"يجب علينا أن نأتي بيهود للقدس الشرقية بأي ثمن. يجب علينا أن نوطن عشرات الآلاف من اليهود في وقت قصير. اليهود سيوافقون علي التوطين في القدسالشرقية حتي ولو في أكواخ. لا يمكننا أن ننتظر بناء أحياء منظمة. الشئ الأساسي هو أن يتواجد اليهود هناك". كانت هذه كلمات ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لاسرائيل بعد حرب 67، وهي تعكس أهمية التوسع في الاستيطان بالقدس تحت أي ظرف ومهما كان الثمن. هذا هو عام القدس.. عام حسم هوية المدينة وغالبيتها بالنسبة لاسرائيل التي تريد اغراقها باليهود لكي تضمن أنهم يمثلون غالبية السكان.. فتصبح المدينة عاصمة حقيقية للدولة العبرية.. صافية للجنس اليهودي من دون شوائب (السكان العرب).. هذه هي خطة الحكومة اليمينية التي يرأسها بنيامين نتانياهو ومعه أحزاب يهودية متطرفة مثل حزب شاس ومتطرف قبيح هو أفيجدور ليبرمان يفترض أنه يمثل دولته الاستيطانية في الخارج. حملة تهوية القدس لم تهدأ يوما لكن تسارعت وتيرتها خلال العام الماضي بشكل كبير لتطول مقدسات المدينة وسكانها وأرضها وحتي هويتها الثقافية وطرازها المعماري كما يؤكد تقرير صدر الأسبوع الماضي لمؤسسة القدس الدولية مدعوما بالصور ويتوقع أن يشهد عام 2010 تطورا جذريا في المدينة. زيادة الرموز اليهودية أولي بوادر مخطط تهويد القدس في العام الحالي كان البدء في بناء مزيد من المعالم والرموز اليهودية الدينية في البلدة القديمة مثل كنيس الخراب بالاضافة إلي كنيس "قدس النور" الذي ورد في مخطط "أورشليم أولا" الصادر منذ عامين، ويفترض أن يقام فوق المحكمة الإسلامية الملاصقة للسور الغربي للأقصي.. وغيرهما من المشروعات البناء التي تعزز الوجود اليهودي في المدينة. ورصد التقرير محاولات تقسيم المسجد الأقصي المستمرة بحيث تقتطع ساحاته الجنوبيةالغربية لتخصص للمصلين اليهود، منهية بذلك الحصرية الإسلامية للمسجد ممثلة بالأوقاف الأردنية، اذ تحاول كافة الأوساط المعنية سواء الحكومية أو الجمعيات المتطرفة أن تستثمر الأعياد والمناسبات اليهودية لمحاولة فرض هذا الأمر. ولن يكون غريبا أن تعاود اسرائيل العمل في الجسر الحديدي علي باب المغاربة لاستكمال البنية التحتية اللازمة لتقسيم المسجد. وتوقع التقرير أن يتم استكمال مشروع "المدينة اليهودية المقدسة" أسفل المسجد الأقصي ومحيطه، عبر افتتاح عدد من مواقع الحفريات التي وصل فيها العمل إلي مراحله النهائية، خصوصا في الجهة الجنوبية للمسجد، وليس من المستبعد أن تصل الحفريات في هذه الجهة إلي المصلي المرواني، كما من المتوقع أن تتوسع الحفريات في الجهة الغربية للمسجد الأقصي باتجاه الأسوار الغربية للبلدة القديمة. مخطط التهويد لا يقتصر علي طمس الهوية الاسلامية للمدينة بل أيضا هويتها المسيحية فالمهم هو سيادة الطابع اليهودي، وفي هذا الاطار قال التقرير انه استمرار لمحاولات الاستيلاء علي الأوقاف الكنسية خصوصا أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في البلدة القديمة، فان المحاكم الاسرائيلية قد تبت في قضية ساحة عمر بشكلٍ نهائي وتثبيت ملكيتها للشركات الاستيطانية، تمهيدا لتنفيذ المخطط شبه النهائي الذي وضعته البلدية الاسرائيلية بالتعاون مع الشركات الاستيطانية لتهويد الساحة. شيطان الاستيطان أما عن معركة الديموغرافيا علي الأغلبية السكانية.. يهود أم عرب.. فيحذر مركز اسرائيلي يميني في دراسة صدرت مؤخرا له من التهديد الديموغرافي وتراجع الأغلبية اليهودية بالقدس بسبب ارتفاع معدل المواليد وانخفاض معدل الوفيات عند العرب وعكسه عند اليهود بالاضافة لهجرة مجموعات ضخمة من اليهود من القدس لمناطق أخري في اسرائيل علي مدار الثلاثين عاما الماضية بحيث لم تعد الخطة التي وضعتها الحكومات الاسرائيلية في السبعينيات والثمانينيات وتقوم علي تقسيم السكان في القدس 70٪ يهود و30٪ عرب واقعية، لتحل محلها خطة 60٪ يهود و40٪ عرب بحلول عام 2020 (أي زيادة في عدد السكان اليهود تقدر ب75 ألف يراها المركز الاسرائيلي غير منطقية) وهي فحوي الخطة الرئيسية للقدس التي وضعت عام 2000. الخطر الرئيسي الذي يمثله تزايد نسبة العرب