عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    خالد أبو بكر: مصر ترفض أي هيمنة غير فلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    نجم الزمالك السابق: نهائي الكونفدرالية يحتاج 11 مقاتلًا في الملعب    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    رقص أحمد السقا مع العروس ريم سامي على غناء عمرو دياب «يا أنا يا لاء» (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بعد 94 دقيقة.. نوران جوهر تحسم الكلاسيكو وتتأهل لنهائي العالم للإسكواش 2024    قبل مواجهة الترجي.. سيف زاهر يوجه رسالة إلى الأهلي    «مش عيب تقعد لشوبير».. رسائل نارية من إكرامي ل الشناوي قبل مواجهة الترجي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    عاجل.. رقم غير مسبوق لدرجات الحرارة اليوم السبت.. وتحذير من 3 ظواهر جوية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    حلاق الإسماعيلية يفجر مفاجأة بشأن كاميرات المراقبة (فيديو)    شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة "اصليح" بخان يونس جنوب قطاع غزة    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    تعادل لا يفيد البارتينوبي للتأهل الأوروبي.. نابولي يحصل على نقطة من فيورنتينا    حضور مخالف ومياه غائبة وطائرة.. اعتراضات بيبو خلال مران الأهلي في رادس    منها سم النحل.. أفكار طلاب زراعة جامعة عين شمس في الملتقى التوظيفي    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    محكمة الاستئناف في تونس تقر حكمًا بسجن الغنوشي وصهره 3 سنوات    وسط حصار جباليا.. أوضاع مأساوية في مدينة بيت حانون شمال غزة    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    عايدة رياض تسترجع ذكرياتها باللعب مع الكبار وهذه رسالتها لعادل إمام    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: لفات القدس المحتلة (3) .. القدس من زوايا الرؤية الإسرائيلية

قد لايمكن استعادة ما اغتصب منك عنوة من دون أن تحدق بكل قوة فى بؤبؤ عين المغتصب لأنه من الضرورى أن نرى ما يراه هو وليس فقط ما نراه نحن بعيوننا، وينطبق هذا الأمر أيضا على القدس المحتلة التى ينبغى لنا أن نعرف كيف يراها الجانب الإسرائيلى، لأن حالة القدس لا تتوقف عند حدود احتلالها كما احتلت بريطانيا القاهرة أو فرنسا دمشق أو أمريكا بغداد،
وإنما تتجاوزها إلى خطر طمس هويتها وتهويدها بالكامل وابتلاعها فى جوف قدس أخرى كبرى تحيل القدس التى كنا نعرفها إلى مجرد أثر أو أحفورة أو ربما حائط مبكى نتبادل واليهود أدوار النواح ولطم الخدود وذرف الدموع على تاريخها وما تبقى من أطلالها. القدس التى بالكاد نعرفها لا تتجاوز مساحتها كيلو متراً مربعاً واحداً داخل الأسوار العتيقة والتى تحوى داخلها كنيسة القيامة والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة،
فيما القدس التى يعملون لأجلها هى القدس الكبرى على مساحة تمتد لأكثر من 2800 كم مربع، وهذه القدس التى لا نعرفها هى أكبر كتلة استيطان فى العالم والتى تعود معها القدس القديمة مجرد نقطة أو واحد على3000 تقريبا من مساحتها وهذه القدس الكبرى سوف تقضم 33%من مساحة الضفة الغربية وتترك لمشروع الدولة الفلسطينية المؤجل ثلاثة معازل يحشر داخلها90% من السكان ولا يوجد لا تواصل جغرافى بينها، ولا بينها وبين الأردن أقرب البلاد العربية ومنفذها البرى الوحيد للعالم.
