الدفاع عن الدولة المصرية حين يتكالب عليها البعض بغير حق، هو فرض عين علي كل مصري، تماما كما حدث حينما احتشد المواطنون للدفاع عن وطنهم، ردا علي ما قيل إنها اعتداءات جزائرية طالت المصريين في الجزائر والخرطوم علي السواء.. لكننا الآن في وضع أهم وأخطر، بل هو الأخطر علي الإطلاق. مصر تتعرض لحملة تشويه ثلاثية منظمة، أولها الجدار الذي تبنيه علي الحدود مع غزة بزعم أنه يستهدف خنق الفلسطينيين في القطاع، وثانيها متصل بها وهو فرض حصار مزعوم علي قطاع غزة، وثالثها ما يتعلق بقافلة شريان الحياة التي تعسكر في العقبة، ويصر القائمون عليها علي دخول مصر من نويبع وليس من العريش، حسب الاتفاق المسبق. وليس غريبا تزامن هذا التصعيد مع ذكري الحرب الإسرائيلية علي غزة العام الماضي، وهي الحرب التي شهدت حربا إعلامية منظمة علي مصر في الداخل والخارج علي السواء، وكأن هناك من يريد دائما إحداث أزمات متتابعة، تستهدف إفقاد الناس الثقة بأركان الحكم، وتصويرهم في صورة التآمر علي الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات في غزة. والحقيقة التي يتعامي البعض عنها هي أن ما يعانيه أهل غزة راجع لسببين أساسيين لا ناقة لمصر فيهما ولا جمل، الأول حصار إسرائيلي، حيث لا يزال الاقتصاد الفلسطيني تابعا لإسرائيل، من حيث العمالة الفلسطينية التي تعمل في إسرائيل، أو من حيث الاعتماد علي السلع الإسرائيلية في غزة والقطاع علي السواء، والاعتماد علي السوق الإسرائيلية في تسويق المنتجات الفلسطينية أو تصديرها من خلال الموانيء الإسرائيلية إلي أوروبا، وهوما تعرفه إسرائيل جيدا لذلك تفرض حصارا غير مشروع وغير آدمي علي الفلسطينيين لإضعافهم فقط. والسبب الثاني هو وجود حكومة غير شرعية في غزة، استولت علي السلطة بانقلاب عسكري، ويرفض العالم التعامل معها، لأن هناك سلطة فلسطينية شرعية يمثلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، وقد قدمت مصر الفرصة تلو الأخري لحركة حماس لإعادة توحيد الصف الفلسطيني، والدخول في حكومة وحدة وطنية تضم كل الفصائل وتجري انتخابات محايدة تأتي بحكومة فلسطينية يرتضيها الشعب الفلسطيني ويتعامل معها العالم، وهوما تحرص حماس علي إجهاضه. أما مسألة الجدار فقد تحدث فيها المسئولون المصريون كثيرا، فهذا الجدار يقام داخل الحدود المصرية لحفظ الأمن في منطقة شهدت تجاوزات واختراقات أمنية للحدود والسيادة، وتأمينها شأن مصري، بل إن الإهمال في تأمين الحدود يستدعي مساءلة الحكومة وإقالتها، وليس لومها والحديث غير المسئول بكلام من نوعية جدار العار وغيره من المصطلحات التي ينبغي لوم كل مصري يقولها لأنه في هذه الحالة ليس أمينا علي حدود وطنه ولا يراعي الأمن الوطني للبلد الذي يعيش علي أرضه. أخيرا نأتي لقافلة شريان الحياة حيث الابتزاز في أقصي صوره سواء من منظمي القافلة أو من يدعمهم ويتبناهم من وسائل الإعلام المختلفة، والقصة بمنتهي البساطة أنه تم الاتفاق المسبق علي خط سير القافلة من سوريا إلي العريش بالبحر ثم إلي غزة مرورا بمعبر رفح، ثم قرر منظمو القافلة من تلقاء أنفسهم الذهاب إلي العقبة الأردنية، والإبحار إلي نويبع.. وهنا من حق مصر تنظيم دخول ومرور ومسار أي قافلة علي أراضيها.. دون أن يفرض المنظمون عليها شيئا. في أوروبا التي جاء منها أعضاء القافلة حين يريدون التظاهر أو الاحتجاج أو السير في قوافل تحدد لهم السلطات مسارها ولا يمكنهم الخروج عن المسار أو تعديله أو لي ذراع أي دولة وفرض رغباتهم.. وهذا الأمر لا يسري في السياسة فقط وإنما في جميع أمور الحياة حتي في الرياضة، فتنظيم سباق للدراجات أو الجري واختراق الضاحية هو مسئولية الدولة أو المدينة التي ينظم فيها، تحدد المسار وتجري عملية التأمين.. فلماذا نحترم القانون وسيادة الدول في كل مكان في العالم بينما نحاول فرض إرادتنا وأحلامنا وضغوطنا علي مصر. مصر ليست ملطشة.. ولن يفرض عليها أحد ما يريده.. وإذا كان المصريون ثاروا لكرامتهم بسبب مباراة لكرة القدم، فإنه من الواجب أن يتعاملوا بنفس المنطق مع القضايا المهمة والحيوية والتحديات الكبري التي نتعرض لها.. هذا وطن يجب أن يحترمه أبناؤه حتي يحترمه الآخرون.