تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 23 هاتور من الشهر القبطي الموافق 2 ديسمبر من الشهر الميلادي بتذكار تكريس كنيسة الشهيدة القديسة مارينا بانطاكية، ولقد احتلت الشهيدة القديسة مارينا مكانة مهمة ومتميزة في قلوب الأقباط حتي أننا لو تتبعنا أسماء البنات التي تسمين علي اسم مارينا في السنوات الأخيرة فسيتبين لنا الأعداد الكبيرة من العائلات التي اختارت لبناتها هذا الاسم. يرجع هذا إلي التأثير الكبير الذي تركته سيرة الشهيدة القديسة مارينا في قلوب الأقباط. أما عن سيرة الشهيدة مارينا.. فلقد ولدت في مدينة انطاكية بيسيدية في وسط آسيا الصغري في حدود بيسيدية، وهي ما تقابل بلاد تركيا حاليا وهي قطعا غير انطاكية العظمي "بلاد سوريا حاليا " لأبوين وثنيين ، ولكنها تعرفت علي الديانة المسيحية من خلال مربية فاضلة كانت تتولي تربيتها خلال مرحلة الطفولة، لقنتها خلالها العديد من الفضائل المسيحية ،وعندما بلغت الخامس العشرة من العمر توفي والداها ،ففضلت الشابة مارينا البقاء مع المربية التي تولتها بالمحبة والرعاية، ولقد تأثرت القديسة مارينا بروايات القديسين وسير الشهداء التي كانت تقصها عليها المربية مما دفعها إلي اعتناق الإيمان المسيحي، وحدث بعدها أن جاء إلي المدينة والٍ جديد كان يكره المسيحيين جدا، وعندما شاهد مارينا بهر جدا بجمالها وأراد أن يتخذها زوجة له ، وعندما علم أنها مسيحية استشاط غضبًا، وأمر الجنود بإحضارها أمامه، وحاول إغراءها بالمال للرجوع عن المسيحية، وعندما رأي اصرارها الشديد وتمسكها بالإيمان المسيحي، أمر بتعذيبها وضربها بالسياط علي ظهرها حتي تمزق جسدها وسال دمها علي الأرض، ثم أمر بتمشيط جسدها بالأمشاط الحديدية ،وفي كل ذلك كان الشعب يصرخ من حولها حاثا أياها أن ترحم جمالها وشبابها وتبخر للأوثان. وعندما رأي الوالي ثباتها وإصرارها أمر بطرحها في سجن مظلم، وفي أثناء الليل ظهر لها رئيس الملائكة ميخائيل وشفاها من جراحها ،وفي الصباح عندما حضرت أمام الوالي فوجيء بعدم وجود أي أثر للجروح والعذابات فأمر أن ينشر جسدها بمنشار حديد ووضعها في السجن، وداخل السجن حاولت الشياطين إفزاعها بكل الطرق ،ولكنها في كل مرة كانت تستعين باسم الرب إلهها فكانت تفزع منها الشياطين وتهرب. وفي الصباح حضرت القديسة مارينا أمام الوالي مرة أخري، فأمر بإحضار إناء كبير به ماء مغلي وأن يربطوا يديها ورجليها ويغرقوها فيه ،فنظرت القديسة إلي السماء وطلبت من الله أن يجعل لها من هذا الماء المغلي معمودية مقدسة ، فشاهد الجميع حمامة نزلت من السماء وحلت قيود القديسة ،وعند ذلك غطست في الماء ثلاث مرات، وخرجت منه وهي تسبح الله الذي منحها المعمودية المقدسة، وفي تلك الساعة آمن كثيرون بالمسيحية ونالوا أكليل الاستشهاد ، فاستشاط الوالي غضبا، وأمر بقطع رأسها حتي يتخلص منها نهائيا. فأخذها السياف إلي خارج المدينة ، فطلبت منه أن يمنحها ساعة واحدة لكي تصلي لإلهها قبل أن يقوم بقطع رأسها، وأثناء الصلاة ظهر لها السيد المسيح مع جمع من الملائكة ، وقال لها "كل من