منذ خلق الله الأرض ومن عليها، وإلي أن يرثها بمن عليها، يوجد فرق كبير بين الواقع كما هو، أو كما نسميه الواقع الحقيقي، والواقع كما نتصوره أو كما نحب أن نعيشه.. وعادة فإن الإنسان يميل إلي إحداث توافق بين هذين العالمين المختلفين بحيث يصبح الواقع وصورته متطابقين أو علي الأقل متشابهين.. والأصل هو الواقع الحقيقي الذي يقاس عليه.. ولكن الغريب أننا أحياناً نميل إلي تغيير معالم الواقع الحقيقي حتي يتناسب مع الصورة التي نكونها عن هذا العالم.. ولهذا تم قديماً الحكم علي جاليليو بالإعدام عندما أشار إلي أن الشمس وليست الأرض هي مركز الكون، وهو ما يتناقض مع صورتنا عن كون الأرض هي مركز هذا الكون .. نحن في الغالب، نقوم بتفصيل الواقع علي مقاس صورته التي في خيالنا.. وهذا هو ما فعله بالضبط بروست!! والسيد بروست، أو بروكسيت كما يطلق عليه البعض، كان رجلاً طويلاً أوقعه حظه العاثر في أن يحصل علي سرير قصير، لا يتناسب بالطبع مع طول ساقيه، فكان كلما حاول أن يتمدد علي هذا السرير تدلت ساقاه!! وبعد تفكير طويل، اهتدي بروست إلي أن الحل الوحيد لهذه المشكلة ولتلك المعضلة هو أن يقوم بقطع ساقيه بحيث يتناسب مع طول السرير!! وبذلك اهتدي إلي ما يسمي بمبدأ بروست الذي يشير إلي سياسة قص وترقيع المبادئ والسياسات بحيث تتوافق مع الرغبات.. وهذا بالفعل ما قامت به الجماعة المحظورة!! الجماعة المحظورة، التي صدعت أدمغتنا سنين بالحديث عن مبادئ النزاهة والشفافية، وأجهدت آذاننا لخطابها عالي النبرات، وبصياحها المستمر عن ضرورة الاحتكام إلي مواثيق الشرف الاخلاقية والدينية في العمل السياسي، وتلاحقنا منذ ثمانين عاماً بأن لديها مشروعاً متكاملاً للنهضة قائماً علي مبدأي الاقتداء (بالسلف الصالح) والاحتواء (لكل من يعارضهم أو لا يتوافق معهم)، هذه الجماعة فضلت أن تطبق مبدأ بروست، وأن تعدل في قوانينها، بحيث تتناسب مع ما تراه مناسباً لمصالحها.. فضلت الجماعة أن تقطع أرجل محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح وبقية الإصلاحيين الجدد، بحيث يتناسب طولها مع مقاس الصورة التي اختارتها لنفسها.. فضلت الجماعة أن تضحي بالدماء الحقيقية لها حتي تكون رشيقة وعصرية وذلك بدلاً من أن تتخلص من نسبة الدهون والزوائد لديها.. فضلت أن تقطع رأسها ليخف وزنها، بدلاً من أن تخفف من القوانين والقواعد الحديدية البالية التي تكبلها وتثقل حركتها.. واختارت أن تقطع لسانها حتي لا يحتك بأسنانها ويحدث لها بعض الألم في الفم، بدلاً من أن تغسل أسنانها أو تعالج الفطريات المنتشرة في فمها.. فضلت الجماعة أن تقطع ساقيها أسوة بالسيد بروست بدلاً من أن تغير السرير وتشتري سريراً أكبر.. لقد كشفت انتخابات الجماعة المحظورة التي اختارت فيها تطبيق مبدأ بروست عن نقطة ضعف خطيرة في بنائها وتكوينها، لقد كشفت الانتخابات عن كعب أخيل الجماعة، وهو موضوع حديثنا غداً إن شاء الله.