بداية يجدر بنا الإشارة إلي أن كاتب هذه السطور يعمل في الجامعة منذ ما يقرب من 35 عاما متدرجاً في السلم الجامعي منذ بدايته كمعيد وانتهاء كأستاذ ولا يزال يعمل كأستاذ جامعي بقسم أصول التربية بكلية التربية جامعة الفيوم ولم ينقطع عن العمل بجامعات مصر إلا لسنوات معدودة وللغاية كمعار بإحدي الدول العربية وهذا يعني ببساطة شديدة أنه عاش ويعيش العمل الجامعي بكل آماله وآلامه بل وناله من الألم بعض من شروره وأوجاعه حتي قبل أن يعمل بالجامعة وذلك عندما كان مجندا بالقوات المسلحة عقب هزيمة 1967 وخلال حرب الاستنزاف وانتهاء بالعبور العظيم فيومها تقدم للعمل معيدا بإحدي الكليات الإقليمية وتم رفض طلبه رغم توافر الشروط بحجة أنه مجند ويشهد علي هذه الواقعة الصحفي الكبير والقدير الأستاذ محمود عارف متعه الله بالصحة والعافية حيث نشر في بابه المميز بصحيفة الأخبار "أخبار الجامعات" شكوي حول هذا الموضوع تقدمت بها لسيادته بل وعاش معي هذا الصحفي القدير العديد من الأحداث من جراء نقدي العنيف للعمل الجامعي وللقيادات الجامعية يومها ولقد تضمنت إحدي مؤلفاتي هذه الأحداث ومن الجدير بالذكر أيضا وفي إطار اهتمام كاتب هذه السطور منذ أن كان معيداً بنقد الجامعة والدفاع عن أستاذ الجامعة وطلابها فلقد كانت أطروحته للحصول علي الدكتوراه حول الحرية الأكاديمية لأستاذ الجامعة في مصر والتي كانت وقتها أول رسالة جامعية حول هذا الموضوع بل وبقدر علمنا تعد واحدة من الرسائل التي يتم القيام بها في الدول النامية والتي لم تكن تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة وتوالت البحوث والدراسات بعد ذلك حول الجامعة وطلابها. نقول هذا مع الاعتذار للإطالة لا من باب السيرة الذاتية ولا من باب ادعاء البطولة وإنما وهو الأهم جدا إننا في مقدمة من تولوا النقد للجماعة وللعمل الجامعي لا من خلال الانطباعات الذاتية أو الشهرة الإعلامية وإنما من خلال المعايشة الكاملة للجامعة أساتذة وطلابا ومن خلال الدراسات العلمية الموضوعية طرحا للمظاهر محل النقد وللأسباب التي تقف وراءها والتحليل العلمي الدقيق لهذه الأسباب وطرح الرؤي والتصورات التي يمكن أن تساعد في التغلب عليها لتعود للأستاذ مكانته وهيبته ولمساعدته علي الأداء العلمي والتعليم الجاد باعتباره العمود الفقري وأنه ليس فقط الباحث والمعلم وإنما هو المثقف. هذا ما كنا وما نزال نستهدفه من وراء نقد الجامعة والبحث عن حقوق أساتذتها وطلابها ومقاومة كل ألوان الفساد التي باتت وتحت ظروف معينة تجد طريقها للجامعة. علي أي حال ومن خلال عشرات الدراسات والبحوث التي قمنا بها حول الجامعة قيادة وأساتذة وطلابا برامج وطرائق تدريس بحوثا وتعليما نستطيع القول وبكل وضوح إن ما يحدث في الجامعة من خلل ومن تراجع خطير لا يعود إلي أستاذ الجامعة وإنما للظروف التي يعمل من خلالها وفي القلب منها:
1 - تلك السياسات التي توضع للجماعة وتحد سير العمل بها وفي القلب منها تعيين القيادات الجامعية وعلي كل المستويات والتي أدت إلي وجود بعض القيادات غير المؤهلة للقيادة بل وكما هو معروف توجد بعض التجاوزات ومراعاة عوامل غير موضوعية في عمليات التعيين. 2- ا لتساهل وفي بعض الأحيان في عمليات تعيين بعض الأساتذة ومعاونيهم من المعيدين للمدرسين المساعدين والتساهل أحيانا في عمليات الترقية لأعضاء هيئة التدريس بل والقيام أحيانا بتلك الجريمة الشنعاء وهي السرقات العلمية خاصة في ظل الظروف الحالية ووجود من يعلن عن إمكانية إعداد الرسائل العلمية والبحوث بمقابل مادي وغيرها من الجرائم التي ابتلينا بها في هذا الزمن الرديء. 