 لكن عندما ندقق النظر أكثر إلى وضع القدس قد يدهشنا القول بأنه رغم كل ما يقال فى إسرائيل عن مكانة القدس وأهميتها فإنها مع ذلك بقيت حتى الآن فى موقع متخلف كثيرا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية عن كثير من المدن الأخرى خاصة عن مدينة تل أبيب حتى إن النكتة الأشهر فى إسرائيل تقول: إن أجمل شىء فى القدس.. هو الطريق إلى تل أبيب،
ويعترف نير بركات رئيس بلدية القدس الحالى بأن «مكانة القدس ساءت كثيرا فى السنوات الخمسة عشرة الأخيرة لأن نوعية حياة الطبقة الوسطى تضررت مما دفع الكثيرين للهجرة من القدس إلى الضواحى وإلى مركز البلاد»، والحديث يدور هناك عن هجرة حوالى 17 ألفاً من السكان اليهود الذين يتركون القدس كل سنة،
وهذا يعنى أن معطيات الهجرة السلبية من القدس تصل إلى حوالى 6 آلاف نسمة كل عام، وقد أفزعت هذه الأرقام الحكومة الإسرائيلية لذا قررت فى يونيو 1998 العمل بكل الطرق للحفاظ على نسبة لا تقل عن 70% من السكان اليهود فى المدينة، ورفع هذه النسبة حتى لا تتجاوز نسبة الفلسطينيين من سكان المدينة عتبة ال20%من إجمالى سكان القدس.
وقد يكون من المفيد أن نتعرف أكثر على خريطة توزيع السكان فى القدس، حيث تسكن الشرائح الاجتماعية المتوسطة من اليهود فى الجزء الغربى من المدينة، فى حين يحتل اليهود الحريديون أى المتدينون المتزمتون شمال المنطقة اليهودية من المدينة وهؤلاء يمثلون الشرائح الاجتماعية المتوسطة– المنخفضة فى القدس، أما السكان الفلسطينيون فيستقرون فى شرقى القدس وهؤلاء ينتمون اقتصاديا إلى الشرائح المتوسطة والمنخفضة اجتماعيا.
ورغم كل ما تبذله إسرائيل من سياسات وإجراءات لتغيير الوضع الديموغرافى فى القدس، فإن هذه المحاولات لا تزال تعانى من إخفاقات غير قليلة، فبعد أكثر من أربعة عقود على احتلال مدينة القدس وضمها إلى إسرائيل ارتفعت نسبة السكان الفلسطينيين فى القدس من 26% عام 67 إلى حوالى 34% عام 2009 فى مقابل انخفاض نسبة اليهود من 74% عام 67 إلى 66% فى العام الماضى،
ومن المؤشرات الأخرى المقلقة لإسرائيل أن نسبة الأطفال الفلسطينيين حتى 14 سنة تصل إلى 43% من الأطفال فى القدس فى هذه المرحلة السنية، ومع ذلك يجب أن نعرف أن نسبة المواليد بين الفلسطينيين سجلت انخفاضا فى السنوات الأخيرة، ووصلت إلى 30 ولادة فقط لكل ألف نسمة بعد أن كانت تصل فى السبعينيات إلى 43 ولادة لكل ألف نسمة من الفلسطينيين فى القدس، كما يجب أن نعرف أن نسبة المواليد باتت متقاربة للغاية بين الفلسطينيين واليهود المتدينين.
ونتيجة زحف اليهود المتزمتين على القدس مقابل فرار وهجرة اليهود المعتدلين والعلمانيين منها تحولت القدس من الناحية السياسية إلى واحدة من أكثر المدن المحافظة واليمينية، وهذا الأمر يبدو واضحا تماما فى إنماط التصويت فى الانتخابات الإسرائيلية للبرلمان– الكنيست- حيث يصوت ثلث سكان القدس تقريبا للأحزاب الدينية المتزمتة مثل يهوديت هتوراة وحركة شاس، ويصوت نصف سكان القدس لأحزاب دينية أو يمينية أخرى، وللمقارنة فإن نسبة المتدينين المتزمتين أى الحريديين لا تتجاوز فى إسرائيل كلها نسبة 7% من السكان يتمركز 30 منهم فى القدس مقارنة بتل أبيب التى لا يعيش فيها سوى 1% فقط من هؤلاء المتدينين،
وتصل نسبة العلمانيين فى إسرائيل كلها إلى44% من السكان، وتوجد أعلى نسبة منهم فى حيفا ثم فى تل أبيب، ورغم الطابع الخشن للغة الأرقام فإنها قد تكون مفيدة للاطلاع على الوضع العام فى إسرائيل والقدس، ولهؤلاء الذين يتعاملون بالموازين الحساسة للسياسة التى لا ترى أن كل اليهود يهود كما كل القطط سوداء فى حلكة الظلام.
كان ديفيد بن جوريون أعلن فى 10/12/1949 القدس عاصمة لدولة إسرائيل، وربما لا يعرف الكثيرون أن ذلك لم يكن موضع إجماع حتى إن موشيه شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل قدم استقالته للاحتجاج على هذا القرار قبل أن يعود فيها، ولم يكن ذلك مجرد تمثيلية أو توزيع أدوار، لأنه من يومها وحتى الآن لا يزال هناك العديد من الاصوات ذات الوزن الاعتبارى، التى لا تقيم وزنا كبيرا للقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، ففى عام 1986 كان البروفيسور دان ميرون الحائز على جائزة إسرائيل، كتب ما يلى فى صحيفة «دافار»: «إن القدس هى الورم المفتوح الذى ينتشر فى الجسم كله، هى مكان سكن قاسٍ ومتبجح، وستخرج من القدس نار الحرب الأهلية، التى نتقدم نحوها خطوة بعد خطوة،
 ومن هنا من مدينة البرلمان والحكومة ستخرج القوى، التى ستحاول قمع أو إلغاء الديمقراطية، ومن هنا من مدينة المحكمة العليا ستصدر الدعوة إلى تعليق سلطة القانون فى الدولة» وهذه النبوءة تكاد تتحقق بعد سيطرة المتدينين المتزمتين على القدس، التى تشهد المزيد من الصدامات مع الشرطة، بسبب مطالبتهم بفرض الشريعة على كل مناحى الحياة فى القدس، ويبدو واضحا أن هناك خطاً واحداً يجمع ما بين كل المتدينين المتزمتين على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم ودولهم، من جهته كان الأديب الشهير عاموس عوز، الحائز هو الآخر على جائزة إسرائيل،
كتب ما يلى: «ستكون القدس مدينة يسافر الناس من إسرائيل إليها كما يسافرون إلى خارج البلاد، وكأنهم يريدون رؤية الماضى، وفى الحرب بين القدس وتل أبيب أؤيد بالطبع تل أبيب لأنها تمثل السلامة العقلية والعلمانية والحاضر أما القدس فهى تمثل الماض، ومن الخطورة أن يعيش المجتمع فى الماضى، لأن هذا مرض يقتل الإنسان»،
وكتب يوسى ميلمان فى «هآرتس» مؤخرا فى 6/12/2009 «إن 42 سنة من الحكم الإسرائيلى فى القدس الموحدة لم تحسن الوضع فيها، فقد أصبحت بعد كل هذا إحدى المدن الفقيرة القذرة والضعيفة فى إسرائيل، مدينة يهجرها العلمانيون والشباب»، ويشعرون فى إسرائيل بالمرارة من اضمحلال الصلة بين الشباب والقدس، وكان استطلاع أجرى فى الجيش العام الماضى أظهر أن نصف الجنود لم يزوروا القدس أبدا، ومن أجل ذلك أقيم مشروع حديث يدعى «تجليت» يختص بجلب أكبر عدد من الشباب من مختلف أرجاء إسرائيل، لزيارة القدس ومحاولة ربطهم بتراثها اليهودى.