يتشفع بجسدك أو عضو من أعضائك من النساء العواقر بأمانة صحيحة فانهن يحبلن ويلدن الأولاد. كذلك من تشفعت بك وهي في مخاض الطلق فإنها تخلص بسرعة ". وعندما شاهد السياف هذا المنظر آمن هو أيضا بالمسيحية ، وبعد ذلك طلبت القديسة مارينا من السياف أن يقوم بقطع رأسها سريعا، فرد عليها" لست فاعلا شيئا من ذلك ولا يمكن أن أقتل إنسانة مسيحية" ، فأجابته الشهيدة بشجاعة نادرة "إن أنت لم تصنع ما أمرت به فليس لك معي نصيب في ملكوت السموات " عند ذلك تقدم السياف وهومتردد وصلي للرب قائلا "يارب لا تثبت علي هذه الخطيئة " فقطع رأس الشهيدة وبذلك نالت أكليل الشهادة وتعيد الكنيسة بتذكار استشهادها في 23 أبيب الموافق 30 يوليه. أما قصة وصول كفها الطاهر إلي كنيسة السيدة العذراء المغيثة بحارة الروم فهي كما وردت في المخطوطة رقم 95 لاهوت مسلسل 2 لاهوت والمحفوظة بكنيسة السيدة العذراء بحارة الروم . والقصة باختصار شديد أن أحد الجنود اثناء حصار العدو للمدينة ، وجد الكف في أحد الأديرة بجبل الكرمل ببلاد فلسطين ، وكان مغطي بالفضة، فباعه لأحد تجار المعادن الثمينة وكان مصري الجنسية سافر إلي بلاد فلسطين خصيصا لشراء بعض الفضة. وعاد بها إلي مصر وكان ذلك في عام 1013 للشهداء أي ما يعادل 1297 للميلاد في عهد البابا ثيؤدوسيوس الثاني البطريرك ال 79 في أيام خلافة الناصر محمد بن المنصور بن قلاوون. وعندما عاد بالفضة إلي مصر وضعها في منزله حتي يتسني له بيعها ،وحدث أنه مرض مرضا شديدا جدا وأوشك علي الوفاة، وذات ليلة وبينما كان يزوره أحد الأصدقاء شاهد الكنز الفضة فطلب منه أن يفتحه، وعندما فتحه وجد اسما مكتوبا بالحروف اليونانية تحت الفضة، فقال له يا أخي الحبيب إن هذه الفضة بداخلها عضو من أعضاء القديسين، وأعضاء القديسين لا يليق بها أن تحفظ في البيوت بل يجب أن تودع في إحدي الكنائس. وذكر له أن المرض الذي أصابه بسبب وجود هذا الكف في منزله وذكر له أنه بمجرد إيداع هذا العضو المقدس في الكنيسة سوف يبرأ من مرضه. فلما سمع التاجر هذا القول نذر علي نفسه أنه إن عوفي من مرضه فسوف يهدي هذا العضو إلي كنيسة الملاك ميخائيل بالفهادين (وهي اليوم حارة الجوانية عند باب النصر شمال القاهرة الفاطمية، ولقد اندثرت هذه الكنيسة حاليا) وللوقت أحس التاجر بتحسن كبير واسترد صحته وعافيته. وعندما اندثرت هذه الكنيسة تم نقل الكف والساعد الأيمن للقديسة الشهيدة مارينا إلي أقرب كنيسة لها وهي كنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم. ومازال الكف والساعد الأيمن محفوظا في هذه الكنيسة حتي الآن. وهو يعرض علي جميع الشعب في مناسبتين ،المناسبة الأولي هي 23 أبيب الموافق 30 يوليو عيد استشهادها، أما المناسبة الثانية فهي 23 هاتور الموافق 2 ديسمبر عيد تكريس أول كنيسة علي اسمها في مدينة أنطاكية وتستمر الاحتفالات لمدة أسبوع تقريبا. ويتم في هاتين المناسبتين صب الحنوط والأطياب علي الكف مع بعض الألحان والتماجيد المناسبة باللغات القبطية والعربية، ويحضرها الألوف من الشعب مسلمين وأقباطا ،بل من جميع أنحاء