"حبيبي بابا...إنت وحشتني أوي..لسة فاكرني؟ عاوزة أكون وحشاك، لكن لما بفكر صح، بتمني تكون مش فاكرني... الحاجة الوحيدة اللي مخلياني بخير لما بفتكرك و إنت بتقرأ لي قرآن بصوت عالي هادي جمبي وأنا عيانة في صغري، إنت حملتني بميراث كبير أنا مش قده، جمالك أفسد لي حياتي، ورغم قراري بالتمرد عليك، إلا إني مقدرتش عشان بحبك". بهذه الكلمات خاطبت معتزة صلاح عبدالصبور، والدها الراحل في خطاب وجهته له خلال الاحتفالية التي نظمها أتيليه القاهرة في ذكري مرور 80 عاما علي رحيله، وشارك بها كل من الدكتور حسن طلب، والدكتور محمد بدوي، والشاعر ياسر الزيات. معتزة قالت: هذا الخطاب هو الأول في سلسلة خطابات أكتبها ردا علي خطابات أبي التي عثرت عليها، فعقب وفاة أمي، اكتشفت أنها محتفظة في مكتبتها بكل الرسائل التي وجهها لها أبي منذ فترة الستينيات وحتي وفاته، ورغم أن رسائله وصلتني متأخرة ثلاثين عاما، فإنني قررت أن أرد عليه عبر مجموعة من الرسائل، ولا أعرف ماذا أفعل بهذه الرسائل، هل أتركها وشأنها؟ أم أنشرها؟ أحيانا أشعر أنها عبء، وأحيانا أجدني أقول أن والدي ظلم كإنسان، الشيء الوحيد الذي كنت متأكدة منه أنني كلما اكتائبت كنت أتمسك بها أكثر. وقال الدكتور محمد بدوي: حصلت علي ماجستير في شعر صلاح عبدالصبور الغنائي، لقد كان عبد الصبور نسيجا وحده، ظهر ليحدث هزة كبري في الشعر العربي بقصيدة التفعيلة، وكان من القلة الذين تجرأوا علي انتهاك موسيقي الشعر، فديوانه الأول"الناس في بلادي" كان أول ديوان من قصيدة التفعيلة، ولم يكن مجرد موهبة شعرية وإنما مشروع شعري كبير، وكانت له لكنته ولغته الخاصة، التي تثير العجب، كيف استطاع هذا الشاب العشريني وقتها صوغها هكذا؟ وأكمل: في كل قصائده يكشف عن تأثره بالاشتراكية، فمضي في خطوات أكثر شجاعة رغم ضجيج حركة التحرر الوطني، وذهب لمسار خاص كان إعلانا عن تعريف للشعر بربطه بالنبوة، فالشاعر النبي يتخذ في الحياة موقف الرائي الذي يري ما لا يراه الآخرون ويسمع ما لا يسمعون، وقد أخذته تلك الرؤية بفعل قلقه الروحي وإدمانه علي القراءة العربية والإنجليزية. وأضاف: الحزن ظاهرة واضحة جدا في شعر عبد الصبور، حتي في مرحلة الشعر النضالي لم يستطع أن يبتلع عبد الصبور النظام الجديد المنبثق عن ثورة يوليو، ففي ديوانه "أحلام الفارس القديم" يبدو عبد الصبور حاملا لهموم تفسير العالم ميتافيزيقيا، ولعل هذا كان سر اتصاله الوثيق بالشعراء الميتافيزيقيين الإنجليز. من جانبه قال حسن طلب: في أعمال الشعراء العالميين الكبار قليلا ما نجد هذا التأمل، وتلك العلاقة بالكون والله، التي تطرح أسئلة أكثر مما تعطي إجابات، أعمال عبدالصبور بها عمق فلسفي كبير، كما أن جانب الأصالة والتميز في شعره هو السبب في رجوعه الدائم لأبي العلاء المعري، ودائما ما تري في كتابته ذلك الجدل بين الاسم والمسمي، وقد كان أبوالعلاء المعري هو الأول ومحمد إقبال هو الثاني وعبد الصبور هو الثالث، بين الشعراء الذين طرحوا أسئلة بشأن أشياء نعتقد أن أجوبتها جاهزة. الشاعر ياسر الزيات اعترف بأنه لم يكن يحب قصيدة عبد الصبور التي كانت مقررة عليه في الثانوية العامة، وقال: لم أكن أحبها، ولكني حين قرأت "الفارس القديم" قررت أن أصبح شاعرا وأصبح الراحل صلاح عبدالصبور هو أبي الشعري الأول.