لكن هذه الحالة يجب ألا تخلق لدينا أى أوهام حول وجود تغيير كبير فى الموقف السياسى لدى الرأى العام الإسرائيلى من موضوع القدس، إذ لا تزال هناك أغلبية كبيرة فى الرأى العام الإسرائيلى تؤيد الاحتفاظ بما يسمى القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، صحيح أنه سجل انخفاضاً فى نسبة هذا الموقف بمقدار 10-15 فى المائة، لكن الرأى العام الإسرائيلى سجل فى اغلب استطلاعات الرأى نسبة تصل إلى 65-70% من التأييد لما يسمى القدس الموحدة،
وفى رأى المحللين هناك أن هذا الموقف لا يعود إلى المعتقدات الدينية أو الصهيونية بقدر ما يعود إلى الاعتقاد الغالب بأن تقسيم القدس إلى عاصمتين واحدة إسرائيلية والأخرى فلسطينية لن يؤدى إلى نهاية الصراع بل على العكس سيشجع الفلسطينين على مواصلة هذا الصراع لا نتزاع تنازلات أخرى بعد الحصول على القدس الشرقية، وكان هذا الاعتقاد قد تعزز بقوة لدى الرأى العام الإسرائيلى بعدما نجح الليكود فى إثارة المخاوف الإسرائيلية من تجربة الانسحاب الأحادى من قطاع غزة،
وتفكيك كل المستوطنات هناك واستمرار إطلاق الصواريخ مع ذلك من غزة على البلدات والمدن الإسرائيلية، ولهذا كله تتضح صعوبة المفاوضات بشأن القدس، خاصة فى ظل الائتلاف الحكومى اليمينى فى إسرائيل، الذى أعلن على لسان نتنياهو فى بيان الحكومة فى 31/3/2009، وفى خطاب جامعة بار إيلان فى 16/6/2009، ومن على منصة الأمم المتحدة فى23/9/2009 أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل.
من جهة أخرى يولى العسكريون فى إسرائيل أهمية كبرى للاحتفاظ بالقدس من منظور أمنى باعتبارها ركنا أساسيا فى استرتيجية الدفاع عن إسرائيل، ومن دون أدنى علاقة أو صلة بالبعد التاريخى أو الدينى اليهودى أو الأيديولوجى الصهيونى لمدينة القدس، لأن القدس بطبيعتها الطوبوغرافية والجغرافية تتحكم فى القلب الحيوى لإسرائيل، الذى تتركز فيه معظم الصناعات الكبرى والتكنولوجية المتقدمة وأغلبية السكان أيضا،
وكان إسحق رابين قال فى الكنيست قبل شهر واحد من اغتياله إن الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة القدس أمر ضرورى للسيطرة على غور الأردن، بدعوى أن إسرائيل يمكن أن تواجه خطر عدو يتقدم على الجبهة الشرقية أى من محور العراق– الأردن، ونظرا لأهمية هذا الاعتبار يجرى تسريع عملية توسيع حدود القدس لتستند هذه الحدود على خط التماس مع نهر الأردن، وتقطع الطريق أيضا على أى تواصل بين الأردن والدولة الفلسطينية، التى إذا أنشئت ستبقى حينها كمجرد جيب معزول فى حاضنة دولة إسرائيل.
