في عالم النت الجميع جاهلون.. ربما يعلم هذا كيف يبحث عن المعلومات ولكنه لا يعلم الكثير عن الفيس بوك مثلا.. أو يكون ذاك علي دراية كبيرة بالفيس بوك ولكنه لم يدخل أبدا في حوارات عبر ال (Rooms) المختلفة.. وهكذا يتسع عالم النت الخيالي مثله مثل عالم الواقع تماما للعلماء الجهلاء.. ولكن المشكلة الأولي والكبري في هذا العالم المنسوج علي شبكة هي أن معرفة الحقيقة تقتصر علي العلم ولا تمتد بأي حال من الأحوال إلي عالم الاجتماعيات.. قد يبدو هذا كلاما غريبا للبعض، ولكن من يدخل عالم النت من بوابة العلاقات الاجتماعية يعي تماما أنه يدخل عالم الوهم.. ومن لا يعي هذا قد يصاب بخيبة أمل كبيرة قبل أن يتعلم الدرس.. بخاصة إذا دخل في دوامة ما يعرف باسم غرف الثرثرة الإلكترونية.. القاعدة تقول ألا تكتب عن خبرة معينة ما لم تكن قد عبرت فيها.. وهي قاعدة صحيحة مائة بالمائة.. وبالرغم من حرصي عليها، فقد وجدتني أكتب اليوم عن هذه الغرف التي تبيع الوهم وأنا لم أختبرها ولكنني وجدت من يعاني منها.. وأسباب المعاناة كثيرة.. إذ أن الكثير من تلك الغرف لا توجد لها هوية قاطعة مانعة، ولا يوجد لمناقشاتها نوع من الحدود والاتجاهات الفكرية.. وهي عبارة عن مجموعات من أصحاب الوقت المفتوح، والاهتمامات المنعدمة، والمستوي الثقافي الضحل، والحياة المليئة بالملل، والبحث عما يشغل الوقت والرأس بأقل تكلفة.. وتتسم غرف هذه النوعية من البشر بمناقشات لا معني لها ولا هدف، وألعاب سخيفة، ونكات وقفشات ثقيلة، وهم يسمعون الأغاني، ويتسامرون ويتسابقون، ويتبادلون الكلمات المكتوبة أحيانا والمسموعة أحيانا أخري.. وهم في كل هذه التسالي لا يعرفون حقيقة بعضهم البعض اللهم إلا صوت هذا أو ذاك.. وبالطبع بعد بعض التسلية لابد أن يتشاجروا.. ومما أذهلني ولم أجد له معني ربما لجهلي بطبيعة هذه الغرف المثرثرة أن هناك حرصا عجيبا من أصحاب كل غرفة علي زيادة عدد المشتركين في الثرثرة، بل وسرقة المثرثرين من الغرف المجاورة!! ولو وقف الأمر عند هذا الحد لكان كافيا، ولكن وجود الجواسيس ونقلهم لأخبار الدول أقصد الغرف المتنافسة هنا وهناك، يصور الأمر علي محمل خطير من الجدية والأهمية.. وهو في حقيقة الأمر أوهام في أوهام.. ثم يمتد الوهم فيصل إلي مرحلة البيع والشراء.. ويشتري المخدوعون وقتهم وتسليتهم الخيالية علي الغرفة بنقود حقيقية.. فهذه المسابقة جائزتها كارت شحن موبايل بعشرة جنيهات.. أما مسابقة الأسبوع القادم فجائزتها كارت بمبلغ خمسين جنيها.. وها هي الأرقام الفائزة.. نعم هناك من ينفق مالا ويمنح كروت الشحن، ويلون اسمه بالأزرق والأخضر ليشتري وهما.. ولكن ولم يتخاطف هؤلاء البائعون وتجار الوهم المثرثرين الضالين؟ وما الفائدة التي يجنيها هؤلاء وأولئك عدا تضييع الوقت من مثل هذه المشاحنات؟ وما الأسباب التي تجعل أي شخص يقبل بالوهم وهو يعلم جيدا أنه مجرد وهم ومع هذا يظل متمسكا به؟ أسئلة لا أجد لها إجابة وأتمني أن يقوم المستنيرون بتنويرنا عنها..