لماذا باع عمرو موسي فيللته في القطامية؟ لم يحسم د. محمد البرادعي أمره بعد. ألهب حماس بعض المعارضين ثم تركهم ومضي إلي رحلات حول العالم. دعا إلي تغيير الدستور.. وتوعد البلد بانتفاضة تشبه ما يجري في إيران إن لم تتم الاستجابة لمطالبه.. وفرض شروطًا علي الدولة والشعب.. وترفع وتكبر.. وراح يكمل سفراته.. بينما يخالج من تجمعوا في بيته بعزبة جرانة شعور جارف بأنه سوف يكون مرشحهم لانتخابات الرئاسة المقبلة.. ومنقذهم من فشل ذريع.. ومستوي سياسي ركيك.. لم يؤد بهم إلي الكشف طيلة السنوات الماضية عن شخص قادر علي أن يخوض الانتخابات.. فكان أن طلبوا الاستعانة بصديق غائب عن البلد منذ عقود. والسؤال هو: هل د. محمد البرادعي حقا هو الرجل الذي سيأتي مرشحا لانتخابات الرئاسة؟ هل دوره في اللعبة أن يكون المرشح المنتظر علي الطريقة الإيرانية المتوعدة.. أم أنه ليس سوي مجرد واجهة تتصدر العملية في تلك المرحلة.. بينما هناك شخص آخر في الطريق.. سوف يتقدم إلي الصدارة بعد أن ينتهي الدكتور محمد البرادعي من عبثه؟ وقد يقول قائل: إذا كان هذا الاحتمال قائما.. لماذا إذن تواصل الكتابة الانتقادية عن محمد البرادعي طوال الأيام الأخيرة؟ وأرد علي هذا بأمرين: * الأول: إنني لا أنتقد البرادعي باعتباره مرشحًا للرئاسة.. بل باعتباره شخصاً طرح نفسه علي الساحة وقدم نفسه للرأي العام.. ومن ثم أناقش ما يقول وأضع في حساباتي أنه قد يكون مرشحًا.. لكنه لم يقل بعد. * الثاني: إنني أؤمن بأن المصداقية سياق.. والمواقف لها بنيان.. ومن جانب فإنه لا يجوز لكاتب أن يتجاهل ظاهرة سياسية ما تعتمل في المجتمع.. ويتعامل معها بتأفف.. الاعتراف بوجود الآخر هو جزء من طبيعة الأمور.. ومن جانب ثانٍ فإن طريقة التعامل الصحفي مع البرادعي حين يقرر أنه سوف يترشح للرئاسة سوف تكون مختلفة تمامًا.. لأسباب مفهومة.. إذ سيكون وقتها «كما هو مفترض» طرح أمورًا يجب أن تناقش. عمومًا، ما يدفعني إلي الظن بأن الدكتور محمد البرادعي قد يكون مجرد لاعب يتقدم المرحلة الحالية ممهدا للاعب آخر يتلوه.. مجموعة من الملاحظات: * إنه لا يبالي. يقول كلامًا غير مدروس. يدلي بتصريحات غير موزونة. يبني مواقف علي أساس معلومات خاطئة. أي شخص يريد أن يترشح لانتخابات الرئاسة لابد أن يكون أكثر حرصًا.. وإلا كان هذا الذي نراه الآن نموذجًا للمرشح المتهور الطائش. * إنه لم يحسن اختيار من حوله ومن سوف يتقدمون الصفوف معه. بل ولم يفكر مليا قبل أن يقدم علي إحاطة نفسه بهم.. وفيهم من يمكن أن يسقط جبلاً وليس البرادعي وحده.. كثيرون فيهم عليهم ملاحظات عنيفة وأرشيفهم الشخصي لا يجوز له أن يكون موجودًا في فريق مرشح لانتخابات الرئاسة.. بل إن البرادعي الآن يقول عن بعضهم كلامًا لا ينبغي لهم أن يسمعوه. وتلك معلومات في منتهي الدقة. * إنه تعمد ألا يقول كلامًا متماسكًا وأفكارًا واضحة. بل وأقسم في حوار تليفزيوني للمذيعة أنه ليس لديه بالفعل ما يخفيه وغير ما يعلن. باختصار: (هذا آخره). ولا أعتقد أن الناخبين يمكن أن يروي ظمأهم هذا العبث. * إنه لا يظهر عليه أي إحساس بأن لديه ما يمكن أن يخسره، أو يخشي عليه. بل قاطع الصحف القومية، وحاصر نفسه في الصحف الخاصة والمحطات التليفزيونية الخاصة، وهذا كلام غير منطقي في مسيرة أي مرشح لانتخابات الرئاسة.. كيف تخسر نصف اللاعبين وتشتمهم وتقول عنهم (نشرات حكومية).. بينما «أيا ما كان رأيك فيهم» لهم تأثيرهم في الرأي العام؟ فهل صدق النظرية الوهمية بأن الإعلام الخاص هو الذي يقود المجتمع.. أم أنه ليس لديه ما يراهن عليه؟ * إنه سافر بعد فترة وجيزة جدًا من وجوده في مصر، وسيغيب مدة تزيد علي الشهر منذ زار بلده علي الطريقة الإعلامية الأخيرة، وإنه يعتقد أن كل ما أثير حوله يمكن أن يؤجل الرد عليه إلي أن يعود بضعة أيام أخري.. قبل أن يكمل رحلات تقاعده الوثيرة. هنا نحن أمام أكثر من احتمال: الأول: الدكتور البرادعي يمارس قدرًا من العبث السياسي.. والاستعراض الانتقامي بقصد رد الصاع لبلده الذي لم يقبل ترشيحه باسمه علي منصب مدير وكالة الطاقة الذرية الدولية. الثاني: الدكتور البرادعي اندفع دون دراسة إلي هذه الساحة.. ووجد نفسه فيها دون قصد.. ويبحث عن طريقة للخروج.. طريقة مشرفة.. لا يشغله فيها إلا تاريخه الخاص وسمعته الدولية.. وليس مهما ما سوف يتركه من مخلفات. الثالث: الدكتور البرادعي شخص يريد أن يترشح في الانتخابات ولكنه يرتكب أخطاءً جوهرية.. لا يدركها.. أو يدركها.. ويريد أن يداعب فقط أصوات الاحتجاج.. التي لا تصنع فوزًا في الانتخابات الرئاسية.. ولكنها تصنع حالة قد يكتفي بها.. أو يتم استثمارها في مواقف أخري أكثر تعقيدًا.. كما هو قال بنفسه: (انتفاضة تشبه ما جري في إيران). الرابع: الدكتور البرادعي مجرد رأس حربة في عملية اختبارية معقدة جدًا.. تستهدف استطلاع الأحجام وكشف الكوادر واستبيان الاتجاهات واختبار القدرات وكشف السيناريوهات وردود الأفعال.. وبناء عليها يتقرر أمر آخر. الخامس: الدكتور البرادعي يعرف ما يفعل وغير منشغل بالتفاصيل.. لأنه ببساطة لن يكون المرشح لانتخابات الرئاسة.. وإنما هو الرجل الثاني الذي يمهد الطريق لرجل أول غيره. مفتاح التفسير في هذا الاحتمال الأخير هو عمرو موسي.. وما دار بينهما في الاجتماع المغلق في جامعة الدول العربية.. خاصة أن موسي لم يبال بإعلان الاجتماع مناقضًا بذلك الأعراف والتقاليد والقيم والقواعد التي تفرضها عليه صفته كأمين عام للجامعة.. ويحضرني في هذا ملاحظات أخيرة.. شكلية.. لكنها ذات دلالة: * موسي دافع عن لقائه هذا مع خصمه السابق ولم يجد فيه غضاضة. * موسي يردد في جلساته كلمات صعبة لو سمع بها البرادعي لن يكون راضيا أبدًا.. كلمات لا تعني أن هناك تنسيقاً.. بل تعني أن موسي لديه تعالٍ رهيب علي مقومات البرادعي. * موسي باع بيته، في القطامية، أو يتم بيعه، وينتقل إلي العيش مجددًا في شقته قرب نادي الصيد.. متخليا عن الهدوء ونظافة البيئة خارج القاهرة.. وبعيدًا عن زحامها.. ومتنازلاً عن حديقة لطيفة كان يجلس فيها ليتسامر وينبسط مع ذويه.. فهل لهذا الانتقال معني ما؟.. هل يريد أن يقول إنه بين الناس وليس منعزلاً عنهم كما ينعزل البرادعي في فيللا جرانة علي الجانب الآخر من القاهرة؟ سوف تتضح الأمور كثيرًا.. قريبًا. [email protected] www.abkamal.net