وفضلا عن كل ذلك فإنه تبقى للقدس بالطبع أهمية اقتصادية كبرى من وجهة النظر الإسرائيلية، لأن الجهة التى ستحتفظ بالسيادة على القدس بما فيها البلدة القديمة داخل الأسوار حيث المقدسات المسيحية والإسلامية هى التى ستسقط فى خزانتها العوائد الكبرى المنتظرة من عشرات ملايين السائحين والحجاج وزوار المدينة المقدسة، ورغم التوتر وعدم الاستقرار الذى يسود المنطقة فقد سجل العام الماضى زيارة مليون ونصف المليون سائح للقدس،
وإذا تحسنت الظروف واستقرت فإنه يتوقع حدوث طفرة كبيرة فى هذه الأرقام بما يؤدى إلى إنعاش الاقتصاد الإسرائيلى بمليارات الدولارات وتوفير 150 ألف فرصة عمل جديدة للشباب الذى يهرب من القدس، وبالنتيجة أيضا تتمكن إسرائيل من تعديل الميزان الديموغرافى لصالح الأغلبية اليهودية وعلى حساب الفلسطينين المقدسيين،
وقد يكون من الضرورى هنا الحديث بتفصيل أكثر عن أوضاع هؤلاء الفلسطينيين المقدسيين، الذين يضيع الحديث عن أوضاعهم المأساوية فى غمرة التركيز أحادى الجانب على المخاطر، التى يتعرض لها المسجد الأقصى والمقدسات المسيحية والإسلامية فى القدس. كان الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية حازوا الجنسية الأردنية بعد قيام الأردن بضم الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى إمارة شرق الأردن وتكوين المملكة الأردنية الهاشمية عام 1950،
واستمر هذا الوضع حتى هزيمة 67 عندما أعلنت إسرائيل ضم القدس الشرقية فاحتفظ المقدسيون بالجنسية الأردنية وبوضع مقيم دائم فى دولة إسرائيل، ولكن عندما أعلن الملك حسين فى عام 1988 فك ارتباط الأردن عن الضفة الغربية بما فيها القدس فقد المقدسيون الجنسية الأردنية، وصاروا بدون مواطنة ولا يحق لهم حمل جواز سفر إسرائيلى وبدون حقوق سياسية،
وتفاقمت أوضاعهم السلبية بعد بناء جدار الفصل العنصرى حول القدس الذى عزلها كلها عن الضفة الغربية، وأخرج هذا الجدار العنصرى أكثر من عشر بلدات فلسطينية إلى خارج حدود القدس تماما، فيما قسم هذا الجدار بعض البلدات إلى قسمين مجموعة بقيت داخل القدس والأخرى خارجها، مثلما حدث فى بيت حنينا وأبوديس. ويرفض المقدسيون المشاركة فى انتخابات بلدية القدس لأنها تعنى قبولهم وموافقتهم على الوضع غير الشرعى للقدس الموحدة، ويدفع المقدسيون الضرائب،
ولذا يشملهم التأمين الوطنى لكنهم مهددون دائما بسحب هوياتهم الزرقاء وإبعادهم عن القدس، وكان مركز الدفاع عن الفرد كشف من واقع سجلات وزارة الداخلية فى إسرائيل أرقاماً مفزعة عن سحب إقامة 4577 مواطناً فلسطينياً مقدسياً فى عام 2008، وهو رقم قياسى يعادل 20 ضعفا لسحب المواطنة الذى جرى خلال الأربعين سنة الماضية ما يؤشر إلى تصاعد حجم الهجمة الإسرائيلية للتطهير العرقى والعنصرى،
ورغم كل هذه المعاناة فإن المقدسيين يطورون أساليب حياة تعينهم على البقاء والصمود، ولا يكتمل الحديث عن القدس والمقدسيين دون الإشارة إلى الدور التاريخى الذى لعبه فيصل الحسينى ابن الشهيد عبدالقادر الحسينى فى صمود القدس بل تحويلها إلى عاصمة سياسية بكل معنى الكلمة لفلسطين. كان فيصل قد حول بيت الشرق فى القدس إلى ما يشبه وزارة الخارجية التى لم تنقطع عنها زيارة القناصل الأجانب،
