الاحتفال بعيد الشهيد أو القديس فالنتين بدأ في القرن الخامس الميلادي وقيل في الأساطير إنه أحد شهداء المسيحية، توفي في الرابع عشر من فبراير ودفن شمال مدينة روما. غير أن الكنيسة الكاثوليكية لا تعتبر عيد القديس فالنتين إلي اليوم "عيدا رسميا" رغم أن اسمه يرد في قائمة الشهداء والقديسين المعترف بهم، فيما تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بعيده في شهر يوليو. غير معروف تحديدا من هو هذا القديس، فتاريخ القديسين والشهداء يشيرإلي قس عاش في روما في القرن الثالث الميلادي، وآخر عاش في مدينة "ترني" الإيطالية وشهيد ثالث عاش في إفريقيا في فترة الحكم الروماني، والثلاثة من الممكن أن يرتبط تاريخهم بالرابع عشر من فبراير، ولهم كنائس بنيت باسمهم في القرون الوسطي وآثار محفوظة مثل جمجمة يقال إنها للقديس فالنتين موجودة في كنيسة صغيرة اسمها سانتا ماريا في روما. لا أحد يعرف تحديدا لماذا ولا متي ارتبط اسم القديس فالنتين (الذي يعني باللاتينية القوة والبأس) بالحب الرومانسي. في القرون الوسطي كان الفرنسيون والإنجليز يعتقدون أنه في الرابع عشر من فبراير من كل عام تبدأ الطيور والعصافير في التزاوج. هكذا نشأت في تلك القرون البعيدة عادة تبادل خطابات الحب في الرابع عشر من فبراير واعتبر القديس فالنتين - بلا مبرر واضح- قديس الحب وواحدا من شهداء الغرام. ثم نشأت عادة أخري هي عادة تبادل الكروت المصنوعة خصيصا لهذه المناسبة. وتطورت أشكال وأحجام وألوان الكروت مع بدايات القرن العشرين وازدادت تعقيدا وارتبطت بالتعبير عن الحب الرومانسي حيث لا يرضي المحب بأقل من وعد الحب الأبدي من حبيبه. استمرت العادة إلي يومنا هذا ليس فقط بين المحبين ولكن أيضا بين الأصدقاء وبين تلاميذ المدارس ومعلميهم الذين يتبارون في كتابة سطور طريفة عن المحبة والعرفان والصداقة. الفالنتين عيد من الأعياد الفقيرة نسبيا، لا يشكل عبئا اقتصاديا علي ميزانية الناس لأنهم يكتفون عادة بتبادل الكروت أو الورد أو الشوكولاتة، وأحيانا قليلة العطور والمجوهرات. في الرابع عشر من فبراير يعرض المحب الزواج علي حبيبته، وترتب الزوجة حفل عشاء لزوجها، وتخرج العائلات للنزهة أو لتناول الغداء في مطعم ويتفق الأصدقاء علي السهر في بار أو ملهي ويتبارون في مغازلة صاحباتهم، فيما تتباري البنات في عرض الهدايا التي حصلن عليها في هذا اليوم. في الصين يرتبط عيد الحب بالنجوم، ففي اليوم السابع من الشهر السابع من التقويم الصيني، يلتقي نجمان للمرة الأولي في قلب السماء ولا يدوم لقاؤهما سوي يوم واحد لذا يعتبر هذا اليوم الفريد عيدا للحب. أما في كوريا واليابان، فالنساء وحدهن من حقهن أن يمنحن الرجال شوكولاتة في الرابع عشر من فبراير. أما الرجال فيمنحون النساء هدية مختلفة في الرابع عشر من مارس ويسمي هذا اليوم باليوم الأبيض، ثم في الرابع عشر من أبريل (اليوم الأسود) يذهب كل من لم يحصل علي هدية في الشهرين السابقين إلي مطعم لتناول حساء النودل معلنا حالة الحداد لأنه وحيد وبلا رفيق. حصلت منذ يومين علي هدية خاصة بمناسبة عيد الحب. أهداني زوجي...كتابا! عنوانه "في مدح الحب" للمفكر الفرنسي ألان باديو. أجري باديو حوارا طويلا مع أحد الصحفيين في جريدة لوموند عن مفهوم الحب ونشر هذا الحوار في صورة كتاب منذ شهور قليلة عن دار فلاماريون. يقول باديو إن الحب مثل الحرب لا يخلو من مخاطرة وإن الأيديولوجية السائدة التي تريد أن ترفع عن الحب صفة الخطر تهدد الحب في واحدة من أهم صفاته، المصادفة. يقول: " كل هذا يتشابه: الحرب بلا خسائر والحب بلا مخاطرة، بلا صدف، بلا لقاء حقيقي، إنني أري هنا - فيما يعتبر واحدا من أساليب البروباجندا العامة - خطرا أول يتهدد الحب، هو خطر الركون للأمان والسلامة. إذ يبدو الحب في النهاية قريب الشبه من الزواج المرتب، التقليدي. ليس لإرضاء النسق الأسري المفروض من قبل أبوين متعنتين، ولكن باسم الأمان والسلامة الذاتية، وفقا لترتيب مسبق يتجنب كل أشكال المصادفة، كل لقاء حقيقي، كل شاعرية وجودية... باسم الفكرة الأصولية القائلة بضرورة تجنب الخطر. الخطر الثاني الذي يتهدد الحب هو انكار أي أهمية لوجوده. المعادل الثاني للخطر الأمني هو القول إن الحب ليس سوي تنويعة علي السعي الذي أصبح معمما للحصول علي اللذة، تنويعة علي بنية وأشكال المتعة. هكذا يتم تلافي أي اختبار حقيقي ومباشر، أي تجربة أصيلة وعميقة للعلاقة بالآخر، وكلها تجارب من نسيج الحب. أضف إلي ذلك أن الخطر لا يمكن اقصاؤه تماما، والدعاية التي تروج لها صفحات الانترنت المتخصصة في تنظيم اللقاء بين النساء والرجال، كما تروج لها الجيوش الامبريالية، تقوم علي فكرة أن الخطر يقع للآخرين! لو أنك مستعد للحب وفقا لقوانين الأمن والأمان الحديثة فستستطيع أن تتخلص بسهولة من الآخر لو لم يكن ملائما لراحتك! ولو تألم بسببك فهذا شأنه! ذلك أنه لا يندرج في نسق الحداثة. بنفس المنطق، الحرب بلا أموات هي حرب الجيوش الغربية. القنابل التي يلقونها بغزارة تقتل ناسا خطأهم الوحيد أنهم يعيشون تحتها. إنهم أفغان أو فلسطينيون...هم أيضا لا ينتمون للحداثة. الحب الآمن، مثله مثل كل ما يخضع لقانون الأمن والأمان، يعني إقصاء الخطر عن كل من لديه تأمين جيد، جيش جيد، شرطة جيدة، إدراك نفسي جيد للمتعة الشخصية، كما يعني تحميل الخطر علي كل من يقف في المواجهة. لا شك أنك لاحظت الجملة التي تتردد في كل مكان والتي تقول "إن كل شيء صمم خصيصا من أجل راحتك وسلامتك" بداية من الحفر في الطريق وحتي مراقبة الشرطة لك في أنفاق المترو. أمامنا هنا ألد عدوين للحب: الأمن الذي يضمنه "صك التأمين" والراحة التي تعد بها فكرة المتعة المحدودة." أقرأ المزيد من شرح باديو الممتع وأفكر: تري هل خاطر زوجي بمنحي هذا الكتاب هدية في عيد الحب؟ أم تراه كان يريد تجديد عهد المودة؟