في فعل الخير، وربما حصلنا علي بركة من هذا الشيخ الوقور، ونحن نعتقد في أن كل من يرتدي زي الشيوخ يكون من الأولياء الصالحين. يا ليلة العيد يا نور العين يا غالي يا شاغل مهجتي وبالي تعال اعطف علي حالي وهني القلب ليلة العيد حبيبي مركبه تجري وروحي بالنسيم تسري قولوا له يا جميل بدري حرام النوم في ليلة العيد وسط الدفا بعد صلاة الفجر حاضراً، نذهب إلي بيوتنا، لننام علي "الفرن" - وهو مطفأ طبعاً - في أحضان الملابس الجديدة، ومع استنشاق رحيق الحذاء الجديد!، وفي الصباح يأخذني أولاد خالتي للمشاركة في عمل جديد ومهم، وممتع، ومفيد- هكذا يصورون لي- حيث نذهب وراء جزار القرية وهو يسحب جاموستين - من بتوع جاموستي يا عمدة - ونطوف وراءهما في حالة مشابهة للتجريس أيام المماليك.. ونهتف بأعلي صوتنا: من ده يا بكرة.. بقرشين عند المعلم (...) بقرشين