في القدس وفق الدراسة الاسرائيلية هو فقدان الطابع اليهودي للقدس، والنقطة الأخري هو أن ذلك يفتح الباب أمام طرح ضم القدسالشرقية للدولة الفلسطينية المستقلة عند انشائها وهو ما ترفضه اسرائيل ولهذا تعمل علي تعزيز التواجد اليهودي في النصف الشرقي بالأساس. في مواجهة ذلك، قد تبادر اسرائيل بتعديل الحدود البلدية للقدس بهدف اغراق المدينة باليهود وهو اذا ما تم ذلك فستتطابق الحدود مع حدود الجدار العنصري ليدخل بذلك نحو 163 كلم2 إلي مساحة القدس الأصلية يسكنها أكثر من 69,900 مستوطن يهودي حسبما ذكر تقرير مؤسسة القدس الدولية. ولهذا جاء تحذير الدراسة الاسرائيلية من فقدان ارتباط القدس بمستوطنة معاليه أدوميم والتي يراد توسيعها ضمن خطة "باب الشرق" لربطها لاحقا بالقدس في اطار زيادة أعداد اليهود بالمدينة. بالطبع لن يتم تعديل الحدود بشكل علني أو مباشر يلفت الأنظار ويؤدي لأعمال شغب، وانما سيتم عبر توسيع الكتل الاستيطانية الموجودة لتصبح متصلة سكانيا بمدينة القدس، مع إنشاء شبكة مواصلات تسهل الانتقال بين مركز المدينة وهذه الكتل الاستيطانية بموازاة ذلك، تعمل جهات اسرائيلية عديدة علي الترويج للقدس باعتبارها مركزا سكنيا في محاولة لتعديل ميزان الهجرة اليهودية العكسية من المدينة والتي كانت مثار بحث لعدة مراكز دراسات اسرائيلية خلال العام الماضي. ونشر تقرير مؤسسة القدس الدولية خريطة توضيحية لحجم التوسعات التي تريد اسرائيل عملها في المستوطنات والوحدات السكنية التي تريد بنائها داخل القدس علي مرحلتين الأولي حتي عام 2015 والثانية حتي عام 2020 باجمالي 14,123 ألف وحدة سكنية. تهجير العرب علي الجانب الآخر، قال تقرير مؤسسة القدس الدولية ان اسرائيل استمرت في سياسة سحب الهويات للتخلص من أكبر عدد ممكن من السكان العرب خاصة اذا ما أعلن تعديل الحدود البلدية وهو اجراء من شأنه أن يخرج بعض التجمعات الفلسطينية الأساسية خارج حدود القدس بشكل نهائي. وبالنظر إلي الهويات المسحوبة من الفلسطينيين (عرب 48) في الفترة من (1967-2007) فان عددها يصل إلي 8558 هوية تمثل 65٪ من اجمالي الهويات المسحوبة حتي عام 2008 والتي يصل عددها إلي 12,135 هوية بما يعني أن عام 2008 وحده شهد سحب 4577 هوية بنسبة 35٪. وتسعي اسرائيل في الوقت نفسه لحسم أوضاع الأحياء الفلسطينية الحاضنة للبلدة القديمة أو ما يسميه الاحتلال "الحوض المقدس"، خصوصا ملفي حي البستان وحي الشيخ جراح، فملف حي البستان جنوب المسجد الأقصي سيحاول الاحتلال حسمه من خلال تسوية تسمح بتهجير جزئي للسكان فيه، مع استكمال مشروع "حدائق الملك" علي أجزاء منه وترميم بيوته وشوراعه لتصبح بعد تعديل طرازها المعماري جزءا "من مدينة داود" تحمل طابعا يهوديا خالصا. أما بالنسبة لملف حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة للقدس فسيسعي الاحتلال لحسمه عبر تكثيف الضغط علي السكان المقدسيين في الشيخ جراح المستهدف من خلال زيادة اعتداءات المستوطنين عليهم، وتكثيف الملاحقة الأمنية لهم، والتضييق علي مصادر دعمهم الخارجي، مع الاستمرار في المماطلة في أوضاعهم القانونية في المحاكم حتي تثبيت أمر واقع من خلال احتلال المستوطنين اليهود لمنازلهم مع تجهيز البني التحتية لتحويل المكان لمزار يهودي ديني، كما يتوقع أن يسمح الاحتلال ببدء العمل في مشروع الحي الاستيطاني المنوي إقامته علي أرض كرم المفتي شمال الشيخ جراح. كما ستكثف الجمعيات الاستيطانية نشاطها في البلدة القديمة للقدس للاستيلاء علي أكبر عدد ممكن من عقارات البلدة المعروضة للبيع، مع توفير غطاء قانوني وأمني رسمي كامل من اسرائيل. أما علي صعيد المعركة الثقافية، فتتوقع اسرائيل أن تستمر محاولات تهويد أسماء معالم وأحياء البلدة القديمة بشكل كامل كما أقرت العام الماضي، كما توقع التقرير بدء أعمال "الترميم وإعادة التصميم" في باب العامود أهم أبواب البلدة القديمة شمالا لتغيير طرازه المعماري وإخراجه بشكل جديد وفق المعتقدات اليهودية وهي أعمال ستتطلب إغلاق الباب لفترة طويلة من الزمن، في منطقة تشكل العصب الأبرز لاقتصاد البلدة القديمة، إلي جانب سوق خان الزيت.