يقترب عدد أعضاء الحزب الوطني الحاكم من ثلاثة ملايين شخص في مختلف أنحاء الجمهورية، مما يجعله أكبر قوة سياسية منظمة في الشارع علي الإطلاق، وهو حزب الأغلبية منذ ظهوره، حتي ولو لم تتوافر في الانتخابات العامة الشروط الواجبة لضمان حيدتها ونزاهتها الكاملة، وهو فعليا لا يواجه منافسة حقيقية في الشارع لسببين الأول أنه لا توجد أحزاب سياسية قادرة علي المنافسة الحقيقية، والثاني أن الدستور والقانون لا يسمحان لقوي غير شرعية بالنفاذ للعملية السياسية من خلال شعارات دينية. ورغم الميزان الحزبي المختل بشكل كبير، ورغم أن من حق أي حزب سياسي العمل علي الفوز بالأغلبية النيابية، وأكثر إذا تمكن من ذلك، لكن لماذا لا يتحلي الحزب الوطني ببعض التواضع ويسمح للآخرين بالوجود إلي جواره؟ بعد أقل من ثلاثة أسابيع تجري انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري، وقد رشح الحزب الوطني مرشحين علي جميع المقاعد المتنافس عليها، لكن ماذا يمنع لو امتنع الحزب عن الترشيح في عدد من الدوائر وتركها خالية لأحزاب المعارضة؟ في مجلس الشوري قبل تعليق أعماله لا يوجد سوي نائبين معارضين منتخبين عن حزب التجمع أحدهما في الإسكندرية والآخر في دائرة مصر القديمة بالقاهرة، وقد استعمل الرئيس حقه الدستوري وعين عددا من رؤساء أحزاب المعارضة في الشوري، ليكون مجلسا متنوعا تشارك فيه جميع ألوان الطيف السياسي، لكن التعيين وحده لا يكفي. ويعتقد بعض قادة الحزب الوطني أن مصلحة الحزب في وجود معارضة قوية، تسمح بوجود منافسة حقيقية، تؤدي إلي حالة حراك دائمة داخل الحزب في الأفكار والأشخاص، لكن هذه القناعة حتي تتحقق تحتاج إلي إجراءات عملية علي الأرض لتشجيع الأحزاب السياسية الأخري. وأعتقد أن تكرار الفوز بأغلبية كبيرة ومريحة تجعل صاحبها يشعر بذاته وبقوته السياسية، لكننا نحتاج من الحزب الوطني إلي القليل من التواضع، والعمل علي تعميق التجربة الحزبية، والسماح لها بالنمو بإطراد، وهذا لن يتأتي إلا عبر ظهور ملحوظ لرموز المعارضة في المجالس المحلية ومجلسي الشعب والشوري. وإذا كان الأوان قد فات لإخلاء بعض دوائر الشوري لأحزاب المعارضة فإن علي قادة الحزب الوطني التفكير بجدية في دعم وجود الأحزاب السياسية في البرلمان القادم، والالتزام بإخلاء نسبة من الدوائر لمرشحي المعارضة، لن تأكل بالتأكيد من أغلبية الوطني، لكنها تسمح بوجود نواب من أحزاب أخري في محافظات مختلفة، من شأنها نقل إحساس للناس أن الحياة الحزبية موجودة وتتجه للفعل، ولها نواب يتحركون بين الناس بمنتهي الحرية والفاعلية. هذا هو السبيل الوحيد، فالحزب الوطني ليس مطلوبا منه الفوز بأغلبية مريحة تمكنه من الحكم، وإنما العمل علي بناء حياة سياسية صحية، لن توجد طالما ظل التمثيل الحزبي في المجالس المنتخبة هامشيا ومحدودا.