وكان الحسينى فى نفس الوقت يعايش المقدسيين فى الشارع ويتقدم صفوفهم فى المظاهرات وأشكال الاحتجاج على مصادرة الأراضى ويتصدى بصدره العارى للجماعات الدينية المتطرفة ولقوات الأمن الإسرائيلية، لكن فارس القدس ترجل أخيرا عندما توفى أثناء زيارته للكويت فى 31/5/2001، ونقل جثمانه إلى رام الله ومن ثم حملته الجماهير واقتحمت معه كل الحواجز إلى القدس حيث رقد فى مثواه الأخير فى المسجد الأقصى، وقد أدرك شارون وقتها خطورة هذا المشهد الذى استعادت فيه الجماهير، ولو مؤقتا، السيادة الفلسطينية على القدس،
فأمر شارون بإغلاق بيت الشرق وكل المؤسسات التى كانت السلطة الفلسطينية قد أقامتها فى القدس الشرقية، ما ضاعف من خطورة أوضاع المقدسيين الذين يمنحون القدس ومقدساتها عنوانها وهويتها. بقى أن نشير إلى الجماعات اليهودية الدينية المتطرفة التى تسعى لهدم المسجد الأقصى بدعوى إقامة الهيكل على أنقاضه، كان كبار الحاخامات أصدروا فتوى شرعية بعد 67 بعدم جواز دخول اليهود باحة المسجد الأقصى وإقامة الشعائر الدينية هناك باعتباره موقعا مقدسا لا يجوز تدنيسه، لكن هذه الفتوى لم تصمد أمام فتاوى حاخامات التطرف الدينى، والتى تشكلت على أساسها الجماعات المتطرفة التى تنشط الآن فى القدس،
ويمكن إحصاء ما لا يقل عن 12 من هذه الجماعات المتطرفة التى يقودها فى الغالب واحد أو أكثر من الحاخامات ومن أبرزها جماعة أحباء الهيكل ويتزعمها الحاخام هليلوايز، وجماعة رأس الهيكل ويتزعمها الحاخام مايكل بن حورين، والحركة مناجل الهيكل ويتزعمها الحاخام يوسف البويم، ومدرسة الفكرة اليهودية، وجماعة أمناء الهيكل، وحركة حراس الكهنة، وجماعة كاخ، ومنظمة التاج الكهنوتى، وحركة إعادة التاج، وهذه الجماعات تقتحم باحة المسجد الأقصى فى حماية الشرطة الإسرائيلية، وكانت زيارة شارون الشهيرة لباحة المسجد الأقصى عام 2000 قد أسهمت فى تقويض حكومة باراك، واندلاع انتفاضة الأقصى.
فى إطار الحرص على عرض صورة القدس من زوايا الرؤية الإسرائيلية بأبعادها المختلفة يبقى مصير القدس معلقا بين خيارات عدة: انتظار صلاح الدين، أو المطالبة بالعودة لصيغة التدويل حسب قرار التقسيم رقم 181 الصادر فى 29/11/1947 أو الصيغة الأولى التى اقترحها الوسيط الدولى برنادوت بإعادة القدس الشرقية للدولة الفلسطينية قبل أن يعود لاحقا عن اقتراحه هذا ويتمسك بتدويل القدس وتغتاله جماعة شتيرن الصهيونية المتطرفة،
أو قبول صيغة كلينتون للسيادة متعددة الطبقات التى اقترحها فى قمة كامب ديفيد سنة 2000، أو صيغة وثيقة جنيف غير الرسمية التى صدرت فى 1/12/3003، واقترحت تبادل الطرفين الاعتراف بالقدس عاصمة لكل منهما مع سيادة فلسطينية على الحرم القدسى الشريف وسيادة إسرائيلية على حائط البراق المبكى،
أو صيغة أولمرت التى يقول إنه اقترحها على أبومازن فى 16/9/2008 لوضع الحوض المقدس تحت إدارة دولية بدون سيادة لأى طرف، وتتشارك فى إدارته الأردن والسعودية وإسرائيل والفلسطينيون وأمريكا، أو مشروع القرار الأوروبى الذى تبنته السويد– وأجهض بالتصويت-
ويقترح الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية قبل أن تقام، أو نقبل العودة لطاولة المفاوضات أو نرفضها.. وإلى أن نحسم خياراتنا تكون الجرافات حفرت أساسات مستوطنة جديدة وهديرها يطغى على صوت فيروز وهى تغنى: «القدس لنا وللقدس سلام آت، آت.. آت؟؟!!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.