3- لهذا ولغيره حدث ما نطلق عليه اختراق الجامعة ليس فقط من جانب هؤلاء وإنما وهو الأخطر من جانب كبار المسئولين بل وحدث اختراق ثقافي واقتصادي وسياسي وغيرها من الاختراقات نتاج الظروف المالية وكلها تشكل بيئة غير مناسبة بل ومعاكسة للعمل الجامعي.. وتشكل إحباطا للنابهين والمتفوقين من شباب الباحثين وللغيورين علي الجامعة من أساتذتها العظام. 4- وهذا ينقلنا إلي ما حدث في السنوات الأخيرة وما حدث ويحدث الآن من سياسات للتعليم الجامعي ويأتي في مقدمتها: - الحد من تعيين المتفوقين كمعيدين والسعي لفتح الباب لهذا التعيين من خارج الجامعة. - والشيء نفسه بات يتم التخطيط له بالنسبة لهيئة التدريس وتعيين القيادات الجامعية. - وعلي مستوي إعادة التشريع للجامعة فالكل يعرف تلك التوجيهات التي تستهدف وضع قانون موحد للجامعات الحكومية والجامعات الخاصة مع وجود تباين واضح بين النوعين من الجامعات من كل الجوانب. - ونصل إلي سياسة تعد من أخطر السياسات التي وضعها ولاة أمور تعليمنا العالي و يعمل علي تنفيذها تلك القيادات الجامعية التي تأتمر بأمرها لأن كبار مسئولي التعليم العالي هم من يقومون بتعيينهم ونعني بهذه السياسة تلك التي تتعلق برفع رواتب أعضاء هيئة التدريس والتي تشترط لرفع هذا المرتب ضرورة وجوده داخل كليته 28 ساعة أسبوعياً ولمدة 4 أيام بواقع 7 ساعات يوميا أي التعامل معه كموظف يقاس أداؤه بمقدار تواجده في كليته لا بمقدار ما يقوم به من بحوث وما يحضره من مؤتمرات ولا يدري هؤلاء أن هناك من الأساتذة وهم ولله الحمد كثر ينشغلون وهم يقودون سياراتهم ببحوثهم ورسائل طلابهم وهذا يعني ببساطة أن ولاة أمور تعليمنا العالي هم الذين - وليس أساتذة الجامعة - يعملون ويتعاملون مع أستاذ الجامعة علي أنه موظف مع أن الأستاذية من أقدس المهام والرسالات ومن المعروف "أنه من السهل أن تصنع وزيرا ومن الصعب أن تصنع أستاذ جامعة". لهذا ولغيره نقول بل نصرخ أيها السادة رفقا بأستاذ الجامعة ونقصد بالسادة هنا هؤلاء الذين يحاولون ويعملون علي النيل بأستاذ الجامعة بسياساتهم وتوجيهاتهم المدمرة لأستاذيته وكرامته ومن قبل ومن بعد للجامعة ونقصد بالسادة أيضا هؤلاء الذين يحاولون ولأسباب في معظمها غير موضوعية وصف أستاذ الجامعة بأوصاف لا تليق به كأستاذ جامعة وأخطر من هذا وذاك من عمليات التعميم في الحكم علي أساتذة الجامعة مع أن ما يوجد من فساد بينهم إنما من حالات أو بعض حالات شأنهم في ذلك شأن غيرهم في مؤسسات لا تقل أهمية في رسالتها عن وظيفة الجامعة ونري أن السير في هذا الاتجاه الخطير والخاطئ بعض المبرر لولاة أمور تعليمنا العالي السير في اتجاه التعامل مع أستاذ الجامعة بمثل ما يتعاملون معه الآن من امتهان ومهانة واعتباره موظفا ومن ثم نطالب من يحاولون تناول مثل هذه الموضوعات أن يبذلوا الجهد في تحليل وتشخيص الظروف التي يعمل من خلالها أستاذ الجامعة بدلاً من اتهامه بالتقصير ووصفه بتلك الصفات التي لا تليق به بل وهو منها براء أو علي الأقل الأغلبية العظمي من أساتذة الجامعة ولو اتخذنا معيار ما تقوم به قلة في أي مؤسسة للحكم عليها. ومن غير المقبول ولا المنطقي اتخاذ ما يقوم به البعض أو قلة في أي مؤسسة من أخطاء أو خطايا أو حتي فساد معيارا للحكم علي هذه المؤسسة وعلي كل العاملين فيها والله من وراء القصد.