أوروبا وأمريكا خصوصا النساء العواقر للتبرك من الكف ، ويتشفع بها الجميع معتقدين في قوة صلواتها للبركة والشفاء. أما عن كنيسة السيدة العذراء حارة الروم المحفوظ بها الكف والساعد الأيمن.. فهي كنيسة أثرية ترجع للقرن السادس الميلادي تقريبا كما كانت مقرا للكرسي البابوي خلال الفترة من عصر البابا متاؤس الرابع البطريرك ال 102 (1660- 1675 م) حتي عصر البابا مرقس الثامن البطريرك ال 108 (1797- 1810م) ولقد كتب العلامة المقريزي عن هذه الكنيسة في كتابه "تاريخ الأقباط" فقال عنها " كنيسة تعرف بالمغيثة بحارة الروم علي اسم "السيدة مريم" وليس لليعاقبة بالقاهرة سوي هاتين الكنيستين". أما الرحالة فانسليب (1635-1679) فقال عنها " في حارة الروم أي شارع اليونانيين ،كنيسة السيدة العذراء ،وهي مخصصة لسكن البطاركة". وقال عنها علي مبارك في موسوعته الشهيرة "الخطط التوفيقية " " كنيسة الروم وهي داخل عطفة البطريق بحارة الروم ". كما قدم لها العالم الانجليزي ألفريد بتلر شرحا تفصيليا في كتابه الشهير "الكنائس القبطية القديمة في مصر ". كذلك كان لكنيسة السيدة العذراء حارة الروم دور كبير في الكفاح الوطني.. فأثناء الحربين العالميتين الأولي والثانية لجأ سكان حي الغورية (أقباطا ومسلمين) إلي فناء الكنيسة لكي يحتموا فيها من الغارات الجوية ،وعندما أغلقت سلطات الاحتلال البريطاني أبواب الأزهر الشريف في وجه الثوار ،دعا كاهن الكنيسة وقتها ويدعي " القمص بولس غبريال" شيوخ الأزهر وقادة الحركة الوطنية ففتح لهم الكنيسة لتكون مكانا لاجتماعهم، ولطالما عقدت فيها الإجتماعات الوطنية التي توحدت فيها كلمة المصريين جميعا علي مقاومة الاحتلال البريطاني. ولقد ارتبط القمص بولس غبريال بصداقة حميمة مع شيخ الأزهر وقتها،حتي إن فضيلة شيخ الأزهر سمي وليدته الجديدة "كوكب "علي اسم ابنة "القمص بولس غبريال"، وتمر الأيام وتصبح "كوكب" ابنة شيخ الأزهر زوجة لفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف الأسبق. ثم توفي القمص بولس غبريال في عام 1943، وجاء بعده ابنه "القمص غبريال بولس غبريال (1921 - 1976) ليرث عنه حب الكفاح الوطني ،فعندما كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات هاربا من سلطات الاحتلال البريطاني ،قام القمص غبريال باستضافة الرئيس الراحل داخل الكنيسة لحمايته من مطاردة سلطات الاحتلال له، وتمر الأيام وعندما يصبح الرئيس السادات رئيسا للجمهورية، يذهب وفد من الكنيسة القبطية الآرثوذكسية لتهنئة الرئيس بقيادة قداسة البابا كيرلس السادس البطريرك الراحل ، وعندما أبصر الرئيس السادات القمص غبريال بولس ضمن الوفد القبطي تعانقا عناقا حارا طويلا متذكرين الأيام الماضية. كما كانت كنيسة العذراء حارة الروم أول من قامت بتهنئة قادة ثورة يوليو 1952 ،فدعا القمص غبريال بولس قادة الثورة لحضور احتفال حفل عيد النيروز في 11 سبتمبر 1952 بالكنيسة وحضر الجميع الاحتفال وعلي رأسهم اللواء محمد نجيب والرئيسان الراحلان جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات.